المحتوى الرئيسى

مدخل التجديد الثقافى والحضارى

05/02 03:18

فى الأسابيع الماضية أبرزنا أربعة مداخل للخروج من الوضع المأساوى المتخلّف الذى تعيشه أمتنا العربية حاليا. وهى مخارج مترابطة متناغمة تمثل جزءا من مشروع نهضوى عربى متكامل. وقد تمثّلت فى مداخل الوحدة العربية، والديموقراطية، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطنى والقومى.

اليوم سنتحدث عن المخرج الخامس وهو التجديد الحضارى والثقافى. والواقع أنه بدون مواكبة هذا المدخل للمداخل الأربعة تلك فإن جميعها ستكون مهدّدة بأن تصبح مشوّهة أو مظهرية متلاعبا بها من قبل هذه الأقلية المتسلّطة أو تلك.

ومن أجل تحقق التجديد الحضارى هناك عناوين مفتاحية لا حصر لها، كتب عنها المصلحون والمفكرون الكثير منذ القرن التاسع عشر، من مثل الدخول فى قلب معمعة محاربة الخرافات وممارسة العقلانية وحقوق المواطنة ــ وعلى الأخص للمرأة ــ والعدالة والمساواة فى الفرص وتوازن الحرية الفردية مع الحرية المجتمعية وغيرها الكثير والكثير.

لكن ما يهمنا إبرازه هو أن التجديد الحضارى فى بلاد العرب له متطلب أساسى للولوج فيه وهو متطلب المراجعة العميقة للتراث، وعلى الأخص التراث الفقهى، تحليلاً وتخلصا مما علق به من خرافات وأفكار قد تصلح لأزمان غابرة ولكنها حتما ما عادت تصلح لأزمتنا الحالية، خصوصا بعد أن أصبحت موجة ظاهرة العنف والتطرف الدينى فى المجتمعات العربية تعتمد على نتف فقهية منتقاة من هنا وهناك ومراد لها أن تكون فى مرتبة قدسية القرآن الكريم والأحاديث النبوية المؤكدة وغير المدسوسة.

تكمن أهمية تجديد الفكر والفقه الإسلامى لأسباب أربعة. فأولا من أجل أن يعى بوضوح شباب وشابات الأمة أن التراث الفكرى والفقهى الإسلامى كان حصيلة جهد من المجتهدين عبر العصور، منهم الفقهاء والمفكرون والفلاسفة المتكلمون، وأن ذلك الاجتهاد ارتبط بحاجات وأناس تلك الأزمنة والعصور، وأنه، كأى اجتهاد بشرى ليس مقدّسا، بل كان قابلا للصواب والخطأ.

ولذلك فالتجديد الفقهى والفكرى الذى نتحدث عنه ليس تجديد النصوص القرآنية ولا الأحاديث النبوية الثابتة المؤكدة، وإنما تجديد الفهم البشرى لتلك النصوص. ولن يكون تجديدنا إلا تجديدا فى سلسلة طويلة ستمتد عبر العصور القادمة.

وثانيا أن التراث الفكرى والفقهى الإسلامى يمثل أسس وروح الثقافة العربية، وخصوصا الثقافة الجماهيرية السائدة. وأنه بدون تجديد ذلك التراث والفكر الفقهى لا يمكن الحديث عن تجديد أسس وممارسات الثقافة والحضارة فى بلاد العرب.

وثالثا هناك الحاجة لتجاوز الخلافات والمماحكات والصراعات حول موضوع الشريعة الإسلامية التى نصت عليها غالبية الدساتير العربية كمصدر للتشريع، وهو ما يتطلب فهما وقراءة متجدديْن للنصوص القرآنية ومقاصدها الكبرى، وربطها بالتغيرات الهائلة فى حياة العرب المسلمين الحديثة، وذلك بعيدا عن التزمت والانغلاق الذى يمارسه البعض.

ورابعا، هناك أهمية كبرى لتقديم فكر وفقه إسلامى قادر على أن يساهم فى حل الكثير من المشاكل الإنسانية، المجتمعية منها والقيمية والأخلاقية والعلمية ــ التكنولوجية. وهذه النقطة أصبحت بالغة الأهمية مؤخرا لسبب ما أظهره الفكر النقدى لما بعد الحداثة فى الغرب من نقاط ضعف كثيرة فى بعض أفكار وممارسات وسلوكيات الحضارة الغربية المهيمنة على العالم منذ عدة قرون. ويزيد الوضع تعقيدا ما أضافته إلى تلك الثقافة الكلاسيكية الغربية ثقافة العولمة النيوليبرالية الرأسمالية البالغة التسطيح والتّسليع والتشييئ لكل شىء.

من هنا فإن مخرج التجديد الثقافى والحضارى العربى ما عاد موضوعا يمكن تأجيله، إذ أنه فى قلب كل نضالاتنا الوطنية والقومية من جهة وفى قلب علاقاتنا مع العالم كله وحضارته من جهة أخرى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل