> العقيد والأكثر تعقيدًا

في مقابلة تليفزيونية أمريكية كان سؤال المذيع: هذه المظاهرات تعني أن الشعب معارض، وكان رد الأخ العقيد: «فين هي المظاهرات دي؟ لا توجد أي مظاهرات بالمرة» قالها وهو يقهقه ضاحكا، وكان تعليق المذيع: «لقد شاهدناها في طريقنا إلي هنا» رد قائد ثورة الفاتح من سبتمبر: هادول شعب بيحبني، مؤيدين لي كلهم»!! هذا وكأن معمر القذافي يعيش في عالم آخر، حيث يعرف كل فرد علي وجه الكرة الأرضية موقف شعب ليبيا من القذافي، قبلها كرر صاحب لقب ملك ملوك أفريقيا، مقولات: شدو الجرذان، عيال ياخدو حبوب، الحبوب في اللبن أو الماء، الحبوب تضر القلب، إلي الأمام، معمر ليس رئيس ولا حاكم، أنا سلمت السلطة للشعب، اللجان الشعبية، المؤتمرات في كل مكان.. مع غيرها من أقوال تدعو للبكاء وليس الضحك علي ما آلت إليه أحوال بلد يفترض أن يكون ثريا بفعل النفط. أن يصف شخص شعبه بالفئران، أو أن يوصم بعض أفراده بالإدمان أو أن يفتي طبيا بأن الحبوب ضارة بالجهاز الدوري ثم وهو المؤلم.. أن يقول أنا لست صاحب سلطة.. وصوره تغطي كل مبني ليبي وأقواله مقررة في كل الإعلام الليبي وفي المدارس، ونظرياته تزدحم بما يسمي بالكتاب الأخضر، وهو الأخضر لونه الثوري الذي لطخ به حتي أرضية الميدان الأكبر في العاصمة، ومع كل المزايا والمؤهلات والصلاحيات التي «يغرف» منها أفراد اسرته أن يكون هناك شخص هكذا وصفه.. لا يمكن أن يكون طبيعيا. من يتصور أن يصر حاكم في الالفية الثالثة علي المبيت في خيمة ينصبها في حديقة قصر رئاسي في فرنسا مثلا، ومعه ناقة كي يشرب لبنها صباحا، وحوله حرس من عزاري أفريقيا أو أمريكا الجنوبية؟! وسط ضحكات سخرية من شعوب طبيعية.. متحضرة أقصد؟! ثم.. أتحدي من يفهم مغزي ومضمون وحجية وسر ومرجعية ومدلول ما يسمي بالكتاب الأخضر.. وأذكر أنني حاولت جاهدا اكتشاف الحكمة البليغة وراء كتابته أو نقله مشوها من نظريات شيوعية، مع التعديل والتبديل، وفشلت كما فشل كل من شاهد الكتاب المذكور ذا الطبعة والورق الأنيق وكله من فلوس الشعب الليبي المطحون، قبلا المسحول حاليا، أتحدي أيضًا من يفهم سر تمسك العقيد بحارسات، وليس رجال حرس شخصي!! ثم الأزياء التي يخترعها؟! ثم طريقته في الحديث، وساعات الخطب السيريالية، بطريقة «الشعب هو معمر» أنا حاموت في ليبيا، وليبيا سوف تتحول إلي نهر دم أحمر.. نحن أو القاعدة.. نحن أو احتلال البلد. اسألوا سيف الإسلام «كلهم يحيلون الشعب للوريث»، ويكمل معمر: «أنا ماعندي شيء» يتضح بعدها أن المحروس لديه الكثير.. والكثير جدًا.. هو والأبناء الكرام أتحدي إذن من يفهم كل ذلك ويتمكن من تحليل شخصية الأخ، هو معضلة لا يقوي علي حلها.. حتي عالمنا د. عكاشة، القذافي نموذج فعلا لتعقيد خرافي.. القذافي.. المليارات المهربة، الالقاب المضحكة، المخابئ الجهنمية، النظرية الثالثة، لوكيربي وثوار أيرلندا وحكام أفريقيا، والنهر غير العظيم، ثورة ثورة..إلي الأمام.. ثم ضرب الناس بالطيران والمرتزقة، ثم الخطب اليومية القائلة «إن كل ده مخطط استعماري» وأن العرب الفقراء يحسدون ليبيا علي البترول، وقناة الجزيرة تكره ثورة الفاتح التي غيرت العالم والتاريخ والجغرافيا وحساب المثلثات، مع انهاء الخطبة بأن ساعة الزحف المقدس قد حانت.. إلي آخره. ودون محاولة تفسير.. أذكر أن بعض حكامنا يعتنقون مبدأ: الحاكم هو الدولة، والدولة هي جزء من الحاكم، مع مقولات باهتة من نوعية: الرئيس رمز وهالة ولا يصح أن يمس ومن ثم تصبح الدولة بمن فيها ومن عليها ملكية.. قطاع خاص، عزبة، ورث.. أو ميراث تسلمه السيد الحاكم من السيد الوالد، اقطاعية من بتوع العصور قبل الوسطي أو السفلي، وهنا يستغل بعض الشياطين «الحالة» في مجال الاستفادة من بلاهة الحاكم.. ونذكر أن نصابا إيطاليا قام بتأليف كتاب بعنوان: نبي الصحراء «يقصد معمر» و«لدع» كذا مليون من فلوس الغلابة في ليبيا، ناهيك عن فئات الملايين التي دفعها لحكام أفريقيا ثمنا لتسميته ملك الملوك، والآلاف التي دفعها صاغرًا تعويضًا لأهالي ضحايا لوكيربي، التي نثرها دعما لثورات وهمية.. وهذا وفقا لمقولة: «رزق «الغرب» علي المجانين. الحاكم هنا إذن يتصرف في العزبة وفي الثروة والبشر باعتباره واهب الحياة و«وارث» المستقبل وهو المانح المانع والزعيم الأوحد والحكيم المرجع وأبوالشعب، ومن ضمن حق الرئيس والقائد بيع البلد والأمل واذلال الناس بل والمن عليهم برغيف عيش ملوث وكوب ماء أكثر تلوثًا. الأخ العقيد مجرد نموذج.. صارخ حقا.. نادر فعلا.. محير تأكيدا.. مضحك احيانا.. دموي دائما.. وقد جعلنا الأخ نتذكر مقولة السادات: «الولد المجنون بتاع ليبيا» وإن كان ما نراه تخطي الجنون بكثير. وحتي مع أوقات قاسية نقضيها وكلنا تعاطف مع بشر يجري طحنهم وحرق جثامينهم، فإن العزاء أن الفرج قريب وأن انتصار الشعوب حتمي، ومع كل التضحيات وسحق آدمية الناس تبقي تلك الشعوب ويذهب الطغاة دوما إلي مزبلة التاريخ.. والتي تسع أمثال المسعور وذريته.. القذافي وسيف الإسلام. إلي ألامام.. إلي الأمام.