المحتوى الرئيسى

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 يونيو 1882.. استشهاد أول ثلاثة ضباط من الجيش المصرى فى حرب فلسطين.. النقيب مصطفى كمال.. الرائد عز الدين صادق.. الملازم أول أحمد تيسير - برلمانى

06/11 10:46

كانت المقاهى مزدحمة فى الإسكندرية طلبا للراحة واللهو، فحدثت مشاجرة على قرب من قهوة القزاز فى آخر شارع البنات نحو الساعة الواحدة بعد ظهر 11 يونيو- مثل هذا اليوم -1882 حسبما يذكر الشيخ محمد عبده فى مذكراته «مذكرات الإمام» تحقيق: طاهر الطناحى، مشيرا إلى أنه كان «يوجد ازدحام كثير من الكراسى والتربيزات، وأشخاص منهم القائم والقاعد، وحدث أنه سكر مالطى– يقال إنه خادم «مستر كوكسن»، قنصل إنجلترا بالإسكندرية، وأخد عربة «فى رواية أنه ركب حمارا لرجل يدعى «السيد العجاف»، وطاف من محل إلى محل يشرب ويتنزه إلى أن وصل إلى خمارة أحد مواطنيه، فطلب منه العربجى الوطنى أجره فأعطاه المالطى قرشا واحدا، ودخل الخمارة، فتبعه العربجى وتبادلت الكلمات بينهما». يضيف الشيخ محمد عبده: «تناول المالطى سكينا كانت معلقة فى مائدة الدكان، معدة لقطع الجبن، وطعن بها العربجى فسقط لاحراك به، فاجتمع بعض الوطنيين وحمّار من أقارب العربجى، وأرادوا القبض على القاتل، فجاء يونانى خباز مجاور للخمارة ومعه بعض مواطنيه بالسكاكين والطبنجات، وأخذوا يضربون شمالا ويمينا، ومضى نصف ساعة قبل أن تصل عساكر البوليس من قراقول اللبان «قسم شرطة اللبان».. وقتل أول من جاء من العساكر مع المعاون، فجاء آخرون وصارت معركة عمومية، ولكن لم يتداخل العساكر فى القبض على الجناة فتمكنوا من الفرار «الأورام والمالطية». وقعت هذه الأحداث أثناء الثورة العرابية، ويذكر«سليم خليل النقاش» وقائعها بتفاصيل أكثر، قائلا فى الجزء الخامس من كتابه «مصر للمصريين»، إنه لما انقلب الأمر إلى المناصرات انتصر إلى المالطى رجال من أبناء جلدته فكثرت على أثر ذلك الغوغاء، وعلت الضوضاء، فسُلت الخناجر، وأُطلق الرصاص، وكأن ذلك كان إشارة لابتداء الفتنة، فهجم رعاع القوم على المارة وأصحاب الدكاكين، وأخذوا يسطون على كل أجنبى وجدوه فى طريقهم كائنا ما كان، ويوسعونه ضربا بالعصى والهراوى، ثم انتشروا فى الشوارع وانبثوا فى أحياء الأوروبيين منادين بالجهاد وبقتل الكفار، ونهب منازلهم ومخازنهم، ومروا بالشارع المعروف بشارع السبع بنات، وشارع المحمودية وغيرهما من شوارع المدينة، وكان أكثر الأجانب متفرقين فى جهات الرملة قصد التنزه واستنشاق النسيم اللطيف هربا من حر المدينة، فكانت بيوتهم لذلك خالية ومخازنهم مقفلة، ولم يكن فى المدينة منهم إلا قوم قليلون لا يقدرون على الدفاع، ورد هجمات الثائرين ففتكوا بمن وجدوهم فتكا ذريعا وانصبوا عليهم من كل جهة وصوب يضربونهم بالعصى والنبابيت حتى قتلوا منهم حوالى 300 نفس. كان «النقاش» معاصرا وشاهدا، ويؤكد أنه كان فى منزله ولزم البقاء فيه مع عائلته وقت حدوث هذه الفتنة.. يؤكد: «كان المنزل فى وكالة راتب باشا وراء المنشية»، ويذكر أنه: «أشرف من البلكون على الشارع الكبير فرأى جماعات من أهل الفتنة يتقدمون فى الطريق ضاربين كل من رأوا قبعة على رأسه، ورأى كثيرين من الإفرنج يركضون وأولئك من ورائهم يضربونهم بالهراوى «إذا لم يكن بأيديهم سلاح غيرها» ضربا أليما حتى يطرحوهم على الأرض مخضبين بدمائهم، فينتزعون عنهم ثيابهم ويأخذون ما يجدون معهم من حلى ونقود، ثم يتركونهم ويسيرون فإذا مروا بمخزن من مخازن الإفرنج كسروا بابه، ونهبوا منه ما تيسر لهم حمله ونقله وغادروا فيه ما بقى منثورا فى الأرض عرضة للكسر والبعثرة، وتحرر بعض الأجانب فى بيوتهم ودافعوا عن أنفسهم فردوا هجمات المسلمين بالرصاص، وقتلوا منهم عددا يكاد أن يوازى عدد من قتل من النصارى، وكان قد نزل إلى البحر فى ذلك اليوم جماعة من الأوربيين للتفرج على السفن الحربية الراسية فى الميناء، فلقيهم الوطنيون عند عودتهم من البحر، وأوسعوهم ضربا ثم ساقوهم أمامهم سوق الأنعام». يؤكد الإمام محمد عبده: «ظهر فى اليوم الثانى «12 يونيو» أن عدد القتلى الوطنيين بلغ 163 غير من أخفاهم المتشاجرون، إذ حملوهم سرا من وسط المعركة، ومجموع ماوجد من جثث الأوربيين وغيرهم من المسيحيين بلغ 75 قتيلا، كثير منهم مصاب برصاصة فى قمة رأسه، فبلغ مجموع القتلى 238». كان أحمد عرابى وزيرا للحربية وقتئذ، وتلقى تلغرافا بالحادث قبل الساعة الخامسة مساء نفس اليوم، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى»: «قوبلت بالاستياء والاستنكار فى الدوائر الوطنية، وكانت ضربة موجهة إلى العرابيين، لأن أقل ما تدل عليه أن زمام الأمور انفلت من أيديهم»، ويؤكد «عرابى» فى مذكراته الصادرة عن «دار الكتب والوثائق القومية-القاهرة»، أن هذه الحادثة وقعت بتدبير الإنجليز لتشويه أعمالهم الوطنية ولإحداث أمر يوجب التدخل الأجنبى، ووقعت بتواطؤ بين الخديو ومحافظ الإسكندرية عمر باشا لطفى.. ويتبنى هذا الرأى أيضا الإمام محمد عبده قائلا فى مذكراته: «لاريب فى أن استقراء سير هذه الحوادث يظهر أتم الظهور أن الخديو بالاشتراك مع عمر لطفى كانا سبب الفتنة». وامتد أثر الفتنة إلى اليوم التالى..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل