المحتوى الرئيسى

شط العرب على ذمة تاريخ الإرهاب الإيراني

09/22 07:55

إطلاق تسمية “العرب” على النهر أو الشط المتكون من التقاء مياه نهري دجلة والفرات في مدينة القرنة نزولا إلى المصب عند مدينة الفاو على الخليج العربي، وبامتداد يتجاوز أو يقترب قليلا من 200 كيلومتر؛ ليس جديدا أو نتاج اختلال في توازن القوى بين الطرفين أو البلدين أو نفوذ القوى المحتلة.

قديمة هي الاتفاقيات بين الدولة العثمانية وبلاد فارس على إثر الخلافات حول حق السيادة والملاحة ومشاكل الحدود في شط العرب، ففي عام 1837 لجأت الدولتان إلى التحكيم البريطاني والروسي بعد انحدار العلاقة إلى مستوى الاشتباكات العسكرية بين الطرفين؛ انتهت باتفاقية “أرضروم” بنتائجها الكارثية المستقبلية على العراق، لأن الدولة العثمانية تنازلت بموجبها عن المحمرة خرمشهر وجزيرة الخضر التي يطلق عليها الآن عبادان، مقابل عدم مطالبة الفرس بمدينة السليمانية وأجزاء أخرى من إقليم كردستان.

لكن المشاكل لم تنتهِ حول شط العرب واندلعت ثانية مما اضطر بريطانيا وروسيا أيضا للتدخل بالتوقيع على بروتوكول القسطنطينية سنة 1913 بعد سنتين من النزاعات؛ بموجب البرتوكول أصبح شط العرب تحت السيادة العثمانية، باستثناء عدد من الجزر ألحقت ضمن الممتلكات الفارسية المنصوص عليها باتفاقية أرضروم.

لكن الفرس ماطلوا بتوقيع البروتوكول أو العمل به، إلى نشوء الدولة العراقية. وبعد ثلاث سنوات من انضمامه إلى عصبة الأمم عرض العراق، في سنة 1935، على هذه المنظمة قضية الاختلاف بعد استفزازات الجانب الإيراني؛ لكن الآراء اتجهت إلى إبقاء الأوضاع في شط العرب على ما هي عليه، إلى حين إجراء تدقيق ومسوحات ومداولات أسفرت عن توقيع الطرفين لاتفاقية 1937 لتتم الاستجابة إلى الإرادة الإيرانية وليظهر لأول مرة مصطلح “خط التالوك” الذي يعتمد ترسيم الحدود عند أعمق نقطة على امتداد الخط الصالح للملاحة في الشط إلى غاية التقاء الضفة الإيرانية بالأرض العراقية.

لم يعد في الأمر ما يثير العجب في الانتقام من البصرة أو المتظاهرين أو شط العرب، أو ما سبق من تدمير للمدن العراقية بالإرهاب الإيراني

لكن الشاه محمد رضا بهلوي أعاد سنة 1969 مطالبته بترسيم الحدود مجددا مع إلغاء معاهدة 1937 من طرف واحد وبدأ استفزازات عسكرية تجاه البصرة، استدعت من الرئيس العراقي، آنذاك، أحمد حسن البكر توجيه تحذير شديد إلى الطرف الإيراني بالكف عن تلك الاستفزازات وتنبيهه إلى أن الاعتداءات ترتقي إلى حالة حرب، ونظرا لتفاقم الأزمة في عام 1974 صدر القرار 348 من الأمم المتحدة داعيا إلى التهدئة والتسريع بحل النزاع عن طريق المفاوضات الثنائية بين الطرفين.

استمرت الأزمة إلى غاية توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975، برعاية الرئيس هواري بومدين وبوساطات عربية ودولية بين العراق وإيران، نتيجة للضغوط الإيرانية المتزايدة باستخدام الورقة الكردية في زعزعة أمن العراق وما كلفته تلك الورقة من دماء غزيرة للعراقيين، إن من العرب أو الأكراد؛ وبمجرد توقيع الاتفاقية وترسيم الحدود عند خط التالوك أدرك الأكراد أن الدعم الإيراني للتمرد قد انتهى وعليهم تسليم أسلحتهم فورا؛ وهذا ما حدث ليشهد العراق نوعا من الاستقرار بمظاهر التنمية وحزمة من الإجراءات في القوانين دعمت الاقتصاد والحياة السياسية.

النظام الإيراني مع استلام الخميني للسلطة في فبراير 1979 أعاد شبح شط العرب وترسيم حدوده إلى واجهة مختلفة أرادت تقويض كل مخلفات حكم الشاه ومنها اتفاقية الجزائر باعتبارها اتفاقية “خيانة” للشعب الإيراني، على حدّ وصف أجندته الداخلية والخارجية في التحشيد.

ألغى العراق الاتفاقية من جانبه بعد اشتداد النزعات العدوانية الإيرانية في 17 سبتمبر 1980، أي بعد 13 يوما متصلة من الاعتداءات على المخافر والمدن الحدودية والتي بدأت في 4 سبتمبر، اجتهد خلالها العراق في إيصال رسائل إلى الأمم المتحدة والعديد من الدول للتدخل وإيقاف العدوان والعمل على عدم تصاعده إلى حرب شاملة؛ إلا أن الحرب حدثت واستمرت لثماني سنوات بتاريخها وتبعاتها وضحاياها.

العراق من جانبه بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتعبيرا عن حسن النيات أصدر عام 1990 تأكيدا على استمراره الالتزام باتفاقية الجزائر؛ غير أن طموحات نظام الملالي رغم رحيل الخميني وبداية مرحلة سياسية أخرى، استشعر قدرته بعد الأحداث الجسام التي مرّ بها العراق على انتهاز الفرص وإطلاق مشروعه في تصدير فتنته التبشيرية، والتي وجدت صداها في الاحتلال الأميركي للعراق بما لعملائها من الأحزاب الطائفية وميليشياتها من دور في التمهيد للاحتلال الأميركي مكنها من استلام السلطة وفرض المحاصصة وتطبيق كل آثام المشروع الإيراني في الثأر من العراقيين.

الاحتلال الإيراني للعراق صار مضرب الأمثال في كيفية التمدد لدول أخرى بملء فراغ القوى المحتلة، أو استغلال الحريات المتاحة في الدول المتقدمة، أو بارتداء الأزياء في الديمقراطيات الناشئة بتكوين واجهات لأحزابها، كما النموذج الأفغاني مؤخرا من حزب الله أو من أحزاب أخرى في دول عربية وغير عربية تسلقت السلطة والمجالس النيابية، بما يستدعي الحذر الآن، ومستقبلا، وفي جميع دول العالم من تسلل الإرهاب الإيراني الذي يتفوق على إرهاب تنظيم الدولة لأنه بمرجعية وإمكانيات دولة تمثلها إيران وملحقاتها من دول خاضعة لمشروعها.

استخدمنا مفردة “الطرفين” بتكرار متعمد لنصل إلى ما يجري من إعدام إيراني لشط العرب إن بتحويل مجرى الأنهار إلى الداخل الإيراني أو بتصريف مياه البزل المالحة إليه. إضافة إلى شح المياه التي يتحرك بسببها خط التالوك باتجاه الضفة العراقية، والذي يتيح لإيران إضافة أراض جديدة ثرية بالنفط؛ أما التلوث فأسراره ربما تحمل خفايا لن تقف أبدا عند حدود أزمة المياه في إيران.

النظام الإيراني مع استلام الخميني للسلطة في فبراير 1979 أعاد شبح شط العرب وترسيم حدوده إلى واجهة مختلفة أرادت تقويض كل مخلفات حكم الشاه

قبل توقيع الاتفاقية الأمنية بين الاحتلال الأميركي وحكومة نوري المالكي وإلى غاية سنة 2011 حيث انسحب الجزء الأكبر من القوات الأميركية، كان بالإمكان الحديث عن بقايا مفردة طرفين أو وفود واتفاقيات بين بلدين رغم العمالة ووحدة الأهداف، لكن بعدها وحتى الآن هنالك طرف واحد هو الطرف الإيراني؛ لذلك فإن شط العرب يشار إليه باتفاقيات شكلية مع العملاء باعتباره شطا إيرانيا يطلق عليه “أرفند رود”.

ورغم أن بروتوكول تحديد الحدود أو خط التالوك النهري يقضي بإبقاء المياه عند مستوياتها وبمسؤولية الطرفين في الإنفاق أو بإطلاق كميات معينة عند شحتها من الخزين الاستراتيجي؛ لكن شط العرب ينتظر القرار الإيراني إن كان من بغداد أو طهران.

لم يعد في الأمر ما يثير العجب في الانتقام من البصرة أو المتظاهرين أو شط العرب، أو ما سبق من تدمير للمدن العراقية بالإرهاب الإيراني، فما يتكشف من وثائق يفضح أسرار دعم ولاية الفقيه المالي وتعاونها اللوجستي مع القاعدة وطالبان وداعش وتنظيمات إرهابية أخرى.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل