المحتوى الرئيسى

محمود قابيل: "الممر" نجح في بث الروح الوطنية في نفوس الأجيال الجديدة

10/19 10:02

فتح الفنان الكبير محمود قابيل خزائن أسراره وكشف فى حوار لـ«الوطن» عن انعكاسات حياته العسكرية وقت عمله ضابطاً فى القوات المسلحة على حياته الفنية.

وغاص قابيل فى معركته مع القوات الإسرائيلية عام 1967، التى تعرض فيها لثلاث إصابات متباينة، كما تكلم عن تكليفه بالسفر إلى إسرائيل بعد اتفاقية كامب ديفيد، واضطراره للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد تلقيه تهديدات بالقتل من جماعات فلسطينية.

وتحدث عن تجربته مع المخرج الراحل يوسف شاهين فى فيلم «العصفور»، مؤكداً أن شاهين انفعل عليه بقوله: «انت مجرد أباجورة» حينما سأله عن طبيعة أحد مشاهد الفيلم، مشيراً إلى أنه شعر بحزن بعد أن وصفته الفنانة الراحلة سناء جميل بـ«العيل» وقت التحضير لفيلم «فجر يوم جديد»، كما كشف الكثير من التفاصيل الأخرى.

كيف انعكست الحياة العسكرية وقت عملك كضابط فى القوات المسلحة على مهنتك كممثل فيما بعد؟

- استفدت كثيراً من فترة عملى بالقوات المسلحة، لأنها أسستنى كإنسان يُحسن تقدير جميع المواقف، وجعلتنى أدقق فى اختياراتى بشكل عام، وأحسن معاملتى للناس واحترامى لهم، ولذلك أنا ابن المؤسسة العسكرية وما زلت.

متى شعرت بأن «نداهة» الفن جذبتك إليها؟

- أنا شخص مُحب للفن من قبل التحاقى بالمؤسسة العسكرية، نظراً لوجود نزعة فنية داخل كل إنسان طبيعى، حيث كنت أهوى الرسم والقراءة فى كتب التاريخ، وأهتم بقراءة المطبوعات الفنية المتخصصة، وفجأة قادتنى الصدفة نحو المخرج يوسف شاهين الذى رآنى فى الإسكندرية، وعرض علىّ المشاركة فى فيلم بعنوان «فجر يوم جديد»، وهنا شعرت ببدء تحقق حلمى كممثل، ولكن سرعان ما تبخر الحلم بسفر الفنانة فاتن حمامة خارج مصر.

- لا أنكر شعورى بالحزن الشديد حينها، ولكن يوسف شاهين قام باستكمال تحضيرات الفيلم، وجعلنى أخضع لاختبار أداء أمام أحد عمداء معهد السينما، ونجحت فى الامتحان وتم قبولى فى معهد السينما، ولكنى كنت أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانضمام إلى معهد السينما أو الكلية الحربية، ولكنى اخترت الأخيرة.

ألم يُقلقك التحول المهنى من ضابط لممثل فى فيلم «العصفور»، بخاصة مع النظرة السلبية التى كانت مأخوذة عن الوسط الفنى وقتها؟

- «الفن المصرى محترم منذ قديم الدهر وسيظل كذلك»، فمثلى الأعلى كان الفنان أحمد مظهر، الذى كان ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، وكذلك مخرج الرومانسية عز الدين ذوالفقار والأديب يوسف السباعى، اللذان كانا من أبناء المؤسسة أيضاً، ومن هذا المنطلق لا أؤيد ما كان يتردد عن الوسط الفنى والعاملين فيه.

كيف تصف كواليس تجربتك مع المخرج يوسف شاهين الذى كان معروفاً بالعصبية أثناء التصوير؟

- بداية علاقتى بـ«يوسف شاهين» تعود إلى سنة 1964، وتحديداً وقت التحضير لفيلم «فجر يوم جديد» كما أشرت، حيث كان يُعاملنى كابنه فى هذه الفترة، ودفعنى لتعلم الإلقاء على يد الفنان عبدالوارث عسر، حيث كان يُهيئنى لتجربته السينمائية أمام فاتن حمامة، الذى التقيتها وقرأنا سيناريو الفيلم معاً، وأنا أعتبرها سيدة مصر الأولى، لأنها منحتنى نصائح أفادتنى كثيراً، ولكنها اضطرت للسفر إلى إسبانيا، حيث كان الفنان عمر الشريف يُصور فيلم «دكتور زيفاجو» هناك، وحينها التحقت بالكلية الحربية واستعان «شاهين» بالفنانة سناء جميل، التى بمجرد أن رأتنى علقت علىّ بقولها: «ده عيل».

ألم يُغضبك هذا الوصف فى حينها؟

- «أخدت على خاطرى منها»، وأذكر وقت التحضير لمسلسل «ضبط وإحضار» للمخرج إبراهيم الشقنقيرى، وجدتها تُحدثنى قائلة: «أنا بحب الشغل معاك يا محمود» فرددت عليها: «طب ليه مقولتيش الكلام ده سنة 1964؟» فتساءلت: «هو إيه اللى حصل وقتها»، فسردت على مسامعها واقعة وصفها لى بـ«العيل»، فضحكت وقالت: «هو انت كنت الشاب الحليوة ده؟» فأومأت بالإيجاب، فسألتنى: «انت زعلان منى» فأجبت بالنفى.

قُلت إن يوسف شاهين عاملك كابنه وقت التحضير للفيلم.. ولكن هل تغيرت المعاملة أثناء فترة التصوير؟

- شاهدت الوجه الآخر ليوسف شاهين، حيث العصبية المفرطة أثناء التصوير، وأذكر أننى سألته فى إحدى المرات قائلاً: «جو، أنا حافظ المشهد ولكن قولى الإحساس اللى انت عاوزه منى فيه» فصاح غاضباً: «انت فاكر نفسك إيه؟ أنا الكاميرا بتاعتى هى اللى بتمثل، انت زى الأباجورة قول الكلام وخلاص»، وفكرت حينها فى ترك مهنة التمثيل والعودة «للخلف در» إلى الحياة العسكرية، لأننى لست معتاداً على هذه المعاملة من أى شخص، ولكنى وجدته يثور فى وجه الفنانة مريم فخر الدين والفنان صلاح منصور، فأدركت «أنه بيزعق للناس كلها عادى» فقررت مواصلة المشوار.

ما رأيك فيما أعلنته الفنانة سناء جميل وغيرها من نجمات جيلها عن عدم فهمهن لأفلام يوسف شاهين؟

- يوسف شاهين مخرج عالمى على مستوى تكنيك الإخراج وفهم السينما، حيث يُجيد تحديد أماكن وضع الكاميرات ونوعية العدسات وكادرات التصوير، ولكنه لا يُجيد إدارة الممثل، على عكس الأستاذ حسين كمال، الذى كان يجلس مع ممثليه ويُناقشهم فى طريقة أداء أدوارهم، ولكن هذه الطريقة من المستحيل اتباعها مع «شاهين» لأن ردة فعلها ستكون على هيئة: «انت مجرد أباجورة.. قول الكلام وخلاص»، كما أنه لا يسمح بارتكاب الممثل لأى خطأ أمامه حال عدم حفظه للمشهد وما إلى ذلك، ولذلك «من كتر ما بقى يزعق للممثلين بقوا يمثلوا زيه»، حيث ترى يوسف شاهين فى هيئة أبطال أفلامه أثناء التصوير، وربما أن سناء جميل تقصد هذا المعنى الذى أشرت إليه.

هل ترى عمل خالد يوسف مع «شاهين» كان فى مصلحة الأخير؟

- نعم، فهو أحدث اختلافاً فى أفلامه للأفضل، لأنه قلل من تدخلاته فى الورق، فمثلاً فيلم كـ«العصفور» الذى كتبه السيناريست لطفى الخولى لم يُنفذ كما كان الأخير يرغب بحكم تدخلات شاهين فى السيناريو، حيث كان يُعدل من ترتيب الأحداث وفقاً لرؤيته الفنية، فتفاجأ بالمؤلف يقول: «دى مش قصتى»، وربما أن تعديلات شاهين من الناحية الفنية جيدة، ولكن لا بد أن يكون للفيلم بداية ووسط ونهاية وتسلسل فى الأحداث، ولذلك كان مؤلفو أفلامه يغضبون منه، وأذكر أننى حينما سافرت إلى أمريكا، ولم أكن على معرفة بخالد يوسف، كنت أحدث شاهين هاتفياً قائلاً: «يا جو انت أفلامك بتتفهم دلوقتى»، فيشتمنى ويقول لى: «انت ما بتفهمش حاجة»، ولكنى كنت أتقبل كلامه بصدر رحب، لشعورى أنه يوافقنى رأيى فى قرارة نفسه، بدليل استمرار خالد يوسف معه حتى فيلم «هى فوضى»، الذى طلب فيه وضع اسم خالد إلى جانب اسمه.

إذا تحدثنا عن حياتك العسكرية وطبيعة إصابتك أثناء نكسة 1967.. فماذا تقول عن هذه الفترة؟

- أصبت 3 مرات أثناء خدمتى فى الجيش، أولها إصابتى بشظايا فى كعب قدمى عام 1967، ومع ذلك عدت للقناة سيراً على الأقدام من منطقة الأوسيمة، أما المرة الثانية فكانت فى نهاية العام نفسه، إذ سقطت قذيفة هاون إلى جانبى فأصبت بنزيف فى الأذن وخلع فى الكتف، والمرة الثالثة كانت أثناء إجرائى لعملية استطلاع خلف خطوط العدو ليلاً، بهدف تدمير أى دورية إسرائيلية ومحاولة أسر جنود إسرائيليين، حيث اكتشفت 3 دبابات إسرائيلية وجودنا كجنود مصريين، فأمطرنا الطيران الإسرائيلى بوابل من الطلقات، وذلك بالتزامن مع إطلاق قواتنا لطلقات كاشفة لإتاحة مجال للرؤية، حيث أصبت بشظايا فى العمود الفقرى أثناء محاولة الاحتماء بساتر ترابى، ونُقلت حينها إلى مستشفى الحلمية.

بصراحة شديدة.. هل تُحمل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مسئولية نكسة 1967؟

- نعم، أحمله مسئولية الهزيمة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلاً عن دفعه لأعداد كبيرة من الجيش لحرب اليمن، وهى كانت مناورة سياسية «دفعنا تمنها غالى جداً»، لأننا لم نكن مهيئين للحرب أساساً، كما أن قرار إغلاق خليج العقبة ومضيق تيران كان خاطئاً، لأن سحب القوات الدولية من هناك كان كميناً لمصر.

أتعتبر فيلم «الممر» للمخرج شريف عرفة كان منصفاً فى كشف ما جاء فى كلامك؟

- فيلم «الممر» نجح فى بث الروح الوطنية داخل نفوس الأجيال الجديدة، ولكن هناك تفاصيل كان من الصعب الإلمام بها، رغم كون شريف عرفة مخرجاً متميزاً، ولكنه وقع فى أخطاء، وهنا أنا لا ألومه على هذه الجزئية، وإن كان بالإمكان تجنبها حال السؤال بشأنها، ولكن يكفينا تحقق رسالة الفيلم ببث الحماسة الوطنية، وانجذاب الشباب نحوه بتلك الحالة التفاعلية التى شاهدناها جميعاً.

هل ترى أنك ظُلمت إثر تعرضك لهجوم بعد سفرك لإسرائيل فى أعقاب اتفاقية كامب ديفيد؟

- سافرت إلى إسرائيل بالتنسيق مع جهاز المخابرات العامة، وبالتالى لم يكن بوسعى الكشف عن ذلك فى وقتها، وحينما تعرضت لهجوم عنيف بعد عودتى لمصر قيل لى: «دى الضريبة اللى كلنا بندفعها»، كما وضعنى الموزعون العرب فى القائمة السوداء، حيث كان المنتجون المصريون يُحدثوننى قائلين: «عاوزين نشتغل معاك يا أستاذ بس مش هنعرف نوزع الفيلم»، وبالتالى أنا لم أتعرض للظلم من أهل بلدى، ولا يمكننى اتهام وسائل الإعلام بظلمى لعدم معرفتهم بالحقائق، إلا أن هناك شائعات عديدة انتشرت حينها، أبرزها انتقالى للعيش فى إسرائيل وتأسيسى لشركة سياحية هناك.

ولمَ لم تعتذر عن السفر إلى إسرائيل تجنباً لهذا الهجوم؟

- رفضت السفر إلى إسرائيل وقتما تم إبلاغى بالخبر، ولكن اللواء طه المجدوب قال لى: «جرى إيه يا قابيل من إمتى بناقش الأوامر؟» فاندهشت من كلامه وقلت له: «سيادتك بتدينى أوامر دلوقتى؟» وذلك بحكم عملى وقتها داخل شركة سياحة، ولكنه رد قائلاً: «انت بالنسبة لينا عزوة بعد ما أسرت جندى إسرائيلى وعاملته كويس».

وهل انتقالك للعيش فى أمريكا كان سببه حالة الهجوم المُشار إليها سلفاً؟

- سافرت إلى أمريكا بعد انغلاق أبواب الفن فى وجهى، حيث ألغى المنتجون تعاقداتهم معى، وتم حذف اسمى من أفيش فيلم «وادى الذكريات» ليتمكنوا من توزيعه، كما تلقيت تهديدات باغتيالى من منظمات فلسطينية، وعلى أثر هذه العوامل، قلت لنفسى: «دى مش حياة، بلدى قاعد مهدد فيها والفن اللى بحبه مش عارف أعمله»، حيث سافرت إلى أمريكا وعملت بمجال الزراعة، وتحديداً فى مشروع زراعى عائلى فى جنوب ولاية تكساس، إذ التحقت بالجامعة هناك ودرست الزراعة لتسيير المشروع.

ولمَ لم تفكر فى مزاولة مهنة التمثيل بأمريكا؟

- لأن سفرى كان لمتابعة مشروع زراعى عائلى، وأذكر أن شقيقى الأكبر قال لى: «لو مش هتيجوا تساعدونى أنا هقفل المشروع»، وللعلم فقد تلقيت عرضاً من جهة إنتاجية ذائعة الصيت هناك، ولكنى فوجئت بترشيحى لتجسيد شخصية إرهابى عربى، فسألت المنتجة: «ليه الإرهابى لازم يبقى عربى؟»، فأبلغتنى أنها موضة يتبعونها فى أفلامهم، فاعتذرت عن الدور.

هل واجهت صعوبات وقت عودتك فنياً إلى مصر؟

- أهلت نفسى نفسياً أننى سأبدأ من الصفر، ولكن حظيت باستقبال هائل من زملائى، وشجعتنى المخرج إيناس الدغيدى على العودة، وقدمت معها فيلماً بعنوان «لحم رخيص».

فى رأيك، هل الهجوم على الفيلم وقت عرضه كان مبالغاً فيه؟

- الفيلم قوبل باعتراض واستهجان من البلدان العربية، لاعتراضهم على واقع حقيقى تطرق إليه الفيلم، حيث اعتبروه إساءة للعلاقات العربية، رغم كتابة صلاح فؤاد لسيناريو رائع.

ذكرت فى ندوة تكريمك أننا بحاجة لعودة قيمة المخرج...

انهيار صورة المخرج بمثابة سقوط للدراما والسينما، باعتباره رب العمل كما تعلمنا وتأسسنا فى بداياتنا، فهو الذى يعجن الممثل وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وأنا حزين على جلوس مخرجين كبار فى منازلهم، كالأستاذ على عبدالخالق والمخرجة إيناس الدغيدى، ولن أنسى الواقعة التى سردها «عبدالخالق» حين أعلن عن قيام ممثل لا يمكن وضعه فى مصاف النجوم بتغيير مهندس الديكور والمخرج، فمع الأسف المخرج أصبح أشبه بـ«الحذاء» يُمكن تغييره فى أى وقت.

وهل هذا الوضع كان سبب ابتعادك عن الدراما التليفزيونية خلال الآونة الأخيرة؟

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل