المحتوى الرئيسى

الطريق «المرعب» إلى «مقبرة داعش».. «الوطن» على «خط تماس دير الزور»

06/25 12:13

قوات سوريا الديمقراطية تعلن طرد تنظيم "داعش" من بلدة شرق البلاد

قوات سوريا الديمقراطية تعلن "حالة الطوارئ" في الرقة

قتلى وجرحى بصفوف قوات موالية للجيش السوري بغارة في دير الزور

عاجل| "سوريا الديمقراطية" تسيطر على قرية الذيبة بعد اشتباكات مع داعش

الموت سهل، والابتسامة ثمنها الذبح حتى ولو كانت لطفل.. يلهو الصغير وهو يهش على غنمه فى صحراء واسعة ثم يشاهد طلائع قوات سوريا الديمقراطية على حدود بلدته، تتهلل أساريره بالتحرير القريب، لكن هذه الفرحة لن تدوم طويلاً، فقد لمحه «داعشى» وقطع رأسه عقاباً على أمله بتحرير بلدته الواقعة على أطراف دير الزور السورية، لتدفع هذه الجريمة شباباً إلى الحرب ضد «داعش» من أجل ثمن الدم.

ذهبنا إلى سوريا لنشهد ونوثق فظاعات التنظيم الذى سمى نفسه «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش)، فلا هو بقى فى العراق ولا وصل إلى الشام، هناك تجرى حرب دير الزور، وهى الأخيرة التى تشنها قوات سوريا الديمقراطية ضد التنظيم فى شرق سوريا، فى هذا القتال اجتمع العراقيون والسوريون وقوات التحالف حول هذه المعركة الحاسمة، فقد تحضروا للحرب، ويطبقون هجومهم الصيفى الهائل ضد «داعش» الذى تسقط أعلامه السوداء واحداً تلو الآخر حتى بلدات الحصن الأخير.

اختارت «الوطن» سوريا لنقل نزاعها الذى تتداخل فيه الأطراف، فهناك التقى الشرق بالغرب، العملاقان روسيا وأمريكا يحاولان بسط السيطرة والنفوذ فى البلد الذى أنهكته الحرب، ولأن الأتراك يهاجمونها فى الشمال ويهددون بلدات كدها التعب من القتال والإرهاب، ذهبنا إلى الشمال حيث «روج آفا» وقوات سوريا الديمقراطية، التى تكونت من كل الفصائل والمكونات السورية، لأجل حلم التعايش السلمى والعدالة فى دولة ديمقراطية، وحماية الأرض والعرض من الهجمات الإرهابية، فتياتها اللواتى هجرن الزواج من أجل العسكرية، فلا زواج ولا أبناء ولا أسرة بعد خسارة شهداء «كوبانى» فى معارك من أجل الهوية.

«تمترسنا» فى «الباغوز» أقصى منطقة على الحدود السورية العراقية

فيها «الرقة» البلد الصامت الشاهد على فظاعات الحكم الأسود وأرضها التى لا تزال تحارب بمفخخاتها وألغامها، وفيها «كوبانى» -عين العرب- قلعة الصمود حيث جرت أكثر المعارك دموية فى الحرب، وفيها «منبج» التى تضحك على حربها الزائفة مع عدو تركى أعلن الحرب ولم يحارب. نهايات اقتربت وبدايات وشيكة لحقبة جديدة، حقبة بين أمريكا وروسيا على أرض سوريا، كلتاهما تدعم أطرافاً كبيرة فى الحرب الدائرة ضد التنظيم وعما قريب سينتهى «داعش» فلا إرهاب ولا أعلام سوداء، ستكون لحظة الحقيقة، ما بين روس ومعهم الإيرانيون يقفون إلى جانب الرئيس السورى بشار الأسد، وأمريكيين ومن حالفهم يساندون قوات سوريا الديمقراطية بإدارتها الذاتية التى تحكم شمال هذا البلد بعد أن حررت مدنه من يد «داعش». جولات طويلة قامت بها «الوطن» لتقدم سلسلة حلقات تروى بعمق ما يجرى فى هذا البلد الذى قُتل فيه منذ بداية الحرب نحو نصف مليون إنسان.

الوصول إلى موقع الاشتباكات أخطر من الجبهة نفسها.. «سوريا الديمقراطية» تحاصر «التنظيم» فى حصنه الأخير بـ«حركة المنجل»

مع بزوغ الفجر فى مدينة قامشلى السورية فى الشمال الشرقى، على الحدود التركية، وصلت السيارة التى من المقرر أن تنقلنا إلى خط الجبهة فى دير الزور، أكبر مدن الشرق السورى، وتبعد عن العاصمة دمشق بنحو 450 كيلومتراً، حيث كانت المعارك لا تزال مشتعلة فى آخر حرب مع تنظيم «داعش» فى شرق سوريا، فى المرحلة الثانية من حملة «عاصفة الجزيرة» التى انطلقت فى الأول من مايو الماضى من قبل قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ«قسد»، والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة الدعم الروسى لنظام الرئيس بشار الأسد، هذه مهمة تبدو كبيرة جداً فى ذلك الوقت تحديداً، وفى هذه المرحلة الصعبة من الحرب مع «داعش»، ليس لضراوة المعركة وشدة قتالها فقط، بل لأن الطريق إلى الجبهة قد يكون أخطر من الجبهة نفسها، إذ عُرف بين المقاتلين بأنه طريق «الرعب»، هذا ما اتضح لنا خلال الدقائق الأولى التى انطلقنا فيها ونحن نركب «أم المعارك».

«أم المعارك»، اللقب الذى أُطلق على هذه السيارة ذات الدفع الرباعى التى استخدمناها فى التوجه نحو دير الزور، سيارة مدنية ليست مصفحة ولكنها الأشهر فى زيارة الجبهات، حيث كثيراً ما نقلت شخصيات مدنية وعسكرية ومراسلى حروب إلى مناطق الحرب فى شمال سوريا، لكن حتى هذه السيارة تعد تلك الزيارة الأولى لها على جبهة دير الزور بعد أن تقدمت قوات سوريا الديمقراطية والقوات العراقية وبدأت تطويق الدواعش باستراتيجية حركة «المنجل» من ثلاث جهات ليكون نهر الفرات فى خلفها ومن بعده الجيش السورى النظامى التابع للرئيس الأسد، والمدعوم من القوات الروسية، حيث يقبع خلف النهر بانتظار من يعبره للتعامل معه عسكرياً.

«حركة المنجل» هذه كلفتنا الكثير من الجهد والوقت والمخاطرة حتى الوصول إلى جبهة الباغوز، حيث اضطررنا للسير مسافات كبيرة وعلى الرمال بمحاذاة الحدود العراقية السورية من دون أن يكون هناك أى طرق مرصوفة وكل هذا بهدف الالتفاف حول «داعش» لتطبيق استراتيجية التطويق المحكم، كان هذا فى انتظارنا منذ أن انطلقنا من المدينة الآمنة «قامشلى» لكن كان علينا الحصول على الإذن بالدخول إلى هذه الجبهة من مقر قيادة عمليات قوات سوريا الديمقراطية (الحسكة)، وهى المدينة الواقعة على الطريق بين قامشلى فى أقصى الشمال وبين دير الزور فى أقصى الشرق، حيث كان بانتظارنا من سيرافقنا فى الطريق الوعر وحتى الجبهة، كنا نظن أن الأمر سيحتاج إلى سيارات تسير لحماية سيارتنا المدنية لكن استراتيجية الحراسة هنا تعتمد على مبدأ التضليل، ولكى لا نجذب انتباه «الدواعش» ولا يعتقدوا بوجود شخصية مهمة، لم يخرج معنا سوى مقاتل واحد اسمه الحقيقى «مسلم» بينما اسمه الحركى «جان فدى»، وهو اسم كردى يعنى «يفدى بروحه»، يمزح وهو يعرف نفسه أمامنا: «لا تقلقوا فأنا أسمى وفعلى شىء واحد، يعنى أنا أول شخص فيكم أموت إذا صار شىء لا قدر الله، أفديكم بروحى»، ثم يمد يده فى جيب شَدّته المكتظة بـ6 خزنات طلقات ويخرج قنبلة يدوية من طراز «f-1» يقول: «وإذا أنتم ما ترغبوا تتركونى راح نفجر هذه ونروح عند الله مع بعضنا»، نبتسم ونقول: «الله يطمنك»، يقاطعه «فهد» سائق السيارة: «والله كوابيس تجينى طول اليوم، ما عم أعرف أنام أول مرة فى حياتى أخاف من الجبهات»، ويشير إلى أن اتصالاً جاءه فى اليوم السابق يحذره من السير فى طريق دير الزور خاصة، ويطالبه بتوخى الحذر حيث جرت فى الأيام الماضية حوادث اغتيال وإطلاق نار من دراجات نارية على السيارات والسيطرات الأمنية الموجودة على طول الطريق المتجه إلى دير الزور، فلا تزال القرى مليئة بـ«الدواعش» المتخفين والخلايا النائمة.

قوات سوريا الديمقراطية حاصرت داعش من 3 جهات وليس أمامهم سوى عبور الفرات حيث تنتظرهم قوات «بشار».. وتمركزات أمريكية على طريق الجبهة لدعم «قسد».. وخطوات الجيش: قصف فاقتحام ثم تفكيك ألغام.. ولم يبق لـ«داعش» إلا الدراجات البخارية و«المفخخات»

200 طلقة من عيار 7.62x39 مع بندقية واحدة لذات العيار وقنبلة من طراز f- 1 وحيدة إلى جانب 7 طلقات من عيار 7 ملم لمسدس يخبئه السائق فى جيبه، كان هذا كل سلاحنا وذخيرتنا فى هذه السيارة المدنية غير المصفحة لقطع طريق بين قرى تضم خلايا نائمة لـ«داعش» على مسافة نحو 200 كيلومتر، طوال هذا الطريق بدا السائق مرتبكاً.

دار الحديث حول حجم المخاطر التى تحيط برحلتنا القاسية، ونحن نخرج من الحسكة متجهين إلى منطقة «الشدادة» وهى المدينة التالية بعد الحسكة فى الطريق إلى دير الزور، لكن المرافق طمأننا بأن لديه ذخيرة كافية للاشتباك مدة طويلة، كان حديثنا طويلاً مع «مسلم» الكردى ابن كوبانى ليطلعنا على ما يجرى فى الجبهات وما هى المناطق الأكثر خطورة فى الطريق إلى الجبهة، يشير بوضوح إلى أن الاستخبارات تقوم بعملها لكشف الخلايا النائمة فى القرى الواقعة على الطريق، لكن يوضح أن الأمر لا يتعلق بالأشخاص بل بالفكر نفسه وأنه ربما تجد شخصاً لم يكن مقاتلاً فى صفوف الدواعش ولكنه يحمل الفكر الداعشى وقد يرى فى أى شخص غيره الكفر وينتقم منه ليدخل الجنة، قائلاً: «أهل الدير (دير الزور) يختلفون مثلاً عن أهل الرقة (مدينة فى شمال سوريا)، أهل الرقة كان فيهم منافقون كانوا موجودين مع الدواعش ولكنهم كانوا يسيّرون أمورهم معهم فقط، لكن أهل الدير وأهالى القرى الموجودة قبل الدير التى كان داعش يسيطر عليها، عقولهم متحجرة ومتطرفون يعيشون مع الدواعش وهم مؤمنون بهم، لذا تعد هى أخطر المشاكل لأنك تواجه فكراً». وأوضح لنا أن الأمر صعب حتى على الأجهزة الأمنية لأن المعلومات الاستخباراتية غير كافية لتأمين المدن والقرى الواقعة على طريق الدير، خاصة أن بعضاً من أهالى المناطق التى كان يسيطر عليها داعش خلع نساؤها النقاب إثر خروجه من مناطقهم لكن هذه القرى لم يخلع النساء نقابهم ولم يتغير فيهم شىء.

لم يكد «مسلم» ينهى حديثه عن طريقة معيشة أهالى الدير وتطرفهم الفكرى حتى تباطأت السيارة نتيجة حفر على الطريق الأسفلتية هى آثار مفخخات الدواعش لتفجير السيارات التابعة لقوات «قسد»، وبدأنا فى رؤية الأهالى الذين يرتدون الجلباب القصير وسيدات يغطين وجوههن وأعينهن، وصلنا إلى قرى كشكش وهى ثلاث قرى واقعة على الطريق المتجه إلى دير الزور، كانت السيارة تسير على مطبات وحفر، تجبر السيارة على أن تقلل من سرعتها لتتيح لنا رؤية مظاهر حياة المواطنين وهم يرتدون نفس الرداء الذى فرضه عليهم «داعش»، لم يتخلوا عنه ولا عن مظاهر حياة الدواعش، يؤكد سائق السيارة أن ليس فيهم خلايا نائمة فقط وإنما غالبيتهم دواعش، لكن عدم وجود أسلحة معهم جعلهم لا يهاجمون، المدينة بحاجة إلى وجود أمنى كثيف وكذلك برنامج تثقيفى حتى يغيروا أفكارهم، يقاطعه «مسلم»: «الحرب ما تسمح، مشغولين بالحرب فى دير الزور، مو معقول إننا نجيب القوات من الجبهة وننصبهم فى هذه المناطق، يكفى السيطرات الأمنية الموجودة»، كانت السيطرات الأمنية تزداد كثافتها بحسب خطورة المنطقة وهو ما تقرره عناصر الاستخبارات بناءً على تقارير عن حالة كل قرية ومدى استعداد الأهالى لتنفيذ هجمات على القوات العسكرية، فضلاً عن خطاباتهم الدينية.

كنا قد وصلنا إلى مدخل قرية شمسانى على الطريق إلى دير الزور بعد قرى كشكش، فى مدخلها حواجز حديدية مختلفة غريبة الشكل لم نشهدها على طول الطريق من قامشلى وحتى موضعنا، وبسؤالنا عن اختلافها، أكد «مسلم» أنها سيطرات تركها الدواعش وقت تحرير قرية شمسانى من قبضتهم وأبقت القوات عليها لاستخدامها، بعد أن قطعنا نحو كيلومتر واحد بدأ الزحام وبدا أنه إحدى الأسواق المقامة على الطريق، ارتبك السائق بعد أن اضطر إلى أن يبطئ السيارة إلى حد خطير كاد أن يصل إلى التوقف التام، بينما تقدمت بسرعة دراجات نارية، وسمعنا شد أجزاء السلاح قام به «مسلم» ووضع يده اليمنى على مقبض البندقية وطلب من السائق أن يطلق آلة تنبيه السيارة لكن دون أن يستمر عليها حتى لا يثير انتباه المواطنين، وأكد عليه: «المهم ألا تتوقف السيارة أبداً وتراقب الطريق أمامك»، مشيراً إلى أن التعليمات صادرة من قيادة قوات سوريا الديمقراطية ألا تتوقف السيارة من منطقة الشدادة، جنوب الحسكة بـ60 كيلومتراً، وحتى حقل عمر، أكبر حقول النفط فى سوريا ويتبع محافظة دير الزور، مهما كان الأمر: «أوامر بأنه إذا شفت أبوك على الطريق لا تتوقف أبداً».

الدراجة النارية وسيلة داعشية لمباغتة القوات

يوضح ابن كوبانى، بعد أن عدّل من وضعية سلاحه الكلاشينكوف لتكون قبضتا يديه على مقبض ومقدمة السلاح، أن طريقة المدنيين فى مباغتة السيارات التابعة للقوات هى إما بالدراجات النارية حيث يقوم الداعشى بفتح النار على السيارة إذا تأكد أنها هدف ثمين، أو باستخدام المفخخات على الطريق.. وبسؤاله عن كيفية استخدام المفخخات لاستهداف سيارة وسط طريق تتحرك عليه السيارات ذهاباً وإياباً، أجاب: «إذا تأكد داعشى متخفٍ من وجود هدف يبلغ بالهاتف شخصاً آخر موجوداً على الطريق لكن بعده بنحو 3 أو 4 كيلومترات يبلغه مواصفات السيارة وحينها إما أن يقرروا إطلاق النار أو ترك مفخخة على جانب الطريق وتفجيرها عن بعد إذا كانت السيارة تسير فى هذه اللحظة وحدها بالقرب من موضع المفخخة الموضوعة على جانب الطريق حديثاً».

«موسى»: نحارب طرفين «الإرهابيين وألغامهم» وهدفنا تأمين الجبهة من جهة العراق.. وفوجئنا بأطفال يهاجموننا بعدما أوهمهم التنظيم بالجنة.. وقائد قوات الاقتحام: ساحة الحرب 27 كيلومتراً.. والجنود: نريد معدات كبيرة من الأمريكان ولا نريد بنادق M-16.. وأحدهم: الكلاشينكوف أفضل

التنبيهات التى وصلت إلينا ألا يكون موعد عودتنا فى الليل لأن السير ليلاً يعد أمراً خطيراً ومستحيلاً أيضاً، لكن الهدف الأولى بالنسبة إلينا هو الوصول إلى حقل عمر الذى يقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، لأنه بمجرد الوصول إلى الحقل سندخل إلى السيطرة العسكرية التى ستسمح لنا بسلوك الطريق العسكرى وبذلك سنبتعد عن المدنيين الذين شكلوا تهديداً خطيراً لنا. فى حقل عمر تظهر مصافى النفط العملاقة وهى مهدمة بكامل أبنيتها فى مشهد يكشف عن ضراوة القتال الذى جرى فى الحقل بين الأطراف المتصارعة عليه بدءاً من الجيش الحر وحتى تنظيم داعش وجيش بشار وقوات سوريا الديمقراطية، تظهر مشاهد التدمير حتى الأسلحة المستخدمة ضد الحقل ما بين قذائف هاون ومفخخات وقذائق «آر بى جى 7» حتى إن بعض البنايات بدت مهدمة من الأسفل فيما يبدو أنه تم تفجيرها على نحو منظم كخطة حرق الأرض خلال الانسحاب، انعطفنا يساراً بعد الحقل مباشرة عبر طريق أسفلتى جيد لكن لا تسير إلا كيلومتراً أو اثنين حتى تجد أمامك «سيطرة» تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، ثم ينتهى الطريق الأسفلتى بالنسبة لنا من خلال اضطرارنا إلى النزول على الرمال وعدم استكمال الطريق الذى وضعت القوات عليه ركاماً من الرمال، لنُجبَر على الخروج من الطريق ونسلك الطريق العسكرى الرملى الآخر.

الطريق حدده الأمريكيون بقطع حجارة صغيرة على الجهة اليمنى بينما تتمركز النقاط على الجهة اليسرى باتجاه الحدود العراقية.. كنا نقترب إلى الحدود العراقية كلما اتجهنا جنوباً من الشمال السورى فى مدينة قامشلى حتى دير الزور الواقعة فى الشرق المجاورة للحدود العراقية من جهتها الشرقية، دخلنا إحدى النقاط التى تبعد عن الجبهة بـ10 كيلومترات، كان يوجد بها آليات أمريكية مثبت عليها مدفع «فولكان» الخطير، فمنذ رؤيتنا لغطاء المدفع من خلف الساتر الترابى علمنا بوجود أمريكيين حيث إنهم يحبون هذا المدفع ويتميزون به، لكن الجنود الأمريكيين بدوا مرتاحين جداً وكأنهم يقضون عطلة صيفية.

لم نستمر كثيراً عند الأمريكيين، حيث كان ينتظرنا فى هذه النقطة مقاتل يدعى «مهدى» سيعتبر لاحقاً المسئول عن بقية الزيارة والدخول إلى خط الجبهة، حيث جلس إلى الأمام وعاد «مسلم» للجلوس إلى جوارى فى الخلف، ووجه السيارة مباشرة إلى خط الجبهة الأول فى الباغوز وهى بلدة تتبع محافظة دير الزور ناحية الشرق وتقع مباشرة على الحدود العراقية، لم نفهم الطريقة التى سندخل بها الجبهة بهذه السيارة المدنية، اعتقدنا أن الأمر سيحتاج إلى «همفى» (مدرعة أمريكية شهيرة) على أقل تقدير لكى يتم حمايتنا من رصاص الدواعش فى الجبهة، لكن علمت أن الجبهة لا تزال بعيدة وسيتم تدبير الأمر هناك عند خط القتال، لم تقطع «أم المعارك» سوى بضعة كيلومترات حتى شاهدنا الحدود العراقية، حينها أشار «مهدى» بيده اليسرى، قائلاً: «هذه الحدود العراقية السورية لم تبعد عنا سوى مئات الأمتار»، رأينا مدينة القائم العراقية وهى مدينة بها مساحات مزروعة وأشجار ونخل، بعد فترة طويلة اعتادت خلالها عيوننا على رؤية الصحراء القاحلة.

فى هذه الصحراء الكبيرة وعلى طول الخط بين العراق وسوريا كانت منطقة فارغة أمنياً منذ اندلاع الثورة ضد بشار ما سمح للجماعات التكفيرية باتخاذ هذه الصحراء موطناً لهم لتدريب مقاتليهم وتنظيم صفوفهم من أجل الخلافة الإسلامية، على الجانب الآخر فى العراق كان نظام نورى المالكى أيضاً يتجاهل ما يجرى فى هذه المنطقة، كان هذا الحديث يدور بيننا بينما نحن على مشارف خط الجبهة الأول، حيث بدأنا نسمع طلقات نارية، كان هذا الصوت فى تقديرناً لمدفع «دوشكا»، وقفنا عند تبة حدودية بين سوريا والعراق لنشاهد نهر الفرات وهو يقطع مدينة القائم العراقية، لكن ما إن ظهرنا على التبة حتى فتحت النار مجدداً من جانب الدواعش لكن بدا أنه عشوائى والمسافة كانت كبيرة لم يصب أحد منا حيث يصعب التصويب، اضطررنا للنزول منها والتخفى خلف الصخور، لكن تم ذلك لأن التبة مرتفعة وظاهرة لكل أطراف القتال تقريباً: الجيش العراقى وداعش وجيش بشار الأسد، ليعلق «مهدى»: «بينا يا شباب حتى ما يصيبنا رصاص داعش».

مُرافق الرحلة: تعليمات بحظر الوقوف.. وقيل لنا بالحرف الواحد «لو أبوك على الطريق لا تقف له»

انعطفنا يميناً ونزلنا من على التبة باتجاه الشرق حيث كانت منطقة الباغوز التى تعج بالبنايات الكبيرة قليلة الارتفاع وزراعات تفرض لونها الأخضر على المدينة، نزلنا إليها وقد بدا التوتر على المرافقين رغم أنه تم استعادتها من أيدى داعش قبل أيام قليلة جداً إلا أن القلق لا يزال مسيطراً بسبب النخيل والأشجار، والمنازل المهجورة التى قد يكون بها مخبأ سرى، كان «مهدى» الذى يحمل بندقيته وقنبلتين يدويتين فى صدره يوجه السائق إلى أحد المنازل التى اتخذت مقراً لقيادة عمليات القتال فى هذه الجبهة، الشوارع الضيقة تعيق حركة السيارة وسط مدرعات عسكرية أمريكية سلمت حديثاً إلى قوات سوريا الديمقراطية وقد نزلت لتقوم بمهمتها فى هذه الأرض الجديدة، وصلنا عند أحد المنازل الفسيحة، حيث تم اتخاذه مقراً لبقاء المقاتلين وتخزين القنابل والذخائر والأسلحة، لكن الجنود الموجودين بمقر القيادة بعضهم بدا عليهم التعب حيث يتصبب العرق على جبينهم وأتربة على وجوههم، لكن فى إحدى الغرف بدا الارتياح على بعض المقاتلين الذين يأخذون قسطاً من الراحة القصير قبل التوجه إلى إحدى نقاط التماس لمنع أى هجوم مضاد من الدواعش لاسترداد البلدة التى تمت السيطرة عليها.

فى مقر قيادة العمليات رفعت قوات سوريا الديمقراطية عَلمها على بوابتها، تساءلنا ونحن نقف على مدخله نراقب حركة القوات عن سبب وضع هذا العلم على بوابة المنزل، ما قد يتيح للدواعش استهدافه، فرد أحد المقاتلين وهو يربط على رأسه شالاً بنياً ويحمل «كلاشينكوفه» على كتفه، يدعى محمود عبدالرحمن: «لا تخَف؛ المنزل منخفض ولا أحد يكشفه، ونحن سيطرنا على هذه الشوارع»، لينفى وجود أى دواعش فى هذه المنازل التى هجرها سكانها حيث إنهم هربوا من البلدة واتجه الكثير منهم إلى منطقتى الحسكة والشدادة، ليتركوا المجال لقوات سوريا الديمقراطية بالدخول فى حرب مفتوحة دون أن يعطل هجومهم مدنيون أبرياء.

مصريون دواعش يقودون دورات استتابة للأسرى

هذا المقاتل الذى بدا متحمساً يبلغ من العمر نحو 23 عاماً، هو أحد المقاتلين بالفوج الثامن بقوات سوريا الديمقراطية، الذى يشارك فى هذا الهجوم، انضم إلى قوات «قسد» منذ 6 أشهر فقط، حيث كان من سكان دير الزور، لكنه تمكّن من الهروب والتوجه نحو «قوات سوريا الديمقراطية» للانضمام لها وقتال «داعش» الذى ذاق على أيديهم مرارة الهزيمة فى حروب قديمة. يفسر «محمود» ثأره القديم بقصته مع الثورة السورية، حيث كان أحد المشاركين فيها وأحد عناصر «الجيش الحر» الذى اجتاح مساحات شاسعة من الأراضى السورية كان من بينها دير الزور، وبعد ظهور «داعش» تنازع مع الجيش الحر على المدينة ودار القتال، لكن كان النصر حليف «داعش»، وتم أسره مع رفاقه من الجيش الحر فى 2014 ليمنحوه مع فرقته دورة «استتابة»، يوضح: «دورة الاستتابة هذه أعطاها لنا الدواعش بعد هزيمتنا فى قتالهم واعتقالنا، وهى دورة توبة حتى ينصلح حالنا، وهى تنقسم إلى قسمين، القسم الأول أن تحصل على دورة شريعة يعرّفك فيها فريضة الإسلام وأسباب تكفيرك من قبَل الدولة الإسلامية، والقسم الثانى هو استتابة شفهية تقوم فيها بالتبرؤ من الجيش الحر، وتستغرق 40 يوماً»، مشيراً إلى أن من لقّن فرقته الاستتابة كان مصرى الجنسية ويتمتع بنفوذ كبير داخل التنظيم، معلقاً: «قابلت دواعش مصريين ومعروفين بأنهم أقوياء ومتطرفون».

خلايا «داعش» النائمة تنفذ هجمات مباغتة.. القادة الميدانيون يتخلون عن الخرائط العسكرية الورقية وينسقون عبر الهواتف.. و«العدنانى»: رأيتهم يذبحون طفلاً فأقسمت على محاربتهم حتى النهاية.. و«محمود»: «مصريو التنظيم» أقوياء وأكثر تطرفاً.. وهم المكلفون بـ«الاستتابة»

وبسؤاله عن سبب عدم استخدام تنظيم داعش له ولفرقته فى القتال ضمن صفوفهم، أجاب: «نحن حاربناهم وكنا من الجيش الحر، علينا العين، ولم يقبلوا أن ننضم إلى صفوفهم ونمسك السلاح مجدداً»، موضحاً أنه ظل داخل دير الزور فى منطقة الشامية، حتى سنحت له الفرصة بالخروج من تحت أيدى «داعش»، والانضمام إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية، معلقاً: «من 2014 حتى وقت خروجى قبل 6 أشهر شفت حكم داعش الظالم التكفيرى، كان عندهم الظلم وجرأة بالنساء والشيوخ وتهاون فى الدماء، على أصغر شىء يجرى قتل، شفت جرائمهم وأشهد عليها»، موضحاً أنه قرر الانضمام إلى «قسد» بعد أن رأى رحمة فى التعامل مع المدنيين من جانبهم، وأنه كان يرى فى الميادين القصف العنيف لنظام الأسد، بينما تتعامل قوات سوريا الديمقراطية بالهجوم التكتيكى للحفاظ على المدنيين، فقط ضربات تكتيكية لطيران التحالف ثم الهجوم البرى المنظم، ولا يوجد فى صفوفهم سلب أملاك أو اغتصاب أو غيره: «حتى إخواتى الأربعة الأصغر منى انضموا لقوات سوريا الديمقراطية، أصغرهم 18 عاماً، وهو موجود فى جبهة دير الزور هنا»، مشيراً إلى أن القتال فى جبهة الباغوز صعب، حيث تتقارب المسافات بين الأطراف، حتى إنه وفرقته المتخصصة فى الأسلحة الثقيلة لم يتمكنوا من استخدامها لأن المسافة عشرات الأمتار القليلة فى الشوارع والبيوت.

نتوقف قليلاً، ثم تأتى مدرعة أمريكية «همفى» لنركب معاً ونتجول بين المنازل على خط الجبهة، بعد أن تم تطهير الشوارع من الألغام، يُكمل حديثه ويكشف عن استراتيجية الدواعش فى القتال فى بلدة الباغوز أنهم لم يستخدموا الدشم والسواتر، بل اعتمدوا على المفخخات والأنفاق مثل «قسد»، معلقاً: «إحنا جيش منظم، إنما هما إرهابيين يقاتلون بفوضى وينصبون الفخ تلو الآخر»، مضيفاً أنه لا يرتدى سترة لا هو ولا رفاقه، وشارك فى طرد الدواعش من على مسافة 30 كيلومتراً من الحدود العراقية، حتى تقدمت القوات إلى منطقة الباغوز على الحدود مباشرة مع نهر الفرات، متمنياً أن يستمر التقدم باتجاه بلدته الشامية التى تقع على الجانب الآخر من النهر: «نحن الآن فى الضفة اليسرى لنهر الفرات، الضفة اليمنى فيها قسم النظام السورى وقسم للميليشيات الشيعية الإيرانية فى البوكمال (بلدة تابعة لدير الزور على الضفة الغربية لنهر الفرات)، كلها ميليشيات شيعية نعرفهم، حركة النجباء، والجهاد والبناء وفاطميون، وهو الحشد السورى والعراقى»، مشيراً إلى أن بلدته الشامية يسيطر عليها الميليشيات الإيرانية وأنها جرى فيها تغييرات كبيرة، حيث تم صبغها بالشيعية، حيث أقاموا فيها مزارات دينية شيعية وقاموا بتغيير صيغة الأذان، وكذلك أسماء المساجد، متابعاً: «يا ريت تجينا تعليمات بدخول الشامية ونحررها حتى من يد الميليشيات المختلطة ما بين إيرانيين ولبنانيين وعراقيين».

ويجزم المقاتل برتبة ضابط فى الفوج الثامن باللواء الأول من «قسد» بنهاية «داعش» فى دير الزور، بعد أن نفذت قواته تطويقاً كاملاً للمدينة حتى جعلت الدواعش ليس لديهم سوى منفذ واحد عبر نهر الفرات مع نظام بشار الأسد، ليقول: «ليس لديهم خيار إما الموت أو الاستسلام لنا»، موضحاً أنه قبل أى هجوم تنتظر «قسد» قصف التحالف أولاً ثم الهجوم. بدا واضحاً أن استراتيجية قوات سوريا الديمقراطية فى حرب دير الزور تنقسم إلى ثلاث مراحل: الأولى هى قصف طيران التحالف، والثانية الاشتباك، والثالثة تطهير الألغام، هذه الاستراتيجية فرضها عليهم العدو الداعشى الذى اعتاد أن يبطئ تقدم وحدات هذا الجيش الحديث بالمفخخات والألغام مع القناصة التى تبطئ عمل خبراء المفخخات.

لم يصل أى من القادة الميدانيين الذين سيرافقوننا عند السواتر الأمامية، حيث تم إرسال نداء إلى قائد فى وحدات الهجوم، لكنه لم يصل بعد، اضطررنا أن ندخل إلى مقر القيادة بدلاً من الوقوف خارجاً خشية من أن يتسلل أى قناص أو أن يحدث هجوم بطريقة أو بأخرى. كنوع من التأمين، لم ندخل المقر مباشرة، حيث اتجهنا إلى منزل آخر مجاور للمقر تم اتخاذه استراحة للمقاتلين، وفيها استقبلنا عدد من المقاتلين، إحدى الغرف كان يخرج منها صوت غناء مرتفع، طلبت الإذن بالدخول لأجد مقاتلاً يرقص رقصة عربية بينما رفاقه يضحكون، لم يتوقف المقاتل عن الرقص، بل يدخل ليشاركه مقاتل آخر، ويقول ثالث: «رقصة النصر يا رفاق».

هنا يستمتع الجنود بفترة راحة قصيرة قبل معاودة الهجوم، ويتحضرون للحرب بهذه الروح المعنوية العالية، وحتى خلال ذلك سمعنا صوت انفجار قوياً، لكن لم يعبأ أحد به، واستمروا فى هذه الأجواء التى أزالت جزءاً من الشعور بالارتباك من هذه المنطقة التى لا يزال القتال على أطرافها، لم يستمر الأمر كثيراً حتى أغلق أحدهم الموسيقى، لنتشاور ونتحدث معهم عن طريقة حياتهم على الجبهة، والتى أكدوا أنها كلها جلسات سمر وحكايات عن إنجازات كل شخص فى كل يوم يمر، ما بين صد تعرض أو ضرب سيارة مفخخة أو رواية قصة حياته فى ظل الحرب الدائرة فى سوريا، بعضهم كان فى سجون «داعش» وتم تعذيبه والتنكيل به.

بعض هؤلاء الجنود كانوا يقومون بتفكيك السلاح وتنظيفه ثم تركيبه، حركتهم سريعة فى تنظيف سلاح «الكلاشينكوف»، يقولون إنه أفضل البنادق التى يمكن أن تستخدم فى الحرب وإنها الأكثر عملية، مبررين ذلك بقدرتها على إطلاق النار فى كافة الظروف، لكنا فتحنا النقاش معهم عن المساعدات الأمريكية الخاصة بالأسلحة وإن كان بينهم من يرغب فى حمل السلاح الأمريكى، لكن يعلق أحدهم، ويُدعى محمد، فى العقد الثالث من عمره: «ما نريده من الأمريكان المدرعات والصواريخ والطائرات، لكن ما نريد سلاحهم الـ m-16 ولا الـ m-4 لأن كليهما يتعطل فى هذه الأتربة، سلاح الناتو بده نظافة، أما الروسى يجرش أى شىء، والأمريكى أى ترابات تلاقيه يعطل»، فيما يعلق آخر: «الله يبارك له الكلاشينكوف». ويعلق بقية الجنود على المساعدات الأمريكية لهم بأنها طبيعية طالما الروس يساعدون بشار، فالأمريكيون يريدون أن يكون لهم دور مماثل، لكن المهم أن تستفيد قواتهم من هذه العلاقة للقضاء على الإرهابيين. لم نجلس كثيراً، حيث قام بعضهم وحمل أسلحته وصناديق ذخيرة لنقلها فى سيارة كانت تنتظره فى الخارج، ويبدأ النشاط المحموم فى هذه الغرفة حتى نضطر إلى الخروج منها.

فى الغرفة المقابلة كان يجلس أحد أهم الموجودين فى هذا المنزل، هو محمد إبراهيم أبوشريد، قائد عسكرى فى الفوج الثامن، يبلغ من العمر 40 عاماً، هو من قرية ديبان بدير الزور إحدى القرى التى تبنّت فكر «داعش» وأيدته، وفى نفس الوقت كانت مؤيدة لنظام بشار الأسد، يقولها وهو يضحك ساخراً، فيما يزيد من ضحكته: «صار بها ما يقارب ألف و500 مقاتل فى صفوف قوات سوريا الديمقراطية، والله ما أعرف جات لهم صحوة ولا إيش اللى صار لهم»، لكن هذا الرجل المتعجب من أمر قريته الواقعة فى دير الزور كان من أوائل الناس الذين حملوا السلاح عقب الثورة السورية، ليذكر: «كنت موجود فى لبنان، وكانت حياتى مستورة، لكن نزلت فى 2011 وجيت على دير الزور وحملت السلاح لأنى شفت الظلم، وأسسنا نحن ورفاقى كتيبة أسود الجزيرة، بدأنا ما يقارب 30 شخصاً فقط، كنا نهاجم النظام وقتها»، مشيراً إلى أنه طوّر فرقته المسلحة وشكّل اللواء جعفر الطيار فى عام 2012، ثم اندلع القتال مع «داعش» فى 2014 فى منطقة منجم الملح غرب دير الزور، ثم فى منطقة المعامل، ثم المرقدة -مناطق تتبع دير الدور إدارياً- معلقاً: «شارك معنا فى القتال جبهة النصرة وجيش مؤتة ولواء الإخلاص وبشاير النصر، وصراحة كانت القرى التى قاتلت داعش هى شعيطات وشحيل، لكن كما قلت قريتى كانت مؤيدة لداعش للأسف».

يستكمل «أبوشريد»: «لكن داعش انتصرت بعد أن قاتلناهم 7 شهور فى دير الزور، وتم أسرى وتعذيبى أنا وفرقتى، كانوا يحمّون سبطانة مدفع 23 ملم بإطلاق النار ثم حرقى فى جسدى، وواحد من عناصرى مات من التعذيب، كان فيه ضغوط عشائرية ليتركونى لكنهم رفضوا لأنى كنت مستهدف وأرادوا ينتقموا منى، لكن أحد كبار العائلات موجود بالسعودية كان له فضل فى دخول داعش المدينة تدخّل لإطلاق سراحى»، موضحاً أنه تمكّن من الهرب إلى تركيا ليظل هو وأسرته المكونة من زوجة و7 من الأبناء فى تركيا، لكنه وجد فرصته فى الانتقام من «داعش» بعد تشكيل قوات سوريا الديمقراطية، وعزمها اجتياح دير الزور وتطهيرها من «داعش»، ليعود إلى سوريا فى شهر نوفمبر العام الماضى، وينضم إلى صفوف القوات التى ستُحكم قبضتها على «داعش» وستطوقهم، علم بالخطة لذا أصر على الانضمام إلى تلك القوات للمشاركة فى القتال منذ البداية. لهذا الرجل نصف طريق لا يوصله إلى أى مكان، فقد أراد استكمال طريق كفاحه المسلح ضد الظلم بمواصلة القتال حتى النهاية، وتتحول الحرب بالنسبة إليه إلى «حرب الكرامة» ليعلق: «كرامتى وكرامة بلدى، قلت راح أكمل، وشاركت فى الحملة من منطقة الشدادى حتى هسة فى دير الزور».

ببدن متوسط الحجم ووجه أسمر أحرقته شمس المعركة، ورأس يغطيه «شماغ» (كوفية) ينسدل طرفه من الخلف، ويميزه ذلك المسدس الشخصى من طراز «برونك» -بلجيكى الصنع- يرحب بنا موسى صلاح، أحد أبناء بلدة الصالحية بدير الزور، وهو قائد قوات الاقتحام بالفوج السابع باللواء الأول فى «قسد»، ويأخذنا إلى استراحة قبل أن ينطلق ليروى فيها آخر مستجدات الحرب على هذه الجبهة الكبيرة، يؤكد أن هذه الجبهة يمتد طولها 27 كيلومتراً، قامت القوات بقطعها لمسك الأرض الحدودية بين سوريا والعراق: «الهدف من الباغوز هو تأمين المنطقة والجبهة من جهة العراق»، مشيراً إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تتقدم ببطء للحفاظ على أروح المدنيين، وبسبب الألغام التى يعتمد عليها «داعش»: «نحن نحارب طرفين، داعش طرف وألغامه طرف آخر».

هذا الرجل الذى تعددت إصاباته خلال المعارك السابقة فى دير الزور، تقع بلدته تحت أيدى الميليشيات الشيعية على الجانب الآخر من النهر، بحسب قوله، يتمنى لو كانت بلدته ضمن المناطق التى يقوم الآن بتحريرها من يد «داعش»، فهو الآن لديه حماسة فى استعادة دير الزور كاملة من يد «داعش»، وقواته التى يقودها تبلغ نحو 1800 مقاتل، وهى قوات تعتمد على السلاح الفردى والـ«بى كى سى» وقاذف الـ«آر بى جى 7» القادرة على اختراق الدفاعات والحصون الداعشية، فهى أسلحة خفيفة يسهل حملها والمناورة بها على الجبهات لاختراقها وإرباك العدو، لكن دائماً ما تعوق الألغام حركة قواته السريعة، يعلق حول المعركة الأخيرة التى تجرى الآن فى الباغوز وتشكيلها من أطفال ومهاجرين: «ألاحظ أن من نحاربهم هم دواعش مهاجرين وأطفال، داعش فقدت قواتها وتركت الأطفال تواجهنا، بالفعل نجد الكثير من الأطفال يهاجموننا لأنهم يقنعونهم بالجنة، حينما نأسر بعضهم يفصحون بذلك، فقد لجأ إليهم داعش بعد أن فقد قوته، وهو الآن يدخر مقاتليه فى هجين، حيث لا يزال بها أكبر القيادات فى داعش وبها أيضاً الخليفة أبوبكر البغدادى»، مشيراً إلى أن هناك جهوداً كبيرة للتواصل معهم لتسليم أنفسهم، لكنها تبوء بالفشل، ونعامل الأسرى بإنسانية، وهناك محاكم ستنفذ ضدهم الأحكام.

وحول المدنيين الموجودين فى المناطق التى يدخلونها، يعلق: «المدنيون هم من يستغيثون بنا، ويشجعوننا على التقدم، وبمجرد دخلونا ننقلهم إلى أماكن تم تحريرها من قبل، وبعد تحرير مناطقهم سيرجعون إليها، مؤكداً أن لديهم عناصر استخباراتية فى الداخل يساعدونهم فى تأمين المدنيين، وكذلك فى الحصول على المعلومات. لم يستمر حديثنا طويلاً حتى أتت المدرعات التى ستقلنا إلى منطقة الاشتباك، فور خروجى من المنزل كانت بانتظارنا المدرعات التى ركبناها واستأنفنا الحديث بداخلها، يستكمل الحديث بقوله، إنه فقد فى 2014 فى معركة واحدة ضد «داعش» 42 شهيداً من عائلته الكبيرة فى بكارة وهى تتبع مركز مدير الزور، يتذكر حياته التى كانت غير عسكرية لكن الأحداث لم تعطه فرصة الخيار، حيث كان الأمر يتطلب منه المشاركة فى القتال، والانضمام إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية، مجلس دير الزور العسكرى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل