المحتوى الرئيسى

ملف اللجوء.. تآكل زعامة ميركل في ألمانيا وأوروبا؟

06/18 18:08

"إنه اليوم الذي يتقرر فيه مصير أنغيلا ميركل والحكومة"، هكذا عنونت صحيفة "بيلد"، الأكثر مبيعاً في ألمانيا وفي أوروبا، اليوم الاثنين (18 حزيران/يونيو 2018). مناسبة العنوان كان اجتماع مجلس قيادة الحزب المسيحي الاجتماعي (البافاري) الذي عُقد صباح اليوم.

الدخان الأبيض صعد بعد الظهر؛ إذ منح مجلس قيادة الحزب بالإجماع المستشارة مهلة أخيرة من أسبوعين حتى قمة الاتحاد الأوروبي المقررة في نهاية حزيران/يونيو الجاري من أجل للتوصل إلى حل أوروبي بشأن سياسة اللجوء. وفي حال عدم الوصول للاتفاق سيتم البدء بإرجاع طالبي اللجوء.

ميركل، من جانبها، لم تتأخر في الرد؛ فقد رفضت اعتماد تلك الآلية التلقائية وتحدت قائلة إنه لن يكون هناك "إغلاق تلقائي" للحدود أمام طالبي اللجوء حتى في حال الفشل على المستوى الأوروبي. بيد أنها قالت إنها لا تزال ترى أن هناك قاعدة مشتركة للتعاون مع زيهوفر وحزبه رغم خلافهما بشأن اللاجئين.

اقرأ أيضاً: خلاف زيهوفر- ميركل.. أزمة أبعادها اتفاقية دبلن وحقوق الإنسان

وقالت ميركل عقب مشاورات مع عدد من هيئات حزبها المسيحي الديمقراطي اليوم في برلين إنه لابد أن تكون المستشارة ووزير داخليتها قادرين على الحوار رغم الخلاف بينهما. ورغم أن ميركل أقرت بصعوبة هذه المهمة إلا أنها أكدت في الوقت ذاته وجود هذا النقاش والتعاون.

تواجه المستشارة تحدياً معقداً لأن ما يطالب به شريكها في التحالف المسيحي هو تحديداً ما ترفضه إيطاليا، دولة الوصول التي تطالب بتوزيع طالبي اللجوء على أوروبا. وتستقبل ميركل مساء لاثنين نظيرها الإيطالي جيوسيبي كونتي الذي باتت بلاده ترفض السماح لسفن المنظمات غير الحكومية التي تقوم بإغاثة مهاجرين في البحر المتوسط، بدخول مرافئها. وأبدت روما حزمها بقطع الطريق أمام سفينة "أكواريوس" والمهاجرين الـ630 الذين كانت تنقلهم بعدما أغاثتهم قبالة السواحل الليبية، ما أثار توترات داخل أوروبا إلى أن استقبلتهم إسبانيا.

واقعة السفينة "أكواريوس" أظهرت عزم الحكومة الجديدة في إيطاليا على اتباع سياسة مختلفة عن سابقاتها

ومن المتوقع أن تكون المحادثات مع كونتي صعبة، لأنه ليس الرجل القوي في الحكومة الإيطالية، بل وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني. ويعتبر سالفيني، رئيس حزب الرابطة اليميني المتطرف والمعادي للأجانب، من المتشددين في سياسة الهجرة. واتضح ذلك من واقعة سفينة "أكواريوس".

ويوم غد الثلاثاء تستقبل المستشارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. كما أن القادة الأوروبيين الرئيسيين قد يعقدون اجتماعاً خاصاً بهذا الموضوع قبل قمة الاتحاد الأوروبي في 28 و29 حزيران/يونيو.

ترامب: الألمان انقلبوا على قادتهم

حذر زيهوفر في مقالة نشرت في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" بأنه "من الجوهري أن تتخذ قمة الاتحاد الأوروبي قرارات أخيراً" معتبراً أن تماسك أوروبا وألمانيا على المحك، مضيفاً أن "الموقف خطير لكن يمكننا تجاوزه". وفي نغمة تصالحية بعض الشيء أكد زيهزفر أن نيته ليست "إسقاط المستشارة".

أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماينز الألمانية الدكتور علاء الحمارنة يرى في تصريح خاص بـ DW عربية أن "قدرة ميركل على التحرك والمناورة وفرض السياسيات ضعفت، وبشكل حقيقي"، مردفاً أن مستقبلها السياسي أصبح "مشككاً فيه" بأقل تقدير.

الموقف الأكثر لفتاً للأنظار اليوم جاء من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إذ غرد اليوم معتبراً أن الشعب الألماني "ينقلب على قادته" في الوقت الذي تهز به الهجرة الائتلاف الحاكم الضعيف أصلاً، في إشارة غير مباشرة إلى ميركل. وأضاف ترامب: "خطأ كبير في كل أنحاء أوروبا السماح بدخول ملايين الأشخاص الذين غيروا لهذا الحد وبعنف ثقافتهم".

قلب الألمان لم يعد يخفق لميركل كما في الماضي

وما يزيد الضغط على ميركل تدني شعبيتها في ألمانيا بموازاة تقدم اليمين الشعبوي في استطلاعات الرأي. فقد كشف آخر استطلاع ألماني أجراه معهد "إمنيد" لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من صحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر أمس الأحد حديث عن تراجع تأييد المستطلعة آراؤهم من المواطنين الألمان للائتلاف الحاكم بنسبة نقطتين مئويتين تقريباً، مقارنة بما كان عليه خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي تم إجراؤها في شهر أيلول/سبتمبر الماضي.

ورأى 57 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع أن سياسة ميركل في ملف الهجرة "خاطئة". وانخفضت نسبة من يرون في ميركل شخصية "مناسبة" لتكون مستشارة إلى 52 بالمئة، مقارنة بـ 69 بالمئة في كانون الثاني/يناير 2016.

ويوم أمس الأحد قارنت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية الأسبوعية بين المشكلات السياسية التي تواجهها المستشارة ميركل والمشكلات التي تواجهها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.

وجاء في الصحيفة: "كلتاهما تكافحان لأجل بقائهما وإنفاذ قيادتيهما". وأضافت الصحيفة: "كلتاهما ملاحقتان بأخطاء الماضي. ميركل كان لديها تأثير كبير على قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي أكثر من أي طرف آخر. فسياسة الأبواب المفتوحة في الفترة التي سبقت إجراء الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي التي أثارت ردود الفعل المضادة في أوروبا التي ازدادت سوءاً يوماً بعد يوم، وفي الوقت ذاته وفرت خلفية لقرار بريطانيا بشأن علاقتها مع قارة تم اجتياحها من جانب مهاجرين لدوافع اقتصادية وكذلك لاجئين حقيقيين بشكل لا يتم السيطرة عليه".

ميركل وزيهوفر، صورة من الأرشيف.

يرى الحمارنة أنه لن يحدث اتفاق على المستوى الأوروبي ويضيف: "يبقى أمام ميركل في الأشهر المقبلة وبعد الانتخابات في بافاريا أحد حلين؛ إما تشكيل سياساتها أوروبياً بمفهوم جديد ومن ثم تلزم الألمان بتبنيها على مبدأ أنها قرار أوروبي مشترك أو أن تنتهي سياسياً ربما في منتصف العام المقبل".

وبدوره رأى الصحفي شتيفان براون في مقال رأي نُشر الجمعة الماضية في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أن ملف اللجوء "يقوض" سلطة المستشارة وأن المخرج الوحيد هو أن تقدم ميركل بطلب "اقتراع على الثقة" في البرلمان الألماني (بوندستاغ). وبالمثل دعا أحد رئيسي كتلة حزب اليسار في البرلمان، ديتمر بارتش، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" قبل أيام ميركل إلى التقدم بطلب الاقتراع على الثقة.

كما طالبت الصحفية أنتيا سيرليشتوف في مقال لها اليوم في "تاغسشبيغل" ميركل بالتقدم بطلب الاقتراع على الثقة: "ميركل نفسها أصبحت موضوع تساؤل". ورأت الصحفية الألمانية أن الأوان قد "فات" على إيجاد تسوية وأنه يجب على ميركل أن تظهر للجميع أنها تملك أغلبية في البرلمان وأنها هي "من تحكم في ألمانيا".

الصدام بين الحليفين حصل لأول مرة خلال مؤتمر الحزب المسيحي الاجتماعي في نوفمبر 2015، فبعدما شددت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمام المندوبين على رفضها وضع حداً أقصى لعدد اللاجئين، دخل زيهوفر المنصة التي طالب فوقها بتقنين عدد اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا. وكانت المستشارة ميركل مجبرة على الوقوف بجانبه طوال 13 دقيقة كتلميذة مدرسة.

هناك فترات ساد بها الإنسجام بالفعل، في ديسمبر 2013 ـ قبل أزمة اللجوء ـ كانت الأمور على ما يُرام. رؤساء الأحزاب زيغمار غابرييل (الحزب الاشتراكي الديمقراطي ) وأنغيلا ميركل ( الحزب المسيحي الديمقراطي) وهورست زيهوفر ( الحزب المسيحي الاجتماعي) يمسكون باتفاقية التحالف الموقعة لتشكيل ائتلاف حكومي كبير. وللمرة الثالثة يحكم ألمانيا تحالف مشكل من الأحزاب الثلاثة.

في نهاية أغسطس 2015، أثناء المؤتمر الصحفي الاتحادي تشرح ميركل جملتها التي طبعت فترة حكمها أكثر من أي تصريح آخر: "سننجح في ذلك". وقالت أمام الصحفيين بأن هذه الجملة كانت تحمل نبرة تشجيع واعتراف. وأن يستوعب زيهوفر ذلك بشكل مختلف، فهذا لا يُعتبر سرا. وسيعرض هذا الأخير قريبا مخططاته.

خلال اجتماع الحزب المسيحي الاجتماعي في يناير 2016 طالب زيهوفر لأول مرة بتحديد عدد المهاجرين. وبوسع ألمانيا استقبال 200.000 لاجئ كأعلى سقف سنويا. وهذه المبادرة من قبل رئيس وزراء بافاريا السابق فاجأت ميركل. وبعدها بقليل هددت الحكومة البافارية برفع دعوى أمام محكمة الدستور الاتحادية ضد سياسة اللجوء التي تنهجها ميركل.

بمشاعر التشكيك يراقب ميركل وزيهوفر بعضهما البعض. ورغم جميع الخلافات هما يدركان تبعية بعضهما لبعض ويتقاربان مجددا بصعوبة. وفي مايو 2017 يقومان معا بحملة انتخابية داخل خيمة بيرة بافارية. إلا أن ميركل تبدو غير مقتنعة بالمبادرة.

من خيمة البيرة إلى قاعة المؤتمرات. في ديسمبر 2017 تظهر خلال مؤتمر الحزب المسيحي الاجتماعي صورة مختلفة عن الخلاف في 2015. زيهوفر وميركل والخصام بسبب اللاجئين يبدو وكأنه انتهى. لكن وراء الواجهة يستمر الغليان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل