المحتوى الرئيسى

القوة والقرار والاقتصاد | المصري اليوم

10/10 04:45

للقوة السياسية قانونان رئيسيان أولهما أن أى فراغ أو ضعف داخل الدولة يحرك دائماً مطامع المتنافسين فيها لملئه والسيطرة عليها، كما حدث بشكل واضح بعد سقوط الرئيس حسنى مبارك فى 2011، والذى فجّر الصراع بين الدولة العميقة والإخوان المسلمين والتيارات المدنية مدعومة بالقوى الإقليمية والدولية ذات المصلحة فى التأثير أو السيطرة على مجريات الأمور فى مصر، ثم يأتى القانون الثانى الذى يتعامل مع درجة القوة وتركزها بعد امتلاكها من الطرف المنتصر والذى يدفع بأن القوة مفسدة، والقوة المطلقة مفسدة مطلقة، لأن عدم وجود نظام للتشاور واتخاذ القرار الجماعى وتدوير الحكم وتطبيق المحاسبة الشفافة لأصحاب الأمر فى إطار من الشرعية والمشاركة الشعبية يؤدى إلى الاحتكار الفردى أو الفئوى للسلطة الذى يقود بدوره إلى الفساد ليس بالضرورة فى شكله المادى من سرقة ورشوة ولكن فى صورته الأخطر وهى سوء التقدير فى اتخاذ القرارات التى تتسبب فى ضياع الموارد والفرص المحدودة المتاحة لكسر دائرة الفقر والتخلف.

فإذا كان النظام الدستورى والسياسى هو عقل الدولة المدبر ورقيبها، فإن الاقتصاد هو قلبها النابض، والاثنان يرتبطان ارتباطاً وثيقاً ويؤثران تأثيراً بالغاً على قدرتها وفاعليتها فى مكافحة مشاكل الفقر وضعف الإنتاجية والزيادة السكانية وكل تداعياتها على مستوى المعيشة إيراداً وصحةً وتعليماً وتلوثاً بيئياً وحضارياً، وعلى قدرتها فى مواجهة التحديات الخارجية لمصالحها الحيوية وحماية أراضيها ومواطنيها ومواردها الطبيعية.

وأساس استقرار العلاقة السوية بين المنظومتين هو الوضوح والتوازن، ولا يتأتى ذلك دون نظام سياسى يملك الرؤية الاقتصادية التنموية الناجحة التى يرتضيها الشعب ولا يفرضها الحاكم، والذى يرسخ التوازن بين السلطات كجزء من الحامض النووى للدولة، فالخطر يأتى دائماً من تهميش الشعب واستفحال دور أى سلطة بعينها، وفى الأغلب تكون السلطة التنفيذية هى التى تتجاوز السلطتين التشريعية والقضائية، وتتدخل فى العمل السياسى والإعلامى بشكل يخدم مصالحها لا مصالح الوطن بالضرورة. وهذا يمثل وضعاً اقتصادياً شديد الخطورة لأن أصحاب القرار فى عالم المال والاقتصاد يراقبون عن كثب ما يحدث فى المحيط السياسى، فإذا رأوا ظاهرة السلطة المطلقة تحوطوا وعدّلوا من حجم وطبيعة ومدة استثماراتهم لأنهم لا يفضلون هذا النمط من الأنظمة السياسية إلا فى الدول الريعية المصدرة للنفط أو المعادن أو المحاصيل الزراعية لأنه يُسهّل من الاتفاق على شروط إنتاجها وشرائها من أصحاب احتكاراتها داخل الدولة بشكل سريع ومربح لهم دون رقابة سيادية صحيحة طالما كان الطرف المحلى المهيمن راضياً ومستفيداً من التعامل معهم.

إلا أن المستثمر الأجنبى يعلم جيداً أنه لا قدسية أو احترام للقانون فى مثل هذه الأنظمة، لذلك يفضل أن يختصر فى مدة استثماراته وأن يُسرّع فى استرجاع أصلها وعوائدها، ولا يرى- غالباً- أى فائدة من الاستثمار الجدى طويل الأجل فى الأنشطة التحويلية ذات القيمة المضافة لأنه لا يأمن المستقبل من حيث التدخل التعسفى ضد مصالحه إذا تعارضت مع مصالح أصحاب القوة النافذة وتتواجد عادة فى هذه الأنظمة طبقة من المُنتفعين أو الوسطاء من أهل البلد الذين يجنون أرباحاً طائلة دون الإفصاح عنها أو دفع الضرائب عليها مقابل دورهم فى ضمان تسيير عجلة هذه العمليات وحل أى مشاكل قد تنجم منها بكافة الأساليب المشروعة أو غير المشروعة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل