المحتوى الرئيسى

لحظة الحقيقة

09/03 22:51

فى إجازة قصيرة خارج الوطن، شعرت بالمغزى العميق لعبارة قالها أديبنا الكبير ألفريد فرج، الذى لم أقابله إلا مرة واحدة، حيث وصف تغريبته الطويلة قائلاً: «إن المصرى يغترب ليقترب». فى الغربة، يرى «المصرى/ المصرى» الصورة الكبيرة للوطن ويشعر بالقرب الشديد لآماله وآلامه محبة وانتماء، ويدرك أننا نعيش ما يوصف «بلحظة الحقيقة». هذه اللحظة تأتى عندما تمثل الأحداث والظروف والتحديات اختباراً حقيقياً صادقاً لانتماء المرء وخياراته ومواقفه، دون سفسطة بريئة أو مغرضة، ودون مراوغة مجانية أو مدفوعة الأجر. تؤكد لنا لحظة الحقيقة المذكورة أن «الوطن فى حالة حرب». وهى حرب لا هوادة فيها مع الإرهاب الداخلى والمستورد، ومع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة والمصطنعة بأيدى طيف واسع من أعداء المستقبل الذى ننشده بعد حراكين مجتمعيين هائلين، لم تستقر الأمور بعدهما حتى الآن. ولا يمكن أن ننسى الإعلام المعادى الزاعق، الذى يزكى حالة الإحباط وعدم الاستقرار والتشكيك فى محاولات التقدم والإنجاز.

وعندما يكون الوطن فى حالة حرب، يطرح السؤال المنطقى: من يقف فى معسكر الوطن ويحارب من أجله، ومن يختار الوقوف فى معسكر أعدائه غرضاً أو مرضاً؟ هذا السؤال المباشر المستقيم يضع الخط الفاصل بين الوطنية والخيانة، بين الانتماء للوطن والارتماء فى حضن أعدائه، بين «المصرى/ المصرى» أمس واليوم وغداً، وبين «المصرى الشارد» لو صحت التسمية، وإن كان باب التوبة مفتوحاً على مصراعيه لمن يريد، أظن أن هنالك من أراد وعلينا أن نشجعه، وهنالك من يفكر وعلينا أن ننصحه قائلين: «هى دى مصر يا صاحبى»، قبل السقوط فى الهاوية.

نعود إلى الحرب التى نخوضها، ومعاركها الطاحنة المنتصرة بإذن الله، لنقول إن الاصطفاف فى زمن الحرب يعنى الهدف الواحد لا الصوت الواحد، ويعنى الانتصار للوطن وحده، يعنى «تحيا مصر» شعاراً ومساراً ومصيراً. نحتاج إلى رؤية أنضج للتأييد والمعارضة، وحرية التفكير والتعبير، والتفرقة بين النقد والنقض، وإلى أن نكون دائماً جزءاً من الحل لا من المشكلة. إذا ما اتفقنا على ذلك بلا خلاف، يكون الاختلاف صحياً وإثرائياً، بناءً لا هداماً، حوارياً لا تصادمياً، محباً ومحبوباً لا كارهاً ومكروهاً، نابعاً من السياق لا مارقاً ومفارقاً له ولنا وللوطن نفسه.

قد يرى البعض عن حق أن الكلام السابق لا يخلو من العاطفة، وهذه طبيعة الأمور عندما نتحدث عن الوطن. وإن كان ذلك لا يغنى عن العديد من الملاحظات العقلانية والموضوعية، التى تتعلق بالحرب التى يخوضها الوطن، والتى من حقنا جميعاًَ الاتفاق والاختلاف حولها. واسمحوا لى أن أورد بعضها، بما تسمح به مساحة هذا المقال:

■ رغم الانحسار النسبى للإرهاب، فإن حوادثه الأليمة، المتكررة، تدعونا إلى أن نكرر «المواجهة الثنائية» مطلوبة على المدى المتوسط والطويل. أما الآن، فنحن نحتاج إلى «ثقافة المواجهة»، التى تدعم المواجهة الأمنية الشجاعة، وهى تستدعى شراكة مجتمعية كاملة، خصوصاً من أبنائنا فى سيناء. وذلك لا يعنى عدم الاهتمام والإعداد للمواجهة الثقافية تعليمياً وإعلامياً ومجتمعياً... إلخ، حتى نجتث التطرف والعنف المؤديين إلى الإرهاب. أمّا فى المدى القصير فتحتاج إلى الشراكة الحاسمة فى ثقافة «السيف أصدق أنباء من الكتب»، أو هكذا أعتقد.

■ لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية، وتداعياتها السياسية والاجتماعية، دون حلول جذرية صعبة، يحددها الخبراء والعلماء. لكن ثمن الإصلاح يجب أن يدفعه كل قادر عليه بشفافية وتوعية مجتمعية كاملة، لأن بعض الشرائح لا تستطيع تحمل المزيد، والبعض الآخر لا يريد المشاركة الكافية، لحظة الحقيقة ستكشف ذلك دون شك. والحوار المجتمعى حول الحلول المقترحة، كالقروض وغيرها، يجب أن يكون أكثر كفاءة ووضوحاً، حتى لا يزايد البعض بما يحدثه ذلك من إحباط وعدم رضا ونقص فى الشعبية... إلخ.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل