المحتوى الرئيسى

«كوبانى».. هنا قلعة الصمود فى وجه «داعش» الأسود

07/08 10:04

خبير لبناني: اجتماع بوتين وترامب خطوة أساسية للحل السياسي في سوريا

مناورات بحرية روسية بالقرب من سوريا مع رمي صاروخي

رادار "سو- 57" رصد المقاتلات الأمريكية الشبح عن كثب في سوريا

روسيا تباشر التنقيب عن النفط والغاز في سوريا

هنا «كوبانى».. التى شهدت أكبر «حمام دم» فى الشمال السورى وأكبر جريمة مكتملة الأركان ارتكبها مقاتلو تنظيم «داعش» الإرهابى على هذه الأرض المنبسطة، بعدما جاءوا إلى البلاد الهادئة رافعين شعارهم المشهورين به وهو الرايات السوداء خلال خطة هجومهم السريعة المعروفة بـ«حرب البرق»، فسقطت القرية تلو الأخرى وازداد البكاء والنحيب والعويل فى كل البيوت التى هرول الكثير من سكانها تحت غبار الأقدام النازحة التى خرجت بمئات الآلاف فراراً من السيف والرصاص والقنابل.

الفتيات والأمهات والجدات لم يتوقفن عن البكاء، بسبب ما يدور فى خيالهن من مآسى الوقوع فى الأسر والبيع فى أسواق النخاسة وإهدار شرفهن على يد مقاتلين فى منتهى الشراسة مثل الذئاب الجائعة ولا يعرفون شيئاً عن الشرف، وكان ما يتعلق فى ذاكرتهن مما حدث للإيزيديات فى «سنجار» عندما اجتاحها هذا التنظيم الذى يمثل «تتار العصر الحديث».

الآباء والأبناء وقفوا أمام طيور الظلام المقبلة من كافة بقاع الأرض وعزموا على ألا يمروا إلا على أجسادهم، وبالفعل مر الكثيرون منهم، لكن هؤلاء كانوا شوكة قاسية فى أقدام وحلق «داعش»، بعد أن قطع الشهداء وعوداً وعلقوها فى رقاب الأحياء ألا يستسلموا ويتركوا دماء من سبقهم إلى الشهادة تضيع هدراً، فوقعت أكثر المعارك دموية من بين كل الحروب التى شهدها الشمال السورى، ومارس فيها «داعش» العناد الانتحارى وأرسل مقاتليه بالآلاف ليلقوا حتفهم فى هذه المقبرة الكبيرة ولم يبق لهم أثر هناك بعد أن لقنهم مقاتلو كوبانى «المدينة الصامدة» درساً لن ينسوه ولم يبق لهم من أثر هناك إلا أشلاء جثث تفوح منها رائحتهم الكريهة ونهشتها الكلاب الجائعة والذئاب المفترسة.

كل شىء هنا يحكى قصصاً عن الصمود والفداء والتضحية، حصونهم، رواياتهم، أسماؤهم المكتوبة على الجدران، وآخر الرسائل التى دونوها كانت «الصمود حتى النهاية»، كل ذلك تم تجميعه فى متحف كبير مفتوح ليظل شاهداً على تاريخ البطولات التى أوقفت زحف «مغول العصر الحديث» داخل المدينة الصامدة الصابرة.. «الوطن» كانت حاضرة لتنقل فيما يشبه البث الحى المباشر روايات أهالى «كوبانى» وذكرياتهم مع معارك الكبرياء والصمود.

التنظيم الإرهابى سيطر على 340 قرية وبلدة كردية تابعة للمدينة خلال شهر.. وذبح وقتل الكثيرين وأجبر 300 ألف مواطن على النزوح إلى الحدود

مع حلول نهاية أكتوبر 2014 لم تكن مدينة كوبانى «عين العرب» الواقعة على الحدود التركية شمال سوريا، قد سقطت بعد، رغم أن وكالات الأنباء أعلنت أن تنظيم «داعش» سيطر على أكثر من نصف المدينة، انتشر الرعب بين كل السكان الذين نزحوا فى المناطق التى تبقت من المدينة، وبدأ الشباب والفتيات الأكراد وحتى صغار السن تسليم أنفسهم للقتال دفاعاً عن هذه المدينة الكردية، ووصلت تعزيزات من الأسلحة والذخيرة إليهم من مناصريهم المتحمسين من الكرد العراقيين والأتراك وحتى قوات من الجيش السورى الحر، وأقيمت التحصينات الهائلة فى الشوارع والبيوت، وزادت قوات التحالف من طلعاتها الجوية واستهداف مواقع التنظيم، ليشتعل الجحيم فى أكثر الحروب قسوة وفظاعة داخل سوريا.

«داعش» بدأ الحرب على المدينة فى الثالث عشر من سبتمبر، وتمكن بفضل دباباته ومدافعه التى سيطر عليها من الجيشين السورى والعراقى، من الاستيلاء على 340 قرية من القرى والبلدات الكردية التابعة لمدينة كوبانى فى أقل من شهر واحد، ونزح نحو300 ألف من الأهالى هرباً من القتل والذبح على أيدى التنظيم، إلى الحدود التركية وإلى داخل مدينة كوبانى، وانتشرت المعلومات بأن الدواعش يقتلون ويذبحون كل من تقع أيديهم عليه، وبدا الأمر لديهم أنها حرب من أجل الهوية «إما أن يعيش الأكراد أو ينتهوا».

وبعد 3 أعوام من نهاية هذه الحرب، التى لا تزال آثارها باقية ويمكن ملاحظتها حتى قبل دخول المدينة ببضعة كيلومترات، حيث تقابلك وأنت فى الطريق كومة كبيرة من السيارات والآليات المحترقة والمدمرة تم تجميعها ووضعها على جانبى الطريق الرئيسى للمدينة، فعلمنا أننا على مشارف «كوبانى»، لم تمر دقائق حتى وصلنا إلى بوابة المدينة التى تسيطر عليها نقطة أمنية كردية للتفتيش، لكن هذه النقطة تقع مباشرة فوق خندق كبير لا يصل النظر إلى آخره، فهو يلتف بمحاذاة المدينة، ظننا أنه من مخلفات الحرب لكنه تم حفره خلال القتال ثم توسعته والإبقاء عليه كخطوة للدفاع عن المدينة وحتى لا تمر السيارات إلى المدينة عبر الصحراء والسهول المفتوحة وتجبر قائديها على المرور من هذه النقطة الأمنية، إذن هو هدف استراتيجى لتأمين المدينة، حسبما قالت رانيا محمد، مسئولة الإعلام بمقاطعة كوبانى، التى توجهنا لها مباشرة للحصول على الإذن بالتجول داخل المدينة وتوثيق رحلتنا إليها، وهى التى رافقتنا خلال التجول داخلها وإخبارنا بما جرى فيها.

السكان حولوا موقع معركة قاسية إلى متحف مفتوح يحتفظ بآثارها لتخليد بطولاتها.. وكتابات المدافعين ترسم المشهد على جدران الحصن.. والأهالى استخدموا فوارغ الطلقات وقذائف المدفعية فى عمل زهريات لزراعة الورود بعد الحرب.. والبلدة لا تزال محاطة بخندق كبير حتى لا تباغت بأى هجوم

تجولنا بسيارتنا داخل المدينة التى لا تزال ترتسم على شوارعها مشاهد تخلد ساحات المعركة، وصلنا إلى ساحة الحرية التى بُنى فيها تمثال يخلد شهداء المعركة، كان المواطنون وزوار كوبانى لا يزالون يلتقطون الصور مع التمثال الكبير المطلى باللون الأبيض لمقاتلة كردية ترتدى الزى الكردى ويخرج من ظهرها جناحا طير وهى ترفع يدها اليسرى للأعلى وتنظر إليها بينما تقف دبابتان من مخلفات الحرب.

وصلنا إلى ساحة مجاورة تم الاحتفاظ فيها بقذائف مدفعية وقاذفات مصنعة محلياً لرمى القذائف، إلى جانب سيارات مفخخة كان الدواعش يستخدمونها خلال الحرب، لكن فوارغ الطلقات المدفعية الكبيرة هنا حُولت بفضل السكان إلى زهريات ورد لتزيين المدينة، ثم رأينا تمثالاً آخر لذراع تخرج من الأرض وهى ممسكة ببندقية «كلاشينكوف» الشهيرة، فروت لنا «رانيا» قصة التمثال الذى استوحى من أحد مشاهد الحرب فى المدينة، حيث كان من بين الضحايا شهيد كردى قطعت يداه وهى ممسكة ببندقيته، ويخلد التمثال هذا المشهد الذى سيظل فى ذهن كل طفل كردى وكل الأبناء فى الأجيال المقبلة ليذكرهم بماضى أجدادهم ورسالة إليهم بالوفاء لأرضهم وعائلاتهم.

قطعنا الطريق بمحاذاة الحدود التركية ومررنا على شارع كبير أشارت إليه «رانيا» قائلة إنه معبر مرش بينار التركى، وحتى هذا المعبر لم يخل من آثار الاشتباكات، وتابعت: «كان المعبر تمر منه سيارات مفخخة لداعش، يعنى داعش كانت تدخل بسياراتها من تركيا»، كنا قريبين جداً من الأراضى التركية لا يفصلنا عنها سوى عشرات الأمتار، ودار الحديث حول كيفية اندلاع معارك بهذه القسوة على الشريط الحدودى دون تدخل الأتراك لوقف الإرهابيين، لكن الحديث انتهى إلى أن التنظيم لم يهاجم تركيا بل إن سياراته المفخخة كانت تدخل من معابرها.

استأنفنا السير بالمدينة التى جرى فيها الكثير من الترميمات وإعادة التأهيل، إلا أن منطقة هناك لم يقترب منها أحد وبقيت كما هى ولم يرغب أهل «كوبانى» فى إعادة بنائها أو تغييرها، فقد جرت فيها أكبر القصص البطولية لأبناء وفتيات كوبانى وخلدوا قصتهم فى الدفاع عن مدينتهم حتى الرمق الأخير، بجوار سوق الهال «السوق الشعبية بالمدينة» وعلى بعد عشرات الأمتار فقط من خط الحدود التركية عند حارة تسمى «الجمارك»، وجدنا بنايات بدا عليها الدمار الكبير لكن بعضها لا يزال يحتفظ بارتفاعاتها ذات الخمسة أو الأربعة طوابق، وعلى مدخل كل بناية ترفع لافتات مكتوب عليها أسماء كردية، هى أسماء الشهداء الذين رابطوا فى هذا الموقع واستشهدوا فيه ولم يتركوه أو يستسلموا.

بين بقايا السيارات المفخخة مدرعة عسكرية كتب عليها شعار داعش «لا إله إلا الله»، تقف أمام المنازل المدمرة فى هذه المنطقة التى لا يخلو كل شبر فيها من آثار طلقات وشظايا قنابل وتفجيرات، موقع بقايا السيارات والآليات يعطى صورة واضحة عما جرى، فقد تم حصار هذه البنايات التى كان يتحصن بها المقاتلون والمقاتلات الأكراد، وطوق الدواعش المقاتلين خلال تقدمهم إلى المدينة، صعدنا إلى إحدى البنايات لنلقى نظرة من أعلى على البنايات المجاورة، ونشاهد الصورة كاملة فى هذا المتحف المفتوح، كانت هناك صعوبة فى الصعود، حيث كانت بعض الأسقف ساقطة على بعض أجزاء من السلالم وأسياخ الحديد بارزة من الأعمدة الخرسانية المفجرة.

«كانى»: دخلت كوبانى من الأراضى التركية برشوة 100 دولار.. ومجزرة الغزاة بدأت بسيارة مفخخة دخلت من معبر تركى.. وداعشى قتل ابنتى وقتلته بالصدفة.. ووجدت هاتفها معه وبطاقة هويته أثبتت أنه مصرى من الجيزة

قبل أن ندخل تأكدنا من «رانيا» إن كانت هذه المنازل نظيفة، خشية أن يكون مخبأ بداخلها قنابل أو ألغام تم زرعها خلال الحرب، ثم صعدنا إلى الأعلى وشاهدنا البنايات المجاورة وهى مخترقة الجدران لكن لا تزال الأغطية والملابس وزجاجات المياه الفارغة وعلب الأطعمة موجودة، حتى الأوانى التى كانوا يستخدمونها لا تزال موجودة، لمحنا كتابات بالكردية كتبت على بعض الجدران، ما بين أسماء للمقاتلين الذين كانوا موجودين وعبارات أخرى منها «الصمود حتى النهاية»، وقالت «رانيا» وهى تتعثر فى الصعود على السلم: «روح الرفاقة ما زالت موجودة هون، كل شىء بقى كما هو، وهذه ذكرياتهم كانوا يكتبونها قبل استشهادهم»، وصعدنا إلى الطابق الأخير فشاهدنا العلم التركى خلف سور الحدود السورية التركية التى لا تبعد كثيراً عنا.

تابعت «رانيا» سرد تفاصيل المشهد قائلة: «نحن موجودون فى متحف كوبانى الذى استشهد فيه عدد كبير من الرفاق أثناء الحرب، لأن أكبر مقاومة صارت فى الحرب كانت هون، حتى إن داعش ما تمكن من أسر الرفاق فقام بإرسال سيارات مفخخة لتدمير المبانى وهدمها، فقد كان الدواعش يحاولون التقدم بمحاذاة الحدود التركية لتطويق المدينة بشكل كامل وإنهاء المعركة، لكن أدرك المقاتلون الأكراد الأمر وذهبوا إلى هذه المنطقة التى توجد بها بنايات مرتفعة قليلاً مقارنة ببقية المناطق المجاورة واتخذوها حصناً لإبطاء تقدم مقاتلى داعش، وقاموا بتعبئة أجولة من الرمل لإقامة سواتر أعلى المنازل وداخل طوابقها وثقبوا الجدران لإخراج فوهات بنادقهم، وأطلقوا النيران على قوات داعش خلال تقدمها، وأُرسلت تعزيزات هائلة إلى هذه النقطة الحصينة بمنطقة «الجمارك» حيث أراد التنظيم السيطرة فحاصر النقطة نفسها للقضاء عليها حتى يستكملوا خطتهم دون أن يكون خلفهم أى تهديد، لكنه فشل فى إضعاف الروح المعنوية لدى المقاتلين الأكراد الذين نفد منهم الماء والطعام، فأمطرهم بقذائف هاون أصابت عدداً من المقاتلين بجروح بالغة ولم يتم إسعافهم فقتلوا»، وتابعت: «تمكن الدواعش خلال الحرب من الوصول إلى هذه البنايات من الأسفل لكن لم يتمكنوا من الصعود أعلاها بسبب وجود المقاتلين والمقاتلات الكرديات الذين كانوا يطلقون النار عليهم من الطوابق العليا، حتى إن بعض المقاتلين الأكراد قام بإلقاء قنبلة على درجات السلم الأولى حتى لا يتمكن الدواعش من الصعود عليها أو نزول المقاتلين من المبنى لتعطى إشارة للدواعش أنهم لن يصعدوا والمقاتلين لن يستسلموا أو ينزلوا، وأن القتال هنا سيكون حتى الموت، ما أثار غضب الدواعش وبدأوا فى إطلاق سياراتهم المفخخة لإنهاء الأمر، لقد كان الدواعش يتمنون أن يأسروا مقاتلين أكراداً، أو مقاتلات لكن هذا لم يحدث وكان الرفاق هون يتركون رصاصة أخيرة معهم حتى إذا انتهت الذخيرة يقتلون أنفسهم حتى لا يقعوا أسرى للدواعش».

وأضافت «رانيا» أنه بعد تحرير المدينة وعودة الأهالى للمنطقة قررت الإدارة أن يبقى مكان الصمود هذا متحفاً مفتوحاً، وتترك البيوت والمنازل كما هى، ومنح أهالى هذه المنازل منازل أخرى أو أراضى، مشيرة إلى أن المدينة تهدمت منازلها بنسبة 80% وتمت إزالة الأنقاض منها وسيجرى بناء متحف صغير داخل المنطقة، يضعون فيه صور وملابس وهويات ومتعلقات الشهداء الذين صمدوا فى هذه المنطقة».

«ابن كوبانى»: اشتبكنا مع الإرهابيين فى الظلام بالأسلحة البيضاء بساحة مدرسة.. وخشينا أن نطلق الرصاص حتى لا نصيب أصدقاءنا.. و«رانيا»: 80% من المنازل دُمرت والدواعش كانوا يتمنون أسر مقاتلة كردية حية.. والفتيات كن يطلقن على أنفسهن رصاصة الرحمة حتى لا يقعن فى الأسر.. و«نور» قاتلتهم وطاردتهم حتى سد تشرين وأصيبت بـ10 طلقات «دوشكا» ووضعت فى ثلاجة الموتى 3 ساعات وعادت للحياة بمعجزة وتعالج الآن فى «السليمانية»

تحركنا للتجول فى الشوارع المجاورة التى كانت أيضاً فى نفس الوقت تعانى من أضرار بالغة نتيجة للقتال الدائر، فالكثير من المنازل المحيطة بالمنطقة تضررت خلال المعارك، حيث أكد أهالى المنطقة المحيطة أن «داعش» لم يحكم المدينة وأن الذى جرى فيها كان قتالاً مستمراً، حيث إنهم جاءوا لإبادة المنطقة وليس للسيطرة عليها وحكمها، حيث قال مصطفى داوود محمد، وهو رجل فى العقد السادس من عمره، يعمل نجاراً داخل ورشة على بعد 300 متر فقط من منطقة المتحف، إنه كان موجوداً خلال المعركة التى دارت فى شهر أكتوبر من عام 2014: «أجم الدواعش والشباب كانوا يقاتلوهم، ويصدوهم، وكان الإرهابيون بدهم يحاوطوهم ونحنا حتى كبار السن طلعنا بسلاحنا الشخصى نصدهم، لكن ما اتمكنا من القذائف اللى كانوا يرموها علينا والله كانت كالمطر، كنا نحو 90 أو 100 شخص حاولنا إننا نساند الشباب اللى يصدوا الدواعش، لكن ما تمكنا»، مشيراً إلى أن أولاده الأربعة كانوا يشاركون فى الدفاع عن المدينة، واستشهد أحدهم فى بداية الحرب عندما تقدم الدواعش إلى«كوبانى» بعدما سيطروا على القرى المجاورة، فى أريافها.

لا حظنا أن «داوود» كتب على لوحة معلقة أمام ورشته عبارة باللغة الكردية «النجار يجب أن يقطع الخشب ولا يقطع أمله من الله»، حيث قال الرجل الستينى إن هذا مبدأه فى الحياة لأنه لا يوجد خيار لديه لليأس، وأن هذا كان مبدأ أهالى كوبانى وقت الحرب الضارية، وأضاف: «ما بنيأس مهما سووا بينا مجازر ومهما كانت خسايرنا، والحمدلله اتمكنا منهم وطردناهم»، لم يكن «داوود» فقط هو المحب للحياة بل إن الكثير من الأهالى هنا رغبوا فى إعطاء الأمل لأطفالهم من خلال تشجيعهم على الحياة والأمل، حتى إن بعضهم زينوا محالهم ومنازلهم بورود زُرعت داخل فوارغ قذائف المدفعية وقذائف الهاون التى لم تنفجر بعد أن أطلقها عليهم الدواعش، فأمام محل أقمشة فى أحد الشوارع المجاورة للسوق، ينصب جميل عيسى عبدالرحمن، 49 عاماً، صاحب المحل، قذيفتى هاون كبيرتين من عيار 160 ملم لم تنفجرا خلال القصف على منطقته، لكنه بعد أن عاد وعثر عليهما قام بإفراغ الحشوة المتفجرة من داخلهما وزينهما بأعلام قوات الحماية الكردية، وزرع أسفلهما وروداً داخل فارغ قذيفتى المدفعية، وقال لنا: «هذه من بقايا داعش، أسلحة داعش نحنا بيّنا للعالم كله بقايا السلاح وزيناه وزرعنا فيه الورود وحطينا عليه أعلام القوات الكردية لأنهم هم اللى حرروا المنطقة، وهاى تبقى للأجيال اللى تيجى، إن هنا إجه جماعة ظالمة باسم الإسلام ودمر وخرب المنطقة تحتيه».

وأضاف «جميل» أن الكثير من الأهالى أخذوا القذائف والفوارغ وكل مخلفات الحرب ليزرعوا فيها الورود لكونهم يحبون الحياة والسلام، وعلق: «نزرع من الموت الحياة والسلام»، مشيراً إلى أن الحرب تسببت فى مقتل الكثير من الأسر بشكل كامل، إلى جانب مقتل فرد أو اثنين فى معظم الأسر الموجودة فى كوبانى، وأن فترة الحرب لم يكن بها كهرباء ولا ماء، ولا غذاء، وكانت المواد الغذائية تأتى تهريباً نتيجة الحصار المفروض على المدينة، ما دفعه إلى الخروج والكثير من الأسر إلى تركيا، حتى انتهاء الحرب، بعد أن طالت المعارك أكثر من نصف كوبانى.

وقال «جميل» إن الحرب تسببت فى مقتل آلاف الناس من سكان المدينة ما بين مدنيين ومقاتلين، وتسبب ذلك فى زيادة عبء المسئولية على مؤسسة عوائل الشهداء فى كوبانى، وتدخلت رانيا فى الحديث قائلة إن المؤسسة هى المسئولة عن رعاية أسر الشهداء فى الحرب على كوبانى، حيث تقدم لهم رواتب شهرية ثابتة إلى جانب دعم آخر يتمثل فى تعليم أبنائهم ورعاية مصالحهم، والمؤسسة لها عدة لجان منها لجنة صحية ترعى المرضى ولجنة خدمية ولجنة الإعلام ولجان أخرى كلها تخدم أسر شهداء الحرب.

لم ننه الكلام حول الضحايا حتى قررنا التوجه إلى مبنى مؤسسة عوائل الشهداء، والتقينا بأحد مسئوليها وهو فتحى على، المسئول عن لجنة الصلح بالمؤسسة، فعرفنا بعمله قائلاً: «أنا مسئول عن النزاعات بين العوائل، إذا يصير مشكل أنا أتدخل حتى أحلها، حتى إذا مقبوض على أحد من أسر الشهداء، أذهب إلى مركز الشرطة وأسعى لحل القضية».

فقد الدواعش على أبوابها أكثر من 14 ألفاً.. وجثث الإرهابيين كانت تأكلها الكلاب والذئاب وبعضها كان أشلاءً فصعب حصرها

وتابع «فتحى»: «مؤسسة عوائل الشهداء لم توجد عقب الحرب على كوبانى لكنها موجودة منذ عام 2007، حيث كان هناك أفراد من كوبانى يقاتلون مع حزب العمال الكردستانى الذى يناضل ضد القوات التركية، وليس كل أسر الشهداء تستحق الدعم المالى الذى تقدمه المؤسسة، بل يقتصر الدعم فقط على الذين هم فى حاجة إليه، فالمؤسسة تدفع راتباً شهرياً لكل زوجة شهيد 25 ألف ليرة -نحو 57 دولاراً- وعن كل ابن أو ابنة 7 آلاف ليرة -نحو 16 دولاراً-، بالإضافة إلى أن المنظمات الإنسانية تدعم كل ابن أو ابنة بـ8آلاف ليرة نحو -18 دولاراً- وبعض السيدات اللواتى استشهد أزواجهن فى الحرب يأتين إلى المؤسسة للعمل بها، كما أن أهالى الشهداء شكلوا عائلة كبيرة يتبادلون فيه الزيارات وتقديم واجب العزاء إذا ما توفى أحد وزيارات اجتماعية أخرى»، مشيراً إلى أن المؤسسة تفكر فى إقامة مشروع استثمارى حتى تكون لها مصادر دخل كبيرة تقوم بتوزيع أرباحها على الشهداء بعد زيادة أعدادهم خلال حرب كوبانى، والفكرة كانت على وشك التنفيذ بإنشاء «مول» مقر تجارى كبير، لكن الهجوم على مدينة عفرين واحتلالها من جانب تركيا ووفود نازحين إلى مدينة كوبانى تسبب فى إيقاف المشروع وتوجيه كل الاهتمام لمساعدة نازحى عفرين.

داخل إحدى غرف المؤسسة يوجد متحف كبير يشمل صوراً للمقاتلين من وحدات الحماية الكردية ووحدات حماية المرأة، نحو 1570 شهيداً معلقة صورهم داخل قاعة كبيرة مساحتها 400 متر وارتفاع سقفها أكثر من 6 أمتار، وهنا وقفت حسنة حسين عيسى، 33 عاماً، أمام إحدى الصور تتأملها، فقد اعتادت على زيارتها يومياً، إنها صورة زوجها التى كان الشخص الوحيد فى حياتها القاسية، هى ليست كردية بل هى عربية من فلسطين ولدت فى مدينة القدس لكن أمها توفيت فى نفس اليوم الذى ولدتها فيه، أخذتها جدتها وربتها فى مدينة دمشق بعد استشهاد والدتها على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى، كبرت وتربت وعملت فى أحد المستشفيات وتعرفت على الشاب الكردى عبده كورو، حيث كان يعمل سائقاً تزوجها وهى فى عمر الـ15 عاماً وأنجبا ولداً وبنتين، انضم هذا الصبى عقب اندلاع الثورة السورية إلى قوات بشار الأسد وقتل خلال المواجهات، بينما رحلت هى وزوجها إلى كوبانى مسقط رأس زوجها، ليشارك فى قتال الدواعش لكن زوجها قتل فى المعارك الأولى التى بدأت فى القرى المحيطة بكوبانى.

وقالت «حسنة»: «كان يغيب أياماً ويرجع، وكنت حاملاً، ووقت دخول الدواعش كوبانى كنت أنا بشهر الولادة وكنت أقول له لا تتركنى أنا بشهرى لا تضل رايح جاى ما تعرف إمتى بولد، وهو راح غاب وأنا ولدت فى البيت وحدى، وما حدا كان معى، نزلت البنت وأنا سحبتها جنبى حتى جت جارتى تقطع الحبل السرى»، وبعد ولادتها جاء زوجها ليرى ابنته لمرة واحدة ثم انطلق نحو القتال على أطراف كوبانى واستشهد.

«مظلوم»: «قتلنا إرهابياً ووجدناه يحمل أكياس دم موصلة بوريد فى جسمه حتى يعوض الدم إذا أصيب ونزف ليستمر فى القتال.. ولقينا معه منشطات ومخدرات».. والإرهابيون كانوا يلقون الأطفال الرضع على الأرض ويقتلونهم بالرصاص.. وأحد الأهالى: كرَّهونا فى الدين وهناك ناس خرجت من الإسلام بسبب جرائمهم

استطردت «حسنة»: «داعش دخلوا دمروا المدينة وأنا و2 بناتى انسحبنا مع العوائل وبعدها مؤسسة عوائل الشهداء وفرت لنا بيتاً فى منطقة الأجا وعم يراعونى وأنا ما أغادر كوبانى، وين أروح، مالى أهل، هم هنا أهلى وناسى يعاملونى كبنتهم، عشت يتيمة وأنا وحدى، أمى ماتت يوم ولادتى وأبويا استشهد فى فلسطين، وابنى استشهد مع بشار، وزوجى استشهد فى قتال داعش، وين أروح، ما فى حدا لى غير الله».

مشاهد الدمار على بعض البنايات التى لم يُعَد تأهيلها دفعتنا إلى البحث عن الذين شهدوا القتال بأنفسهم فى هذه المعارك التى بدت قاسية فالخروقات على الجدران تذكر كم من سلاح استخدم بسبب تنوع قطر الثقوب وكثرتها، فهنا هى تذكرنا بمعركة «ستالينجراد» التى اندلعت بيد الجيش النازى والجيش الأحمر السوفيتى فى صيف عام 1942، كان هناك شخص قادر على رواية ما جرى بكوبانى لتنقله المستمر من منطقة إلى أخرى، حيث كانت مهمته هى توثيق هذه الحرب بل والدفاع عنها فى آن واحد، ففيها ولد وتعيش عائلته، هو كانى شهانى، أحد أبناء مدينة كوبانى يبلغ من العمر 49 عاماً ولديه 3 من الأولاد و3 من البنات أكبرهم «باروين» التى استشهدت خلال الحرب، عندما اندلع القتال فى كوبانى وقام تنظيم داعش باتباع استراتيجية «الحرب الخاطفة» للدخول إلى المدينة بسرعة، كان «كانى» فى بيروت فى مهمة عمل، لكن الأمر كان سريعاً وأحاطت دبابات داعش المدينة وقطعت الطريق عليه، فلم يجد طريقاً سوى المرور عبر الأراضى التركية.

وروى لنا «كانى» الذى كان يسكن فى حى «بوطان غرب» على الحدود التركية قائلاً: «رحت على عفرين ثم تركيا ودخلت كوبانى عبر الحدود التركية على أنى داعشى، ودفعت 100 دولار لحرس الحدود التركى لأن القوة الظلامية كانت قد حاوطت المدينة لا حدا يدخل ولا حدا يخرج، وبعد أن دخلت المدينة انضممت إلى المقاتلين الأكراد للدفاع عن المدينة، أنا ما كان بدى أحمل سلاح لكنها بلدى ولازم أحميها فكنت أحمل السلاح والكاميرا، اتقدموا علينا بسلاح فتاك دبابات وصواريخ وكنا نقاومهم بالبنادق، فهيأنا كوبانى لحرب الشوارع حتى نعرف نقاتلهم وكل رجال ونساء المدينة انتفضوا خشية من سيطرة داعش على المدينة وفعل بها ما كان يفعله بالأيزيديات اللواتى تم بيعهن فى سوق النخاسة، فالشرف كان الدافع لحمل السلاح والدفاع عن النساء والأطفال»، وتابع أنه كتب قبل أن يحمل السلاح ويدخل المعركة فى إحدى مدوناته على وسائل التواصل الاجتماعى، ليزيد من حماسة كل من لم يرغب فى حمل السلاح: «لسنا عشاق السلاح ولا الدمار إلا من أجل السلام».

وقال «كانى» إنه عندما دخل المدينة كان تنظيم داعش قد دخل إليها وأصبحت المعارك تدور رحاها فى الشوارع وبين البيوت، وكانت ابنته «باروين» تقوم بعمل الإسعافات الأولية للمصابين، كان يعلم أنها فى المستشفى الميدانى وينقل إليها المصابين والجرحى، وخلال وجوده داخل البنايات، اندلع قتال عنيف وتقدم الدواعش وأصيبت إحدى الفتيات الكرديات التى كانت ترافقه داخل منزل بـ4 طلقات، وكانت إصابتها بالغة، واستغاثت به ليأخذ جثتها ولا يتركها للدواعش حتى لا يمثلوا بجسدها، معلقاً: «قالت لى وهى تبكى يا بابا لا تترك جثتى حتى لا يمثلوا بها وأمى تحزن، أنا مواعداها إنى أرجع، فرجعنى حتى لو جثة»، مضيفاً أنه حمل جثتها ونزل بها معرضاً نفسه للخطر لكن أحد القناصين الدواعش أطلق النار عليه فأصيبت هى بثلاث طلقات أخرى وماتت بعد أن سلمها لسيارة كانت تنقل الشهداء والمصابين من خط التماس عبر الشوارع والأزقة.

وتابع: «أنا معى 4 رصاصات رحمة أخذتهم من أصدقاء بعدما استشهدوا، فكان كل صديق يستشهد آخذ منه رصاصة الرحمة الخاصة به، أولهم كان صديقاً لى أصيب بطلقة ذات عيار كبير فى فخذه فقطعت الوريد وظل ينزف حتى مات أمامهم وهم يتحدثون إليه»، وتذكر مواجهة أخرى وقعت فى منزل مواطن يدعى أحمد راشو الذى يقع مقابل الحديقة العامة بوسط كوبانى، حيث تقدم الدواعش عندما كانوا يحتمون بمنزل فى الطابق الثالث، وفى نفس الوقت دخل الدواعش المنزل ليختبئوا فيه ويتخذوه موقعاً جديداً فبقى يفصل بينهم طابق واحد، بعد ساعات قليلة سمعوا أصواتهم فى الغرفة الملاصقة وظلوا فى نفس الشقة بينهم حائط يوماً كاملاً، وانتهى الأمر برمى قنبلة يدوية عليهم بعدما تمكنوا من الخروج من الغرفة لترك المنزل.

وعن أوضاع المدينة خلال فترة المعركة التى امتدت عدة أشهر، وصف «كانى» المدينة بأنها كانت مدينة أشباح حيث انقطعت فيها شبكات الكهرباء والمياه وكل الخدمات، بينما كانت الشوارع تفوح منها رائحة الجثث المنتشرة فى الشوارع والمبانى المهدمة على سكانها، مشيراً إلى أن الاشتباكات فى الليل تدور دون أى رؤية، ذاكراً واقعة اشتباك فى ساحة مدرسة اليرموك فى حى بوطان شرق داخل المدينة، اضطر فيها الطرفان للاستغناء عن السلاح النارى بسبب انعدام الرؤية لعدم الخطأ فى إصابة الأصدقاء واستخدموا الأسلحة البيضاء، معلقاً: «كان الجو بارداً ومظلماً والساعة 4 ما كنا نشوف بعض وكنا نشتبك بالسلاح الأبيض وقتلنا منهم كثيرين»، مشيراً إلى أن هذه المدرسة تغير اسمها لاحقاً وسميت باسم ابنته «باروين» بعد استشهادها.

وروى «كانى» قصة استشهاد ابنته، قائلاً: «بعد ما طردنا داعش من المدينة فى يناير 2015 رد علينا تانى وسوى مجزرة، فى يوم 24 نمنا فى بيوتنا ولكن الساعة 4 و10 دقايق فجر يوم 25، صحينا فى كوبانى على صوت إطلاق النار، العالم افتكرت إن مدينة تل أبيض اتحررت، وإن الرصاص هو فرحاً بالتحرير، لكن كان الدواعش يسوون مجزرة»، حيث قتل أكثر من 233 معظمهم مدنيون أبرياء، بعد أن تقدم نحو 75 داعشياً ورفعوا أعلام الجيش الحر ودخلوا المدينة من الجهة الجنوبية، ونحو 100 آخرين دخلوا عبر الحدود التركية عند معبر مرشد بينار، وفتحوا النار على قوات الأسايش وأرسلوا سيارة مفخخة أمامهم لفتح الممر ومن ثم تمكنوا من الدخول إلى قلب المدينة، حيث كانت ابنته باروين تسكن على بعد نحو شارعين منه فى حى «بوطان غرب» القريب، كانت قد تزوجت قبل 14 يوماً فقط وهى تعيش فى ذلك الوقت فى منزل عائلة زوجها الذى يضم 11 فرداً، دخلوا عليهم المنزل وقتلوها مع زوجها وعائلته، مشيراً إلى أن ابنته كانت تعمل بالمدرسة وكانوا يطلقون عليها لقب «الدكتورة»، فتحولت اسم المدرسة إلى مدرسة «الشهيدة باروين».

خرج «كانى» وحمل السلاح لقتل الدواعش الذين تسللوا إلى داخل المدينة، وانضم إلى القوات الكردية التى استوعبت الحادث، وذهبوا لتتبع الدواعش، مشيراً إلى أنه لمح داعشياً من على مسافة كبيرة فر هارباً لكنه استعار بندقية قناصة من أحد أصدقائه وقام بقتل الداعشى، مشيراً إلى أنه ذهب إليه ليأخذ سلاحه ومتعلقاته فوجد معه حقيبة صغيرة بها هواتف محمولة، قام بأخذها معه ليسلمها إلى القوات الأمنية للاستفادة منها فى جمع المعلومات والعمل الاستخباراتى، لكنه فوجئ بهاتف ابنته وسط مجموعة الهواتف، فقال: «حسيت براحة شوى إنى قتلت اللى قتل ابنتى وخدت بتارى منه، وأنا عم فتش فى متعلقاته لقيت بطاقته الداعشية مكتوب فيها للأسف إنه من مصر من محافظة الجيزة، وكان اسمه فى البطاقة أبوهريرة المصرى».

وأشار إلى أن القليل من الدواعش يوجد معهم بطاقات هوية خاصة بالتنظيم أو جواز سفر تابع لبلده، وأن الأغلبية كانوا مجهولى الهوية، لافتاً إلى أن المدينة قدمت نحو 4 آلاف شهيد، ووفقاً للإحصاء الأخير الذى أجرته بلدية المدينة فإن عدد جثث الدواعش الذين تم دفنهم خارج المدينة كان 14631 قتيلاً، وتابع: «بالتأكيد هم أكثر من هيك لأنه أحياناً الصواريخ تفتت الجثث وتكون أشلاء فالأشلاء ما نعرف نحسبها، وكانت جثثهم كتيرة وكانت الذئاب والكلاب تأكلها».

وأضاف: «داعش جت باسم الإسلام وكانت ترمى الأطفال على الأرض وتطلق عليهم النار، كيف أرمى رضيع بإيدى وأطلق عليه النار، هاى حصل بالمجزرة، كرهونا فى الدين، وفى ناس خرجت من الدين، ولا يصلوا ولا يصوموا من اللى شافوه من داعش».

لم يكن المقاتلون الأكراد الذين شاركوا فى تحرير «كوبانى» جميعهم من المدينة بل إن الكثير منهم كانوا من مناطق بعيدة جداً من عفرين غرباً وحتى كردستان العراق شرقاً من قوات البيشمركة وبعض أعضاء من حزب العمال الكردستانى المعروفة بـ«بى كى كى» قد نزلت من الجبال لتشتبك فى معارك داخل المدينة، متطوعون كثيرون لهم رواياتهم فى المعركة أمام داعش للدفاع عن كوبانى، إلا أن قصة المقاتلة «نور» أو «أفتريا خابات» كما يدعوها أصدقاؤها الأكراد، وهى من أتت ضمن أولئك الذين أتوا للدفاع عن المدينة، دفعتنا للبحث عنها والسفر إليها نحو 1000كم حيث مدينة السليمانية فى كردستان العراق لأنها كانت تستكمل علاجها من إصابتها الخطيرة التى وقعت خلال معارك شاركت فيها فى الريف الجنوبى لكوبانى.

قصة «نور» مع الحرب لم تنته عند تحرير المدينة، بل إنها واصلت طرد المدينة جنوباً حتى لا يكون الإرهابيون على مدى يسمح لهم بإطلاق صواريخهم عليها، واستمرت هى الأخرى فى التقدم مع قواتها حتى وصلت إلى معركة سد تشرين فى الريف الجنوبى لكانتون -مقاطعة- كوبانى، كانت هى الأخرى تنتهج نفس أسلوب القتال الذى تنتهجه كل المقاتلات فى وحدات حماية المرأة الكردية، وهو «القتال حتى النهاية»، لا تسمح المقاتلات فى وحدات حماية المرأة من أَسْرهن أحياء فيطلقن النار على أنفسهن برصاصة الرحمة التى دائماً يتم استخدامها عند محاصرة المقاتلة وقبل أَسرها، فتنهى حياتها بهذه الرصاصة.

«نور» المقاتلة العفرينية انتسبت إلى قوات حماية المرأة الكردية عام 2011 بعد اندلاع الثورة السورية، وحصلت على تدريب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ومن ثم انتقلت إلى التطوع على الجبهات الساخنة، هذه الفتاة شاركت فى معارك كثيرة بدءاً من سنجار وكركوك فى شمال العراق، وحتى المعارك التى اندلعت فى القامشلى والحسكة ومعركة كوبانى فى شمال سوريا، كانت قيادية فى الكثير من المعارك، وبعد أن شاركت فى تحرير كوبانى استمرت فى طرد الدواعش لتأمين المدينة حتى وصلت إلى معركة سد تشرين، وقالت لنا: «كنت قيادية بالجبهة ولما كنت أتصاوب ما أرجع للخطوط الخلفية وأضل مع رفقاتى، وكنت أعرف الضغوطات الدولية التى كانت على روج آفا»، مشيرة إلى أن عائلتها لم يكن بها أى منتسب لقوات وحدات حماية المرأة أو وحدات حماية الشعب، رغم أن لها 4 شقيقات و3 أشقاء.

وتابعت «نور»: «صار اشتباك وهم اتقدموا فجأة واتحاصرت بين الدواعش 3 ساعات فى 18 يناير عام 2016، عند سد تشرين، كان الدواعش محاصرنى وعددهم 25، لكن ما يئست وكنت عم أشعر بالأمل إنى أخلص حالى منهم»، مشيرة إلى أن مقاتلى التنظيم الإرهابى كان بإمكانهم قتلها إذا ما كثفوا إطلاق النار عليها وكان ذلك قبل غروب الشمس، لكنها ظلت تقاوم وتطلق النار عليهم لإبعادهم، وكانت تسمعهم ينادونها ليطلبوا منها الاستسلام كى يتم إعطاؤها لأحد الشيوخ والأمراء، معلقة: «كانوا ينادونى ويقولوا استسلمى عندنا شيوخ راح ياخدوكى عندهم»، لافتة إلى أنها هيأت نفسها للقتل إذا ما اقتربوا وقامت بتجهيز القنابل اليدوية لكى تفجر نفسها فيهم إذا ما تقدموا نحوها أكثر حتى ليتم تدمير جهاز اللاسلكى وكل ما لديها من أشياء يمكن أن يستخدموها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل