المحتوى الرئيسى

عن محمود الخرّاط: المولوي الدمشقي الذي أصبح ممثلاً

06/14 07:01

بدأ محمود الخرّاط (29 عاماً) تَعَلّمَ أصول "رقصة الدراويش"، على يد تلاميذ شيوخ المتصوفة "المولوية"، بعمر الـ4 سنوات، ليصبح أحد ألمع مؤديها في دمشق اليوم.

يتذكّر محمود في حديثه لـ"رصيف22" أجواء "جامع المولولية" بـ "شارع النصر" حيث تتلمذ على يد عمّ والده الذي يحمل اسمه: "كانّ عمي يتواجد في الجامع إلى جانب شيوخ الحضرة، وكنّا نتردد أنا وإخوتي على مجالس المولوية بتشجيعٍ من والدي المنشد (زهير الخرّاط)، تلك المجالس كانت تنعقد أسبوعياً يومي الاثنين والخميس، وتضم أكثر من خمسين مولوياً.. هناك تعلمنّا أصول (الفتلة) أي الدوران، وسط أجواءٍ روحية صافية، تسمو فوق الماديّات، وشعورنا فيها لا يمكننا وصفه."

هذه الرقصة اكتسبت مع الزمن قيمة تراثية، وتحولت مطلع تسعينيات القرن الماضي على يد المنشد السوري الراحل حمزة شكور إلى رقصة فولوكورية تؤدى على المسارح المحليّة، والعالمية كفنٍّ روحي.

وفي عمرٍ الـ 16 عاماً كان محمود الخرّاط بين أوائل "المولوية" الدمشقيين الذين أدّوا "رقصة الدراويش" على مسارح عربية وعالمية، في جولة استمرت شهراً كاملاً، شملت: المغرب، إسبانيا، فرنسا، وإيطاليا، لتليها العديد من الجولات بين شرق العالم وغربه.

شارك غردفي مجالس المولوية، تعلم محمود الخراط وأخوته أصول (الفتلة) أي الدوران، وسط أجواءٍ روحية صافية، تسمو فوق الماديّات مع أكثر من خمسين مولوياً

شارك غرداكتسبت رقصة المولوية مع الزمن قيمة تراثية، وتحولت إلى رقصة فولوكورية تؤدى على المسارح المحليّة، والعالمية كفنٍّ روحي

يبدي محمود حماسة كبيرة عند الحديث عن تلك الجولات، وتلمع عيناه لتداعي الذكريات الجميلة التي غيّرت حياته منذ الجولة الأولى التي وصفها بـ "المفصلية في حياته"، يتذكّر اهتمام الجمهور ودهشتهم أمام "رقصة الدراويش" وحرصهم على فهم دلالاتها، وتأثيراتها الروحيّة، في حين أنّ أكثر ما يشغل بال الجمهور المحلي؛ "كيف لا يشعر راقص المولوية بالدوخة؟"

سألناه السؤال ذاته، فضحك مجيباً: "يحدث أن يفقد المولوي توازنه ويقع، لكن السر في كثرة التمرين على أصول أداء (الفتلة) من عمرٍ مبكّر، وهناك من لا يستطيع تعلمّها كما هو الحال مع أبي."

"رقصة الدراويش المولوية"؛ تتقاطع مع التاريخ العائلي للمولوي محمود الخراط، فالقصة بدأت بحسب روايته لرصيف 22 من جدّه مصطفى الخرّاط الذي كان مؤذناً ومنشداً في الجامع الأموي، وشيخ حضرة، ومنّه أتقن والده فنون الإنشاد، بينما تعلم هو "رقص المولوية" علي يد عم أبيه، والإنشاد وضبط إيقاع الدفوف من والده.

هكذا تشكّلت فرقة "الخرّاط المولوية" قبل 25 عاماً تقريباً، بدءاً من (العم محمود)، ومحمود وأخويه، ليصبح عدد أفراد الفرقة 13 مولوياً من أعمارٍ مختلفة، بقي منهم 10 في دمشق رغم ظروف الحرب، حيث لازالت فرقتهم من الفرق المشهورة التي تتصدر العروض في المناسبات الدينية والاجتماعية.

فعروض "المولوية" وجدت طريقها إلى الأفراح، والفضاءات العامّة، وكطقسٍ رمضاني تشكّل مشاهدته عنصراُ جاذباً لجمهور المقاهي في دمشق، كما تم تطويرها كعرض فنيّ عبر تقديم رقصة "التنورة" المصرية، بألوانها الزاهية، وحركاتها الأكثر استعراضية، وهذا ما فسّره محمود الخراط ذلك لرصيف 22 بالقول: "أردنا في البداية الحفاظ على قيمة (فتلة الدراويش) الروحية، وتحييدها عن صخب أجواء حفلات الزفاف، فأدخلنا عروض رقص (التنورة)، ورغم ما لقيته من رواجٍ كبير، إلا أنّ (رقصة الدروايش) بشكلها التقليدي لازالت الأكثر طلباً".

عند نقطة التقاء الدرب المؤدي من "مقهى النوفرة" قبالة الباب الشرقي للجامع الأموي، ودرب "حمّام السلسة" بموازاة باب الجامع الشمالي؛ يتخذ محمود الخراط من حانوتٍ صغير لبيع العطور مقرّاً لأعماله، فهو ليس عطّاراً ومنشداً ومولوياً فحسب بل ممثل أيضاً، وللتمثيل حكاية أخرى يرويها لرصيف22: "دخلت مجال التمثيل بدايةً كمولوي، حينما كنّا نطلب لأداء مشاهد المولوية في المسلسلات الشاميّة، وحينما وجد لدي مخرجون خبرة في التعاطي مع الكاميرا، أعطوني أدوراً صغيرة بالبداية، وحينما لمسوا لدي الحضور والموهبة، وأصبح حجم الأدوار يتزايد تدريجياً." 

بدأت القصّة من "رقصة المولوية" التي أدّاها بعمر الست سنوات في مسلسل "سفر" أول مسلسلات حاتم علي كمخرج، مروراُ بمشهد "تهليلة هاشم" الشهير بمسلسل "الخوالي" للمخرج بسّام الملا، وصولاً لأدوارٍ عديدة أداها محمود الخرّاط كممثل بمسلسلات بيئية ومعاصرة كـ: "حائرات"، "عناية مشددة"، "بانتظار الياسمين"، "طوق البنات"، "خاتون"، "وردة شامية"، "الغريب"، "مذكرات عشيقة سابقة"، و "فوضى".

الحلقة السادسة من مسلسل سفر:

وبين كونه عطّاراً، ممثلاُ، منشداً، ومولوياً؛ ينحاز الخراط للمولوية كـ"قيمة روحية، وفنيّة" يبدو سعيداً بالخير الذي جناه منها، وفخوراً بمهاراته الخاصّة فيها والتي مكنته من تجاوز اختباراتٍ صعبة على المستوى الفنيّ، ومنها ما حكاه لنا عن حادثةً "لا تنسى" حينما كان يؤدي "رقصة الدراويش" على أحد المسارح الكبرى في باريس:

"يجب أن تكون الأرض مستوية تحت قدمي المولوي، لذلك يصعب أداء المولوية على المسارح الأوربية الكلاسيكية بسبب ميلانها، لكنّ ما زاد من صعوبة الوضع أن أرضية المسرح المغطّاة كانت مكسورة في الموضع الذي اختارته الفرقة لي لأداء الرقصة، مما جعلني أتعثّر ولكنني قاومت السقوط ونهضت سريعاً، كان الأمر مخجلاً بالنسبة لي، لولا أن مقدّم الحفل شرح الموقف للجمهور بعد انتهاء الوصلة، مستعيناً بكرة صغيرة دحرجها على الخشبة باتجاه الجمهور، للدلالة على انحداره، مماد دفعهم للوقوف والتصفيق لي مطولاً."

ماذا يعني أن تكون مولولياً؟.. أجاب محمود الخراط على سؤالنا الأخير بعنين مغمضتين وكأنما أبحرت روحه إلى عالمٍ آخر: "أن تخلع سواد الدنيا، وتدور بلباس أبيضَ فضفاض كما الكفن، معتمراً الطربوش الترابي (لكلاه) الذي يرمز إلى أصلك الآدمي (حيث خلقت من التراب وإليه تعود)، تائهاً عن الدنياً، متسامياً فوق ذاتك، متماهياً مع حركة الأجرام السماوية حول الأرض، والحجّاج حول الكعبة، فيما تقوم حركة الأيدي مقام اللغة، في التبتّل إلى الله بصمت."

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل