المحتوى الرئيسى

سوريا... ملامح مشجعة للحل في خريطة معقدة

02/28 17:50

تتسارع الاتصالات والجهود الدولية من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية المستعصية منذ نحو عامين. وتنشط الحركة الدبلوماسية في أكثر من عاصمة لرسم ملامح الحل. وفيما يعلو صوت الدعوات إلى الحوار تتحدث الأنباء عن شحنات جديدة من الأسلحة للمعارضة المسلحة، ويصر النظام على "محاربة الإرهاب"، وتغلب أخبار "الدعس" على صفحات مؤيدي النظام ومعارضيه، وتتواصل معاناة ملايين السوريين في الداخل والخارج.

متابعة التصريحات واللقاءات في العواصم والمدن البعيدة حول الأزمة السورية تعيدنا إلى عبارة مشهورة للفنان السوري نهاد قلعي (حسني البورظان) في مسلسل "صح النوم". العبارة اختارها البورظان بداية لمقالة لم تنته وهي "إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في إيطاليا، يجب أن نعرف ماذا في البرازيل". واسقاطا على الواقع فإذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في سورية، وماهو مصير الأحداث فيها يجب علينا أن نعرف ماذا يجري في الغرف المغلقة في واشنطن، وموسكو، وبرلين وباريس، وروما، وطهران، ولندن، والرياض، والدوحة، وألماآتا، وغيرها من مدن وعواصم لم يخطرعلى بال أحد أنها سوف تصبح فاعلة في تحديد مصير السوريين. ويجب علينا أيضا أن نتابع التغيرات في الميدان ساعة بساعة، ونربط بين توقيت العمليات الإرهابية، ومنفذيها وفي مصلحة أي من الأطراف تصب، وأنواع الأسلحة المستخدمة في الصراع الدامي، وغيرها الكثير.

برلين ونقطة البداية لتفاهمات أوسع....

ولحلحلة طلاسم الخريطة المعقدة لحل الأزمة السورية، لابد من البدء من برلين التي شهدت لقاء وزيري الخارجية الروسي والأمريكي، ففي العاصمة الألمانية المعروفة برمزيتها في إنتهاء الحرب الباردة وانهيار الجدران بين المعسكرين الشرقي والغربي، سعى الوزيران إلى كسر الجمود في العلاقات بين البلدين. سيرغي لافروف قال بعد اللقاء الذي استمر نحو ساعتين مع نظيره جون كيري إن "ثمة شعورا بأن الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما، فيما يخص نهجها في السياسة الخارجية التي يرأسها كيري، ستسعى الى ان تلعب دورا بناء الى حد أكبر على جميع الاتجاهات". لافروف أشار إلى نقاط حادة في العلاقات بين الطرفين لكنه شدد على نية روسيا والولايات المتحدة في احراز تقدم جميع الملفات، وقال إنه "جرت مناقشة تطورات الوضع في سورية وفي البلدان المجاورة، وكذلك تعاوننا بشأن البرنامج النووي الايراني، والقضية النووية في شبه الجزيرة الكورية، وأفغانستان، والتسوية الشرق اوسطية".

وأوضح الوزير الروسي أن "الأهم هو أننا ( لافروف وكيري) أكدنا تفاهمنا بشأن عدم القبول باستمرار العنف، وانطلاقا من هذا التفاهم، أكدنا عزمنا على فعل كل ما يتوقف على روسيا والولايات المتحدة".

وأعرب لافروف عن أمله في أن تعلن المعارضة السورية في لقاء روما تأييدها للحوار، وأن تسمي فريقها التفاوضي، وانهاء اللبس في شأن التصريحات المتضاربة لقادة المعارضة. وكشف لافروف أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكد أثناء زيارته الأخيرة إلى موسكو وجود فريق للتفاوض لدى الحكومة، واستعدادها لبدء الحوار بأسرع ما يمكن.

جون كيري كما تعهد سابقا لم يكشف عما دار في اللقاء حتى نهاية مشاوراته في جولته الأوروبية، والشرق أوسطية، التي تضم 10 دول. لكن فيكتوريا نولاند الناطقة باسم الخارجية الاميريكية قالت إن الوزيرين اجتمعا لمدة ساعة و45 دقيقة وأمضيا اكثر من نصف هذه المدة في مناقشة الوضع السوري. ووصفت المحادثات بانها كانت "جدية وعميقة". وذكرت أن الوزيرين ناقشا كيفية تطبيق إعلان جنيف بهدف الاتفاق على صيغة تسمح بتشكيل حكومة انتقالية.

دورالتطورات الميدانية والحراك الدبلوماسي في الحل...

وبرغم الإشارات الإيجابية من الطرفين، والدور المركزي لهما إلا أن لافروف أصاب كبد الحقيقة عندما أكد بعد لقاء كيري أنه "لا يتوقف علينا( موسكو وواشنطن) كل شيء، لكننا سنبذل كل ما وسعنا لتهيئة الظروف لاطلاق الحوار بين الحكومة والمعارضة بأسرع ما يمكن".

وتحافظ موسكو على جزء كبير من الاتصالات حول حل الأزمة فبالإضافة إلى وفد المعلم، تصل وفود وشخصيات معارضة في الأسبوع الحالي. كما تحط فيها رحال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في 28 فبراير/شباط، بعد لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي كيري، ومن المؤكد أن مباحثات الضيف سوف تتطرق إلى الملف السوري، ويرى محللون أن هولاند سوف يبذل أقصى ما لديه من أجل بلورة موقف دولي موحد في التعامل مع الأزمة السورية على الرغم من أن فرنسا تدعو الأوروبيين إلى مزيد من دعم المعارضة بالأسلحة وكل ما يلزم من أجل الاطاحة بالرئيس الأسد. ويبدو أن مهمة الرئيس الفرنسي صعبة لكن بعض المحللين يعتقدون أنه يمكن أن يلعب باسلوبه وشخصيته دورا مشابها لما فعله الرئيس السابق جاك شيراك الذي أقنع بوتين بعدم الاعتراض على القرار 1559 في 2004، وهو القرار القاضي بانسحاب القوات السورية من لبنان.

وفي روما تكتب صفحة أخرى في تاريخ الأزمة السورية، فالعاصمة الإيطالية سوف تستقبل مؤتمر أصدقاء الشعب السوري بحضور الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة الذي عدل عن قراره السابق بمقاطعة المؤتمر في روما، وقرر المشاركة بعدما تلقى تطمينات أوروبية وأمريكية بأن الاجتماع سوف يخرج بقرارات وليس كلاما عاما كما في السابق. وتراهن المعارضة على تزويد الكتائب المسلحة بالأسلحة اللازمة لمواصلة القتال. ويذهب بعض الأطراف إلى المطالبة بغطاء جوي للمناطق الشمالية لمنع استهدافها بصواريخ سكود، في طلب باطنه التمهيد لمناطق آمنة في الشمال يمكن أن تمارس فيها الحكومة المؤقتة أعمالها بهدوء.

ومن المؤكد أن ملامح الحلول الدولية سوف تتكشف شيئا فشيئا بعد لقاءات روما، وعلى ضوء نتائج جولة كيري في أوروبا والشرق الأوسط، ولقاءات موسكو، وكذلك نتائج المفاوضات في ألماآتا بين إيران ومجموعة (5+1). لكن عوامل أخرى تبرز على الأرض السورية، أهمهما أنباء عن وصول شحنات جديدة من الأسلحة المتطورة إلى المعارضة، واحتدام المعارك على تخوم دمشق، وفي الشمال للسيطرة على حلب، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والانسانية والمعيشية المتردية، واستمرار موجات النزوح واللجوء ففي الشهر الحالي تجاوز عدد اللاجئين السوريين إلى دول الجوار 150 ألف لاجئ وهو رقم قياسي منذ بدء الأزمة، كما ازدادت التوترات على الحدود الأردنية، واللبنانية.

ولعب الموقف الموحد من خطر انتشار وهيمنة الفصائل المسلحة لـ "جبهة النصرة" والتنظيمات السلفية الجهادية دورا كبيرا في تقارب وجهات نظر عديد من دول العالم، كما أن بلدانا أخرى باتت تستشعر الخطر على إسرائيل ما دفعها إلى زيادة جهودها للتوصل إلى حل.

مما لا شك فيه أن التوافق الدولي هو عامل مهم جدا من أجل حل الأزمة السورية، لكن تأخر هذا التوافق أدى إلى تعميق الأزمة، كما أن هذا التوافق سوف يبقى ناقصا في حال عدم توفر عدد من الشروط أهمها؛ التزام جميع الأطراف الدولية والإقليمية بأي "خريطة طريق" يجري التوصل إليها. وتوفير الأجواء المناسبة من أجل وقف العنف، وإيجاد آلية مناسبة لمراقبة إلتزام الأطراف بوقف الاقتتال. والقيام بخطوات لإنهاء أزمة الثقة بين الأطراف الداخلية والخارجية على حد سواء. ولعل الأهم أن يكون الحل مرضيا لجميع الأطراف المتحاربة، وأن يكون بضمانات دولية، فالواضح ان الطرفين باتا أكثر اقتناعا بعدم القدرة على الحسم وفق المعطيات الحالية، لكن التداخلات الإقليمية والدولية ومصالح بعض الأطراف قد تعطل التوافق الدولي، وتعقد عملية جمع الطرفين على طاولة المفاوضات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل