المحتوى الرئيسى

مؤسس دار بسمة لإيواء المُشردين: الخيانة أبرز أسباب التشرد في الشوارع (حوار) | المصري اليوم

02/18 00:22

«الخيانة بأشكالها المختلفة هي السبب الرئيسي لتشرد الأشخاص وبقائهم في الشوارع».. تلك العبارة كانت إجابة المهندس محمود درج، مؤسس دار بسمة لإيواء المشردين بالزقازيق، أثناء حواره مع «المصري اليوم»، حيث أكد أنه بدأ قبل 3 سنوات مساعدة الأشخاص التائهين في الشوارع، واستطاع هو وزملاؤه مساعدة أهل الخير وإنقاذ ما يقرب من 507 من المشردين، حيث عاد 123منهم إلى بيوتهم.

«درج» الذي مازال طالبا بكلية الهندسة أكد لنا أنه اكتشف من خلال مغامراته وأصدقائه لاحتواء المرضى النفسيين المتواجدين بالشوارع أن الحب والخيانة وإهمال الأهل عناصر تسببت في ضياع أشخاص كانوا ملئ السمع والبصر، لافتا أنه كاد يفقد حياته ذات مرة، عندما حاول احتواء شاب يسير عاريا بسبب زواج والدته بعد وفاة أبيه، مشيرا إلى أن وزارة التضامن وصحة الشرقية والشرطة كان لها أثر بالغ في نجاح مساعيها، موضحا أن هناك أهإلى يرفضون تسلم أبنائهم وذويهم، واصفاً إياهم بأنهم أصحاب قلوب غليظة، معتبرا أن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي «حياة كريمة» لإعادة المشردين إلى حياتهم الطبيعية فكرة إنسانية رائعة يمكن أن تعيد البسمة إلى أسر وأبناء كثيرين.. وإلى نص الحوار:

* بداية.. ما طبيعة عمل دار بسمة للإيواء؟

- ببساطة شديدة نحن نقوم بمحاولة إيواء الأشخاص الذين ينامون ويعيشون في الشوارع وليس لهم مأوى ولا سكن، حيث ننزل إلى جميع المناطق في كافة أنحاء الجمهورية، بحثا عنهم، وعندما نجدهم ننقلهم إلى الدار ليستقبلهم العاملون ويقومون بتهيئتهم للعودة إلى الحياة الطبيعية.

- الدار موجود بها عاملون لديهم الرغبة والنية الصادقة في مساعدة هولاء الأفراد، لأنهم يكونوا مهملين في الشوارع وتبدو عليهم قسوة الحياة من إهمال تام في الشكل والصحة، فتراهم أحيانا في الشوارع بدون ملابس أو حفاة أو عراة، فيقوم المتخصصون بالدار بمعاملتهم برفق لمحاولة بث الطمأنينة في قلوبهم المتعبة جراء الظروف النفسية التي تعرضوا لها وأدت إلى تشردهم، ثم يبدأ العاملون في تقليم أظافرهم وقص «شعرهم» وتنظيفهم بشكل كامل بالمياه، ثم مساعدتهم على ارتداء ملابس جديدة، وبعدها يبدأ الأطباء النفسيون في التعامل معهم، لتأهيلهم للعودة إلى حياتهم الطبيعية.

* وكيف جاءت الفكرة من الأساس؟

- بكل صراحة.. منذ 3 سنوات تقريبا وأنا أسير في الشارع بسيارتي، لفت انتباهي رجل مسن يجلس على قارعة الطريق وتظهر عليه علامات الإرهاق والتعب، فمظهره صعب جدا، نظرا للأتربة والشحوم التي تسود وجهه وشعر ذقنه الكثيف، فضلا عن ملابسه الرثة التي يظهر منها أغلب جسده، فقررت أن أساعده، واقتربت منه، ولم ينتبه إلى في بداية الأمر، فقد كان شارد الفكر وكانت عيناه زائغتين، وجلست بجواره في محاولة لإيجاد ألفة بيني وبينه، فوجدته ينظر إلى ويبتسم، فشجعني ذلك على عمل شىء له، ونظرت حولي فوجدت صيدلية فتحركت نحوها لشراء «جوانتيات» وكمامة وقصافة، ورجعت له ممسكا بيده، ولم يبدي أي مقاومة، وتحركنا في الشارع نحو «مخبز للعيش»، حيث دخلت واستأذنت من صاحبه قائلا له «عايز أساعد هذا الرجل، فرد عليا وأنا معاك، وقمت بقص أظافره وتهذيب لحيته وإدخاله إلى»التواليت«، وانقلب تخوف الرجل إلى تجاوب كبير معي، ثم تحركت به إلى حلاق في نفس المنطقة، وبعد الانتهاء من مرحلة»الهندمة«قمت بتصويره ووضعت الصورة على صفحتي الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي»فيس بوك«، وجاء أهله بعد أن تعرفوا عليه وأخذوه.. بعد تلك الحالة تبلورت داخل عقلي فكرة مساعدة مثل تلك الحالات، وعرضت الأمر على أصدقائي المقربين الذين شجعوني على الفور، وبدأنا نجوب الشوارع بحثا عن هؤلاء الضعفاء.

* وهل استطعتم تنفيذ مهمتكم دون مشكلات أم كانت هناك عوائق؟

- بالطبع واجهنا عقبات كثيرة، أهمها أن كثيرا من هؤلاء الأشخاص يصبحون عنيفين عندما نحاول الاقتراب منهم، نجدهم يكيلون لنا الضرب بكل قوة بالأيدي والأرجل والرأس وأحيانا بإلقاء الحجارة أو أي شىء علينا، لكن ذلك لم يعق إصرارنا على احتوائهم بالهدوء تارة، وبالقوة تارة، وأيضا من المشكلات معارضة بعض الباعة الجائلين أو السكان في الشوارع وأصحاب المحال لنا، حيث يقولون مثلا لا تأخذوا هذا أو هذه لأنهم يجلسون بجوارهم من فترة طويلة ويحبون بعضهم البعض، فنجد معارضات شديدة، خاصة أن هناك كثيرين لا يعرفون شيئا عن عملنا ونقدم الأوراق والكارنيهات المؤكدة والكاشفة لموقفنا القانوني لإقناعهم بأننا نقدم لهم الخدمة والعون والحياة الكريمة التي يمكن أن تعيدهم إلى طبيعتهم أشخاصاً عاديين يتعاملون مع المجتمع بشكل عادي جدا، إلا أن هذه المشكلات قلت، وزالت كل المخاوف بعد تأسيس الدار وإشهارها بشكل رسمي، لأن الأول لم نكن قادرين على جلب أحد إلى مقر سكني، خوفا من التعرض للمساءلة القانونية، وقد اقتصر عملنا قبل الحصول على موافقة قانونية بعمل الدار على المساعدة في الشارع، أما الآن فنحن مؤسسة رعاية متكاملة.

* وما هي خطوات تأسيس دار بسمة؟

- في البداية قمنا بتأجير شقة صغيرة للرجال وأخرى للسيدات، وتقدمنا لوزارة التضامن الاجتماعي التي تعاونت معنا كثيرا وقدمت لنا العون بعد أن تأكدها من نتائج عملنا، ثم أكرمنا الله بتبرعات استطعنا من خلالها استئجار شقتين أخريين، ثم بمساعدة أهل الخير تركنا الشقق واستأجرنا 3عمارات، منها اثنتان للرجال وواحدة للسيدات، ثم اشترينا قطعة أرض لبناء دار للمشردين، وهو الحلم الذي نسعى إلى تحقيقه بأن تكون بين أيدينا دار كبرى لإيواء من ضلوا طريقهم، بسبب ظروف اجتماعية وباتوا لا يجدون من يحنو عليهم ويقدم لهم الحب والمودة، كونهم أصبحوا مرضى يحتاجون العلاج النفسي والجسدي.

* بمناسبة التبرعات.. كيف تستقبلونها؟ ومن المسؤول عنها؟

- التبرعات لها قنوات شرعية وفق اللوائح والقوانين التي تحكم عمل الجمعية التي تم تأسيسها وفق شروط وزارة التضامن الاجتماعي، فهناك حساب لدي بنك فيصل يستقبل التبرعات، ومن الممكن إيداعها لدي الجمعية على أن يتم تسليم المتبرع إيصالات رسمية مختومة وموقعة بذلك من المديرين المختصين، حيث تخضع الجمعية للإشراف الحكومي والرقابة من الجهات الرسمية.

* اذكر لنا كيف يتم العمل داخل الدار؟

- كما ذكرت لكم هناك عاملون مختلفون، فمنهم المتخصصون في نظافة الدار وآخرون معنيون بنظافة الأشخاص، وهناك الممرضون الذين يقومون بمحاولة تضميد الجراح والعمل على تقديم الدواء والمشورات الطبية لهم، وهناك تعاون كامل مع عدد من المستشفيات التابعة لمديرية الصحة بالشرقية، سواء من الطب النفسي أو الجراحة العامة أو غيرها من التخصصات الطبية التي يمكن أن نحتاج إليها لمعالجة سكان الدار، ولا يكمن أن نتجاهل الدور الهام والمحوري الذي لعبته الأجهزة المختلفة في الدولة، فالشرطة لم تقصر معنا، وكثيرا ما تحركت لحمايتنا عند ذهابنا لأماكن بعيدة أو في خارج المدينة، كما أن وزيرة التضامن الاجتماعي توفر لنا سبل العمل وتذلل مشكلاتنا حتى باتت عاملا أساسيا في نجاح كل مساعينا نحو إعادة وتأهيل المشردين، ولقد دعونا محافظ الشرقية الأسبق، اللواء خالد سعيد، وقد حضر بالفعل مع الجهاز التنفيذي إلينا والأكثر من ذلك أنه تبرع لمبادرتنا بمليون جنيه، بعد أن أخذ موافقة المكتب التنفيذي، لأن الدار تحتاج إلى إمكانات هائلة، أيضا الشباب والرياضة فتحت أبوابها للدار وأصبحت من الأماكن الترفيهية التي من الممكن أن نذهب بالأشخاص إليها، كما أن الصحة، ممثلة في مديرية الصحة بالشرقية، وفرت لنا الخدمة الطبية في شتى التخصصات التي ساعدتنا كثيرا على إنهاء معاناة ومشاكل المشردين الصحية، خاصة مستشفى العزازي للصحة النفسية التي باتت المأوى الآمن والمعالج الأكبر لهؤلاء المشردين.

* وكم عدد العاملين بالجمعية؟

- حوالى 38، ما بين عمال وموظفين، تم توزيعهم على التخصصات المختلفة، ويوجد مديرون للدار ونظام للعمل ولوائح داخلية تحدد طريقة ومواعيد تواجدهم وإجازاتهم وغير ذلك.

* وهل يعمل هؤلاء الـ38 بمقابل مادي أم مجانا؟

- منهم من يعمل بمقابل مادي، وهناك آخرون يتقاضون أجورا طبقا للحالة المادية للأشخاص.

* وهل يحدثكم المشردون عن مشكلاتهم التي جعلتهم يتيهون في الشوارع بلاهدف؟

- نسبة قليلة جدا منهم تتحدث بعد مرحلة الاستفاقة، لكن نعرف معلومات غالبا إما من أهاليهم عندما يحضرون لتسلمهم أو أصدقائهم أو حتى من التليفونات التي نستقبلها، لأننا نقوم بنشر صور وأسماء الأشخاص الذين يتلقون العلاج على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى تعرف الأهل والأقارب على كثير منهم ثم يقومون بعد ذلك بالاتصال بنا، واكتشفت أن أغلب المشكلات النفسية جاءت بسبب الخيانة والحب، فهناك عدد كبير قد تعرضوا للخيانة، سواء من المحبوبة أو الزوجة ودخلوا في ضغوطات نفسية وصلت بهم في النهاية إلى ما نراه في الشارع، وهناك خيانات مادية تسببت في ضياع أموال أصحابها، ما أثر على تماسكهم النفسي وانتهى بهم إلى التشرد وغيرها من المشكلات الاجتماعية الموجودة في كل مكان كإهمال الأهل والأبناء والأباء لبعضهم البعض، ما يسبب حالات ضياع كثيرة، لذا فإن الألفة والود والرعاية الأسرية من أهم عوامل استقرار ونجاح الأفراد.

* اذكر لنا إحدى القصص التي أدت ببعض الحالات إلى التشرد؟

- هناك سيدة كانت مشردة في الشوارع وجاءت لنا إخبارية من فاعلي خير بمكان تواجدها، وعندما انتقلنا إليها وجدناها تفترش أحد أرصفة منطقة رمسيس، ولديها بعض أواني الطهي، وتقوم بتسوية بعض الطعام الخفيف بمساعدة الباعة الجائلين، ملامحها سمراء والغريب أنها ظهرت تعتني بنفسها وشعرها على قدر إمكاناتها المتوفرة، وعرفنا فيما بعد أن عمرها تخطي الـ50 وأنها من الشرقية.. وقصتها تتلخص في كونها ارتبطت بقصة حب في شبابها بأحد الأشخاص، لكنها تزوجت غيره وأنجبت عددا من الأولاد، وعاش حبيبها وحيدا وساءت حالته النفسية التي أدت في النهاية إلى تشرده في الشوارع حتي لقي حتفه، وعندما علمت تلك السيدة مصير حبيبها قررت أن تذهب إلى المكان الذي تشرد فيه الحبيب حتي وصلت حالتها إلى نفس حالته وأصبحت مشردة، وتجدها تضحك وتبكي في آن واحد وترقص أيضا، لكنها لا تحكي شيئا، وقد تعرفنا على أهلها بعد نشر صورتها واتصلنا بهم فلم يجبنا سوى بنت شقيقها، وقالت لنا: «لن نقبلها ياريت تبقي عندكم».

أيضا هناك حالة لرجل أعمال يدعى عبدالفتاح، عاش في ألمانيا ما يزيد على 30 عاما، منذ سفره في بداية شبابه، عثرنا عليه بوسط القاهرة ووجدناه يقوم بتعليم الناس ألماني على الرصيف دون مقابل عن طريق الكتابة بالطباشير على الأرض، وبعد أن أصبح من ساكني الدار ونشرنا صوره علمنا أنه كان يرسل لشقيقه الأموال التي يحصل عليها أثناء عمله في ألمانيا لاستثمارها، كما اتفقا معا، وعندما عاد ذهب إلى أخيه يطلب منه أمواله التي تخطت الـ20 مليونا فرفض الأخير، وقال له ليس معي شىء كله ضاع، وكان كاذبا لأنه أصبح شخصا ثريا يمتلك العقارات والقصور، وبالطبع كانت صدمة كبرى أدت إلى تشرد صاحب الملايين في الشوارع، والغريب في الموضوع أن أسرة هؤلاء الشقيقين «طلبوا منا لم الموضوع» وقال أحد أشقائهم إن الأسرة كبيرة وأفرادها في أماكن حساسة لازم القصة تنتهي وللأسف ظل عبدالفتاح في الدار.

* علمت أن لديكم أشخاصا ينتمون لعائلات شهيرة وأسماء لامعة؟

- نعم.. لكن لا يمكن أن نبوح بجميع أسرارنا، فنحن نحاول إعادتهم إلى بيوتهم بشكل سري ودون أن نخلق أزمات لعائلاتهم وذويهم.

* وهل تعرضتم للضرب بالفعل من أشخاص مشردين عند محاولة احتوائهم؟

- نعم حدث كثيرا، فأنا شخصيا أذكر مرة أنني ذهبت وحيدا بسيارتي إلى شاب كان يسير عاريا في منطقة خارج مدينة الزقازيق، وتحديدا في مدينة بدر، وعندما اقتربت منه فؤجئت بلكمات شديدة يصوبها إلى وجهي ورأسي، ودخل في نوبة هياج مصحوبة بالضرب القوي، كدت وقتها أن أموت لكن ربنا سترها واستطعت الإفلات منه والعودة بعد إصابتي بكثيرا من الكدمات والجروح، لكن أصريت على مساعدته واتفقت مع الزملاء وقلت لهم استعدوا عندنا مهمة صعبة ومختلفة، لأن فيها ضرب، المهم ذهبنا إليه في مساء نفس اليوم فوجدناه في المكان ذاته، وعندما اقتربنا منه دخل علينا بالضرب والركل، لكننا استطعنا السيطرة عليه وجئنا به إلى الدار، وبعد التعامل معه أصبح لطيفا وعلمنا بعد نشر صورته أن اسمه يوسف وفي حدود الـ20عاما، وقد أصيب بصدمة عندما توفي والده وتزوجت أمه وأهملته، حتى وصل به الحال إلى تشرده في الشارع، وعندما اتصلنا بوالدته قالت «أنا متزوجة ومش عايزة مشاكل خليه عندكم» كما اتصلت شقيقته للاطمئنان عليه، وحالته الصحية جيدة، لكنه يتحدث بصعوبة ولا يذكر شيئا عن أزمته النفسية، وهناك حالات متعددة تعرضنا فيها للعنف والضرب من قبل الأشخاص، لكن إيماننا بأننا نؤدي رسالة تحتاج إلى صبر يجعلنا قادرين على تحمل العنف.

* وهل هناك معاناة في عملكم بجانب تعرضكم للضرب من قبل المُشردين؟

- بالطبع هناك مشكلات مختلفة، فالضرب أسهل ما فيها، لكن أصعب شىء هو الإهانات النفسية التي تصيبنا، فهناك أشخاص يوجهون لنا الاتهامات بأننا نتربح من جراء ذلك العمل، رغم أنني أعمل بسيارتي الخاصة التي أمتلكها من قبل أن أفكر في هذا الأمر والتي أصبحت مستهلكة، وأنا لم ولن أحصل على أي تبرعات بيدي، فقد كانت البداية من جيبونا أنا وزملائي، ثم أصبحت هناك مؤسسة تخضع لقوانين الدولة، فالدار مشهورة ومعروفة، ولها موظفون وتحتكم للوائح، وأدعو أي إنسان إلى زيارتها لأنه سيجد ما يسره ويثلج قلبه ويتيقن أن هناك أشخاصا من بلده يعملون من أجل الله وخدمة الغير، وهم قادرون على الحياة الطبيعية ويقدمون أنفسهم كسند وعون لمن ضاقت بهم سبل الحياة الأسرية وفقدوا عوائلهم وأحباءهم وتعرضوا لضربات نفسية موجعة جاءت بهم إلى الشوارع مشردين يحتاجون إلى العون، فنحن عونا لهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل