المحتوى الرئيسى

تحليل: العرب بين كذبة حرية التجارة وسيف الحمائية

02/17 17:58

ينتظر الكثيرون عبر العالم بعصبية ما ستأتي به المفاوضات الصينية الأمريكية الهادفة إلى منع اندلاع حرب تجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. لكن وأيا كانت النتائج التي ستأتي بها هذه المفاوضات التي تم استئنافها نهاية الأسبوع، فإن العولمة وحرية التجارة بالشكل الذي روّج له الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص حتى عهد قريب أضحت في عداد الماضي بعد وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، فمع وصوله أعلن الرئيس الأمريكي عن أوسع زيادة للرسوم الجمركية على السلع الأجنبية منذ عقود. ولم يقتصر ذلك على  السلع الصينية وحسب، بل شمل أيضا الأوروبية والكندية والروسية والمكسيكية واليابانية والكورية وغيرها. وهو الأمر الذي جعل شبح الحمائية يخيم على الاقتصاد العالمي. وهذا ما بدا واضحا من أجواء ملتقى دافوس الذي غاب عن دورته لهذا العام غالبية قادة العالم الذي روجوا في دورات سابقة لحرية التجارة. وترامب الذي يريد جعل أمريكا أيضا من خلال العقوبات الجمركية والأجراءات الحمائية الأخرى "قوية مجددا" على حد زعمه، يترأس إدارة روجت قبله على مدى عقود لعولمة وتجارة تخلع الحدود أمام انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال. أما مبررات مروجيها فقامت على أساس أن ذلك سيعمم الرفاهية لشعوب العالم. وفي هذا الإطار مارست هذه الإدارة في حينها أشد الضغوط السياسية والاقتصادية على دول كالصين لدخول منظمة التجارة العالمية بشروط أمريكية وغربية.

إرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin

وإذا ما تركنا أفكار المروجين من الليبراليين الجدد ودعاة "الرأسمالية المتوحشة" ووعودهم جانبا، فإن الواقع يدحض الكثير ما روجوا له في أكثر من واقعة حتى في أوج الدفع الذي حصلت عليه العولمة بعد انهيار المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي سابقا. وهكذا فإن حرية التجارة التي تسير باتجاهات متعددة كان مرحب بها طالما تحافظ على تفوّق الولايات المتحدة في السوق العالمية. غير أنها تصبح مرفوضة إذا هددت هذا التفوّق. ويدل على التعامل معها بهذه الانتقائية مثلا فرض الإدارات الأمريكية السابقة بشكل تكرر أكثر من مرة منذ ثمانينات القرن الماضي القيود والرسوم الجمركية على منتجات أجنبية منافسة لمنعها من دخول السوق الأمريكية وفي مقدمتها منتجات الحديد والصلب. كما أن الاتحاد الأوروبي لم يتردد يوما في فرض قيود ورسوم حمائية على دخول منتجات الدول العربية ودول العالم الثالث التي تنافس منتجاته الزراعية إلى سوقه الداخلية. ويتم هذا في الوقت الذي يُطلب فيه من هذه الدول فتح أسواقها على مصراعيها أمام المنتج الأوروبي.

رغم التبعات السلبية للعولمة وحرية التجارة على قطاعات الانتاج التقليدي والزراعي في الدول العربية ودول العالم الثالث، فإن فترات الترويج لها والعمل بها شهدت تراجع معدلات الفقر والمرض بنسب ملموسة في معظم الدول النامية. ولعل من أهم فوائدها انتقال السلع والخبرات والخدمات عبر الحدود بشكل ساعد على تحسين كفاءة منتجات متنوعة ونشوء قطاعات جديدة في أكثر من دولة في مقدمتها الدول الصاعدة. وبفضل تخطيط ورؤية طويلة الأمد سخرّت دول مثل الصين ذلك لتطوير سلعها وخدماتها والانتقال إلى مرحلة المنافسة المتزايدة مع الولايات المتحدة. ولم يمنعها من ذلك سرقة حقوق الملكية ونسخها وتقليد مختلف أنواع المنتجات الأجنبية وعرضها بأسعار رخيصة. وهكذا تعزز غزو البضائع الصينية للسوق الأمريكية حتى في مجال الاتصالات والأجهزة المنزلية والكهربائية والإلكترونية وغيرها. وسبق ذلك انتقال التفوق في صناعة السيارات إلى أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.

الزيتون التونسي ومشتقاته لا تجد دائما طريقا سهلة للوصول إلى السوق الأوروبية رغم اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي!

ومع وصول ترامب إلى السلطة كانت الولايات المتحدة فوتت فرصة اللحاق بالأوروبيين والصينيين في أكثر من مجال، وهكذا وبدلا من الوفاء لمبادئ السوق الحر التي يروج لها الأمريكان أكثر من غيرهم، فقد أعلن ترامب عن حزمة قيود تشمل رفع الرسوم الجمركية على بضائع صينية وأوروبية بقيمة تصل إلى نحو  300 مليار دولار في مرحلة أولى إذا لم يقم هؤلاء باتخاذ الإجراءات المناسبة لفتح أسواقهم بشكل أوسع أمام السلع الأمريكية. ومع بدء تطبيق هذه القيود ولو بشكل جزئي ينتقل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة جديدة يتم من خلالها اتساع نطاق الحمائية من خلال قيود واتفاقات ورسوم جمركية إضافية لا احد يعرف أين ستنتهي.

وإذا كانت البعض يرفض ويدين هجوم ترامب على حرية التجارة مهددا بإجراءات مماثلة، فإن آخرين يعبرون عن خوفهم من حمائية توجه ضربة قاسية غير مسبوقة للنظام الاقتصادي العالمي الحالي. ولعل الملفت هنا حديث البعض عن خوف مبالغ فيه وكأن الحمائية لم تكن موجودة قبل ترامب! صحيح أن الحمائية التي يهدد بها ترامب أوسع من سابقاتها، غير أن الواقع يقول بأن مختلف الدول الديمقراطية منها أو الشمولية في البلدان الصناعية والصاعدة لم تقصر في حماية منتجها الوطني من المنافسة الأجنبية إذا رأت من مصلحتها ذلك. ولا يغير من ذلك تعارض هذه الحماية مع قوانين منظمة التجارة العالمية وقواعدها بشأن حرية التجارة. أما الدول الضعيفة والنامية ومن ضمنها الدول العربية، فإن فرصها لحماية منتجها المحلي كانت دائما ضعيفة لأسباب لا تخلو من الضغوط السياسية تارة وضغوط صندوق النقد الدولي الذي يتحكم بالقروض الحيوية للكثير منها تارة أخرى. السؤال المطروح هنا، هل تغير الحمائية القادمة التي يخشى منها الكثيرون من هذا الوضع على الصعيد العربي؟

ابراهيم محمد: هل تتمكن الدول العربية من إحياء منتجها المحلي التقليدي؟

إن تراجع حركة التجارة عبر العالم من خلال حرب تجارية بين أكبر القوى الاقتصادية سيؤدي إلى تباطؤ النمو في الدول الكبرى المعنية بشكل يؤدي إلى ركود الاقتصاد العالمي. ومع الركود يقل الطلب على مصادر الطاقة وفي مقدمتها النفط الذي يشكل العمود الفقري لاقتصاديات حوالي نصف الدول العربية. ومما يعنيه ذلك تراجع عائدات هذه الدول بشكل يرتبط بحجم العرض المتوفر في السوق. أما بالنسبة للمنتجات الأخرى وفي مقدمتها الأغذية والألبسة والحرف والسلع الاستهلاكية اليومية الأخرى، فإن الحمائية تعطي فرصة إلى إعادة أحياء إنتاجها واستهلاكها محليا بشكل أوسع بدلا من استيرادها بمليارات الدولارات سنويا. ويشجع على ذلك التوجه العالمي نحو المنتج البيئي التقليدي والمحلي. أخيرا هناك مثل ألماني يقول: " في كل أزمة فرصة"، السؤال هنا، هل تستغل بعض الدول العربية التي لديها الإمكانات المادية والكفاءات البشرية هذه الفرصة وتحيي منتحها المحلي بشكل يعزز أمنها الاقتصادي؟ 

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل