المحتوى الرئيسى

القدس«عروس العروبة» تتحدى طمس الهوية

02/21 11:33

«صراع محتدم» على جميع الأصعدة، فعلى مستوى القوة، وهو الصراع الأبرز، يسيطر «السجّان الإسرائيلى» دائماً بسبب «دعم الدول الكبيرة»، مادياً أو دبلوماسياً فى المحافل الدولية، ما دفعه لأن يفعل ما يحلو له على الأرض، وفى باطنها كذلك، أما على مستوى التاريخ، فقد حاول ذلك السجان على مدار عقود تغييره وتزييفه، وسط صمت دولى مثير للدهشة، وفى مواجهة مقاومة فلسطينية لا تقل فى صمودها عمن وقفوا أمام العصابات الصهيونية قبل إعلانها «دولة».

الآن يواجه الفلسطينيون تزييف التاريخ فى مدينة «القدس»، التى تحتوى فى كل شبر فيها على شاهد إثبات فلسطينى وعربى يؤكد هوية تلك المنطقة، وامتداداً لذلك يحاول الاحتلال تزييف الحاضر بالمدينة المقدسة بإضفاء الطابع اليهودى على كل ما فيها لتحويلها إلى «بقعة يهودية» بعد تفريغها من أهلها.

بأدوات متواضعة، يحاول المقدسيون مواجهة إجراءات تهويدية للأماكن التى طالما عُرفت بإسلاميتها أو مسيحيتها، وتزييفات لمناهج دراسية فلسطينية يُلغى فيها كل ما يتعلق بالوطنية الفلسطينية العربية، إلى جانب إهانة للرموز الدينية أمام الجميع، للتقليل من شأنهم، وترهيب كل من يريد الدفاع عن المقدسات سواء كانت الإسلامية أو المسيحية، فضلاً عن مشروعات تغيير المعالم التاريخية وشكل المدينة الذى عرفه العالم. اليوم تتناول «الوطن» جزءاً من الواقع، فى «حكايات» من القدس، شاهدة على «نزاع» يسيطر فيه «طرف الشر» على صاحب الحق، وترصد ما يعانى منه الفلسطينيون المقدسيون ما بين «طمس هوية» و«سيطرة على الأرض» من قبل «السجان الإسرائيلى».

«الشكل» من أهم الجوانب التى يُحدد من خلالها زائر المكان هويته، إلى جانب أسماء الشوارع والميادين والمبانى المختلفة التى تحمل أسماء تاريخ المدينة، لذلك سعت إسرائيل منذ احتلالها للأراضى المقدسة إلى تحويل كل اسم يرتبط بالهوية العربية إلى اليهودية، بل وأيضاً باللغة العبرية، حتى ما إن تقع أعين السائحين على المكان يصير لديهم اعتقاد أنه يهودى، سابقاً وحاضراً، حيث السكان وأصحاب الأرض فى ظل السيطرة الإسرائيلية التى تفرض نفسها بالقوة على جميع الأراضى المحتلة.

«إنها محاولات لم تتوقف منذ أن جاءت المنظمات الإرهابية اليهودية إلى أرض فلسطين كالهجاناه والأرجون وغيرهما من المنظمات التى دعمتها بريطانيا بالسلاح والمال ودول غربية أخرى، فمنذ اللحظة الأولى بدأت عمليات العبرنة والتهويد».. بهذه الكلمات بدأ الدكتور جمال عمرو، الأكاديمى الفلسطينى المتخصص فى شئون القدس والاستيطان، سرده لحكاية «إضفاء الطابع اليهودى على القدس»، مشيراً إلى أنه فى الوقت الذى حقق فيه الاحتلال تفوقاً بالعدة، هاجم قرية «القسطل» التى سبقت النكبة مباشرة عام 1948، والتى سقط فيها القائد عبدالقادر الحسينى، وهى معركة كانت على درجة كبيرة من الأهمية، لأن تلك القرية هى المدخل الاستراتيجى لمدينة القدس، ويضيف «عمرو» لـ«الوطن» أن «الحسينى» لجأ آنذاك إلى جامعة الدول العربية من أجل دعمه بالذخيرة والسلاح، إلا أنه عاد وكتب رسالة بخط يده قال فيها «لقد خذلتم جيشى فى أوج انتصاراتى»، لتنهار الدفاعات عن القدس بعدما كانت دفاعات ناجحة وعظيمة، وبعد أن كان ليس للإسرائيليين قدرة على الدخول إلى المدينة المقدسة بسبب المقاومة الصلبة، مشيراً إلى أن الاحتلال نفذ مباشرة بعد استشهاد «الحسينى» مذبحة «دير ياسين» التى توالت بعدها المذابح ليحتل اليهود 80% من القدس، مشيراً إلى أن الشطر الغربى احتوى على 39 حياً من المدينة قام الاحتلال بتغييرها مباشرة، وأدخلوا عليها أسماء يهودية بما فيها من محلات وشوارع وساحات عامة، حتى أصبح لا يوجد أى اسم عربى على الإطلاق، سوى أنه فى الآونة الأخيرة تم إطلاق اسم «أم كلثوم» على أحد الشوارع، إضافة إلى شارع «محمد الخامس» على اسم ملك المغرب الأسبق، مستطرداً: «عدا ذلك جميع الأسماء عبرية، أما العربية فقد تم إلغاؤها بالكامل».

تغيير 22 ألف اسم مجهود جبار لتغيير جزء من معالم المدينة المقدسة، إلا أن ذلك حقيقة فى المدينة المقدسة بشطريها الشرقى والغربى، التى تم إحصاؤها، وفقاً لما قاله «عمرو»، الذى أضاف أن هناك العديد من الشوارع والساحات وغيرها اتخذت أسماء برؤية استيطانية صهيونية تهويدية خطيرة جداً، مستطرداً: «طمس كامل للمعالم، وللهوية المعمارية والمشهد المعمارى والتاريخى والوجود الإسلامى، التى سُميت بأسماء ذات ارتباط بأنبياء وفاتحين وأعيان شأن مدينة الإسكندرية والقاهرة فى مصر، ودمشق فى سوريا وبيروت فى لبنان، وغيرها من المدن العربية، إنها أسماء ذات مغزى وقيمة إنسانية وتاريخية ودينية، فاليهود ألغوا كل هذه الأسماء ووضعوا أسماء تلمودية وتوراتية وذات مغزى دينى يهودى».

يروى الخبير فى شئون القدس أن الأمور ساءت أكثر فى مرحلة لاحقة، حيث بدأ الاحتلال فى تغيير النمط المعمارى بالكامل، الذى اختلف بشكل كامل حتى غرقت هذه العمارة فى التهويد، لأن هذا الأسلوب العربى فى البناء لم يرق لليهود الذين قاموا بتدميره كاملاً، مستطرداً: «دمروا معظم الأحياء تدميراً شاملاً، وأبقوا فقط على بعض البيوت ذى القيمة العالية مثل بعض بيوت (دير ياسين) التى حولوها لمستشفى أمراض عقلية، وبعض البيوت فى (عين كارم) لأنها قوية جداً من الناحية المعمارية وهى على شكل قصور وفلل، إلا أن باقى الأحياء الـ39 تمت إزالتها تماماً من الوجود»، مضيفاً أنه تم فتح شوارع فى تلك المناطق بأسماء عبرية وتوسيع أخرى وتسمية المدارس بأسماء جديدة، لافتاً إلى أنه على الرغم من ذلك ستظل مذبحة «دير ياسين» وصمة عار فى تاريخ الاحتلال، لأنها واحدة من 178 مجزرة تمت غدراً بصورة بشعة فى حق الشعب الفلسطينى، واكتسبت أهمية خاصة لأنها أتت بعد استشهاد عبدالقادر الحسينى، وأدت إلى فتح بوابة القدس الغربية وضياع 80% من المدينة، مشيراً إلى أن «دير ياسين» بنوا فيها مستوطنة كبيرة وذات معالم عالية أخفت معالم جريمتهم، واسمها حالياً «جفعات شاؤول»، معلقاً: «نحن أمام جريمة مكتملة الأركان وأمام كارثة حلت بالشطر الغربى من القدس وبدأت تزحف إلى الشطر الشرقى».

وعن ما فعله اليهود فى الشطر الغربى للمدينة المقدسة، كان هناك أسلوب آخر تحدث عنه «عمرو»، وهو الدخول بين الأحياء الفلسطينية وبناء 18 حياً يهودياً أو مستوطنة وفيها ربع مليون مستوطن متشدد، لافتاً إلى أن الأسماء التى تم إطلاقها على الشوارع والمبانى وغيرها أسماء تلمودية توراتية، وربطوها بنواح دينية بشكل أساسى، حيث يسكنها اليهود المتشددون المتطرفون وهم شديدو الخطورة على البشرية جمعاء والأمن القومى العربى والفلسطينى، مضيفاً أن «حل عاصمتين لدولتين مجاورتين يستحيل أن يوافق عليه اليهود، أو أن يتنازلوا عن متر مربع واحد»، أما عن المسجد الأقصى فقال «عمرو» إن الخرائط السياحية المطبوعة هناك لا تحمل اسم المسجد المبارك وتحمل اسم «هار هبيت» أى «جبل الهيكل»، ليصبح اسمه على اسم كنيس يهودى، لافتاً إلى أنهم ماضون فى خططهم فى غفلة عربية وتخبط فلسطينى، مضيفاً: «هناك سياسة فلسطينية فاشلة بكل المقاييس، وانهيار وضعف لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى وانشغالهم بأمور كثيرة، الإسرائيليون تركوا الأنظمة منشغلة وسطوا على مسرى رسول الله وفعلوا كل هذه الأفاعيل، نحن أمام مرحلة سوداوية بكل المعايير والمقاييس، حالياً اليهود يفعلون ما يشاءون لا حسيب ولا رقيب، ومن يقوم بجريمة ويفلت من العقاب يسىء الأدب، وهذا أسوأ احتلال جاء فى تاريخ البشرية، أسوأ من العنصرية فى جنوب أفريقيا، وأسوأ من نظام ألمانيا الفاشى، إن النظام الصهيونى اليوم يتمسك بالسيطرة على جميع القطاعات الـ9 التى تشكل أى عاصمة فى العالم، الجانب العمرانى والتاريخى والأثرى والاجتماعى والتعليمى، ويفتك بالصحة والبنية التحتية والمقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، هو اليوم النظام الوحيد فى العالم الذى يأمر أصحاب الأماكن أن يهدموها بأيديهم، هذا النظام بلغ من العنصرية والفاشية مبلغاً لم يبلغه جنكيزخان وهولاكو، هم أسوأ من كل جبابرة التاريخ فى الإنسانية كلها»، وقارن «عمرو» ما يفعله الاحتلال فى المقدسات، وسياسة الدول العربية فى الحفاظ على معالم التراث اليهودى، قائلاً: «إن الكنس اليهودية فى مصر محفوظة لأن أمة الإسلام لا تسىء للديانات الأخرى لا اليهودية ولا المسيحية، فلننظر إلى الكنس اليهودية فى بغداد وتونس، والمغرب».

إضفاء الطابع اليهودى على الأرض يلزمه العديد من الاستثمارات اليهودية التى يتحكم فيها الإسرائيليون، وذلك ما سارع به الاحتلال فى السنوات الأخيرة حتى يستطيع تغيير معالم المدينة المقدسة، وكان أبرزها مشروع «تلفريك القدس» الذى كان ضمن حزمة مشاريع استيطانية وتهويدية، حيث تسابق بلدية الاحتلال الزمن لتنفيذها وفرض وقائع على الأرض بالقدس القديمة والأحياء الفلسطينية، وصادقت وزارة السياحة الإسرائيلية مؤخراً على المرحلة الأولى من مشروع «التلفريك» الذى سيتكلف 200 مليون شيكل، لربط ساحة حائط البراق فى المسجد الأقصى بتل أبيب بقطار سريع، إضافة لخطة لتطوير البنى التحتية فى المدينة المحتلة.

مشروع «التلفريك» يثير غضب الفلسطينيين وسيتسبب فى أزمة دولية بالطبع، نظراً لمعارضة العالم العربى تهويد القدس وتغيير معالمها، خصوصاً بعدما قررت شركة «سويز انفيرونمان» الفرنسية العملاقة قبل أكثر من 3 سنوات عدم التقدم للمشاركة فى بناء «التلفريك»، تجنباً لإثارة جدل سياسى بشأنه، لكن من المتوقع بدء تشغيله عام 2021 ليكون السفر ممكناً عبر القطار الخفيف بالقدس القديمة وصولاً إلى ساحة البراق.

ووفقاً لموقع «عرب 48» فإن هناك إعداداً لمخطط من جانب شركة دولية متخصصة فى مشاريع مماثلة، غير أن ما يسمى «سلطة تطوير القدس» مترددة فى الإعلان عن اسمها، نظراً لانسحاب الشركة الفرنسية تحت ضغط من الحكومة الفرنسية بسبب الحساسية السياسية، ويأتى ذلك فى الوقت الذى تسوغ فيه سلطات الاحتلال مشروعها الاستيطانى والتهويدى على أنه يهدف إلى تنظيم حركة السير والمواصلات وتخفيف أزمة السير فى القدس، وأن الحديث عن مشروع للنقل هدفه الرئيسى هو حل مشاكل المرور حول القدس القديمة، وإضافة إلى المشاكل السياسية التى يثيرها مشروع «تلفريك القدس»، من المنتظر أن يواجه معارضة واسعة بسبب الأضرار التى ستلحق بقيم المحافظة والمناظر الطبيعية للقدس القديمة، فضلاً عن تحويله القدس القديمة إلى «ديزنى لاند» حيث سيكون جاذباً للسياح وليس مجرد وسيلة نقل، ووفقاً للخطة الإسرائيلية، ستشمل المرحلة الأولى من المشروع بناء 3 محطات: أولاها قرب مجمع المحطة ومسرح خان؛ والثانية قرب جبل الخليل، والثالثة على سطح مجمع «كيدم» قرب ساحة البراق، وبحسب الخطة سوف تكون كل عربة قادرة على نقل 10 ركاب، وفى أوقات الذروة ستعمل 73 عربة على الخط، ويبلغ طول الواحد 1.4 كيلومتر، وسيكون نظام التشغيل تلقائياً، بحيث يغادر القطار المحطات كل 15 ثانية، حتى لو لم يكن هناك ركاب، وستكون سرعة القيادة 21 كم / ساعة ومدة الرحلة 4.5 دقيقة، ومن أجل بناء المشروع سيكون من الضرورى بناء 15 عموداً كبيراً من الأسمنت المسلح بارتفاع 26 متراً، ومن المقرر أن ينقل فى ساعات الذروة نحو 3000 راكب كل ساعة.

مهندسون إسرائيليون حذروا من عواقب المخطط الاستيطانى ومشروع التلفريك تحديداً، وقالوا إنه سيلحق أضراراً بمشهد البلدة القديمة ولن يحل أزمة السير، ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن المهندس «موشيه سفاديا» أحد كبار المخططين الإسرائيليين، أنه من الناحية التشغيلية فإن المخطط «خاطئ»، فضلاً عن تبعاته على منظر البلدة القديمة.

المهندس الإسرائيلى أكد أنه لم يحدث من قبل أن تمت إقامة مثل هذا المشروع فى بلدة قديمة مثل القدس، وأيضاً فى قلب منطقتها التاريخية، موضحاً: «بعد أن حققت فى الموضوع، فلم تسمح مدينة تاريخية فى العالم بإقامة تلفريك فى واجهة حوض منطقة تراثها تاريخى»، محذراً من معارضة دولية حال إقامة هذا التلفريك على المسار المعلن، وأضاف «سفاديا» أنه يشك فى استقلال السياح والحجاج المسيحيين فى المكان ذلك التلفريك، لافتاً إلى أن التلفريك سيمر من أماكن تاريخية بالغة الحساسية، حيث يحلق بارتفاع منخفض فوق أحياء سكنية، وبالطبع سيتسبب فى ضجيج وإضرار بالخصوصية، متهماً المسئولين عنه بـ«التضليل».

واحتج المهندس «جابريئيل كرتيس» على تمرير ذلك المخطط فى «لجنة البنى التحتية» الإسرائيلية، فضلاً عن اعتراض منظمة المهندسين «عمق شبيه»، وهى منظمة حقوقية إسرائيلية، التى قالت، بحسب موقع «عرب 48»، إن: «القدس ليست ديزنى لاند وكنوز المنظر والتراث فيها ليس عُملة تنتقل بين التجار.. التلفريك سيكلف ملايين الشواكل، وسيثقل على المواصلات العامة فى المدينة، وسيمس بصورة لا يمكن إصلاحها بالمدينة ومناظرها، وهى مورد نادر نملكه جميعنا»، وقال زياد الحسن، الباحث الفلسطينى المتخصص فى شئون القدس، إن مشروع التلفريك «قديم متجدد» وتم الإفصاح عنه عام 2007، وكان يُعرف بمشروع القدس القديمة، وقدمه مهندس بلدية القدس آنذاك لربط جبل الزيتون شرق القدس، بجبل صهيون جنوب غرب القدس، مشيراً إلى أنه بذلك يطوق المسجد الأقصى والبلدة القديمة من الناحية الجنوبية الشرقية بمسار التلفريك الكامل، وأضاف «الحسن» لـ«الوطن» أن هناك 3 أهداف للمشروع، الأول تكثيف الحضور والقدرة من ناحية البنية التحتية على إحضار الزوار اليهود والغربيين إلى محيط منطقة الصلاة عند ساحة البراق ناحية باب المغاربة ومنطقة «سلوان» الفلسطينية المكتظة، التى تشبه فى شكلها وطبيعتها المخيمات، أما الهدف الثانى، حسب «الحسن»، فهو السعى الإسرائيلى لخلق نوع من الترابط بين الأماكن اليهودية فى محيط البلدة القديمة، لافتاً إلى أن هناك أيضاً مقبرة يهودية وهمية مستحدثة على جبل الزيتون، و«أى يهودى يدفع أموالاً يقيمون له مقبرة فى هذا المكان»، وأشار إلى الحفريات التى يجريها الاحتلال فى «سلوان» ومراكز تهويده فى تلك المنطقة جنوب المسجد الأقصى مباشرة، وبين جبل صهيون الذى عليه «بيت صهيون» المسيحى، والذى يحاول الإسرائيليون اختلاق أماكن تهويدية فيه، سعياً لاختلاق هوية يهودية إلى جانب الهوية الإسلامية والمسيحية بالقدس، وتابع «الحسن» قائلاً إن الهدف الثالث من «التلفريك» هو تشويه مشهد المدينة المقدسة من جهة المسجد الأقصى المبارك، مستطرداً: «نحن نتحدث الآن عن مدينة تاريخية مقدسة والبناء فيها حذر، وارتفاع الأبنية محدد بمحيط سور المسجد الأقصى أو فى محيط السور، وعندما يتم وضع مجموعة من الأعمدة الحديدية العملاقة والأسلاك الحديدية تحديداً من الزاوية التى يتم منها رؤية المسجد الأقصى فالمقصود هنا تشويه شكل المسجد الأقصى المبارك»، متسائلاً: «إذا كانوا يريدون تسهيل الانتقال، فلماذا لا يكون تراماً على الأرض».

3- «الاعتداء على رموز الدين الإسلامى»

الاعتداء على رجال الدين الإسلامى والمسيحى من الفلسطينيين أصبح جريمة معتادة لقوات الاحتلال الإسرائيلى منذ احتلالها الأراضى الفلسطينية وحتى الآن، فى تعد صارخ على كل الأعراف والمواثيق الدولية والدينية، التى تعطى رجل الدين وضعاً خاصاً يستوجب معاملته بوقار وسلمية، وآخر وقائع الاعتداء على رجل دين إسلامى كانت، يناير الماضى، من نصيب مدير المسجد الأقصى الشيخ «عمر الكسوانى»، الذى تعرض لضرب مبرح أسفر عن إصابته بـ«كسر 3 أضلاع فى القفص الصدرى»، جراء محاولته التصدى لإغلاق مسجد «قبة الصخرة» أمام المصلين، واقتحامه من قبل عصابات المستوطنين المتطرفين بحماية من شرطة الاحتلال.

وعن الواقعة تحدث الكسوانى لـ«الوطن» قائلاً إن هذه المرة ليست الأولى بل الرابعة التى يتعرض فيها للاعتداء على يد قوات الاحتلال، ففى رمضان 2014 أطلقوا عليه رصاصاً مطاطياً، بعدها كُسرت قدمه أثناء اقتحام المسجد المبارك، وفى المرة الثالثة ضربوه وهو يدافع عن المصليات، والأخيرة كانت على درج «قبة الصخرة»، وتسببت له فى إصابات بالغة، وأضاف أن «الاحتلال الإسرائيلى يستهدف من الاعتداء على الموظفين والحراس فى الأقصى ترهيب من يحاولون الدفاع عنه، والمرابطة بداخله»، موضحاً أنهم يريدون توصيل رسالة بالاعتداء على الشخصيات الدينية مفادها أنه «ليس لأحد منكم حكم على المسجد الأقصى حتى الشخصيات الدينية»، وأشار إلى أن «الاحتلال بهذه الأفعال يتعدى بشكل صارخ على القوانين الدولية ولا يراعى الحريات الدينية»، مؤكداً ونحن رجال الأوقاف الفلسطينية نعرف جيداً أنه يريد إرهابنا حتى يتمكن من السيطرة على المسجد الأقصى دون أى معارضة منا، لكننا رغم كل هذه الاعتداءات لن نتراجع عن تمسكنا بمقدساتنا ودفاعنا عنها، وقال الكسوانى إن الاحتلال بدأ عملية طمس الهوية المقدسية وتهويد القدس منذ عام 1967، وزادها بعد قرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس كعاصمة للاحتلال الإسرائيلى، موضحاً أن «هذا القرار ساهم فى تسريع خطوات الاحتلال لفرض أمر واقع على الأراضى المقدسة، سواء بالاقتحامات اليومية، أو بالابتزازات والحفريات، التى يقوم بها عند بلدة سلوان، وتحت المسجد المبارك، فضلاً عن مجموعة الأنفاق، التى أعلن عنها ويريد أن يعتدى بها على باطن الأرض»، واستطرد: «الاحتلال الإسرائيلى يريد أن يهود باطن الأرض، ويعتدى على جميع أبواب المسجد الأقصى»، مشيراً إلى أنه «يعمل على استقرار أعداد كبيرة من المستوطنين فى منطقة البلدة القديمة، لتشكيل مجموعات كبيرة من المتطرفين يمارسون اقتحامات مختلفة»، ولفت إلى أن قوات الاحتلال حولت «البلدة القديمة» إلى ثكنة عسكرية، وتعمل على تفريغ القدس من أهلها وتفريغ المسجد الأقصى من رواده المصلين، وقال «بالرغم من كل المخاطر التى يفرضها الاحتلال من إعدامات على أبواب المسجد لأقصى والبلدة القديمة وفى السوق القديم لأطفال وبنات مقدسيات، بزعم أنهم نفذوا عمليات طعن أو غير ذلك، فإنه لم ولن ينجح فى تحقيق مراده»، وتابع الكسوانى أن «الاحتلال ماض فى أن يثبت سياسة جديدة ووضع جديد، فيه القدس مُفرغة من أهلها والمسجد الأقصى فارغ من المصلين، ونحن ننظر بعين الخطر لهذه التصرفات، التى يتزعمها المسئولون فى الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكنيست»، موضحاً أنه على الفلسطينيين والعرب التصدى لهذه الممارسات، ولا بد أن يشد أهل بيت المقدس وفلسطين الرحال إلى المسجد المبارك فى كل وقت وحين من أجل الصلاة فيه وتعزيز إسلاميته وعروبته، وأضاف أنه على الدول العربية والإسلامية أن تدعم موقف الأوقاف الفلسطينية فى دفاعها عن المقدسات الإسلامية والمسيحية للحفاظ على عروبتها وعلى إسلاميتها من التهويد والهجمة الشرسة، التى تقودها الحكومة المتطرفة الحالية، مشيراً إلى أن الاحتلال يسعى من خلال القطار الهوائى «التلفريك»، لتغيير معالم القدس، ليأتى الزائر ولا يرى المشهد العربى المعتاد والأثر التاريخى، الذى يعود إلى أكثر من 1300 عام وهو عمر المسجد المبارك، وتابع: «يريد الاحتلال طمس هذه المعالم ويهدد بهدم قبة الصخرة وبناء الهيكل المزعوم، ولذلك على الأمة العربية والإسلامية أن تلتزم بمسئوليتها تجاه المسجد الأقصى المبارك، الذى هو قبلة المسلمين الأولى وثانى المساجد، التى وجدت على وجه الأرض، وكذلك المساجد، التى تشد إليها الرحال.. فالاحتلال ليس آمناً على المقدسات كما هو ليس آمناً على الشعب الفلسطينى».

وعن تبعات قرار الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، باعتبار القدس عاصمة الاحتلال، قال الكسوانى إن «الاعتراف الأمريكى أعطى الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلى لزيادة ممارساته القمعية تجاه الشعب الفلسطينى، واتخاذ خطوات على الأرض ضد المسجد الأقصى، وهدم بيوت القدس الشريف لتهويدها»، وأضاف أن الحملة الشرسة لتهويد المدينة تعارض كل الاتفاقات الدولية، ومن بينها الاتفاق مع الأردن عام 1967، حيث يريد الاحتلال أن يغير الواقع بالانتهاكات اليومية على مرأى ومسمع من العالم، ولا يوجد أى اعتراض، مشيراً إلى اعتراض منظمة «اليونيسكو»، التى أعلنت أن كل ما حدث فى البلدة القديمة «باطل»، ويجب أن تحاسب دولة الاحتلال على ما فعلته من حفريات وتهويد، وعلى كل الانتهاكات فى حق المسجد الأقصى، وساحة البراق، من ناحية باب المغاربة وغير ذلك، وأكد أن «اليونيسكو قالت إن المسجد الأقصى حق للمسلمين وحدهم، ولا يجوز أن يكون لغير المسلمين»، مضيفاً: «كان الجواب من أمريكا وإسرائيل آن ذاك الانسحاب من اليونيسكو، فى تحد للقرارات الدولية والعالمية بخصوص المسجد الأقصى، مستهترين بكل الدول العربية والعالمية، وأيضاً جامعة الدول العربية والإسلامية»، وختم الكسوانى حديثه مع «الوطن» بدعوته للعرب مسلمين ومسيحيين بـ«شد الرحال إلى القدس»، لدعمها ضد حملة التهويد، قائلاً إن «الرسول صلى الله عليه وسلم حث على زيارة الأقصى وشد الرحال إليه»، مضيفاً أن «زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان».

4- «الاعتداء على رموز الدين المسيحى»

فى أكتوبر 2018 تجمع عدد من رهبان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالقدس بقيادة «الأنبا أنطونيوس» مطران القدس، دفاعاً عن المقدسات فى المدينة المقدسة احتجاجاً على منح سلطات الاحتلال الإسرائيلى تصديقاً للبدء فى إجراءات لإصلاح كنيسة «الملاك ميخائيل» التابعة لدير السلطان، بدون موافقة بطريركية الأقباط الأرثوذكس فى المدينة المحتلة.

الرهبان وقفوا مسالمين بزيهم الأسود الشهير مع مجموعة من الصلبان تتوزع على غطاء الرأس، وصليب يتدلى على صدورهم، لتوجيه رسالة سلمية برفض الاعتداء على التاريخ وتشويه «دير السلطان»، لكن شرطة الاحتلال سرعان ما واجهت ذلك بـ«إجراءات قمعية وعنيفة» ووصل الأمر إلى «السحل» وكان للراهب المصرى «مكاريوس الأروشليمى» نصيب الأسد من الاعتداءات، بعد أن سحلته الشرطة أمام كنيسة «الملاك ميخائيل بالدير» وهو ما أدى إلى إصابته فى يديه ووجهه.

المشهد لم يكن معتاداً، وكان مستفزاً لكل من يرى رجل دين مسالماً مكبل اليدين مهاناً أمام كنيسته، وكان بمثابة رسالة من الاحتلال الإسرائيلى بأنه وصل إلى درجة عالية من عدم الاهتمام بردود الفعل الداخلية والخارجية، لأنه يمتلك القوة على الأرض، وتدعمه الولايات المتحدة أكبر دولة فى العالم.

الاعتداء الغاشم على رهبان دير السلطان لم يكن مجرد اعتداء على رجال دين نظموا وقفة احتجاجية، ولكنه امتداد لسلسلة من الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى السيطرة على الدير المملوك لمصر منذ القرن السابع الميلادى، كان من أبرزها كسر أبواب الدير عام 1970 وتسليم مفاتيحه لرهبان الحبشة بسبب الأوضاع السياسية آنذاك، ليتضح بعد ذلك أنها عمليات ممنهجة لفرض السيطرة الإسرائيلية على المقدسات فى المدينة المحتلة.

«تهويد القدس أمر يؤثر على الجميع فى المدينة المقدسة، وبالنسبة لنا فقد تسببت الضرائب فى إغلاق كنيسة القيامة العام الماضى لمدة 3 أيام، وهذا أحد الأمثلة الكبرى التى يحاول من خلالها الاحتلال تغيير الوضع التاريخى القائم إلى وضع آخر، لكن الكنيسة ترفض ذلك، وترفض أى تغيير فى هذه الأمور، وهذا هو موقفنا» بهذه الكلمات بدأ المطران منيب يونان، الرئيس السابق للاتحاد العالمى للكنائس اللوثرية، حديثه مع «الوطن»، وتابع أن الاحتلال لا يتدخل فى الشعائر الدينية نفسها سواء فى المسيحية أو فى الإسلام، ولكن المشكلة فى عدم إمكانية الانتقال من الضفة الغربية المحتلة ومن غزة إلى الأماكن المقدسة فى القدس المحتلة، مشيراً إلى أن أزمة فرض الضرائب على ممتلكات الكنيسة ما زالت قائمة ولم تنته.

فى جميع بلدان العالم قد يواجه أولياء الأمور بعض الأزمات المتعلقة بمدارس أبنائهم، مثل وقوع المدرسة فى منطقة بعيدة عن المنزل، أو أزمة مع أحد المعلمين، لكن فى القدس الأمر يختلف كلياً، فأولياء الأمور يواجهون خطراً أساسياً فى مرحلة التعليم وهو محاولة الاحتلال تشكيل هوية مختلفة للتلاميذ والطلاب الفلسطينيين فى المدينة المحتلة، سعياً إلى «محو الهوية الفلسطينية» من خلال تحريف المناهج التعليمية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل