المحتوى الرئيسى

الآثار الاقتصادية لانعدام الأمن فى الخليج

09/18 19:53

نشرت مؤسسة صدى كارنيجى مقالا للكاتب «هادى فتح الله» عن تطورات الأوضاع الأمنية فى منطقة الخليج وتأثيرها على الاقتصاد نعرض منه ما يلى؛

فى يوليو، احتجزت جمهورية إيران الإسلامية ناقلة نفط بريطانية. وفى يونيو، أسقطت إيران أيضا طائرة استطلاع أمريكية من طراز جلوبال هوك عالية الارتفاع بقيمة 200 مليون دولار، وتم تخريب ست ناقلات نفط محملة بالنفط الخام من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فى مايو ويونيو. هذه السلسلة من الأحداث تسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة لأمن الخليج. ردا على التغيرات، ناشدت دول الخليج العربى الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولى للتدخل أو السعى لإرضاء إيران. فى المقابل، كانت إيران واضحة حول حيوية أمن الخليج لمصالحها وركزت على حماية مصالحها الاقتصادية من خلال وجودها الأمنى عبر دورياتها البحرية المستمرة ونشر الصواريخ فى الخليج.

على المدى القصير، رغم أن انعدام الأمن الحالى أدى إلى زيادة كلفة المخاطر فى صناعة تصدير النفط، إلا أن دول الخليج العربى تكافح من أجل حماية مصالحها بالنظر إلى أن التجارة الخليجية بأكملها ــ بقيمة 1.2 تريليون دولار ــ على المحك. جميع دول الخليج العربى هى فى المقام الأول من الدول المصدرة للنفط. يشكل النفط ما يصل إلى 80 فى المائة من ميزانياتها الوطنية ــ بينما تعتمد إيران على صادرات النفط لنحو 30 فى المائة فى ميزانيتها الوطنية. على هذا النحو، فإن أمن سلسلة إمدادات تصدير النفط فى الخليج أمر حيوى، من الإنتاج والتصدير إلى المرافق والتخزين والنقل.

المملكة العربية السعودية هى أكبر دولة مصدرة للنفط فى منطقة الخليج بنحو 6.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات النفطية. يتم تصدير نحو 80 بالمائة من صادراتها النفطية عبر ميناء رأس تنورة وميناء الجعيمة وميناء الملك فهد الصناعى بالجبيل. يصدر العراق، ثانى أكبر مصدر للنفط، نحو 3.8 مليار برميل من النفط يوميا ــ أى ما يقرب من 90 فى المائة من إيرادات الدولة العراقية. وهى تصدر عبر محطتى البصرة وخور العمية للنفط، فى أقصر السواحل على مياه الخليج. تنتج قطر، أكبر مصدر عالمى للغاز الطبيعى، نحو 40 مليار دولار من دخلها السنوى من شحن 77 مليون طن سنويا ونحو 2.1 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات يوميا عبر مضيق هرمز. مع حصة تقارب 30٪ من سوق الغاز الطبيعى العالمى، تقوم قطر أيضا بزيادة إجمالى صادراتها من الغاز إلى 110 ملايين طن. ثلاثة أرباع هذه الصادرات ملتزمة بعقود التوريد طويلة الأجل، والتى تشحن جميعها من الخليج. إيران هى رابع أكبر مصدر للنفط من الخليج. تقع جميع موانئ ومحطات النفط الرئيسية فى إيران داخل الخليج، بما فى ذلك جزر الخرج، ولافان، وسيرى، وعسلوية، وبندر عباس، وبندر الإمام الخمينى، والتى تصدر منها إيران نحو 2.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات. عبر المضيق من إيران، تصدر الإمارات نحو 1.7 مليون برميل يوميا، بالإضافة إلى 800 ألف برميل يوميا تتجاوز مضيق هرمز عبر خط أنابيب أبو ظبى للنفط الخام إلى ميناء الفجيرة على المحيط الهندى.

لدى المملكة العربية السعودية والعراق وإيران قنوات تصدير بديلة. فى حين أن هذه الدول قادرة على تجاوز المضيق من خلال التصدير عبر محطات رابغ وخط أنابيب كركوك ــ جيهان، والنقل البرى وخطوط الأنابيب عبر البلدان المجاورة، فى الواقع، فإن طرق التصدير البديلة لن تعوض حتى أكثر من 40 فى المائة من الصادرات الحالية من خلال هرمز. من ناحية أخرى، ليس لدى قطر والكويت والبحرين إمكانية الوصول إلى الطرق البديلة المحدودة لتصدير النفط. تصدر الكويت نحو 1.9 مليون برميل يوميا حصريا من خلال هرمز، حيث تمثل نحو 90 بالمائة من عائدات الصادرات الكويتية. البحرين هى أصغر الدول المصدرة للنفط فى الخليج؛ حيث تصدر نحو 300 ألف برميل من المنتجات النفطية يوميا. هذا النقص فى قنوات التصدير البديلة مع انعدام الأمن المتزايد سيؤثر بشكل غير متناسب على دول الخليج الصغرى.

التاريخ هو خير دليل على تأثير الاضطرابات فى سلسلة إمدادات النفط. فى عام 1984، اندلعت حرب ناقلات بين إيران والعراق والتى أثرت على ناقلات النفط الكويتى وأرغمت البحرية الأمريكية لحماية المصدرين الخليجيين وضبط مياه الخليج بشكل فعال بأكبر قافلة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية. هددت حرب الناقلات بتعطيل إمدادات النفط العالمية. عانت إيران من أضرار كبيرة فى مرافق تصدير النفط فى جزيرة الخرج، وفقد العراق شحنات كثيرة، وعانت الكويت وغيرها من المصدرين من الأضرار وزيادة تكاليف النقل. وشملت الخسائر الإجمالية أضرار لنحو 450 ناقلة نفط تابعة لإيران والعراق والكويت والسعودية وشركات الشحن الدولية التى تبحر تحت أعلام ليبيريا واليونان وقبرص ومالطا. أسفرت حرب الناقلات عن سقوط 320 ضحية وإسقاط طائرة ركاب إيرانية أسفرت عن مقتل 290 شخصا بطريق الخطأ.

إن الاضطراب الحالى لأمن النفط فى الخليج له آثار واسعة على الأمن والاقتصاد فى المنطقة. إنه يؤثر على الشحنات البحرية الأخرى، وكذلك النقل الجوى؛ حيث تقوم العديد من شركات النقل بتحويل الرحلات الجوية من فوق مضيق هرمز. وقد تواجه دبى والدوحة، اللتان تسوقان كمركزين عالميين للنقل والخدمات اللوجيستية والمراكز المالية، صعوبات اقتصادية. تبلغ القيمة الإجمالية للتجارة (استيراد وتصدير جميع البضائع بما فى ذلك النفط) من قبل جميع دول الخليج نحو 1.2 تريليون دولار سنويا. وبدون حساب الخروج المحتمل للاستثمارات الأجنبى والودائع المحلية ــ وكذلك انخفاض قيمة الأسهم والعقارات فى الخليج ــ فإن المخاطر الاقتصادية مرتفعة جدا.

بدافع من العقوبات الأمريكية المشددة، تؤكد إيران مصالحها من خلال الوجود البحرى فى الخليج. وفى الوقت نفسه، لم تفعل معظم دول الخليج العربى الكثير للحفاظ على حصصها فى اقتصاد الخليج، على افتراض أن الولايات المتحدة ستتولى الدور الريادى، كما فعلت فى الماضى. ومع ذلك، تواجه دول الخليج العربى إدراك أن الأولويات الجيوسياسية للولايات المتحدة قد تغيرت، وأن أمن إمدادات النفط عبر مضيق هرمز قد لا يعد أولوية للولايات المتحدة. إن نشر الولايات المتحدة القوات والمستشارين الأمريكيين البالغ عددهم نحو 35000 فى قواعد شبه دائمة فى الخليج هو ليس لأغراض ضمان الأمن النفطى أو استقرار دول الخليج العربى، إنما نشرها هو نتيجة للأهداف الأمنية المتعلقة بنهضة الصين وإعادة تموضع أمريكية على المستوى العالمى.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل