المحتوى الرئيسى

دكتور أيمن الغندور يكتب: الرؤية الأمريكية لمستقبل النظام الدولي

05/06 16:30

لقد كشفت الأزمات الدولية، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية ، والحرب على غزة - التى سخرت فيها الولايات المتحدة كل أدواتها لحماية إسرائيل بغض النظر عن القيم الإنسانية والأخلاقية والقوانين والأعراف الدولية - عن وجود فشل كبير فى النظام الدولى القائم (نظام القطب الأوحد) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، فى القيام بمهمته في تحقيق الاستقرار الدولى وحفظ السلم والأمن الدوليين ، أو التوازن اللازم لاستمرار النظام الدولى . مما دفع القوة الصاعدة (الصين) والقوى العائدة (روسيا) في ٤ فبراير ٢٠٢٢، إلى المطالبة فى البيان الصيني الروسي المشترك بعد لقاء الرئيسيْن «فلاديمير بوتين» و «شي جين بينج»، في الدورة الأولمبية الشتوية في بكين بمراجعة النظام الدولي الذي استقر منذ نهاية الحرب الباردة، والقائم على الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، والتي تتولى تحقيق الأمن والسلام والتعاون في كوكب الأرض ، ووجوب مشاركة دول العالم الأخرى معها فى ذلك ، خاصة مع ما يشهده النظام الدولي من تحولات عميقة وجذرية ، تتمثل فى تراجع الهيمنة الأمريكية بسبب وجود تحديات لدور الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وتراجع نفوذها ، وتزايد القوة النسبية لروسيا والصين، والتغيرات في بنية النظام الدولي.

وقد أشار تقرير مجتمع المخابرات الأمريكى لسنة 2024 حول تقييم التهديدات المحتملة للأمن القومى للأمريكى خلال سنة 2024 ، إلى أن أهم التهديدات للأمن القومى الأمريكى هو زيادة هشاشة النظام الدولى القائم على تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم ؛ بسبب تسارع المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى ، ورغبة القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا ، والقوى المحلية والإقليمية التى تحاول أيضًا كسب النفوذ وممارسته ، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب جيرانها والنظام العالمي نفسه ، والجهات الفاعلة غير الحكومية الأكثر قدرة على تحدى القواعد القديمة للنظام الدولي ، فى إزاحة القوة المهيمنة (الولايات المتحدة) من على قمة النظام الدولى ، وتحويل النظام الدولى من نظام أحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة إلى نظام ثنائى القطبية أو متعدد الأقطاب. وأن العالم الذي سيخرج من هذه الفترة المضطربة ليتشكل على يد القوى الدولية التى تُقدم الحجج الأكثر إقناعا حول الكيفية التي ينبغي بها إدارة العالم ، وتنظيم المجتمعات، وما والأنظمة الأكثر فعالية في دفع النمو الاقتصادي وتوفير المنافع لعدد أكبر من الناس، و من قبل القوى -سواء الحكومية أو غير الحكومية- الأكثر قدرة ورغبة على إيجاد حلول للقضايا العابرة للحدود الوطنية والأزمات الإقليمية.

فتنخرط العديد من الدول في سلوك تنافسي يهدد بشكل مباشر الأمن القومي الأمريكي، وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن المنافس الأكبر لها عالميا على النفوذ هى الصين ، ويصفها مجتمع المخابرات الأمريكى بـ (الطموحة والمضطربة) ، فتتمتع الصين بالقدرة على التنافس مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها وتغيير النظام العالمي القائم على القواعد بطرق تدعم قوة بكين ونظام الحكم الخاص بها على حساب الولايات المتحدة. وقد تجعل التحديات الديموجرافية والاقتصادية الخطيرة للصين منها فاعلاً عالميًا أكثر عدوانية وغير متوقعة.

حيث تنافس الصين على التفوق على الولايات المتحدة في القوة الوطنية الشاملة للدولة (قدرات الدولة الشاملة) فعناصر القوة الشاملة للدولة الصينية كما تراها الولايات المتحدة الأمريكية بالترتيب على النحو الآتى ( القوة السياسية ، القوة الاقتصادية ، القوة التكنولوجية ، اسلحة الدمار الشامل ، القوة العسكرية ، القوة الفضائية ، القوة السيبرانية) ، كما أنها تعل على ترسيخ احترام جيرانها ودول العالم الأخرى لرغباتها بشكل آمن ، وترى الصين أنها القوة البارزة في شرق آسيا وقوة رائدة على المسرح العالمي. وسيحاول الحزب الشيوعي الصيني استباق التحديات التي تواجه سمعته وشرعيته، وتقويض نفوذ الولايات المتحدة، ، وتعزيز المعايير العالمية التي تفضل نظامها الاستبدادي. والأهم من ذلك، أن جمهورية الصين الشعبية سوف تضغط على تايوان من أجل التوحيد، وهو جهد من شأنه أن يخلق نقاط احتكاك حرجة مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من النكسات الاقتصادية، فإن قادة الصين سوف يحافظون على سياسات اقتصادية مركزية لتوجيه رأس المال نحو القطاعات ذات الأولوية، والحد من الاعتماد على التكنولوجيات الأجنبية، وتمكين التحديث العسكري.

وعلى النقيض من ذلك يصف مجتمع المخابرات الأمريكى روسيا بـ (المواجهة) ، ويرى أنها تهدد الولايات المتحدة بشكل مباشر في محاولة لتعزيز نفوذها على الصعيدين الإقليمي والعالمي ، فاستمرار الحرب الروسية في أوكرانيا يؤكد أنها لا تزال تشكل تهديدًا للنظام الدولي الذى تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية .

فقد أدت الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا إلى أضرار جسيمة في الداخل والخارج، لكن روسيا تظل خصمًا مرنًا وقادرًا عبر مجموعة واسعة من المجالات، وتسعى روسيا إلى إبراز مصالحها والدفاع عنها عالميًا وتقويض نفوذ الولايات المتحدة والغرب. ويشكل تعزيز علاقات روسيا مع الصين وإيران وكوريا الشمالية لتعزيز إنتاجها الدفاعي واقتصادها تحديا كبيرا للغرب والشركاء. وسوف تستمر روسيا في السعي وراء مصالحها بطرق تنافسية وأحياناً تصادمية واستفزازية، وستمارس الضغوط للتأثير على الدول الأخرى في منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي بدرجات متفاوتة.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل