المحتوى الرئيسى

واعظات الأوقاف في رمضان.. سيدات تطوف المساجد لنشر الوعي

06/14 21:07

قبل 15 عامًا، بدأت وفاء عبد السلام رحلتها مع الوعظ. داخل مسجد السيدة نفيسة كانت تنتظر حضور النساء المترددات على المكان، إلى أن قدمت إحداهن تمد لها يدها بخمسة جنيهات، وفي الأخرى تقبض على يد صغيرها بينما تقول "ارقي لي ابني الله يكرمك". صُدمت الواعظة، فيما رق قلبها لنظرة السيدة لها وما كان منها إلا أن أطبقت الخمسة جنيهات مرة أخرى في يد السيدة قائلة "أحن ايد وقلب ولسان ربنا هيستجيب منه هو أنت"، ألحت الأم أنها لا تعرف "الرقية"، فأخذت الواعظة تعلمها "تعرفي تقولي يارب خليهولي..وحياة حبيبك سيدنا النبي احفظه وتحطي إيدك عليه"، فانشرح صدر السيدة وغادرت في سلام.

منذ عام استعانت وزارة الأوقاف بأكثر من 2000 واعظة في المساجد المختلفة، لتثقيف النساء دينيا، لا سيما في شهر رمضان المُعظم. مصراوي التقى وفاء عبد السلام وميرفت عزت، اللتان كانتا ضمن الدفعة الأولى، لواعظات وزارة الأوقاف. لمعرفة كيف تعاملتا مع الأسئلة الموجهة إليهما، وما الصعوبات اللاتي واجهتهما.

لم يكن وجود واعظة النساء في المساجد، شيء متعارف عليه كحال الشيوخ والأئمة "لما كنا ندخل المسجد محدش كان بيحس بينا دلوقت بقى في اهتمام، يتم الإعلان عن الدروس ويتهيأ لنا المكان". تقارن وفاء بين الحالين بعد دخولها بشكل رسمي ضمن الواعظات الأوائل اللاتي اعتمدتهن وزرارة الأوقاف.

تخرجت وفاء من معهد إعداد الدعاة، تواجدت في ساحة الدعوة قبل عام 2006 "يعني كنت تبع الأوقاف ومعايا تصريح لكن في 2013 سحبوا تصاريح كل الواعظات"، تقول السيدة الخمسينية إن التفات الأوقاف والأزهر لتغلغل أصحاب المغالاة في الدعوة، دفع إلى إعادة تشكيل قطاع الواعظات "أدوا تصاريح مؤقتة لعدد قليل جدا بعد اختبارات وقالوا هيعملوا امتحانات للفلترة".

تم اختيار وفاء ضمن أصحاب التصاريح المؤقتة، ثم بين مَن خلصت "الأوقاف" إلى اعتمادهم في المساجد. "أنا مغيرتش المساجد اللي بدي فيها دروس لكن الآلية والكيفية هي اللي اختلفت" تقول وفاء، فيما توضح أن الدورات التدريبية والتأهيلية أصبحت نظام أساسي تحظى به الواعظات، بعدما كانت كل منهن تعمل وحدها.

قطعت وفاء عهدًا على نفسها، طيلة مشوارها مع الدعوة بألا تترك نفسها لمجال الإفتاء، واتخذت طريق السيرة النبوية، تشرحها وتبسطها للنساء بما يجعلهن يعايشونها في حياتهم، حتى أنها ما اكتفت بمكانها في مسجد السيدة نفيسة، والرحمن الرحيم والفاروق بمنطقة مدينة نصر، وأخذت تجوب قرى الصعيد ووجه بحري، تلتقي بالنساء، تستمع إليهن، وتحدثهم في أمور دينهن، لذلك سعدت حينما التقت بوزير الأوقاف، الذي أخبر الواعظات "هتشتغلوا على الأخلاق، وهنمدكم بدورات فقة لتؤهلكم للفتوى بعد كده"، في نفس الرحلة كانت ميرفت عزت تتخذ مكانها بين الواعظات اللواتي انتشرن في المساجد المختلفة.

قبل عام 2005 كانت حياة ميرفت مغايرة. بين دراسة الهندسة والعمل بأحد الشركات استقرت حياة السيدة، حتى قررت تعلم القرآن الكريم "كنت عايزة أقدر أقرأه كويس"، وخلال أعوام قليلة اعتكفت على ما تفعل، باتت تعلم السيدات في المساجد، ومنذ عامين دخلت اختبارات وزارة الأوقاف، لتصبح ضمن أول دفعة من الواعظات لعام 2017.

الانضمام لوزارة الأوقاف لم يكن سهلا "خضنا اختبارات في الفقة والعقيدة والقرآن وغيرها"، لم تتغير طريقة تدريس ميرفت عن السنوات الماضية، غير أن وجودها أصبح ثابتا بشكل أكبر "الناس بتسألني أحيانا انتي كنتي فين؟"، فما يكون منها إلا قول "إني موجودة دايما بس محدش كان يعرف إن فيه واعظات في المساجد"، بالإضافة لانطلاقهن في أرجاء المحافظات المختلفة بالتعاون مع المجلس القومي للأمومة والطفولة.

في المقابل وجدت وفاء دعمًا رسميًا غير مسبوق "اتعمل بروتوكلات مع جهات كتير منها المجلس القومي للمرأة وروحنا قرى ضمن مبادرة طرق الأبواب واتقابلنا مع مكرسات في الكنائس، حكينا معاهم وعرفنا إيه النقاط والمشاكل المشتركة"، لم تعد وفاء تسير منفردة في طريق الدعوة كما تقول.

قبل اختبارات وزارة الأوقاف ظلت ميرفت تعمل بين مسجدي الصديق بمدينة نصر، وحسن الشربتلي بالتجمع الخامس، لعشر سنوات ركّزت على الأخلاقيات "السلوك مدخل الدين.. إيه فايدة العبادة واحنا تعاملنا وحش؟".

بين مسجد وآخر، محافظة والثانية تقابل الداعية مشاكل متعددة "الأسئلة بتختلف من مكان والتاني"، بين تساؤلات عن الصيام، الصلاة، كيفية قراءة القرآن والمشاكل الزوجية وغيرها "الموضوع صعب، بس لما بنّور شوية للناس دة بيهون أي تعب".

التجربة غيّرت الكثير في ميرفت "التعامل مع الناس بيستلزم إننا نبقى هاديين ونصبر"، ساعد الواعظة حبها للتعامل مع الآخرين بشكل عام، لكن الصبغة الدينية التي أخذها ذلك بعدما أصبحت واعظة، ألقى عليها حملا كبيرا.

كذلك عمل وفاء بين مناطق شعبية وأخرى روادها من المصنفين بالاقتدار المالي والثقافي، جعلها تطلع على احتياجات النساء المتباينة، وتتكيف للتعامل معها.

لا تنسى وفاء جلسة حديثها عن الطهارة واعتبارها شطر للإيمان، فإذا بسيدة تسألها "أنا مطاهرتش بنتي كده أنا عليا وزر ومحققتش الايمان"، ورغم صدمتها لكن منذ ذلك الحين، تغير فكرها "بدأت أنزل وأطلع بطريقة التوضيح والشرح"، علمت أن مَن مثل تلك السيدة، تغمرهم فطرة سليمة، لكنهم بحاجة للتوعية، ليس بأمور فقهية فقط، إنما كيفية التعامل مع حياتهن وأزماتها التي تدور حول الفقر والإنجاب حسب قولها.

أما من رواد مساجد مدينة نصر، فأغلب ما تتعرض له الواعظة، مشاكل تتعلق بالأبناء والأزواج، تذكر حديث البعض عن علمهن بخيانة أزوجهن وسكوتهن بمبدأ عدم الزواج بأخرى. ولا تخلو الجلسات من المفاجئات والصدمات، حال تلك السيدة، التي جاءت تشتكي لها بخل زوجها، وإذا بها تتحدث عن توفيره لخادمة وسيارة واحدة، وتغييره لمكان سفرهم السنوي، وعدم رضاها عن آلاف الجنيهات شهريًا.

تشبه وفاء حالها في الدعوة مع الفئات البسيطة والأخرى المقتدرة "كأني في الأولى بكتب على صفحة بيضاء أما التانية بكتب على صفحة مكتوب عليها فمحتاجة أمسح عشان أعرف اكتب". تجد وفاء المشقة الأكبر مع الفئات المتعلمة أو صاحبة أفكار دنيوية مسبقة، لكن عزائها يأتي بتغيير يصيب إحداهن، كما حدث العام الماضي.

تحكي الواعظة، أن الليلة الأخيرة في شهر رمضان، جلست بصحبة مجموعة سيدات لازموها طوال 30 يومًا، يستمعون لدروسها، وفي تلك الليلة، قررت وفاء إعطائهن الكلمة "قلت لهم كل واحدة تحكي عن اللي اتعلمته واتغير فيها"، فإذا بسيدة تخبرها أنها كادت تقاطع دروسها مع اليوم الثالث ظنًا منها أنها تبخس حق النساء بحديثها عن أن سيرة النبي تتحدث عن حسن معاملة الزوجة لزوجها حتى مع ظلمه لها، إلى أن عادت لبيتها في هذا اليوم وقررت تجربة ما تقصده الواعظة.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل