المحتوى الرئيسى

سعيد صالح ضحية المخدرات والسياسة.. عفا عنه مبارك.. ولم يحضر الزعيم دفنته

06/23 20:10

تتعدد الوجوه الضاحكة في تاريخ الفن العربي، من قديم وحديثه فمن الأفلام الأبيض وأسود للألوان الطبيعية، ولا يستطيع أن يغفل التاريخ عن ذكر الفنان الكوميدي سعيد صالح، ذلك الفنان الذي أضحك الجميع وبكي وحده في محنته ومرضه وموته.

ولد سعيد صالح إبراهيم، في 31 يوليو عام 1938 بمحافظة المنوفية، وإلتحق بكلية الآداب، وتخرج فيها عام 1960، وكان أحد أهم ممثلي الجامعة، الذي رأه بالصدفة الفنان حسن يوسف، ليقدمه في مسرح التليفزيون ويراه عبدالمنعم مدبولي، ويقدمه في مسرحية «هاللو شلبي» التي تعتبر شهادة ميلاده الفنية لينطلق بعدها ويقدم أعمالًا في السينما والمسرح.

تُعد مسرحية «مدرسة المشاغبين» خطوة هامة في حياة الفنان سعيد صالح، حيث حققت له النجومية المطلوبة، وكانت بمثابة الحدث لكل من شارك فيها من عادل إمام وأحمد زكي ويونس شلبي وسهير البابلي.

كما تُعد هي أكثر مسرحية جماهيرية علي الاطلاق في تاريخ المسرح العربي، وورغم مرور أكثر من 45 عامًا على عرضها إلا أنها كل ما تُعرضت علي شاشات التليفزيون تلقى إقبالاً ونجاحًا يتناقل من جيل لآخر.

ويذكر أن هذه المسرحية لاقت نقدًا كبيرًا من كبار المسؤولين في الدولة، حيث رأوا أنها تحث علي انحدار القيم والأخلاق بين الطلبة، وحتي الآن نجد من يهاجم هذه المسرحية هجومًا ضاريًا رغم مرور عشرات السنوات على عرضها.

جاءت مسرحية «العيال كبرت» لتحقق نجاح غير متوقع، فكانت استثمار واستكمال لنجاح مدرسة المشاغبين، وكان نجاحها مفاجأ للجميع، حيث راهن عدد كبير من الفنانين والنقاد، على فشلها حتى الزعيم عادل إمام، اعتذر عن المشاركة فيها، بحجة أنها نسخة باهتة من مدرسة المشاغبين، إلا أن نجاح هذه المسرحية فاق كل التوقعات بل وفاق نجاح مدرسة المشاغبين.

أصبح سعيد صالح أيقونة النجاح وتميمة الحظ لدى المنتجين في السينما فانهالت عليه الأعمال السينمائية، ولم يرفض الفنان أي عرض لدرجة أنه أصبح أكثر الممثلين غزارة في الإنتاج، في تاريخ السينما العربية علي الإطلاق فقد وصل عدد الأفلام الذي اشترك فيها إلى ما يقرب من 500 فيلم في سابقة لم تحدث من قبل مع أي ممثل حتى إسماعيل ياسين وكان سعيد صالح يقول «أنا اشتركت في ربع أفلام السينما المصرية».

قدم الفنان سعيد صالح، ثنائيًا فنيًا مع الفنانة نادية الجندي، في أفلام «الخادمة، وشهد الملكة، وعزبة الصفيح» وغيرها، ما جعل كثير من الناس يطلقون الشائعات حول زواجهما خاصة أن المعروف عن نادية الجندي، أنها تحب أن تنفرد بالبطولة مع بطل يتغير من فيلم لآخر.

لم يشهد الوسط الفني علاقة صداقة ومحبة مثلما شاهد علاقة الصداقة القوية بين الزعيم عادل إمام وسعيد صالح فقد بدأ سويًا وانطلقت شهرتهما معًا ونجحا معًا، فقدما العديد من الأفلام سويًا، ومنها «سلام ياصاحبي، والهلفوت، وعلى باب الوزير، والمشبوه» إلا أن عادل إمام تفوق على سعيد صالح، في ذكائه الفني الذي صنع به علاقات واسعة المدى جعلته نجم مصر الأول خاصة علاقته مع كبار المسؤولين في الدولة وجعل السينما نصب عينيه ثم المسرح.

ولكن سعيد صالح، تفوق على الزعيم، في الموهبة الفطرية ولولا أدواره العديدة في السينما لكان له شأن آخر فقد ترك نفسه لموجة أفلام المقاولات بل كان نجمها الأول حتى عندما يعمل في أفلام قوية وكبيرة نجده ممثل ثاني أو في دور لا يليق به، مما أضعفه فنيًا بالمقارنة بعادل إمام، وعندما سئل صالح، عن هذا قال: «أنا ماليش في السينما إسألوني عن المسرح».

أحب سعيد صالح، المسرح وأخلص له، فكان حريصًا كل الحرض، على ان يقدم مسرح مختلف وجيد وجرئ.

قامت الفنانة الراحلة فاتن حمامة، بتجربة العمل التليفزيوني في منتصف السبعينات وكان مسلسل من حلقة واحدة بتصوير سينمائي تسمه «ساحرة» واختارت عادل إمام وسعيد صالح، ليكونا في المسلسل حتي يضيفوا عليه جو البهجة والسرور وهو العمل الوحيد الذي إشتركا فيه الاثنين مع فاتن حمامة.

لم يشهد الوسط الفني فنانًا مشاغبًا مشاكسًا كسعيد صالح، الذي كان أول فنان يدخل السجن بسبب الفن.

وكانت المرة الأولى خلال مسرحية «لعبة اسمها الفلوس» فقد أوقف عرض المسرحية عندما وجد أحد المتفرجين نائمًا وقال له «انت معندكش سرير في بيتكو ولا المدام مبتخلكش تنام» وضجت الصالة بالضحك الهستيري، ليفاجأ بعد ذلك سعيد صالح، بالقاء القبض عليه بتهمة الخروج على الآداب العامة في مسرحيته وخلع بنطلونه وبالفعل يسحب للسجن ويقضي القاضي بحبسه شهرًا، ومن يكون هذا القاضي هو من سخر منه سعيد صالح، وهو نائم أمام جماهيره فظن سعيد صالح أنه ينتقم منه و كان ظنًا في غير محله، كما أثبتت التحقيقات فبالفعل تلفظ سعيد صالح، مع سعيد طرابيك، بألفاظ مخالفة للذوق العام حيث قاما الاثنين بخلع البنطلون علي المسرح مما آثار إشمئزاز الجميع وبالقدر كان من ضمن الحضور قاضي التحقيقات كمتفرج عادي مع أسرته.

ذهب عادل إمام، للقاضي في منزله ومعه ثلاث محامين إلا أن القاضي أوقفهم علي باب منزله، وطردهم شر طردة، حتى كاد أن يستعين بالشرطة بحجة إقتحامهم المنزل لتصبح القضية، قضية رأي عام ويتنحى القاضي ويأتي قاضي آخر ليحكم عليه بالبراءة و تغريمه 200 جنيهًا.

كانت المرة الثانية، بسبب مونولوج له بإحدى المسرحيات، قال فيه «أمي إتجوزت ثلاثة، واحد وكلنا المش والتاني علمنا الغش والتالت لا بيهش ولا بينش» وقامت ثورة كبيرة ضده يرأسها وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، الذي سحب ترخيص المسرحية بل وتم القبض عليه بتهمة إهانة مصر ورؤساء مصر وبالفعل وضع في الحبس الاحتياطي لمدة 45 يوم، ولولا تدخل الدكتور أسامة الباز الذي تربطه علاقة صداقة به وبعادل إمام، ولولا أن سعيد صالح تعهد له بالإعتذار وأنه لا يقصد إهانة مصر ورؤساء مصر لكان سعيد صالح في خبر كان.

صدر بعد ذلك عفو رئاسي من الرئيس محمد حسني مبارك، للفنان سعيد صالح، ليخرج من الحبس بعد قضائه 45 يومًا في الحبس الاحتياطي.

عاد سعيد صالح للفن مرة أخرة، إلا أنه لم يعد بشكل صحيح، فعاد مشوهًا مراقبًا من سلطات الدولة، ويحاسب على كل تصرف صغير أو كبير، ولم يستطع مزاولة المسرح و فن الخروج على النص الذي يجيده، حيث أصبح في مسرحه بشكل يومي أفراد من أمن الدولة، ليراقبوا ما يقول ويفعل، هكذا ماتت ثورة سعيد صالح المسرحية فحتى عشقي للمسرح لم يعد كما كان.

وكانت المرة الثالثة التي يحبس فيها الفنان سعيد صالح، عام 1991 حين تم القبض عليه بتهمة تعاطي المخدرات وتم سجنه لمدة عام، وهكذا أصبح سعيد صالح أشهر فنان سوابق في تاريخ الفن.

خرج سعيد صالح، من السجن لم يجد نفسه النجم الكبير اللامع ولكن وجد جيل آخر قد سيطر على السينما وهو جيل هنيدي وسعد والسقا، فإشترك معهم في أفلام مثل «جواز بقرار جمهوري، وبليه و دماغه العالية»

من المفارقات الغريبة في مشوار سعيد صالح، أنه برغم عمله الكثير في السينما والمسرح إلا أنه كان لا يحب التليفزيون فلذلك كان يعتذر عن القيام بالأعمال الدرامية التلفزيونية، على رأس هذه الاعمال دور «سليمان غانم» في المسلسل الشهير «ليالي الحلمية» الذي اعتذر عنه سعيد صالح، ليقوم به صلاح السعدني، ويكون من أشهر أدواره على الاطلاق.

لم تكن تلك المرة الأولى أو الأخيرة التي يعتذر فيها صالح، ليؤدي السعدني دوره، فقد اعتذر عن دور «حسن أرابيسك» في مسلسل «أرابيسك» ويقول صلاح السعدني «عمنا سعيد صالح خدمني وهو مش واخد باله أومال لو خد باله كان خلاني ابقي أهم من فاتن حمامة وشادية»

من أهم مسرحيات سعيد صالح، التي تُعد علامات في المسرح الكوميدي السياسي، «كعبلون، نحن نشكر الظروف، اخطف واجري، الشحاتين، حلو الكلام، وشرم برم».

وقدم للتليفزيون مسلسلات تقرب من عشرين مسلسلًا ولكن أشهرها دوره الصغير مع عادل إمام في مسلسل «أحلام الفتى الطائر» وأهم أدوراه على الشاشة الصغيرة دوره في مسلسل «السقوط في بئر سبع» عن الجاسوسية المصرية مع إسعاد يونس.

كانت نهاية مأساوية لفنان اضحك الملايين فقد عانى في أيامه الأخيرة من الجحود الفني حتى أصبح غريبًا في الوسط الفني ولم يعد هناك أحد يطلبه في أي عمل مما أثر على نفسيته بالسلب خاصة أنه مريض قلب وكان الزعيم عادل إمام أحب أن يخفف من آلامه فاشركه معه في آخر أفلامهما «زهايمر» وكان آخر أدواره على الإطلاق وكان هذا الدور بمثابة رسالة من سعيد صالح للزمن والدنيا ومن فيها.

رحل سعيد صالح، عن عالمنا في 1 أغسطس 2014، بعد معاناة من المرض والأصدقاء والدنيا، فلم يزوره أحد في مستشفى المعادي العسكري حتي صديق عمره عادل إمام، ولم يشهد جنازته أيضًا لتواجده في الساحل الشمالي حين تساءلت الصحافة «أين عادل إمام» أجاب أنه في الساحل الشمالي ولم يعرف بجنازته إلا قبلها بساعة مما تعسر عليه الأمر حيث دفن بالمنوفية مسقط رأسه واكتفى بالاتصال بزوجته وإبنته الوحيدة هند.

لم يحضر في جنازته سوى سامح الصريطي وعهدي صادق ومنير مكرم نيابة عن وفد نقابة الممثلين كأداء واجب ليس إلا، رحم الله من أضحك الملايين و تخلي عنه الأصدقاء في المرض والموت.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل