المحتوى الرئيسى

هل يمكن ترحيل اللاجئات الحوامل من ألمانيا؟

11/17 18:25

في منتصف إحدى ليالي شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وجدت امرأة إيرانية حامل مصابة بداء السكري، نفسها في محطة القطارات في مدينة هانوفر الألمانية وفي جيبها 100 يورو فقط، وهي تنتعل "شبشابا" وسروالا قصيرا وسترة خفيفة، لدى محاولة ترحيلها من ألمانيا. إذ كانت السلطات الألمانية تريد ترحيل طالبة اللجوء الإيرانية مع زوجها وطفلهما البالغ 18 شهراً إلى كرواتيا بموجب اتفاقية دبلن، حيث تقدما بطلب اللجوء لأول مرة بعد فرارهما من إيران.

وقد وصلت الأسرة الإيرانية إلى ألمانيا في مايو/ أيار 2018. وفي يوليو تم رفض طلبها للحصول على اللجوء في ألمانيا. حاولت سلطات الهجرة أولاً إعادتها إلى كرواتيا في سبتمبر/ أيلول ، لكن العائلة احتجت على الأمر. بعدها اقتيد رب الأسرة إلى سجن الترحيل. بحلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كانت المرأة قد أُدخلت إلى المستشفى الجامعي في مدينة ماينز نظراً لإصابتها بداء سكري الحمل.

ووفقاً لرسالة مؤرخة في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من مجلس اللاجئين في ولاية راينلاند بفالتس، وقّعت عليها 12 منظمة تساعد النساء في مجال سياسات الهجرة في المنطقة، فقد دخلت المرأة إلى العيادة حيث كانت بحاجة إلى جرعة من الأنسولين ورقدت في الفراش للحصول على قسط من الراحة. بعد يوم واحد فقط، وصل نحو 10 من رجال الشرطة إلى غرفتها في منتصف الليل وقاموا بوضعها وابنها في سيارة إسعاف ليتم نقلهما إلى مطار هانوفر لتنفيذ قرار الترحيل.

وتفيد التقارير بأن الأسرة واصلت الاحتجاج على القرار ما حدا بقائد الطائرة إلى رفض إدارج العائلة على قائمة الركاب. عندها قامت السلطات المحلية بنقل الرجل إلى وحدة الترحيل، فيما منحت المرأة 100 يورو لتستقل قطاراً للعودة إلى ماينز، ولينتهي بها المطاف في محطة قطارات بمدينة هانوفر في منتصف الليل مرتدية ملابس بسيطة ونعلاً منزلياً!.

لاجئة من جنوب السودان، تشرب قهوتها

مجلس اللاجئين قال في رسالته إن "مرض السكري يعرض الحمل للخطر" وأن السيدة "كان يجب ألا يتم اتخاذ قرار بترحيلها بسبب ذلك. هذه مهمة السياسيين والأطباء الذين كان يجب عليهم التأكد من أن السيدة ستتاح لها فرصة الحصول على حمل صحي وخالٍ من المشاكل".

وتقول السلطات الألمانية المختصة إنها راجعت الأمر مع العيادة وأن الأطباء سمحوا باتخاذ إجراءات الترحيل. لكن العيادة نفسها أصدرت بياناً صحفياً قالت فيه إن السلطات لم تطلب أبداً مثل هذا الإذن للمضي في إجراءات ترحيل السيدة ومن المؤكد أنها لم تعط الإذن بذلك". ويشدد مجلس اللاجئين على أن سلطات الترحيل تجاوزت الخطوط الحمراء وكسرت المحرمات في هذه القضية. لكن في قانون الهجرة الألماني لا يذكر الحمل بشكل مباشر كسبب لوقف عمليات الترحيل من البلاد.

يقدم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) على موقعه الإلكتروني معلومات حول إجازة الحمل والولادة. توجد إجابات على كافة الأسئلة من الصحة إلى الاقتصاد والحقوق الشخصية على شكل ملفات كتابية وصوتية يمكن تنزيلها وحفظها. ومع ذلك، لا يوجد أي ذكر لأي قانون ينص صراحة على أنه لا يجوز للسلطات ترحيل امرأة حامل.

تنص المادة 60 من القانون الألماني على الحالات التي يُحظر فيها الترحيل. في الفقرة 7 من تلك المادة، يُذكر أن الأسباب الصحية الوحيدة التي قد تمنع الترحيل هي إذا كان الشخص يعاني من "مرض خطير يهدد الحياة أو على درجة عالية من الخطورة، والذي قد يتطور ليصبح أكثر سوءاً بسبب الترحيل". وينص البند على أن "النظام الصحي في الدولة التي يتم إعادة الشخص المرحل إليها ليس من الضروري أن يكون بنفس مستوى النظام الصحي في ألمانيا".

تظاهرة في ألمانيا تطالب بوقف ترحيل اللاجئين

على الرغم من عدم ذكر مسألة الحمل بشكل محدد في هذه المادة، لكن وبموجب القانون الألماني فإن المرحلة عالية الخطورة في الحمل الطبيعي تستمر من ستة أسابيع قبل الولادة إلى ثمانية أسابيع بعدها. يتزامن ذلك مع فترة إجازة الوضع القانونية التي تكفلها الدولة الألمانية. لذلك قد لا تعتبر السيدة التي تمر بالمراحل المبكرة من الحمل معرضة للخطر إذا ما استقلت رحلة جوية إلى كرواتيا، والتي هي بلد قريب في الاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى، فإن أي سيدة على وشك الولادة ستمنع من ركوب الطائرة.

في الماضي، كان على القانون الألماني أن يتعامل مع أحكام تتعلق بالهجرة والترحيل والحمل، هذا بالإضافة إلى حالات خاصة أخرى مثل أن يكون والد الطفل الذي لم يولد بعد قد رفض طلب لجوئه، أو أن الطفل الذي سيولد لأم ألمانية أعيد والده إلى ألمانيا إلى حين ولادة الطفل.

في مايو/ أيار 2018، تم الترتيب لترحيل امرأة من ألمانيا إلى إيطاليا التي كانت أول بلد تصل إليه في الاتحاد الأوروبي. السيدة كانت من سيراليون وفي شهورها الأخيرة من الحمل. لكن إجراءات الترحيل من بافاريا تم تعطيلها على إثر اعتراضات شديدة من السيدة في المطار. ويعني التأخير في تنفيذ عملية الترحيل أنه بحلول الوقت الذي سيتم فيه تنفيذ المحاولة الثانية للترحيل ستكون السيدة قد دخلت رسميًا فترة إجازة الوضع في ألمانيا ما يعني أنه لن يصبح من الممكن قانونياً ترحيلها إلا بعد الولادة. وبذلك تم تعليق النظر في قضيتها لمدة ستة أشهر.

أما في حالة السيدة الإيرانية، فقد أفاد أطباء المستشفى بأن الطريقة التي أُخذت بها المرأة من عيادتهم "مقلقة للغاية"، فيما قالت وزارة الاندماج في ولاية راينلاند بفالتس إنها ستعمل مع السلطات لإيجاد "حل عملي للجميع". ولكن حتى الآن لا يعد مرور السيدات بالمراحل الأولى من الحمل سبباً لمنع الترحيل من ألمانيا.

في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.

مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.

عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.

كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.

أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.

على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.

وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.

وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل