المحتوى الرئيسى

صفقات وقرون

07/20 01:16

صاغ تاريخنا الحديث صفقات توالت منذ هزمت وتفتت الإمبراطورية العثمانية وتبدد وهم المملكة العربية التى وعد بها الهاشميون فى أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وهى تفعيل لاستراتيجية عليا أجمع عليها الشرق والغرب بشأن بلادنا العربية جوهرها: «أن هذه الأمة العربية ومحيطها الإسلامى لا ينبغى أن تنشأ فيها قوة تشكل ثقلا يحيى ويستعيد توحيد شعوبها وإرادتها مهددا التوازنات الإقليمية والدولية التى استقرت بعد القضاء على الإمبراطورية العثمانية وأخضعت المنطقة للنفوذ الغربى ملتزمة بقيمه وقواعده ونظمه».

فقامت بريطانيا التى تولت الانتداب على فلسطين – (1920ــ 1948 ) بغرس دولة إسرائيل فى قلب الأمة العربية فاصلة بين مشرقها ومغربها ومشعلة صراعا ساد المنطقة حتى الآن، والشرق والغرب وراء إسرائيل يمكنون لها فى الأرض ويزيدون استنزاف الطاقات والدماء العربية غزارة.

وهكذا شهد القرن العشرين: معاهدة سايكس/ بيكو، الانتداب البريطانى على فلسطين ووعد بلفور وتمكين الصهاينة من الأراضى الفلسطينية، ثم قرار تقسيمها وإعلان دولة إسرائيل، وخطوط هدنة 1948، وفتح خليج العقبة عقب حرب 1956، ثم خطوط وقف إطلاق النار بعد نكسة 1967، وصفقة كامب ديفيد ومعاهدة السلام بعد حرب 1973.

والوجه الآخر المكمل لغرس هذا الخنجر الصهيونى فى قلب الأمة العربية كان لتحقيق الفرقة بين شعوبها الأمر الذى تأخر نتيجة امتداد روابط الوحدة التاريخية بينها لاحتدام موجة القومية العربية فى عصر التحرر وثورات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك حتى نكسة 1967 التى أطاحت بآمال الأمة فى الوحدة وأفقدت القيادات والحركات والشعارات القومية قيمتها وجردتها من مصداقيتها.

وبين نكسة 1967 وحرب 1973 وما تلاها إلى معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية مرت مياه كثيرة تحت كل الجسور ففى ظل الإحباط الذى ساد بلادنا والاحتلال الذى أذل رقابنا ووقوعنا تحت إرادة قطبى العصر السوفييت والأمريكان ومع شماتة الشامتين وتدبير المدبرين من حولنا سقط حاملو الرايات وبرز حاملو التنازلات واستبعدت المبادئ وتقدمت المصالح وتطلع قادتنا إلى الممكن وليس استعادة الحقوق وأصبح حفظ ماء الوجه أملا والشكل هدفا ولا يهم المضمون.

ووقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل وتلتها الأردن وأقيمت سلطة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومنذ سبعينيات القرن الماضى تم ترسيخ السلام بين إسرائيل ومصر والأردن وتوثقت العلاقات بين معظم الدول العربية والدولة الصهيونية دون علاقات رسمية.

وتحقق لإسرائيل بعد أن علت فى الأرض تمزيق أمتنا العربية بما نشاهده من الدماء العربية المسفوكة بأيد عربية ومن التشرذم الذى ساد أمتنا بحرب المذاهب والأعراق المتأججة بين أطيافها.

وفى فلسطين امتد الاستيطان الإسرائيلى إلى ما شاءت إسرائيل وتضاءل المسطح العربى فى الضفة الغربية ليصبح جزرا فى محيط إسرائيلى.

وخلال هذه الفترة ــ أيضا ــ جهلت الأجيال الصاعدة وعميت عن القضية الفلسطينية وتاريخها وعمقها ومداها واختزلت إلى صراع فلسطينى إسرائيلى.

كما أصبحت القضية الفلسطينية تمثل صداعا للنظم العربية وعائقا للتعاون العربى الإسرائيلى لتحقيق التقدم والرخاء والسلام فى الشرق الأوسط (الأمة العربية سابقا).

وتهيأت بذلك الساحة للخطوة التالية التى لا تستهدف تصفية القضية الفلسطينية فقط ولكنها تخلق واقعا جديدا يمثل منعطفا تاريخيا فى المنطقة لتحقيق سلام شامل وتطبيع وتعاون وتكامل بين دول الشرق الأوسط تقوده إسرائيل فى ظل الولاء والسيادة الأمريكية.

وكان وجود دونالد ترامب رئيسا لأمريكا فرصة حاسمة فالرجل لا هو سياسى ولا رجل دولة كما أنه إسرائيلى الهوى حتى النخاع ــ وها هو يصفع كل الوجوه بصفقته التى اعتمد فى إمكان تنفيذها على:

ــ أن النظم العربية خاضعه للنفوذ الأمريكى وهم لها مستجيبون راضون أو مكرهون وكان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس اختبارا نجح فيه الجميع بامتياز.

ــ أن إسرائيل هى الأقوى وأنها مسيطرة على الضفة الغربية تماما وتحاصر قطاع غزة وتملك مفاتيح احتياجاته للحياة.

ــ أن الشعب الفلسطينى عانى وطال به الأمد وأنه وصل إلى يأس جعله يتطلع إلى مخرج ما يعانيه وأمل فى حياة أفضل.

ــ أن القيادات الفلسطينية التقليدية فسدت وأفسدت وانقسمت.

ــ أن غزة كتلة صامدة ومتماسكة لابد من اعتبارها فى أى حل.

والصفقة كما تقدمها أمريكا وممثلوها الذين يجوبون المنطقة:

1ــ فلسطين وأدت حية فى الضفة الغربية ولم يبق منها هناك سوى ثلاث تجمعات عربية وستهبها إسرائيل أربع قرى قرب القدس ولتكن إحداها عاصمتها.

2ــ أن قطاع غزة يمثل التجمع الفلسطينى الأكبر وبه كتلة بشرية وجغرافية يمكن أن تمثل دولة.

3ــ أن ممرا يمكن أن يؤمن مؤديا إلى المسجد الأقصى للصلاة.

4ــ أن نعيما ورخاء وتقدما وسلاما ينتظر الفلسطينيين فى ظل هذا وبرعاية أمريكية وأموال بترولية.

5ــ أن دولة تحمل اسم فلسطين يمكن أن تقام على هذا الأساس غير ذات شوكة وتحت وصاية إسرائيلية ودور شكلى للأردن.

6ــ أن لإسرائيل السلطة الأمنية على هذه الدولة وحدودها.

7ــ أن هذه الصفقة ليست مطروحة للمناقشة والتفاوض وستعلن على الشعب الفلسطينى فإذا قبلها فخيرا فعل وإذا رفضها فتتولى إسرائيل فرضها وتنفيذها.

ويلفت النظر فى هذه المرحلة التى تسعى فيها إدارة الرئيس ترامب وإسرائيل معا إلى فرض هذه الصفقة على أرض الواقع عدة ملاحظات:

أولها: أن الصفقة تفرض على الفلسطينيين الإقرار بالهزيمة والامتثال لإرادة المنتصر مسقطة كل شرعية أو قانون ملوحة بالحياة الأفضل ورغد العيش بعد عقود من السحق، وهذا عرض رخيص فلم يهزم الفلسطينيون ولا يزالون يقاتلون لاسترداد حقوقهم المشروعة ــ ولم تنتصر إسرائيل فلا زالت تلجأ إلى المخابئ من الذعر عند كل صاروخ وليس عالمنا اليوم غابة لا شرع فيه ولا قانون.

ثانيا: أنه رغم أنها تعتمد على توافق عربى عام فإن التنفيذ على الأرض وفى مواجهة الشعوب العربية والعالم يستلزم تعاون مصر والأردن وهو أمر يبدو بعيدا عن التحقيق رغم الضغوط التى تمارس على الملك عبدالله ومع رفض مصر الصريح لوضع شبر من أرضها فى خدمة المخطط الأمريكى / الإسرائيلى.

ثالثا: تعزز الصفقة تجربة إسرائيل بالضفة حيث تم بالتعاون مع السلطة قمع كل تمرد أو مقدماته وتمكنت إسرائيل من التوسع فى الاستيطان وهدم القرى الفلسطينية وتحويل أبنائها من مزارعين مرتبطين بأرض يملكونها إلى أجراء يسعون إلى الرزق حيث ما كان وذلك بأن تجعل من قطاع غزة كائنا معوقا يعتمد فى متطلبات حياته على منشآت وتسهيلات داخل الأراضى المصرية ــ تلبى احتياجاته من الكهرباء والمياه وتوفر الحركة للبشر والبضائع وهو أمر رفضته مصر وتبحث إسرائيل عن بدائل له.

رابعا: أن انشقاق الصف الفلسطينى واستمراره عامل أساسى فى تفعيل هذه الصفقة وتأمين تحقيق أهدافها فأمريكا / وإسرائيل لا تجدان بأسا فى التعامل والتعاون وتسليم غزة لحماس إذا نزعت سلاحها وتوافقت مع متطلبات الصفقة وتعد لمستقبل خلافة الرئيس عباس من هو أكثر تعاونا.

خامسا: أن عالما شرق أوسطى جديد يؤسس فور وضع هذه الخطة موضع التنفيذ وأن هذا الموقع الذى نحن فيه السعودية ــ مصرــ الأردن ــ دولة فلسطين ــ إسرائيل سيشهد المشاريع العملاقة المتداخلة التى تجعل من التعاون بين هذه الدول المحيطة بإسرائيل مقدمة لتشابك اقتصادى وحركة مفتوحة لرءوس الأموال والبشر تضيع معها الحدود وتاريخها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل