المحتوى الرئيسى

معاناة رحلة البحث عن حبوب منع الحمل | المصري اليوم

07/22 00:02

منذ مرت مصر بأزمة نقص الدولار «العملة الصعبة» فى عام 2016، شهدت سوق الدواء المحلية تناقص المعروض من العديد من السلع الدوائية والطبية، ومنها حبوب منع الحمل التى دفعت كثيرا من السيدات إلى خوض رحلة البحث عنها، وتعددت شكاواهن من عدم توفر بدائلها فى معظم الصيدليات.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية صارت هناك فترة شبه ثابتة كل عام فى فصل الربيع وبداية الصيف، تشهد فيها مصر قلة واضحة فى الكمية المعروضة من حبوب منع الحمل بأنواعها المختلفة، المحلية والمستوردة.

يأتى هذا فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة لمحاصرة التزايد الكبير فى معدلات الإنجاب، خاصة مع عزوف السيدات والرجال عن استخدام الوسائل البديلة لمنع الحمل، مع معاناة النساء من اضطرابات هرمونية نتيجة استخدام تلك الوسائل البديلة.

مريم حنا، موظفة، 28 عاما، مقيمة بالقاهرة, تقول: «لدى طفلان ولا أريد الإنجاب مرة أخرى والوسيلة المناسبة لى لتنظيم عملية الإنجاب هى حبوب منع الحمل، وحينما ذهبت إلى العديد من الصيدليات لشراء النوع الذى أتعاطاه من أقراص منع الحمل لم أجدها، بحثت كثيرا عنها لدرجة أنى طلبت من شقيقتى المقيمة بإحدى محافظات الوجه القبلى البحث عنها فى الصيدليات لكن دون فائدة، حتى بدائلها غير متوفرة فى الصيدليات».

تبحث مريم عادة عن الأقراص مصرية الصنع التى وصفها لها طبيبها، عندما التقتها «المصرى اليوم»، كانت مريم فى اليوم الرابع من رحلة بحثها التى لم تكلل بالنجاح: «هذا يزيد قلقى من حدوث حمل أو مشاكل صحية نتيجة تغيير نوع الحبوب، خاصة أن كل ما وجدته كان مستورد وغالى جدا، وأضطر إلى شرائه بسعر عال لا يناسب إمكانياتى المالية، كما أن المصرى مناسب لصحتى أكثر حسب تأكيدات طبيبى».

منى عبد العاطى 31 عاما ربة منزل، تقول: «كنت أستخدم حبوب منع حمل مستوردة تدعى جينيرا، سعر العلبة 25 جنيه، ثم ارتفع إلى 36، ومؤخرًا أصبح 50 جنيه قبل أن تختفى من الصيدليات، وبدأت ألجأ إلى تغيير النوع حسب الموجود ما تسبب فى اضطرابات شديدة فى هرمونات جسدى وزيادة واضحة فى وزنى، هذا لا يناسب صحتى ويخالف تعليمات الطبيب». وتابعت: «اضطررت بعد رحلة البحث الشاقة عن جينيرا إلى تناول نوع مصرى، لأن أسعار باقى أنواع حبوب منع الحمل أصبحت مرتفعة جدا».

وتواصل: «المستورد غالى جدا، ولا يوجد بالعلبة سوى شريط واحد. أما المصرى كنت باجيب العلبة فيها 5 شرايط بـ 20 جنيه اسمه «ترايوسبت». ودا كمان أصبح ناقص من السوق، والصيدلى اللى موجود عنده بيستغل حاجتنا ويبيع الشريط الواحد بـ 20 جنيه».

سحر زكريا، موظفة، 33 عامًا، صارت تعانى من مشكلات فى الغدة الدرقية بسبب اضطرارها للجوء لحبوب منع حمل مغايرة لما وصفه لها طبيبها: «حاليا باتعاطى حبوب «سيلست» لأنى مش لاقية غيرها، ومتخوفة منها جدا وخايفة أبطلها يحصل حمل وأنا معايا 3 أطفال ومكتفية بيهم، ربنا يستر».

لم يختلف الحال كثيرا مع فاطمة السيد 35 عاما، التى تقول: «كنت باشترى علبة من نوع تحتوى على 3 شرائط، لكن حالياً الصيدلى يبيعها شريط واحد فقط بسعر العلبة»، مضيفة أن الطبيب الذى تتابع معه وصف لها أقراص «جينيرا» لكنها لم تجدها فى جميع صيدليات المنطقة التى تقيم بها بمحافظة الإسكندرية، مما اضطرها إلى استخدام وسائل أخرى لا ترغب فى استخدامها».

«أم أحمد»، 30 سنة، ربة منزل، وجدت نفسها «فى ورطة» بسبب نقصان أقراص منع الحمل التى وصفها لها الطبيب والتى تناسبها بكشل كبير، وهى «مكروسبت»، وتقول إنها بعد بحثها كثيرا فى الصيدليات، لجأت إلى الوحدة الصحية لتنظيم الأسرة فى منطقة سكنها فى مركز يضم عددا كبيرا من القرى فى محافظة الجيزة- طلبت إخفاء المعلومات خشية الملاحقة- للبحث عن هذه الأقراص، ووجدتها فعلا منذ أكثر من شهرين، لكنها اختفت حتى من الوحدة الصحية منذ حوالى 15 يومًا.

وتضيف، أنها كانت تحصل على الحبوب مجانا من الوحدة الصحية، وإن كانت مختلفة عما وصفه له طبيبها الذى اقترح عليها استخدام الجينيرا النادر وغالى الثمن بالنسبة لإمكانياتها، كما أنها لم تتعرض لاضطرابات مع استخدام حبوب «ميكروسبت» التى لم تعد- وفقًا لشهادتها- متوفرة فى الصيدليات ولا الوحدات الصحية التى تتردد عليها فى المنطقة.

مشكلة «أم أحمد» تعانى منها سيدات أخريات يعشن فى واحد من أكبر مراكز الجيزة: «أنا و30 واحدة تانيين بنروح الوحدة الصحية نصرف شريط البرشام، لما رُحنا مؤخرا وجدنا أن المخزون نفد، كانوا صرفوا 200 شريط وقالوا لباقى الستات روحوا». لكن النساء العائدات بخيبة الأمل عدن بمشهد علق فى ذاكرتهن وبينهن «أم أحمد»: «شفنا عربيات محملة أكياس فيها شرايط منع الحمل اللى بنصرفها، ولما سألنا الممرضات قالولنا أن فيه موظفين بيبيعوها فى السوق لحسابهم مقابل 10 جنيهات للشريط فى مستوصف خيرى قريب، ونصحونا بالذهاب هناك لشرائه، ولما رحنا رفضوا صرفه لنا أيضًا».

وتتابع: «بعض الممرضات نصحونى باستخدام الحقن، لكنى رفضت لأنها لا تناسبنى والبعض الآخر طالبنى باستخدام نوع آخر من الأقراص تتناوله اللاتى يرضعن، وهذا النوع أيضًا لا يناسبى»، يظهر فى صوتها وعلى ملامحها الغضب بينما تقول: «فى سرقة كتير واستغلال، وبعض الموظفين والممرضات بيتاجروا بالأدوية لصالحهم وعلى حساب الغلابة، رغم أن البرشام مكتوب عليه «محظور بيعه خارج الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة، أنا مش عارفة أعمل إيه والله، خايفه يحصل حمل وأنا مش مستعدة لكده، وحتى البديل مش موجود وكمان غالى وبيتعبنى».

تتبعت «المصرى اليوم» الأنواع التى ذكرتها السيدات، من خلال السؤال عن توفرها فى صيدليات فى أنحاء متفرقة من القاهرة والجيزة، وبالفعل يؤكد صيادلة أغلب الصيدليات اختفاء حبوب منع الحمل، خاصة المنتجة محليًا (الأرخص ثمنًا) وتوفر حبوب مستوردة تدعى «diane 35» ولا يوجد معادلة سعرية واضحة لها فى الصيدليات المختلفة، حيث تبيع بعض الصيدليات الشريط الواحد بـ 160 جنيهًا، وصيدليات أخرى الشريط نفسه بـ 100 جنيه، ما يدفع للاستنتاج بأن الصيادلة يتحكمون فى السعر دون العودة للوكيل أو مجلس الدواء بوزارة الصحة.

يقول الصيدلى أسامة فتحى، والذى يعمل بواحدة من سلاسل الصيدليات الكبرى المنتشرة فى مختلف المحافظات، إن العديد من الصيدليات يشهد أزمة فى الوقت الحالى بسبب اختفاء بعض أصناف من الأدوية ومنها حبوب منع الحمل، والتى يكون أغلبها مستورد، وهو ما تسبب فى أزمات فى السوق بسبب فترة ارتفاع سعر الدولار، ورغم ارتفاع سعر صرف الجنيه خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن هذا الارتفاع لم ينعكس على الأسعار مع ثبات سعر الدولار الجمركى، ما يعنى استمرار ارتفاع تكلفة الاستيراد، ما جعل بعض الأصناف الدوائية تندر فى الصيدليات حتى الكبرى منها، «خاصة فى فترة معينة من كل عام».

ومن خلال جولة «المصرى اليوم» أكد عدد من الصيادلة أن الأنواع الأكثر توفرًا هما ترايبوست ونوركارمينا، بينما لم تتمكن الجريدة من العثور على أنواع «جينيرا، إكسلتون، سيرازينا، سيلست، ياسمينا» وبينها الأنواع الأكثر وصفًا من الأطباء.

ويضيف «فتحى» أن البدائل كذلك غير متوفرة وتضطر السيدات إلى تغيير نوع الأقراص كليًا بما فى ذلك نسب التركيز وما تستتبعه من تأثيرات هرمونية.

ويقترح «فتحى» لحل مشكلة نقص أدوية ووسائل منع الحمل؛ أن تغير الدولة من سياستها المعتمدة على ما سماه «الاستيراد الفج» على حد وصفه، وتتجه لإنتاج المادة الخام التى تدخل فى تصنيع الدواء بحيث تكون الصناعة مصرية خالصة.

ويرجع نقص حبوب منع الحمل فى الصيدليات إلى فترة تعويم الجنيه، مؤكدا أن ارتفاع أسعار الأدوية جعل الشركات تتوقف عن استيرادها، حتى يرتفع ثمنها بعد التسعيرة الجديدة، مؤكدا أن نقصان حبوب منع الحمل قد يؤدى إلى زيادة معدلات الإنجاب ومن ثم ارتفاع الكثافة السكانية إلى أكثر من 100 مليون نسمة فى مصر».

الصيدلى أحمد مدين، يعمل مدير فترة (شيفت) بإحدى سلاسل الصيدليات الكبرى، يؤكد أن السيدات تفضلن الأقراص عن سواها من وسائل منع الحمل، بينما يرفض الرجال استخدام موانع الحمل المخصصة لهم، ما جعل تراجع المتوفر من أقراص منع الحمل يخلق مشكلة كبيرة لدى العديد من الأسر المصرية.

ويتابع: «يوجد فى سوق الدواء المصرية العديد من الأقراص المانعة وتختلف أسعارها بين المحلى والمستورد، إذ يتراوح سعر الشريط فى المنتج المحلى بين 65 قرشًا إلى 6 جنيهات وربع الجنيه، بينما تبدأ أسعار المستوردة بين 35 جنيهًا وتتخطى الـ 100 جنيه فى بعض الأنواع، والأقراص المستوردة هى المعروفة بـ«ثنائية الهرمون» لاحتوائها على الاستروجين والبروجيسترون المماثلين لما يفرزه جسد النساء بشكل طبيعى، ولكن بتركيزات مختلفة، وتعمل على عدم استقرار البويضة ومنع وصول الحيوان المنوى إليها، لكنها قد تؤدى إلى بعض الآثار الجانبية، منها زياده الوزن، واحتباس السوائل، وألم فى الثدى وارتفاع ضغط الدم، إلى جانب انخفاض الرغبة الجنسية».

ويوضح «مدين» أن هناك عددا آخر من الوسائل البديلة كالحقن الهرمونية واللولب النحاسى ومثيله الهرمونى والواقى الذكرى وغيرها. وجميعها وسائل تختلف أسعارها حسب معدلات الأمان والفاعلية. إلا أن معظمها غير متوفر أيضًا حتى مع ارتفاع أسعارها. وأن المتوفر منها وهو اللولب النحاسى واللبوس والواقى الذكرى وما يوجد من أنواع الأقراص، يتم توزيعها على الصيدليات بنظام الكوتة، لقلة نسبة الموجود منها فى البلاد مقابل ارتفاع كبير فى نسبة الطلب، ما أدى إلى ارتفاعات كبيرة فى الأسعار نتيجة عدم تناسب العرض مع الطلب.

ويتفق «مدين» أن غياب تلك الوسائل وارتفاع ثمن الموجود منها سيكون نتيجته المنطقية ارتفاعا كبيرا فى عدد المواليد وهو ما تسعى الدولة لعرقلته. فحتى الراغب فى منع الإنجاب قد لا يقدر على شراء الوسائل مع ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام.

الدكتور محمد إسماعيل استشارى النساء والتوليد، يؤكد أنه تلقى بالفعل شكاوى كثيرة من السيدات اللائى يشرف على حالاتهن، بسبب نقصان حبوب منع الحمل، وهو ما اضطر بعضهن إلى استخدام أنواع أخرى مستوردة، «لكنها مكلفة بالنسبة لهم».

ويشير «إسماعيل» إلى أن حبوب منع الحمل المصرية هى الاكثر شيوعًا بين السيدات. وأكثرهن تلجأن إليها بسبب الارتفاع الكبير فى سعر المستورد، وفى حالة غياب الأقراص محلية الصنع، لا تقدر كثيرات على شراء المستورد ما يتسبب فى وقوع حالات حمل غير مرغوب فيها، مضيفا أنه لا يفضل وصف حبوب منع الحمل لمن تلجأ إليه من النساء لكونها تتسبب فى كثير من الآثار الجانبية الضارة، وارتفاع معدلات الارتباط بين استخدامها وعدد من الأمراض كسرطان بطانة الرحم وسرطان الثدى وسرطان المبيض والكبد. «وهى سبب أيضا فى زيادة الوزن والاكتئاب، وتصلب الشرايين عند النساء، أو حدوث الجلطات الذى يعتبر المرض الأول للوفاة فى العالم. كما أنها تساهم فى إحداث الدوالى ومشاكل أخرى كثيرة» لذلك لا ينصح بها أغلب السيدات ويدعم استخدام وسائل أخرى لا تؤثر على هرمونات جسد المرأة، متابعا: «لذلك لا أهتم باختفاء حبوب منع الحمل من عدمه».

ويضيف، أنه فى حالة نقصان حبوب منع الحمل، كثيرا ما ينصح السيدات إلى منع الحمل باستخدام الموانع الميكانيكية المعروفة مثل اللولب النحاسى، والتى لا تتدخل فى كيمياء الجسم ولا تسبب له اضطرابا. خاصة أن موانع الحمل الفموية هى مركبات هرمونية: «أنصح دائما باستخدام الوسائل الميكانيكية مثل العازل الذكرى أو اللولب لمنع الحمل وعدم استخدام الوسائل الكيميائية أو الهرمونية التى تتداخل مع وظائف الجسم بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، لكل امرأة ظروفها الخاصة وطبيعة جسمها وأمراضها التى تفرض عليها اختيار وسيلة المنع الأفضل، ويكون ذلك تحت إشراف الطبيب الذى يشرف على حالتها».

الدكتور عمرو حسن، أستاذ مساعد طب النساء والتوليد بقصر العينى، ومقرر المجلس القومى للسكان، يشدد على ضرورة توافر كل وسائل منع الحمل سواء أقراصا أوغيرها، «لأن كل مريضة لها وسيلة تناسبها لا تناسب غيرها، لذلك لا بد من توافر جميع الوسائل الخاصة بمنع الحمل حتى لايؤثر ذلك على الزيادة السكانية».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل