المحتوى الرئيسى

جدل حول تنظيم أقوى الطرق الصوفية بالمغرب مسيرة لدعم الدستور الجديد

06/25 17:19

الرباط - حسن الاشرف

في أول سابقة من نوعها تنظم الطريقة القادرية البوتشيشية، أكبر وأقوى الزوايا الصوفية بالمغرب، مسيرة حاشدة خاصة بالمنتسبين إليها في الدار البيضاء غداً الأحد، لدعم التصويت بنعم على الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي يوم الجمعة المقبل.

وفيما نفت الطريقة البوتشيشية أن يكون تنظيمها لهذه المسيرة رداً على موقف جماعة العدل والإحسان التي دعت إلى مقاطعة الاستفتاء، يرى مراقبون أن مبادرة الدعوة إلى المسيرة أتت من جهات في الدولة تريد توجيه رسائل سياسية إلى معارضي الدستور، خاصة جماعة العدل والإحسان ذات الخلفية الصوفية.

وتعد هذه أول مرة تأخذ فيها الطريقة البوتشيشية المبادرة لتنظيم مسيرة مستقلة بذاتها بترخيص من السلطات، لكونها طريقة صوفية تنأى بنفسها عن الخوض في الشأن السياسي العام في البلاد.

"المسيرة ليست ضد أحد"

وحثت الطريقة القادرية البوتشيشية أتباعها ومريديها في مختلف الزوايا بالمدن والقرى المغربية على التصويت بالإيجاب على الدستور الجديد، نظراً للمكاسب الكثيرة التي تتضمنها نصوصه في سبيل تنمية الفرد والمجتمع.

وعبرت الطريقة القادرية البوتشيشية في بيان لها، وصل "العربية نت" نسخة منه، عن "إيمانها الراسخ بأن هذا المشروع يعد رافعة فعالة لبلدنا نحو آفاق المواطنة المنغرسة في مقوماتنا وثوابتنا وهويتنا"، استجابة لنداء شيخها حمزة بن العباس الذي طالب الجميع بالتصويت بنعم على مشروع الدستور الجديد.

وبرّر البيان قرار التصويت بنعم بكونه أوفى بكافة "تطلعاتنا المرحلية في وطننا العزيز.. كما حصن تنزيلها على أرض الواقع بالنص الصريح على وجوب تعزيز آليات الحكم الجيدة، وتخليق الحياة العامة وترسيخ مبدأ المحاسبة".

وحول ما أثاره قرار خروج الطريقة إلى الشارع لتنظيم مسيرة كبرى لدعم الدستور وعلاقة ذلك بمواقف بعض الجماعات الدينية من قبيل العدل والإحسان، أفاد البلاغ ذاته بأن موقف الطريقة البوتشيشية متكامل مع مختلف مكونات المجتمع المغربي، ولا يتضمن أية حمولة سياسية ضد أي حزب أو جماعة، سواء كان الأمر يتعلق بجماعة العدل والإحسان أو غيرها.

وبالنسبة لعضو اللجنة التنظيمية لمسيرة البوتشيشيين الحسن السباعي الإدريسي، فإن هذه المسيرة لا يُقصد بها أي أحد ولا أية جهة كانت، وإنما هي وسيلة من وسائل التعبير لدعم الدستور الجديد حتى تتم المصادقة عليه بنعم، بفضل ما احتواه من قوانين لصيانة ثوابت الأمة، ولأن قرار التصويت بنعم يجمع ولا يفرق بين الناس.

وتعتبر الطريقة البوتشيشية أنها بهذه المسيرة تؤدي واجبها الديني والوطني، والذي ما إن تنتهي منه حتى ترجع إلى عملها الأصلي متمثلاً في وظيفتها التربوية والروحية من خلال أورادها وأذكارها التي اشتهرت بها داخل وخارج البلاد.

مفارقة سياسية

وتعليقاً على هذا الحدث وسياقاته وخلفياته، يرى الدكتور عباس بوغالم، الباحث المتخصص في الظواهر الإسلامية ومجالات التصوف، في حديث مع "العربية نت" أن دعوة الزاوية البوتشيشية إلى تنظيم مسيرة وطنية لمساندة مشروع الدستور، يشكل لحظة فارقة على مستوى مسار تعاطي الزاوية مع الشأن السياسي، ما طرح أكثر من تساؤل وأكثر من علامة استفهام.

ويشرح بوغالم: نحن أمام مفارقة تقتضي التأمل، فمن جهة ليس هناك أي طرف سياسي دعا إلى تنظيم مسيرة لمساندة مشروع الدستور رغم أن مواقف هذه الأطراف السياسية مساند لمشروع الدستور؛ ومن جهة أخرى نجد الزاوية البوتشيشية التي تنأى بنفسها عن العمل السياسي وتسلك نهج الحياد الإيجابي، والتي ما فتئت تؤكد أن وظيفتها الوحيدة ذات طابع ديني ودورها تربوي وروحي، تنفرد هذه المرة لتشكل سبقاً سياسياً دالاً يتمثل في الدعوة إلى مسيرة وطنية للتعبير عن موقفها المساند لمشروع الدستور.

ويستطرد الخبير بأننا أمام أرقى أشكال التعبير السياسي المتمثل في الخروج للفضاء العام للتعبير عن موقف سياسي، والحال أن كافة الهيئات والتنظيمات السياسية والنقابية الموكول لها مهمة تأطير المواطنين سياسياً وتعبئتهم لمساندة مشروع الدستور، لم تتفتق "عبقريتها" للدعوة إلى مسيرة وطنية لمساندة مشروع الدستور.

ويطرح بوغالم تساؤلات من قبيل: ألم يعد كافياً ممارسة الزاوية لوطنيتها دون مغادرة قواعدها والاكتفاء بدعوة مريدها بالاستدامة على ذكر الله والدعوة إلى حفظ وحماية وحدة واستقرار البلد؟ انسجاماً مع منطق اشتغال الزاوية وطابعها التربوي والروحي، وهل هناك تهديد يستدعي الخروج في مسيرة غايتها فقط التعبير عن تأييد مشروع الدستور، كما يحلو للزاوية تبرير أي خروج سياسي لها؟

المسيرة مُوجَّهة

وجواباً عن الأسئلة السابقة، يرى الدكتور عباس بوغالم أن اتخاذ مثل هذا القرار يعكس تحولاً جذرياً في تعاطي الزاوية مع الشأن السياسي العام، مضيفاً أن ارتباطه ببعض التناقضات والمفارقات التي تكتنف هذه الخطوة، يرجح فرضية أن مبادرة الدعوة إلى هذه المسيرة جاءت بإيعاز من أطراف خارج دائرة الزاوية.

ويسترسل بوغالم بأنه انسجاماً مع منطق اشتغال الزاوية، مبادرة تنظيم مسيرة وطنية مستقلة بهذا الحجم ولأول مرة، لا تتناغم مع سلوك الزاوية البوتشيشية الاعتيادي، ولا يتطابق مع المبادئ المفصح عنها من قبل الزاوية البوتشيشية في إطار تعاطيها مع قضايا الشأن العام.

ويؤكد أن طبيعة علاقة الزاوية البوتشيشية ببعض قضايا الشأن العام تؤشر على أن الزاوية تعد بمثابة خزان احتياطي لتأمين احتياجات المؤسسة الملكية على مستوى الشرعنة، يتم استدعاؤها وفق الحاجة والضرورة ومتطلبات المرحلة السياسية.

ويردف بوغالم أنه بالنظر إلى أن حجم وقوة الأطراف المعبرة عن معارضتها لمشروع الدستور، لا يستهان به من الناحية الرمزية والسياسية، فإن الدفع بالزاوية إلى الخروج إلى الفضاء العام للتعبير عن مساندتها لمشروع الدستور، لا يخرج عن نطاق حشد التأييد للمؤسسة الملكية، من خلال التعبير عن مساندة مشروع الدستور.

أما بخصوص كون خروج الزاوية البوتشيشية في مسيرة مساندة لمشروع الدستور يعد بمثابة رد فعل عن موقف جماعة العدل والإحسان من مشروع الدستور، أفاد بوغالم بأنه لا يرى أن الزاوية البوتشيشية توجد في موقع يؤهلها لتقديم أية رسالة لأي طرف مهما كان توجهه، باعتبار طبيعة بنيتها وطبيعة وظيفتها التربوية والروحية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل