المحتوى الرئيسى

بعد اتفاق تقاسم السلطة.. هل انطلق قطار التغيير في السودان؟

08/20 16:34

بعد أكثر من أربعة أشهر على الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير، تم توقيع الاتفاق الرسمي للمرحلة الانتقالية بين المجلس العسكري الحاكم وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير" المعارض. ونص الاتفاق على تشكيل مجلس "سيادي" ومجلس للوزراء، واللذين من المفترض أن يقودا المرحلة الانتقالية نحو تشكيل سلطة مدنية. وستستغرق المرحلة الانتقالية ثلاث سنوات قبل إجراء الانتخابات في عام 2022.

ويفترض أن يضم "المجلس السيادي" 11 عضواً، ستة مدنيين وخمسة عسكريين، ويرأسه لمدة 21 شهراً في البداية عسكري، ثم يخلفه مدني للفترة المتبقية من 18 شهراً.

ووسط البهجة المحيطة بتوقيع الاتفاق، خصوصاً وأنه يأتي في نفس الوقت الذي بدأت فيه محاكمة البشير، لايزال القلق ينتاب بعض السودانيين، وسط مخاوف من احتكار الجيش للسلطة. وتقول الكاتبة الصحفية السودانية درة مختار لـDW: "الناس قلقون لأن نظام البشير لايزال موجوداً في أعلى رتب الجيش، لكنهم متفائلون بنفس الوقت لأن حقبة جديدة قد بزغت".

ويرى المحلل السياسي السوداني محمد الأسباط في حديث لـDWعربية أن "توقيع الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية يعتبر نقطة مفصلية من تاريخ السودان الحديث"، ويضيف: "هذا الاتفاق طوى 30 عاماً من حكم الدكتاتورية بقيادة المخلوع عمر البشير وجماعة الإسلام السياسي في السودان، وفتح طريقاً واسعاً أمام تحول مدني ديمقراطي".

يرى محمد الأسباط أن الاتفاق في السودان "تاريخي"

ورغم أن الأسباط يعتبر أن الاتفاق "بداية مرحلة تحول ديمقراطي حقيقي" في السودان، إلا أنه يعتقد أن هناك "الكثير من العقبات" التي تقف أمام هذا التحول.

وأهم هذه العقبات، بحسب الأسباط، تتمثل في كيفية تعزيز السلام وحل الأزمات التي خلفها نظام البشير. ويواصل الخبير: "أول هذه الأزمات هي الأزمة الاقتصادية وما ترتب عنها من بطالة وقلة ثقة المستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى حرمان السودان من تلقي المساعدات في ظل وجود تركة ثقيلة من الديون الخارجية تبلغ عشرات مليارات الدولارات".

ويعتقد فيليب يان من فرع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في الخرطوم أن "تأمين حياة كريمة للسودانيين ستكون المهمة الرئيسية على مدى السنوات الثلاث القادمة"، ويتابع في حديث لـDW: "انقطاع الكهرباء مستمر وبالبنزين بالكاد يكون موجوداً، كما أن الأسعار مرتفعة للغاية".

وقد تكون هذه العقبات الاقتصادية هي ما جعلت الحركة الاحتجاجية تقترح اسم عبدالله حمدوك، الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة، ليتولى رئاسة الحكومة. وماعدا الأزمة الاقتصادية، فإن إعادة بناء العلاقات الخارجية وإعادة الثقة في العلاقات الداخلية هي عقبة أخرى أمام الحكومة السودانية المرتقبة، كما يرى المحلل السياسي محمد الأسباط، ويوضح: "يجب إعادة بناء الثقة بين المدنيين والعسكريين خلال المرحلة الانتقالية حتى تتمكن الحكومة المدنية من أداء مهامها على أكمل وجه".

ويشير الأسباط في الوقت نفسه إلى ضرورة حل "أزمة الثقة" بين مكونات قوى الحرية والتغيير، ويشرح: "قوى الحرية والتغيير تحالفت من أجل إسقاط النظام لكن بكل تأكيد فإنها تتصارع من أجل الظفر بمقاعد في السلطة والاستئثار بالقرار".

المحلل السياسي السوداني محمد الأسباط

لكن النقطة الأهم والأكثر تعقيداً، على حد تعبير الأسباط، هي تدخلات الدول التي لا ترغب بوجود دولة ديمقراطية حقيقية في السودان، كما يقول، ويضيف: "السودان الديمقراطي سيكون جزيرة ديمقراطية في محيط من الدكتاتوريات والدول الاستبدادية، وستحاول هذه الدول بمختلف الوسائل إجهاض المشروع الديمقراطي"، ويتابع: "وهذا ما حدث في أعقاب ثورة أكتوبر عام 1964 وانتفاضة أبريل عام 1985".

ورغم أن الأسباط يعتقد أنه من الصعب على المدى القصير أو المتوسط أن يستطيع الجيش احتكار السلطة، كما تم في مصر، إلا أنه لا يستبعد أن يحدث انقلاب عسكري جديد في السودان بعد المرحلة الانتقالية، ويضيف: "التجارب السودانية معروفة وهي أن انتكاسات الثورات تكون عبر انقلابات عسكرية بدعم من قوى ودول مضادة للثورات". ويشير الأسباط إلى أن المجلس العسكري حاول احتكار السلطة إثر الإطاحة بالبشير، لكنه، والكلام للأسباط، واجه الرفض والضغط من قبل الحراك الشعبي.

وهناك تحفظات في أوساط الحركة الاحتجاجية في السودان حول مشاركة نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي في العملية الانتقالية، وهو الذي شارك بتوقيع الاتفاق النهائي. وعن ذلك يقول الأسباط: "هذه من القضايا المعقدة جداً، لكن وبسبب الوضع الهش في السودان رأت قوى الحرية والتغيير أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق هو العمل مع جميع القوى العسكرية ومنها ميليشيات الدعم السريع التي يقودها حميدتي".

إرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin

ويقود دقلو "قوات الدعم السريع" المتهمة بتنفيذ العملية الدامية لفض الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلّحة في الخرطوم في 3 حزيران/يونيو. ويخشى كثر من أن يقوم باحتكار السلطة لاحقاً ويقضي على التحول الديموقراطي في البلاد.

ويتابع الأسباط: "هناك ملاحظات من رجال قانون أن السلطة الانتقالية غير منتخبة وبالتالي لا تملك القوة الفاعلة لإحداث تغيير جذري في بنية القوات المسلحة"، مشيراً إلى أنه "تم تأجيل هذه المعركة إلى ما بعد المرحلة الانتقالية".

ويأتي الاتفاق على الوثيقة الدستورية في السودان في وقت بدأت فيه محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير بتهمة الفساد. ويرى الأسباط أن محاكمة البشير بتهمة الفساد فقط "ليست سوى مسرحية يحاول فيها المجلس العسكري إرسال رسائل تطمينية للثوار بأنه مع الثورة"، مشيراً إلى أنه يعتقد أن الحكومة المدنية ستعيد النظر في أمر محاكمة البشير بعد تشكيلها.

وتوافقه في ذلك الصحفية السودانية درة مختار وتقول: "البشير ارتكب أكثر من ذلك بكثير. السودانيون ينتظرون أن تتم محاسبة جميع المسؤولين عن المعاناة الكبيرة والظلم الذي تعرض له هذا البلد منذ 1989".

ورغم وجود "مخاوف حقيقية" على مستقبل السودان، كما يرى الأسباط، إلا أنه "متفائل"، على حد تعبيره، ويختم: "السودانيون واعون لهذه المخاوف ومستعدون لمواجهتها وحراسة مكتسبات الثورة".

الفرحة عظيمة، فقد اتفق الجيش والمعارضة على تشكيل حكومة انتقالية. وينص الحل الوسط، الذي تفاوض عليه الاتحاد الأفريقي، على إنشاء مجلس سيادي مكون من خمسة مدنيين وخمسة عسكريين، على أن ينتخب هؤلاء العضو الحادي عشر. ومن المفترض أن تستغرق الفترة الانتقالية مدة تزيد قليلاً عن ثلاث سنوات.

"الوثيقة الدستورية" التي تتضمن بنود الاتفاق وقع عليها في الخرطوم السبت (17 أغسطس/ آب 2019) كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، وممثل تحالف "إعلان قوى الحرية والتغيير" أحمد الربيع بحضور رؤساء دول وحكومات أفريقية وممثلين عن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ووزراء ومسؤولين من دول خليجية وعربية.

وعلى الرغم من أن التسوية، التي تم التوصل إليها قد استوفت الكثير من المطالب المدنية، إلا أن الجيش سيستمر في لعب دور مهم في المستقبل، فالجنرال عبد الفتاح البرهان سيكون رئيسا خلال الفترة الانتقالية. هذا الاختيار لا يعجب الجميع بالضرورة، غير أنه يلقى تأييد كثيرين أيضا وخصوصا هؤلاء المتظاهرين في الصورة.

كان يفترض أن يتم في اليوم التالي، الأحد (18 أغسطس/ آب 2019) الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي، ليتم بعده الإعلان عن اسم رئيس الوزراء. وقد وافق المحتجون على عبد الله حمدوك، وهو مسؤول سابق، رفيع المستوى، بالأمم المتحدة ليتولى المنصب. كان حمدوك قد عُين عام 2016 كقائمٍ بأعمال الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، غير أنه تخلى عن منصبه في عام 2018.

لكن المجلس العسكري أعلن الاثنين (19 أغسطس/ آب) إرجاء تشكيل مجلس السيادة لمدة 48 ساعة بناء على طلب من "قوى الحرية والتغيير"، ونقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عن الفريق الركن شمس الدين الكباشي، المتحدث باسم المجلس القول بأن قوى الحرية والتغيير (الصورة أرشيف) طلبت الإرجاء حتى تتمكن من الوصول لتوافق بين مكوناتها على قائمة مرشحيها الخمسة لمجلس السيادة.

وفي نفس اليوم بدأ اجتماع لقوى الحرية والتغيير (الصورة من الأرشيف) وامتد حتى فجر اليوم التالي (الثلاثاء 20 أغسطس/ آب). وبعد توتر وملاسنات تم الاتفاق على كل من عائشة موسى وحسن شيخ إدريس ومحمد الفكي سليمان وصديق تاور ومحمد حسن التعايشي، ممثلين للقوى المدنية في المجلس السيادي.

بعد تشكيل المجلس السيادي والحكومة فعليا، ستدوم الفترة الانتقالية 39 شهرًا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2022، سيتم انتخاب حكومة جديدة. وحتى ذلك الحين، ستسير أمور البلاد، التي يزيد عدد سكانها عن أكثر من 40 مليون شخص، الحكومة الانتقالية، طبقا للوثيقة الدستورية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل