المحتوى الرئيسى

هنا دمشق.. من القاهرة

08/16 10:48

اختاروا أرض مصر دون غيرها لتكون لهم «وطناً بديلاً» بعيداً عن أحضان بلدهم سوريا، إلى مصر شد السوريون الرحال قبل سبعة أعوام حين اشتعلت نيران الحرب فى مدنهم وقراهم، عقب اندلاع الثورة السورية، تاركين خلفهم كل شىء، عائلات وأصدقاء ومنازل ومتاجر ووظائف، وحرفاً ومهناً أحبوها وأورثوها أبناءهم، ولم يكن أمامهم إلا الفرار، هنا فى مصر، استوطن السوريون، سكنوا وعملوا وتزوجوا وفتحوا بيوتاً لهم وللمصريين أيضاً، مصانع ضخمة ومشروعات عملاقة رعاها أبناء «الإقليم الشمالى» فى مناطق «العبور» و«العاشر» و«6 أكتوبر»، ثقافات سورية تتواصل وتمتد من الأجداد إلى الأحفاد حرصاً على اللهجة المحببة، ورغبة أكيدة فى وصل ما قطعته الحرب، مدارس تحفظ للأجيال الجديدة هويتها وتاريخها، وروابط تجمع أبناء البلدة الواحدة بحبل واحد يصعب حله. «الوطن» اقتربت من مجتمع السوريين فى مصر، دخلت بيوتهم، استمعت إلى حكاياتهم، نقلت همومهم، ورافقتهم خلال رحلاتهم اليومية لاستخراج الأوراق الرسمية.

منافسة حادة طرفاها المنتجات السورية والمصرية تشهدها مدينة 6 أكتوبر ومنطقة الحصرى تحديداً، حيث يكثر وجود السوريين، كل الطرق هناك تقودك إلى شارع دمشق، ذلك الشارع الذى يقع إلى جوار جامعة 6 أكتوبر، واستمد اسمه من محلات الطعام والملابس والدكاكين والمقاهى السورية التى تعج بها المنطقة، يقول ملاك المحلات من السوريين إنك لست بحاجة للذهاب إلى سوريا فقد جلبناها لكم هنا على هذه البقعة من الأرض، مستغلين مهارتهم وأموالهم فى توفير لقمة العيش وليتربعوا بفضل اجتهادهم على عرش الملابس والمأكولات فى المنطقة.

وعلى بعد خطوات قليلة من جامع الحصرى يقع محل صغير متخصص فى بيع منتجات الألبان المختلفة والمخللات، يبدأ العمل من التاسعة صباحاً، ويبدو المكان وكأنه خلية نحل، صاحب المحل، الذى رفض ذكر اسمه، بدأ نشاطه فى بيع الألبان كما يقول منذ 5 أعوام: «كان عندى فى حلب مصنع للألبان وبعد الثورة بنحو سنة وبعد ما اشتدت الأحداث ما صار المصنع جايب تكاليفه ويوم يبيع و10 لأ فقررت أصفيه وأحمل حالى وولادى وآجى على مصر واشتركت مع بعض السوريين اللى اتعرفت عليهم هنا وفتحنا هالمكان» يصف الرجل الستينى مبيعات محله بالكبيرة والمبهرة: «كان فى الأول الزباين سوريين بس وبعد نحو 6 شهور من وقت ما فتحنا وبسبب الزحمة الشديدة على الدكان بدأ المصريين ييجوا يجربوا منتجاتنا واللى شجعهم غير الجودة هى الأسعار المناسبة، وشوية بشوية صار فيه ثقة وبقى أغلب زباينا مصريين وصاروا بيدلوا بعض علينا»، مكسب كبير يشعر به البائع السورى: «هيدا مكسب كبير إلنا إنك تخلى أصحاب البلد زباين دايمين عندك» ويعتمد المكان بشكل كبير على المنتجات المنزلية «المكدوس والزبادى واللبنة كلها منتجات بيتى بتشتغل فيها نساء سوريات أرامل أو مطلقات أو اللى ما بيقدروا ينزلوا الشارع ويشتغلوا بيعملوا هاى المنتجات ويبيعوها للمحل عشان يساعدوا فى المصاريف»، يقول الرجل إن هذا ما يميز محله عن باقى الأماكن الأخرى فى نفس مجاله وتلاقى الجبن الشلل والجدايل واللبنة استحساناً وتفضيلاً لدى الزبائن المصريين.

لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لمحمد مصطفى، صاحب الـ29 عاماً، الذى قدم وحيداً من حمص فى أواخر عام 2012 ويمتلك حالياً معملاً لصناعة الأجبان، يقع فى إحدى ضواحى مدينة 6 أكتوبر، ويقوم بالتوزيع لمحلات الأجبان السورية بالمنطقة «مؤخراً صار فيه محلات أجبان مصرية تيجى وتاخد من المعمل تبعى بعد ما كان كل بيعى فى الأول للمحلات السورية بس»، وإلى جوار زمزم مول وأمام محل لبيع الكنافة النابلسية تجمع عدد كبير من الزبائن فى انتظار دورهم للحصول على قطعة منها والاستمتاع بمذاقها اللذيذ، ويقول أحد صناع الكنافة بالمكان إنها تلاقى استحساناً كبيراً لدى زائرى أكتوبر من مختلف الجنسيات «اللى بيخليها مطلوبة هيك هو الميكس الجميل والمختلف بين طعم الشيرة والجبن النابلسى وهايدا بيخلى الكل عنده فضول إنه يجربه»، أحد الزبائن المصريين ويدعى محمد على يقول: «السوريين دخلوا أكلات جديدة لمصر، وكلها المصريين حبوها وبقوا بييجوا مخصوص عشان يشتروها، يعنى أنا من سكان الهرم وباجى أكتوبر أنا ومراتى وابنى فى الإجازات الأسبوعية نتغدى ونحلى ونغير جو عشان أكتوبر بعد مالسوريين استقروا فيها بقت مختلفة عن بقية القاهرة».

«جم وجابوا الخير لمصر» قالها عاصم محمد، طالب جامعة الأهرام الكندية، تعليقاً على العدد الكبير للمحلات السورية بمختلف نشاطاتها بالمنطقة، موضحاً «يعنى مثلاً فتحوا محلات كتير وبقى بيشتغل معاهم شباب مصريين ماكانوش لاقيين شغل ودى من الحاجات الكويسة اللى تتحسب ليهم»، وإلى جانب محل النابلسية يقع واحد من أشهر محلات الشاورما السورى بالمنطقة، أغلب زبائنه من المصريين، يقول أحدهم إن السوريين يقدمون أكلات مختلفة عن الطعام التقليدى الذى يتناوله كل يوم: «التغيير مطلوب وبالنسبة لى لما بحب آكل من بره بدور على أقرب محل سورى وأروحه بسبب النظافة والمعاملة الكويسة والراقية».

وفى منطقة الهرم وتحديداً شارع العريش تقع مجموعة من المحلات المتخصصة فى بيع «البالطو» والبندانات والطرح السورى، ويشهد المحل إقبالاً من النساء المصريات بشكل كبير وملحوظ بحثاً عن التنوع والاختلاف، وتتميز عمالة المحل أن جميعها من البنات الصغيرات فى السن، تقول إحداهن إنهن يعملن فى المكان أثناء الإجازات الأسبوعية فى فترة الدراسة وطوال الإجازات الصيفية لتوفير مصروفاتهن الدراسية، ويقول صاحب المكان «رفض ذكر اسمه» إن الأولوية فى العمل لديه للبنات وصغيرات السن تحديداً لمساعدتهن فى ظل الظروف المعيشية الصعبة التى يواجهنها والتى أجبرت الكثير منهن على الفرار من سوريا بمفردهن، ويضيف: «الشباب ممكن يشتغلوا فى أى مجال لكن البنات لازم لهم أماكن شغل محددة وأعتقد إن مجال الطرح والملابس الحريمى أنسب شىء لهم».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل