المحتوى الرئيسى

هنا مدارس «التعليم المجتمعي».. كيف نؤهل مليوني متسرب من التعليم؟

09/23 19:38

عام دراسي جديد بدأه الطلاب في كافة المراحل التعليمية، لتبدأ معهم القصص المشوقة التي سيتم سردها على الآباء والأمهات بمجرد عودتهم إلى منازلهم، إلا أن الوضع كان مختلفًا بالنسبة لـ "مريم السيد".

تمكنت ابنة مركز "طمية" بمحافظة الفيوم، التي لم تتخط 11 عامًا، من الهرب، بعد أن أجبرها والدها على ترك المدرسة لخطبتها، وكان من الأب مقررًا زواجها، رافضًا أن تستكمل تعليمها.

تمكنت فرق البحث الاجتماعي التي تم تشكيلها من مجموعة من الجمعيات الخيرية؛ لرصد وإحصاء الأطفال المتسربين من التعليم، من الوصول إلى "مريم" والتواصل مع والدها لإقناعه باستكمال تعليمها، خاصة أن المدرسة سيتم إنشاؤها بالقرب من المنزل، وبعد محاولات مكثفة، تم إقناع والدها بإعادتها للتعليم عبر مدارس التعليم المجتمعي.

تقول مريم لـ"الدستور": "في مدرستي القديمة أنا مكنتش باعرف أكتب اسمي، بس لما جيت مدرسة التوحيد بقيت بحب الدراسة وبعرف أكتب اسمي وكمان باكتب على اللابتوب".

يذكر أن مدارس التعليم المجتمعي يصل عددها إلى 5000 مدرسة على مستوى الجمهورية، منها 1000 مدرسة تابعة لمؤسسة مصر الخير. تمكنت «الدستور» من الوصول لأحد هذه المدارس، في قرية الصلاحات بمحافظة الفيوم، لرصد مدى اختلافها عن المدارس الحكومية المعتادة.

قضت خلاله يوم دراسي بداخل هذه المدارس لتوضيح ما تتميز به، وهو أن عدد الطلاب بها لا يزيد عن 35 طالب داخل الفصل الواحد، يكون مسؤول عنهم اثنين من المعلمات واللاتي يطلق عليهن لقب «ميسرات» بهذه المدارس، وليس معلمات كما هو المعتاد في المدارس العادية.

التعليم داخل هذه الفصول يتم عن طريق الأنشطة التفاعلية التي يقودها الطلاب بأنفسهم تحت إشراف "ميسراتهم"، بالإضافة إلى استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة من شاشة العرض الآلي "البروجيكتور" وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي يستخدمها الأطفال أثناء العملية التعليمية، وعلى عكس المعتاد فمدارس التعليم المجتمعي لم تتخذ لها مدير مسؤول عن المدرسة أو ناظر بل تقوم على التنظيم والرعاية الكاملة من الميسرات.

«مريم» كانت واحدة من الفتيات اللاتي كانت عائلاتهم وظروفهم وعاداتاهم سببًا في انهيار التعليم المصري وخروجه من تصنيف العالمي للتعليم، بعد ارتفاع معدلات الأمية نتيجة لارتفاع عدد المتسربين من التعليم والتي وصلت إلى 1.122 مليون طفل من الفئة العمرية من 6 إلى 20 عام، وفقًا للإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعئبة والإحصاء، في أكتوبر من عام 2017، وكان هذا الهدف من مشروع "التعليم المجتمعي" الذي عملت على إنشائه مؤسسات خيرية، جعلها تسعى للبحث عن هؤلاء المتسربين من التعليم وتوفير كافة السبل لهم مهما كانت الظروف والعقبات أمامهم.

كذلك "فهد"، 10 أعوام، أصغر راعي غنم، لاحظ مُيسرات مدرسة التوحيد مرور الطفل يوميًا مع عدد من الأغنام أمام المدرسة يوجه الأغنام بأحد الجوانب بالقرب من المدرسة ويقف بجوار الباب ليستمع إلى الدروس التعليمية، مُبديًا فرحة مميزة وسط تفاعل الطلاب والأنشطة المختلفة التي يمارسونها.

ما لفت نظر الميسرات وجعلهم يتسألون عن ظروف هذا الولد، وبعد الوصول لمعلومات عن عنوانه وتفاصيل حياته تم التواصل مع والده، الذي كان رافضًا في البداية أن يُلحق نجله في مدارس التعليم المجتمعي خشية أن يتأثر عمله برعي الأغنام والسعي بها ويفقد مساعدة الابن له، وبعد محاولات جادة تم إلحاق فهد بالمدرسة مع التأكيد لوالده أن فترة الدوام لن تخل بعمله، وتشجع الولد للتأكيد على هذا الوعد لوالده.

"مجمع مدارس التوحيد" لافتة عُلقت على ذاك المبنى المكون من دور واحد فقط، ولم يكتمل دوره الثاني إلا من السلالم المؤدية إلى الأعلى في انتظار ما يكملها كدور جديد، وثلاث فصول أرضية لهذا المبني، تزينت بأبهى الألوان الزاهية لتتلائم مع الخضرة الزراعية المحيطة بها من اتجاهاتها الأربعة، وداخل هذه الفصول الثلاث تزينت الحوائط بأوراق ملونة وزينة معلقة متعددة الألوان والأشكال، قصاصات ورقية معلقة على شكل مخروطي عددها يصل إلى 35 مخروط يحمل كل واحد منها عود من الخشب به صورة لكل طفل يسجل بها حضوره للفصل.

يتزين كل فصل بمعلومات متميزة، فبالنسبة للأطفال المتسربين من التعليم الذي كان عامهم كله يعد بمثابة أجازة، تأتي مدرسة التعليم المجتمعي لتحتويهم من جديد وتبرز لهم الاجازات المخصصة لهم في كل عام دراسي من خلال لوحات تزينها مكتوب عليها "مناسباتي: حرب أكتوبر، وقفة عرفة، عيد الأضحى، عيد الفطر، المولد النبوي، رأس السنة الهجرية"، كما توضع لوحات أخرى تزين الفصل عن رؤية المدرسة والتي تتمثل في "توفير تعليم ذو جودة عالية لأولئك الذين لا تصل إليهم الخدمة التعليمية والمحرومين والمتسربين وأطفال الشوارع متضمنا البنين والبنات وبالتالي فهو يسد منبعًا رئيسيًا للأمية".

لم تغفل الفصول الثلاث في التزين بالرسالة التي تتبناها المدرسة وتعمل على تحقيقها وهي "تنمية الدارس الدارسة لغويًا بما يضمن سيطرتهسيطرتها على المهارات الأساسية قراءة وكتابةً وفهمًا وتعبيرًا، وتزويدهم بالمبادئ الأساسية في الحساب ما يجعلهم يحسنون التعامل مع البيئة، ومعاونة الدارسين على التكيف الاجتماعي وتفهم الظاهرات الطبيعية المحيطة".

"ميسرات" هو اللقب الذي يطلق على المعلمات داخل فصول التعليم المجتمعي، وليس معلمات كما هو معتاد، وذلك لأن دورهم يقتضي تيسير العملية التعليمية داخل الفصول، فهم ليسوا مجرد ملقنين للمعلومة التي يتم نقلها للطلبة، بل يتم تبسيط العملية التعليمية من خلال الأنشطة التعليمية والتدريبية المختلفة، للتأكد من حصول الطلبة على الاستفادة القصوى من تلك الانشطة، خاصة أن هؤلاء الأطفال يتم إدراجهم تحت فئة المتسربين من التعليم، ولذلك الهدف من الميسرات هو يصل التعليم إليهم في أبسط صوره وبأشكال مختلفة، هذا وفقًا لما شرحته قاسم عن ميسرات مجمع التوحيد.

السابعة صباحًا، يبدأ الدوام الدراسي بمدرسة التوحيد، من خلال الطابور الصباحي الذي تنشد فيه الإذاعة المدرسية وتحية العلم، لينطلق كل طالب على صفه مع الميسرة المسؤولة عنه.

ينقسم اليوم الدراسي إلى فقرات، يتم الإعتماد الأكثر فيها على التعامل النشط والإدارة الذاتية، حيث يتم توزيع المهام على الطلاب، للتفاعل النشط، مثل قائد اليوم المسؤول عن قيادة الطلاب لباقي اليوم، وقائد الطابور المسؤول عن تنظيم زملاؤه لتأدية طابور الصباح، بالإضافة إلى مسؤول الأدوات ودوره الاهتمام بجمع وتوزيع الادوات الخاصة بالأنشطة على الطلاب وتجميعها عند الانتهاء.

والدور الأخير هو "الميقاتي" وهو الطالب المسؤول عن الإبلاغ بانتهاء الوقت في حالة انتهاء الأنشطة والتدريبات التفاعلية، وكل هذه الأدوار يختلف توزيع الطلاب بها يوميًا ولا يتم احتكارها على طالب معين؛ لزرع مبدأ المشاركة والتفاعل بين كافة الطلاب دون استثناء.

فقرات اليوم تبدأ بفقرة "صباحك سكر" وهي تسجيل حضور الطلاب للفصل، من خلال وضع الشارات بخانة الحضور المعلقة على الحائط وهذه الشارات بها أسامي الطلاب وصورة خاصة بكل طالب، ثم يلي ذلك فقرة التهيئة الصباحية للطلاب يتم فيها عرض أحد الأنشطة مثل الفقرة المسرحية لشرح قيمة من قيم المجتمع، مثل آداب الاستئذان أو الوضوء والصلاة واحترام الكبير.

يلي ذلك بدأ النشاط الموجهه وهو المنهج التعليمي والجدول الدراسي، وذلك كما توضح «نورا عطية المصري»، التي تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية دفعة 2016، إحدى الميسرات بمجمع مدارس التوحيد المسؤلة عن أحد الصفوف الأولى بالمدرسة.

داخل كل فصل يوجد اثنان من الميسرات وكل ميسرة تتولى مادتين للتدريس، موضحة أنها تدرس مادة اللغة الانجليزية ومادة الرياضيات ورغم عدم تخصصها فيها الا أنها تحضر تدريبات مكثفة لمادة الرياضيات توفرها لها مؤسسة مصر الخير، لتكون متمكنة في هذه المادة دون وجود عقبات.

لم تختلف المناهج الدراسية التي يتم تدريسها بمدارس التعليم المجتمعي عن تلك التي تُدرس بالمدراس الحكومية العادية، فهي مناهج تابعة لوزارة التربية والتعليم وذلك لأن هذه المدراس يتم إنشائها تحت إشراف الوزارة، حيث تنقسم الصفوف إلى صفوف أولى وصفوف عليا يتم فيها تدريس اللغة العربية والرياضيات واللغة الدينية والإنجليزية للصفوف الأولى، أما الصفوف العليا يتم إضافة مادتي الدراسات الإجتماعية والعلوم، وذلك وفقًا لما أوضحته "المصري".

تأتي فقرة النشاط الحر بعد الانتهاء من النشاط الموجهة والراحة المحددة بين الأنشطة، ويتم تصميمها وتنفيذها من خلال الطلاب، "بيبقى فيها بيتعلموا ويلعبوا"، فهي عبارة عن تكليفات عن طريق الألعاب يتم تنفيذها بعد تقسيم الطلاب إلى مجموعات منها، لعبة في مادة الرياضيات لتصنيف الأرقام لآحد وعشرات.

لعبة في مادة اللغة العربية لتصنيف المذكر والمؤنث والمثنى، ولعبة في مادة الرسم لرسم الأهداف الذي يطلبها قائد المجموعة، ولعبة في الأرض الزراعية لتصنيف المحتوى الخاص بالأرض، ويخرج كل قائد لمجموعة الألعاب بعد الانتهاء عند السبورة ويسأله الفصل كله عن ناتج اللعبة، أو أحد الاسئلة الخاصة بمهنج معين.

وختمت «المصري» في نهاية الدوام بعد رحيل الطلاب، يختتم بفقرة لقاء الميسرات لمدة نصف ساعة يتم فيها تحضير وتجهيز الفقرات المطلوبة لليوم التالي.

تلقى مشروع مدارس التعليم المجتمعي، إقبال حسنًا من المتبرعين الذين تم عرض المشروع عليهم، ما جعلهم يبادرون بالإسهام في مدارس التعليم المجتمعي سواء بالمال أو الأرض الذي يتم بناء المدارس عليها، ومن أمثلتها مجمع مدارس التوحيد تم بناءه على أرض تبرع بها أحد أصحاب المشاريع كي يخدم بها أهل القرية ويساهم في علاج مشكلة التسرب من التعليم.

يقول «محمود عادل»، مالك شركة للكتب الأجنبية، إنه سمع عن مشروع مدارس التعليم المجتمعي من إحدى القرى المجاورة لهم في الجيزة، ما دفعه للتواصل مع المؤسسة القائمة على المشروع للاستفسار عن طبيعة هذا المشروع وإمكانية المساهمة فيه، خاصة أنه كان يبحث هو ومجموعة من شركاء العمل على مثل هذه المشاريع للمساهمة فيها.

وعند العلم بالمشروع الذي قامت به المؤسسة، بادر على الفور بالتبرع بالأرض ليتم بناء مدارس التوحيد عليها، وساهم أصدقائه وشركاء له في التبرع بمواد بناء المدرسة، كما تم بناء مجمع طبي بجوار المدرسة للتكفل بأهالي القرية وخاصة من أهالي الطلاب المتعلمين بالمدرسة ما جعلها بادرة قوية للأهالي للتشجع لإرسال اولادهم للتعليم وعدم رفضهم.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل