المحتوى الرئيسى

أحمد صابر يكتب : الليبرالية المنظمة وعبور الفجوة

10/18 21:50

في الوقت الذي غرق فيه جوهر الفكر الليبرالي الأصيل في بحار العموميات وأنهار المبادئ غير الواضحة ذات الأمواج المتضاربة، تمكن التيه من أصحاب تلك الأيدولوجية وبخاصةً في بلادنا العربية، وما زاد الأمر سوءًا كثرة أعاصير الجهل التي تحاول أن تقتلع بكل قوتها قواعد الليبرالية الراسخة، وأن تهدم أبنيتها الشامخة.

هنا كان لابد من ظهور مصطلح جديد يجيد السباحة، ويجيد التصدي لذلك التيار الشمولي العاصف بكل فلسفات الحرية، ظهر ليحاول إنقاذ الليبرالية الغريقة مما آلت إليه أوضاعها، هذا المصطلح الجديد هو "الليبرالية المنظمة" ، وهو طرح يعمد إلي خلق أحزاب ليبرالية عاملة تعيد صياغة فلسفة جديدة وتحدد أهدافًا واقعية تناسب أحوال البلاد والعباد، ليكون منهجها واضحًا أمام مجتمع ومفهومًا من الجميع، ظهر لكي نتخلص من تلك المرحلة المؤسفة التي اختلطت فيها مبادئ الليبرالية بموافقة الأحزاب التي تحمل اسمها بمبادئ أخري دخيلة علي مضمون الليبرالية وجوهرها الأصيل، ذلك التداخل والإختلاط غير المبرر الذي سمح به المنتسبون للفكر الليبرالي هو ما أدي لضعف الليبرالية ودخولها في تلك الغيبوبة الطويلة، حتي لنجد أحزابًا ليبرالية المسمي، لكنها اكتست بمبادئ غيرها و استسلمت لما فرضه المجتمع عليها من قيود.

ومن هنا، كان لابد أن نتحدث عن الليبرالية المنظمة التي تهدف إلي تغيير بعض الأولويات السياسية لتستعيد الليبرالية نبضها مرة أخرى، إن جميع السياسات التى تروج لها الأحزاب الليبرالية أو تدعمها لابد أن تلتزم بمعايير سياسية محددة، هذه المعايير تتلخص في قاعدتين أساسيتين نستطيع من خلالهما أن نحدد ما إذا كانت السياسة تتسم بالليبرالية حقًا أم لا،وأول قاعدة هي السعي لتدخل أقل من جانب الدولة، والإعلان بوضوح أن القطاع العام ليس حلًا، بل هو المشكلة ذاتها، وبالتالي، فلابد أن تتبنى الليبرالية سياسة القطاع الخاص والرأسمالية التنافسية، وأن ترفض بشكل قاطع تدخل الدولة غير المبرر وتحكمها في السوق عن طريق فرض الضرائب وصياغة القوانين المنظمة، فقد أثبت التاريخ بما لا يدع مجالًا للشك أن الرأسمالية هي الحل الأمثل، وأن غيرها من السياسات مجرد دعاية تدّعي المثالية دون تحقيق أية فائدة حقيقية تستطيع أن تغير من وضع المجتمع أو تساعد على تقدمه في الإقتصاد.

لقد تصدت الليبرالية الحديثة_في شكل رأسمالية السوق الحرة _للأرستقراطية الراسخة تاريخيًا، وبعد الحرب العالمية الثانية ظهر التمجيد المبالغ فيه للإشتراكية، فتحول الليبراليون فجأة إلي مناصرة "المساواة" ، وتبني قيم المساواة من خلال إعادة توزيع الدخل، هذه الأفكار التي تدعو إلي تدخل الدولة وفرض الضوابط الرامية لجعل السوق أكثر عدلًا، ووضع هذه الضوابط يكون بواسطة جهات حكومية تتحكم في حركة السوق وتحد من حريته،هذا التداخل مع مبادئ الإشتراكية هو ما نزع عن الليبرالية رونقها الخاص، وهو ما أدى بدوره أيضًا إلي تفسخ هذه الأحزاب وإصابتها بضعف طويل الأمد.

القاعدة الثانية التي تحدد ليبرالية أي سياسة من عدمها، هي الإحترام المطلق للحرية، الحرية الفردية التي تهدف لإعطاء كل شخص الخيار بأن يحدد مستقبله ويرسم أهدافه دون طريق يعترضه، بالإضافة لاحترام حقوق الإنسان والتي تتضمن بداخلها حريته الإقتصادية بالطبع، وتخفيف الأعباء عن السوق، إلي جانب حريته الدينية المطلقة.

إن الليبرالية ليست مجرد أيديولوجية، بل هي أسلوب حياة تدعو إلي الإنسانية والحرية دون قيام وصاية من أحد، ولذلك فيجب أن يعتز الليبراليون بمنهجهم، وأن يكونوا أكثر صرامة في مبادئهم، فلم يعد هناك مجال للنفاق واذدواج المعايير، والليبرالية لها الكثير من السمات التي تميزها عن بقية السياسات، سواء عن المحافظين الشموليين أو الإشتراكيبن والشعبوبين الذين يدّعون المثالية بتحقيق المساواة ولو بالقسر والإجبار، وهو الأمر الذي يجعلهم في مواجهة دائمة مع الرأسمالية، وبالتالي فهم في مواجهة دائمة مع الليبرالية أيضًا، ومن المستحيل أن تتلتقي الليبرالية مع غيرها من هذه السياسات.

من المهم الآن أن تتضافر جهود الليبراليين لمواجهة الأعباء الضريبية الثقيلة، إضافةً إلى الهروب من اتباع نظام القطاع العام والتبرؤ من الشعارات الخاوية كالمساواة وغيرها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل