المحتوى الرئيسى

«ماء النار».. قاتل بلا عقاب

06/23 01:45

«اللى تعرف ديته اقتله».. مثل نعرفه جميعاً، لكنه أصبح شعاراً للبلطجة والفوضى عندما تتسلل الأفكار الشيطانية إلى البعض للانتقام، بأقل من عشرة جنيهات يستطيع من يملكها أن يشوه وجه وجسد الشخص الذى يريد الانتقام، بفعل «ماء النار»، أو كما تعرف علمياً بحمض الكبريتيك المركز، وبينما يظل وجه المجنى عليه مشوهاً، يقضى الجانى عقوبة لا تتجاوز 10 سنوات يخرج بعدها من السجن أشد إجراماً وأكثر خطورة، وخشية الجميع الاقتراب منه حتى لا يكون ضحية.

كعادات المصريين فى وضع بصمامتهم على كافة المنتجات، لم يسلم «ماء النار» التى صنعت لإذابة المعادن المختلفة، من أعمال الفوضى والبلطجة وترويع المواطنين لسكبها على الضحايا خلال المعارك والمشاجرات بدافع الانتقام، بعد أن أصبحت سلاحاً سهل الحصول عليه من المحال التجارية التى لا يخلو منها شارع داخل الحوارى والأزقة.

وسرعات ما امتدت هذه الكارثة التى لا تكلف معتادى العمل الإجرامى سوى بضع جنيهات، حتى طالت واتسعت رقعتها فى المجتمع لتصبح وسيلة الانتقام بين الأزواج، ما يتطلب سرعة سن قوانين تحظر منع الحصول على تلك المواد دون تراخيص، ووضع عقوبة رادعة لاستخدام «ماء النار» فى غير أغراضه.

الجرائم التى بطلتها مياه النار لا تكاد تنقطع، فقبل أيام وتحديداً فى 30 مايو الماضى تعرضت طفلة بمحافظة الشرقية لحروق فى الوجه والجسد، نتيجة إلقاء موظف بالأوقاف «ماء نار» على جسدها النحيل، بسبب خلافات على الميراث مع والدها فى مركز أولاد صقر.

وفى ذات الشهر شهد شارع مصر والسودان، بمنطقة حدائق القبة، جريمة بشعة ظلت حديث سكانه لأيام، راح ضحيتها رجل أعمال شاب، شوهت زوجته وجهه بـ«ماء نار»، بعد خروجه من شركته.

وكشفت التحقيقات أن الزوجة استعانت بأحد الأشخاص الذى ارتبطت به عاطفياً، وطلبت منه تشويه وجه طليقها مقابل ١٠ آلاف جنيه، لرفضه تسليمها مؤخر صداق، وقائمة منقولات تقدر بـ ٣٥٠ ألف جنيه.

وبدوره استعان بموظف بشركة خاصة، لتنفيذ مخططه الإجرامى مقابل ٢٠٠ جنيه، وأحضر المتهم مياه النار «مركزة وخام» وجربها على الأرض، وطلب من المتهم الثانى معاينة مقر شركة المجنى عليه الكائنة بشارع مصر والسودان بحدائق القبة، تمهيداً لتنفيذ الجريمة.

وفقدت سيدة بصرها وانسلخ جلدها بعد أن نزعت ربة منزل الرأفة والرحمة من قلبها، وشوهت «ضرتها»

واشتد غيظ الزوجة الأولى عندما أنجبت ضرتها طفلاً لزوجها بعدما عجزت هى عن الإنجاب منه طيلة عدة سنوات، ما زاد من غيرتها وحقدها على ضرتها، وأصبحت تعاملها بمنتهى القسوة وتفتعل معها المشادات الكلامية وتقذفها بأشد أنواع الشتائم بقصد تطفيشها وابتعادها عن زوجها وبيتها.

وإثر مشادة بين راكب وسائق توك توك، بمركز بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، أصيب السيد عزت محمد سالم بتشوه فى الوجه لإلقاء «ن. غ. ى» مياه النار عليه، عندما طلب الأول من المتهم خفض صوت الكاست بالتوك توك الذى يقوده، برفقته زوجته ونشبت بينهما مشادة، فتوجه لمنزله ثم عاد وهو يحمل معه ماء النار، ألقى ماء النار على وجهه، ما أدى لتشوهه وفر المتهم هارباً.

قالت الدكتورة فوزية عبدالستار، أستاذ القانون بجامعة القاهرة: إن القانون لا يعلق على نوع المادة المستخدمة فى المشاجرات التى تحدث فى الشوارع وتسبب عاهة مستديمة، ويعلق الأثر على مدى الإصابة أو الجرح الذى تعرض له  الضحية.

وأكدت أن المشرع هو من يملك الحق فى وضع قانون يجرم تداول المواد الحارقة واستخدامها فى غير أغراضها التى صنعت من أجله.

ولفتت عبدالستار، أن المادتين 240، 241 من قانون العقوبات تنصان على أن كل من أحدث بغيره جرحاً أو ضربة نشأ عنه قطع أو انفصال عضو وفقد منفعته أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين أو نشأ عنه أى عاهة مستديمة يستحيل درؤها يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى 5 سنوات.

أما إذا كان الضرب أو الجرح صادراً عن سبق إصرار أو ترصد فيحكم بالسجن المشدد من ثلاث سنوات إلى 10 سنوات, ويضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة فى المادة 240 إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابى، وتكون العقوبة

ويشترط لتوقيع العقوبات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة أن يقع الفعل المشار إليه خلسة.

ونرى أن نص المادة 240 من قانون العقوبات لا يعالج وضع حالات معينة قد لا يترتب عليها وفاة المجنى عليه بل تحدث إصابات تجعله عاجزاً عجزاً كلياً عن مباشرة حياته وقد لا يستطيع أن يتناول الطعام أو يؤدى الصلاة.

وقد يترتب على الإصابات إصابة المجنى عليه فى أكثر من جزء من جسده أو فقد أكثر من عضو من أعضاء جسده، ولذلك نرى ضرورة تدخل المشرع لمعالجة مثل هذه الحالات التى تكون أقسى من الموت.

 وقال اللواء مجدى البسيونى، الخبير الأمنى ومدير أمن المنيا الأسبق: إن المواد الملتهبة من مياه النار، لا تقل خطورة عن الأسلحة النارية، فى الاستخدام الجنائى ضد المواطنين، مشيراً إلى أن تجريم حيازتها دون تراخيص يحد من التشوهات والعاهات المستديمة التى يحدثها الخارجون على القانون فى المشاجرات.

وشدد الخبير الأمنى على أهمية سن تشريعات تعمل على تقنين تداول المواد وكيفية الحصول عليها بالطرق الرسمية ومعرفة أغراضها فى الاستخدام قبل منحها للأشخاص، قائلاً: «المواد حارقة قد تؤدى إلى الوفاة، فضلاً عن التسبب فى عاهة وتشوهات، لذا لا يجب الحصول عليها إلا من خلال تصريح، وتوضيح عقوبة استخدامها دون الغرض التى بيعت له».

وأوضح البسيونى، أن المواد الكاوية تساوى المواد المتفجرة فى البلاد، مطالبًا بأهمية خضوعها للرقابة والتفتيش من قبل جهاز الحماية المدنية حتى ينخفض معدل الجريمة فى الشارع ومنع أى مواد تساهم فى انتشارها.

عصمت الميرغنى، رئيس اتحاد المحامين الأفروآسيوى لحقوق الإنسان، ترى أن المجتمع يحتاج إلى قانون لديه أظافر ومخالب تقضى على الجرائم التى يرتكبها الخارجون وتحمى المواطن المصرى، مضيفة: أن هناك كثيراً من الضحايا سقطوا نتيجة لغياب الرقابة على بعض المواد التى يتم تداولها بشكل قانونى، لكن يتم استخدامها فى أعمال البلطجة والانتقام التى انتشرت فى الفترة الأخيرة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل