المحتوى الرئيسى

«المصري اليوم» ترصد مشاهد من الداخل الأمريكي في جولة بعدة ولايات (صور) | المصري اليوم

05/08 04:49

فى ليلة شديد البرودة، حيث درجات الحرارة دون الصفر، كانت زيارتى الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، والتى امتدت بضعة أسابيع تنقلت خلالها بين ولايات عدة، قابلت بعضًا من المسؤولين وصناع القرار، وتعرفت عن قرب على كثيرٍ من المواطنين المحليين، سأحاول فى هذا التقرير رصد عدة مشاهد متعلقة بالداخل الأمريكى فى بعض الولايات، ولكن قبل الحديث عن تفاصيل تلك المشاهد، ربما خلصت فى تلك الزيارة لأمرين: أولهما متعلق بالساسة، ومفاده: «لا تنتظر إجابة واضحة من أى مسؤول فيدرالى تجاه القضايا الجدلية الشائكة، كتلك المتعلقة بالوضع فى غزة، فقط يُعطيك إجابات عامة متناثرة وأحيانًا متناقضة، وعليك أنت تفسيرها وتأويلها وتستنتج منها ما بين السطور».

50 مليونًا يواجهون تهديدًا شديدًا بالعواصف الرعدية في الولايات المتحدة

الإدارة الأمريكية: زيارة كيشيدا «تتويج للشراكة» بالنسبة للولايات المتحدة

الولايات المتحدة تجلي أكثر من 30 مواطنًا من جمهورية هايتي

الخلاصة الثانية، تتعلق بالداخل الأمريكى، ومفادها أن المواطن المحلى لا يهتم بسياسة بلاده الخارجية قدر اهتمامه بالوضع الداخلى، فقط 5% منهم مهتمون بالشأن الخارجى، ومن هنا يبرز دور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى و«جماعات الضغط والمصالح» فى تحريك المسار السياسى للإدارة الأمريكية وفقًا لمصالحهم وتوجهاتهم.

أكرم إلياس، الخبير فى الشؤون الفيدرالية، والذى ذاع صيته لسنوات طويلة بالداخل الأمريكى، يقول لـ«المصرى اليوم»، إن «الولاية» هى حجر الأساس فى الدولة الأمريكية، وإن أوليات الحكم المحلى تتجسد فى ثلاثة عوامل، أولها التنمية الاقتصادية التى تشغل بال المواطن الأمريكى دائمًا، ثم ملف التعليم المدرسى، وبعدها قضايا الأمن والسلامة، وهذا يفسر وجود 89 ألف حكومة محلية فى 50 ولاية أمريكية، تتحكم فى كافة احتياجات ومتطلبات المواطن المحلى، أما الحكومة الفيدرالية التى تتخذ من واشطن العاصمة مقرًا لها، فهى معنية فقط بملفات محددة وثابتة، أبرزها: الدفاع، السياسات النقدية، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

العلاقات بين الولايات، البالغ عددها 50 ولاية، قد تكون متباعدة ومتناقضة أحيانًا، كما يقول أكرم إلياس، وحاكم كل ولاية هو أشبه برئيس جمهورية تلك الولاية، وله كافة الصلاحيات فى تحديد اختصاصات وملفات ولايته، ولذا قد يتعجب البعض حينما يعلم أن الموطن المقيم مثلًا فى «كاليفورينا» إذا ارتكب جريمة قتل على سبيل المثال، وتمكن من الهروب أو السفر لولاية أخرى من الولايات الأخرى فلا يمكن تتبعه وتطبيق العقوبة عليه فى الولاية الجديدة التى يُقيم بها، إلا فى حالة واحدة، وهى ارتكابه مخالفة جديدة فى الولاية التى يقيم بها، وتم القبض عليه، وبمراجعة ملفه يمكن معرفة سابقة جرائمه، ولذا تُجرى الآن محاولات بين الولايات فيما يتعلق بالتنسيق الأمنى المتبادل فى تسليم المجرمين.

نقطة أخرى مهمة، يشير إليها الخبير فى الشؤون الفيدرالية أكرم إلياس، متعلقة بالحياة الحزبية بالولايات المتحدة، فبينما يعتقد الكثيرون حول العالم أن أمريكا لا يوجد بها سوى حزبين كبيرين، هما «الجمهورى» ونظيره «الديمقراطى»، وهو ما يفسر أن رئيس الإدارة الأمريكية لن يدخل «البيت الأبيض» إلا عبر إحدى هاتين البوابتين فقط، لكن الواقع الحزبى الأمريكى يوجد به 216 حزبًا سياسيًا، لكنها غير فاعلة فى «الملعب السياسى»، تمامًا مثل المشروبات الغازية، تسيطر عليها عالميًا شركتان كبيرتان فقط، فى حين أن هناك مئات الشركات التى تنتج المياه الغازية حول العالم لكن لا يعرف الناس عنها شيئًا.

النقطة الأخرى، وهى المتعلقة بالقطاع الخاص ومدى نفوذه وتأثيره على صناعة القرار بالداخل الأمريكى، يكفى أن نعلم أن القطاع الخاص يوظف 83% من الأيدى العاملة فى الولايات المتحدة الأمريكية، نفس الأمر متعلق بالمجتمع المدنى ومدة تأثيره وفاعليته، حيث يوجد 2 مليون مؤسسة مجتمع مدنى فى أمريكا، وقد تتفاجأ عندما تعلم أن 5% فقط من تلك المنظمات مهتمة بالشأن الخارجى، وغالبيتها مهتم بقضايا مثل البيئة، حقوق المرأة، وحقوق الإنسان، وننوه هنا إلى أن فترة تسجيل أى مؤسسة مجتمع مدنى قد لا تستغرق ساعتين فقط، وهذه المنظمات تعمل فى محاور تتعلق بالحكم الذاتى، وحرية التعبير، وأيضًا حرية التجمع والتنظيم.

وبالانتقال للحديث عن دور الإعلام فى أمريكا، يؤكد أكرم إلياس، الخبير فى الشؤون الفيدرالية، أن الإعلام «لاعب» غير رئيسى فى الأحداث الأمريكية، هو فقط يوجه ويؤثر بشكل غير مباشر فى القضايا التى يتناولها، لذا لم نَرَ وزارة مخصصة للإعلام منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الشعب الأمريكى يتوقع من الإعلام توعيته بالمشاكل التى ستواجهه وكيف يتعامل معها.

وبالنسبة لوسائل الإعلام، خاصة المحلية منها، كشفت الصحفية والباحثة سونيا توكر، الخبير فى الشؤون الإعلامية بولاية أتلانتا، أن نسبة 70% من السوق الإعلامية المحلية فى أمريكا هى فى «يد واحدة» تقريبًا، حيث يوجد 4- 5 شركات كبرى تتحكم فى كل شىء وتؤول إليها ملكية العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية.

فى واشنطن العاصمة، حيث مقر الحكومة الفيدرالية ومركز صنع القرار، ربما كان الأمر اللافت للنظر هو الحديث الدائم عن قوة الديمقراطية، وشكل وملامح العلاقة المتوازنة والمتشابكة بين قاطن البيت الأبيض وممثلى الشعب «الكونجرس»، سواء فى مجلس النواب (435 ممثلًا) أو الشيوخ (120 عضوًا)، كل شىء تقريبًا له دلالة فى مُخيلتهم، الساسة والنشطاء، وله علاقة ولو رمزية بالديمقراطية الأمريكية، حتى «التماثيل» المنتشرة بالعاصمة لبعض الرموز والرؤساء السابقين وضحايا الحروب، تُؤول على نحو يعكس متانة الديمقراطية وحجم الحريات التى تتمتع بها القوى العظمى بالعالم، صحيح بعضها حقيقة كتلك المتعلقة بـ«مارتن لوثر كنج»، الزعيم الأمريكى من أصول إفريقية، الذى يعتبر أهم الشخصيات التى ناضلت فى سبيل الحرية وحقوق الإنسان وإنهاء التمييز العنصرى ضد السُّود، لكن بعضًا منها فيه مبالغات، كتفسير بعضهم لملامح وجه تمثال الرئيس الأسبق «إبراهام لينكولن»، ودلالتها المتعددة، خاصة عندما تنظر أنت إليه من كافة الاتجاهات، وكيف أن لكل اتجاه رمزية ودلالة وعمقًا!.

من العاصمة، حيث الصورة المثالية عن الديمقراطية الأمريكية، توجهت إلى مدينة أتالانتا بولاية جورجيا، ومطارها الأكثر ازدحامًا بالعالم، وفى هذه المدينة التى تُنتج ما يزيد على 3500 سلعة مختلفة، قمت بجولتى الأولى بالمدينة، وفى شارع على مقربة من وسط المدينة وأبرز معالمها، كانت المفاجأة عندما تلقيت تحذيرًا من أصدقاء بخطورة المرور فى هذا الشارع المؤدى إلى مركز للتسوق، خاصة خلال فترة الليل، وذلك نظرًا لاحتمالية تعرضى لاعتداء من مُدمنين ومشردين يترددون عليه باستمرار، ووسط رغبتى فى التجول بهذا الشارع تحديدًا، لاحظت وجود الكثير من الزجاجات المهشمة، ومنشورات معلقة تحمل صورًا لبعض الوجوه مدونة عليها عبارات «مطلوب»!

تواجد «المشردين» ليس فقط فى المناطق النائية والبعيدة، بل قد تجدهم فى كل مكان، حتى أمام مقر عمدة المدينة، وهنا كانت المفاجأة عندما خرجنا من زيارة لمكتب العمدة، كان فى انتظارنا أحد «المشردين» الذى حاول الاعتداء على الحافلة التى تُقلنا، وداخل المكتب تحدثت نائبة العمدة بأن المدينة لديها خطة لاستيعاب المشردين من خلال الاستعانة بالحافلات الكبيرة وتجهيزها لإيواء هذه الفئة خلال فترة الليلة.

وأظهر تقرير حديث ارتفاع نسبة المشردين فى البلاد إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق فى الولايات المتحدة، مع تزايد صعوبة تحمل تكاليف السكن، وأفاد التقرير السنوى لوزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية بأن عدد الأشخاص المشردين فى الولايات المتحدة قفز بنسبة 12% خلال العام الجارى مقارنة بالعام السابق، بعد أن انضم نحو 70650 اسمًا جديدًا إلى قائمة الأشخاص بلا مأوى هذا العام.

وكشف التقرير عن قفزة حادة فى عدد الأفراد الذين أصبحوا بلا مأوى لأول مرة فى حياتهم، فبين عامى 2021 و2022 ارتفع عدد الأشخاص الذين انضموا لقائمة المشردين حديثًا بنسبة 25 فى المائة، على الرغم من زيادة عدد الأشخاص الذين تمكنوا من تجنب التشرد والحصول على سكن دائم بنحو 8 فى المائة. وتصدرت كاليفورنيا الولايات الأعلى من حيث نسبة التشرد فى البلاد مسجلة 68%، وتستهدف إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن خفض نسبة التشرد بنسبة 25% حتى عام 2025، فى إطار الخطة الاستراتيجية الفيدرالية التى أُطلقت فى ديسمبر 2022.

ربما لم يُحسن الصورة الذهنية عن تلك المدينة الهادئة الممتلئة بالأشجار «أتالانتا» سوى الاستضافة المنزلية للسيدة بولى وعائلتها الجميلة، تلك الاستضافة التى غيرت كثيرًا من الانطباعات السلبية عن سكان المدنية، نظرًا لما لمسته من مشاعر إيجابية ومحبة مُجردة من تلك العائلة وأصدقائهم الذين كانوا فى انتظارنا، اهتموا بكل شىء تقريبًا، بدءًا من الطعام الذى يناسب ثقافتنا وخلفيتنا العربية والإسلامية، وحتى أدق التفاصيل الأخرى، لنجد هذا المواطن الأمريكى «بولى» الذى حرص على ترديد بعض الكلمات بالعربية رغم صعوبتها عليه، بل تعلم جملًا إضافية وظل يرددها ويكتبها بخط يده، بل فاجأنا بكتابة بعض الآيات القرآنية.

من مدينة أتالانتا بجورجيا إلى «لوس أنجلوس» بولاية كاليفورنيا، «مدينة الملائكة»، كما يقولون عنها، حيث الجغرافيا المتنوعة، والجبال الشاهقة، والغابات الكثيفة، والبحيرات والأنهار، ومن قبلها «هوليوود» التى تحظى بشهرة عالمية جعلت من هذه المدينة عاصمة الترفيه فى العالم.. كل شىء تقريبًا كان جميلًا فى تلك الولاية، حتى ظهر لنا ما يُعكر صفوها، وهو مشهد «الأعلام المرفوعة» أمام مدينة «بيفرلى هيلز» التى يقطنها الأغنياء، وهو عبارة عن عشرات بل مئات الأعلام لدولة الاحتلال، وفى القلب منها بعض الأعلام الأمريكية، تلك الأعلام المُثبتة على شكل دائرة كبيرة فى حديقة تقع بمدخل المدينة التى يشكل اليهود الأثرياء معظم سكانها، فى إشارة واضحة للدعم المطلق من سكان تلك المدينة لإسرائيل.

أهم أخبار الوسيط

Comments

عاجل