المحتوى الرئيسى

الروائية رشا سمير فى حوارها مع الوفد: المشهد الأدبى فى مصر الآن هزلى ودور النشر تتحمل وزره

06/19 01:47

كثيرات هن الأمهات اللاتى يحلمن بأن يصبح أبناؤهن أطباء، لكن كثيراً  أيضاً من هؤلاء الأطباء بعدما يرتدون المعاطف البيضاء، ويضعون الأقنعة على وجوههم، ينظرون للمشارط فى أياديهم ويدركون لحظتها أن طاقتهم فى خوض التفاصيل أكبر من هذا الجسد المسجى أمامهم، وأنهم يسطيعون تشريح دواخل النفس ومتقاطعاتها، وتدوين كل ذلك فى أعمال إبداعية قادرة على إدهاش الحياة والبشر.

على خطى أطباء كثيرين سبقوها، حطت طبيبة الأسنان رشا سمير على أرض الرواية المصرية، منذ أن بدأت تدون على دفتر وصفاتها الطبية لمرضاها هوامش من أسماء وحكايات، تتلقفها من أفواههم الفاغرة فى انتظار سريان المخدر فى أعصابهم، تكتبها سريعاً ربما بخط ليس أفضل من الذى تصف لهم به العقاقير، ذلك الخط الذى لا يفهمه فى الأغلب سواها والصيدلى.

 الكاتبة رشا سمير منذ محاولتها الروائية الأولى فى «بنات فى حكايات» استطاعت أن تحرك ساكناً تفاجئ به الأوساط الأدبية، فكانت من الكاتبات اللاتى ساهمن فى إعادة صف الشباب للقراءة. ليتصور كثيرون بعدها أنها ستظل عالقة فى منطقة الكتابة للمراهقين والمراهقات، وليتكشف بعد ذلك أنها تمتلك من القدرة والشجاعة ما يؤهلها لتعبيد أراضِ جديدة، فجاءت روايتها «جوارى العشق» رواية جيلية امتزج فيها التاريخ بالاجتماع والسياسة، دارت أحداثها من خلال ثلاثة أجيال مختلفة، بعدها مزجت بين الحب والحلم والحقيقة فى رواية هى الأحدث لها بعنوان «سألقاك هناك» والتى يسكن أبطالها أرضاً بعيدة، وهى العمل الأدبى الثامن للكاتبة، بعدما سبق وصدرت لها  خمس مجموعات قصصية كانت «حواديت عرافة» و«معبد الحب» و«حب خلف المشربية» و«يعنى إيه راجل؟» و«دويتو».

- لا أستطيع أن أقول إنه عادة ما يتجه الأطباء للإبداع، ولكن أستطيع أن أقول إن الإبداع مثل النداهة يبحث عن مُريديه.. بالنسبة إلى طب الأسنان تحديداً هو الدراسة العلمية الوحيدة التى لا ينجح فيها سوى من لديهم القدرة على الإبداع الفنى، لأن تعريفه هو فن وعلم دراسة الأسنان.. فالتجميل لا يقل روعة عن الإبداع اللغوى، وعلاقتى بمرضاى التى تمتد لفترات طويلة تسمح لى بمساحة للتواصل والغوص فى أعماق النفوس البشرية.. أتعرض لوجوه كثيرة وحكايات أكثر من خلال تكرار زيارات المرضى للعيادة مما يعطينى نسيجاً عريضاً لشخصيات ومواقف أستدعيها وقت الكتابة.

- على العكس تماما.. هذا التحول كان مقصودا، و«بنات فى حكايات» هى أول رواية لى بعد أربع مجموعات من القصص القصيرة، هذه الرواية كانت تحدياً لإطار حبسنى فيه البعض، متصورين أن موهبتى توقفت عند القصة القصيرة، ولأننى أعشق التحديات ولا أخشى الدخول فى أى مغامرة جديدة، قررت أن أنتقل لكتابة الرواية وأتحدى نفسى.

- كان يمكن أن يحدث ذلك، إلا أننى رأيت أن الاختلاف والتنوع هما العامل الأساسى لاستمرار نجاح أى روائى، فقررت أن آخذ القارئ لمنطقة أخرى لم يتوقعها منى، وهى منطقة التاريخ البعيد وربطه بالحاضر فكانت رواية «جوارى العشق».

- لا أنكر أننى أنتصر لقضايا المرأة ولا أتنصل من كونى أكتب بقلم ومشاعر الأنثى حتى عن القضايا الذكورية.. فالمرأة بوجه عام فى العالمين العربى والغربى معا

والهادفة إلى الإفصاح عن هوية المتحرش دون خوف، إلا أنها فى رأيى لن تتخلص من مؤرقاتها أبدا لأنها ببساطة تملك أحلاما لا تنتهى.

- الحقيقة أنه كان تحدياً بالنسبة لى، وأنا تستهوينى التحديات، ولا أخشى من الوقوف فى دوائر الاختلاف والجدل. وإيران رغم اختلافنا سياسيا معها ورغم كل الظروف التى وضعتها فى إطار هذا الاختلاف، إلا أن الحضارة الفارسية ستظل حضارة عظيمة، كما أنها دولة حباها الله بطبيعة خلابة.. كل ذلك شجعنى لأن أتخذ منها أرضا خصبة لاصطياد تفاصيل رواية مختلفة وحالمة. 

وقد قرأت كثيرا فى الأدب الإيرانى روايات، كانت أغلبها بأصوات نسائية تعرضن للقهر بسبب ظروف الثورة الإيرانية والعصف الإنسانى الذى تعرضت له الدولة على يد النظام المتطرف.. فكان شغلى الشاغل وأنا أنقل تلك الصورة هو الإنسان.. بعيدا عن الهوية والديانة.. فالإنسان فى كل مكان وزمان هو ضحية لمواقف وتضحيات ومجموعة من المشاعر التى تتحكم فى تفاصيل حياته، وسواء كان رجلاً أو امرأة يقع تحت طائلة نفس الأحداث والتعقيدات والمواقف، والرواية كانت قصة رجل وامرأة يتعرضان لنفس الأزمات فى زمانين مختلفين..حيث تبحث «نيلوفر» عن رجل تستقوى به ليأتى «يحيى» ويقلب حياتها وموازينها.. فيلتقيا دون لقاء.. وتكون «نيلوفر» على يقين من أنها ستلقاه هناك!!

- لا أعتقد أن هذه نقطة ضعف بالرواية بل على العكس هى إضافة احتسبها الكثيرون فى مصلحة العمل، أنا لم أذهب فى حياتى إلى إيران وتخيلت الأماكن وملامح الشخصيات، من خلال دراسات متعمقة طويلة لجأت إليها من بين صفحات الكتب.. فرغت نفسى للقراءة والبحث عن إيران لأكثر من عام، ولجأت لبعض الأصدقاء الذين قضوا كثيراً من حياتهم هناك.. كنت حذرة جدا حتى لا أقع فى أخطاء تعيب الرواية، والغريب أن كثيرين ممن قرأوا الرواية  تصوروا أننى عشت فى إيران أو على الأقل زرتها مرات، وهو مالم يحدث إطلاقا، فقد استعنت بالمصطلحات الإيرانية لأُعطى صورة حقيقية للأجواء هناك، وحتى يشتم القارئ عبق ومذاق الأماكن والأحداث.. فاللجوء لتلك المصطلحات كان هاما وحتميا لإضافة روح وحبكة للكتابة.

- لا أراه بكل أسف فى أحسن حالاته.. على الرغم من عدد الأعمال الأدبية والروائية التى تصدر كل يوم، إلا أن الجيد منها قليل والأسماء الحقيقية الموجودة على الساحة والتى تستحق القراءة ليست بكثيرة. أصف المشهد بالهزلى إلى حد كبير وهذا لا يقلل من قيمة وتواجد الأقلام الموهوبة، ولا يمنع أن مصر رحم قادر على إنجاب المبدعين دائما، ولكن دور النشر تتحمل وزر المشهد بشكل

- مما لاشك فيه أن الجوائز المحترمة موجودة وهناك من يستحقون الفوز بها حقا، لكن هذا لا ينفى تُهمة علقت بالكثير من الجوائز وهى تهمة «المحسوبية» و«التسييس».. وهو ما لا يجوز أن يكون أبدا لأن الجوائز الأدبية يجب أن يكون معيارها الوحيد هو الإبداع، لا أتهم هنا الجوائز الخاصة مثل التى يقدمها بعض رجال الأعمال أو المؤسسات الفردية، فالجائزة المرتبطة باسم شخص يمولها، حتى لو خضعت لبعض المجاملات لاغضاضة فيها، لأن مانح الجائزة شخص يدفع من جيبه الخاص وله هوى فيما يختار. أما الجوائز الرسمية  فيجب أن يكون الحائزون عليها يستحقونها، فمصر هى قلب الحضارة ومصنع المبدعين ويجب أن نضع هذا فى الاعتبار وقت الاختيار.. والمجاملة لا يجب أن تكون على حساب الدولة وقامتها. أما عن الجوائز فى العالم العربى مثل البوكر فأنا أرى أنها تختار الأعمال من مُنطلق الذوق الشخصى لأنها جائزة قُراء وليست نقاد، وهو ما يجعل اختيار الأعمال خاضعا لمذاق القارئ والذى تكون بلاشك معاييره مختلفة.

- أقرأ للأدباء العرب والأجانب أيضا، برغبة فى اكتشاف أماكن جديدة وثقافات مختلفة، وأستمتع بالقراءة للكثير من الأقلام المصرية الموهوبة بحق مثل محمد المنسى قنديل وعز الدين شكرى فشير على سبيل المثال وليس الحصر. كما انتهيت مؤخرا من قراءة رواية «نساء من الصين» وهى تجربة نقلتها صحفية صينية عن قهر المرأة ومعاناتها فى الصين، كما كنت أقرأ أيضا مذكرات الصحفية الكبيرة «روزاليوسف» وهى بحق مذكرات تستحق الاقتناء.. ومنذ قليل كنت قد انتهيت بشغف من رواية «بنات حواء الثلاث» بقلم الروائية التركية إليف شافاق.

- أشعر معه أننى أحمل رسالة كبيرة على عاتقى.. فالصالون رسالة ثقافية هامة وجزء من بناء المجتمع المصرى، فالثقافة والندوات هى القوى الناعمة لأى دولة تحاول النهوض، وإسهامى بشكل أو بآخر فى هذه الرسالة شرف كبير لى، وهو تجربة مختلفة قررت أن أخوضها على الرغم من عدم وجود وقت كافٍ يسمح لى بممارسة المزيد من الأعمال، كان قد اتصل بى أبناء الروائى الكبير إحسان عبدالقدوس عقب عدة مقالات كتبتها عنه وطلبوا منى تولى إدارة الصالون، فكان التحدى كبيرا، فإحسان ليس مجرد كاتب مصرى كبير ولكنه بالنسبة لى كان مصدر إلهام وقدوة اقتديت بها كثيراً، وطالما حلُمت أن أرتقى أولى درجات السُلم الأدبى الذى وصل هو إلى قمته، وبكل صدق أشعر بالامتنان لأن اقتران اسمى باسم أديبنا العظيم هو فخر لأى كاتب عربى. والحمد لله فى خلال موسم واحد تغير شكل الصالون ونجحت فى إدارته وأصبح له رواد حريصون على متابعته، واستطعت أن أجذب ضيوفاً وأسماء كبيرة للصالون مثل د. مصطفى الفقى ود. مشيرة خطاب، الكاتب الصحفى عادل حمودة والسياسى د. حسام بدراوى والشاعر د. مدحت العدل وأخيرا الفنان حسين فهمى.. وهكذا انتهى الموسم وسط إشادة كبيرة من الحاضرين وأبناء الكاتب.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل