المحتوى الرئيسى

كيف يمكن رصد الأنشطة السرية لقوارب الصيد "المخادعة"؟

06/12 23:14

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

لسنوات طويلة، كان من المستحيل رصد الأنشطة غير المشروعة التي تحدث في أعالي البحار والمحيطات، بدءاً من الصيد الجائر ووصولاً إلى انتهاكات حقوق الإنسان. لكن ذلك يتغير في الوقت الحالي، كما تقول جاكلين سافيز.

ربما يجدر بك في المرة المقبلة التي تُعِدُ فيها سمكةً للأكل، أو تطلب بعضاً من المأكولات البحرية في أحد المطاعم أن تفكر في الصورة الموجودة أعلاه.

إنها لقطةٌ تُظهر كل عمليات الصيد التي جرت في محيطات العالم وبحاره، على مدار فترةٍ استمرت ستة أشهر. إذا قمت بتكبيرها، سترى آلافاً من النقاط زرقاء اللون، التي تُظْهِر كل واحدة منها ما يحتمل أن يكون عملية صيدٍ في منطقة بعينها في وقت ما.

وتُظهر هذه الصورة إجمالي عمليات الصيد التجارية، التي قامت بها عشرات الآلاف من قوارب الصيد وسفنه في مختلف أنحاء العالم، على مدى قرابة 20 مليون ساعة.

فبينما أحيينا في العاشر من هذا الشهر مناسبة "اليوم العالمي للمحيطات"، يبدو خياراً حكيماً بالنسبة لنا، أن نفكر ملياً في حقيقة أن عمليات الصيد على نطاقٍ صناعيٍ، تحدث الآن في رقعةٍ تفوق 55 في المئة من مساحة محيطات العالم، وهو حيزٌ أكبر من إجمالي الأراضي المُستخدمة للزراعة على وجه الأرض، بواقع أربعة أضعاف.

ورغم أن الغالبية الساحقة من سفن الصيد تلتزم بالقواعد الموضوعة في هذا الشأن، فإن ذلك لا يمنع من أن الكثير منها لا تقوم بذلك. وبوسع هذه السفن غير الملتزمة، التسبب في إحداث الكثير من الضرر والأذى.

فقد تصطاد تلك السفن كمياتٍ أزيد من اللازم من الأسماك، وهو ما يُعرف باسم "الصيد الجائر"، ما يؤدي إلى تدهور حالة المصايد السمكية إلى حدٍ بعيد. بجانب ذلك، توجد مشكلة الصيد غير القانوني، الذي يمكن أن يحدث في المناطق المحمية، سواء كانت في أعالي البحار، أو في دولةٍ أخرى غير تلك التي تنتمي إليها مركب الصيد الضالعة في مثل هذه الأنشطة.

علاوة على هذا، هناك الكثير من الدول التي تفتقر ببساطة للقدرة على تطبيق القواعد المُنظمة لإدارة المصايد، وفرضها على السفن التي تعمل في مياهها. نتيجةً لذلك، أصبح الصيد غير المشروع صناعةً تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، بما يصل إلى 23 ملياراً سنوياً.

ووفقاً لنتائج دراسةٍ أجرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة على عدد من المصايد السمكية في العالم، تبين أن ثلثها تعرضت للصيد الجائر - سواءٌ كان يتم بشكلٍ قانوني أو غير قانوني - وأن أكثر من نصفها صار خاوياً على عروشه من الأصل. ويُشكِل ذلك تهديداً لملايين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم، سواءٌ على صعيد وظائفهم أو الأمن الغذائي الخاص بهم.

المشكلة هنا أن الكثير من هذه الأنشطة غير المشروعة يجري في الخفاء، بحكم حدوثه في عرض البحر، ما يجعل من الصعب التحقق من طبيعة الأنشطة التي يمكن أن تقوم بها سفن الصيد التي تعمل بشكلٍ فردي. ولذا فإننا بحاجة إلى التعرف على ما يجري بعيداً عن أنظارنا، حتى يتسنى لنا التعامل مع المشكلات التي تواجه محيطاتنا.

ومن حسن الطالع، أننا بدأنا الآن في التعرف على ما تقوم به سفن الصيد التجارية بعد مغادرتها الميناء ووصولها إلى عرض البحر. فالبيانات الواردة في الخريطة الموجودة أعلى هذا الموضوع، تساعد على إضفاء مزيدٍ من الشفافية على أنشطة الصيد في مياه البحار والمحيطات.

وفي سبتمبر/أيلول من عام 2016، أطلقت وزملائي في "أوشيانا"، وهي جماعة ضغطٍ تُعنى بحماية المحيطات، منصةً إليكترونية تحمل اسم "غلوبال فيشينغ ووتش" (مراقبة الصيد العالمي)، تتولى رسم صورةٍ لتفاصيل عمليات الصيد ومناطقه في العالم. ودُشِنتْ هذه المنصة، بالتعاون مع "غوغُل" ومنظمة "سكاي تروث" غير الهادفة للربح، التي تستخدم البيانات المتوافرة من خلال الأقمار الاصطناعية، للتشجيع على حماية البيئة.

وتسمح الخريطة التفاعلية التي وضعناها في إطار هذا المشروع، لأي شخصٍ لديه اتصالٌ بشبكة الإنترنت في العالم، بأن يرى أنشطة أساطيل الصيد التجارية في كل بقاع الأرض، في وقت حدوثها تقريباً، ودون أي مقابل. ومنذ ابتكار هذه الخريطة، تستخدم "أوشيانا" والمنظمات الأخرى المتعاونة معها، البيانات التي يتم الحصول عليها بهذه الوسيلة، لتسليط الضوء على الأنشطة المشبوهة التي تجري في عرض البحر.

ويتسنى لنا رصد سفن الصيد والتعرف على مواقعها، لأن غالبية السفن ضخمة الحجم منها، تستخدم منظومةً إليكترونيةً تحمل اسم "نظام التعرف الآلي". وعبر هذا النظام، ترسل تلك السفن إشاراتٍ من خلال الأقمار الاصطناعية لتحديد مواقعها، لكي يصبح بمقدور السفن الأخرى اقتفاء أثرها، وتجنب الاصطدام بها.

وبوسعنا استخدام هذه البيانات، لرصد مسارات أكثر من 70 ألف سفينة صيد، ومن ثم معالجتها جميعاً من خلال خوارزمية ابتكرها علماء منصة "غلوبال فيشينغ ووتش"، ومن ثم استخدام الآليات الخاصة بالحوسبة الحسابية وبما يُعرف بـ"التعلم الآلي" - وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي - للتعرف على الأوقات التي تمارس فيها تلك السفن عمليات الصيد. وينتج عن ذلك وضع "خريطةٍ حراريةٍ" تُظهِر لنا المواقع، التي يُرجح أن تتم فيها هذه العمليات.

وتُمَكِنُنا هذه الخريطة من أن نرصد - على سبيل المثال - حجم عمليات الصيد التي تقوم بها أساطيل الصيد التابعة لبعض دول العالم. وبوسعنا هنا إمعان النظر في ثلاثة أمثلة في هذا الشأن:

ففي الصورة أعلاه، بمقدورك رؤية أسطول الصيد التابع لشيلي (والذي يصطبغ باللون الأخضر) وهو يقوم بعمليات صيدٍ قبالة سواحل هذا البلد وفي المحيط الأطلسي الجنوبي. كما يمكنك أن ترى نظيره الصيني (باللون البرتقالي)، وهو يمارس نشاطه بعيداً للغاية عن سواحل الصين، وهو ما يقوم به أيضاً الأسطول الياباني (الذي يظهر باللون الأزرق).

ورغم أن هذه الدول الثلاثة ليست سوى أمثلة لا أكثر، فإن وضع كل دول العالم التي تمارس الصيد جنباً إلى جنب على الخريطة، سيجعل بوسعنا تكوين فكرة عن حجم عمليات الصيد الجارية في محيطاتنا.

ويُطلق على المناطق ذات اللون الأحمر، التي يمكنك رؤيتها على هذه الخريطة، اسم مناطق بحرية محمية يُحظر الصيد التجاري فيها، ولكن لا يتم غالباً تطبيق قواعد الحظر هناك سوى بقدرٍ محدود. وفي الصورة أدناه، يمكنك أن ترى خطاً يظهر باللون الوردي، ويقتفي مسار سفينة صيد تدخل هذه المنطقة.

أما المربع الأحمر الكبير الموجود في الوسط، فهو عبارة عن موقعٍ مُدرجٍ على قائمة التراث العالمي، يحمل اسم "منطقة جزر فينيكس المحمية". وقد حظرت دولة كيريباتي، وهي عبارة عن جزيرةٍ في المحيط تسيطر على هذه المنطقة، عمليات الصيد هناك في الأول من يناير/كانون الثاني 2015.

لكن كان بمقدور منصة "مراقبة الصيد العالمي" كشف النقاب عن عمليات صيدٍ غير قانونية، تجري في هذه المنطقة المحمية، بعد بضعة أشهر من فرض ذلك الحظر.

وساعدت التقنيات التي تستخدمها المنصة هذه الدولة الصغيرة على انتزاع غرامةٍ تُقدر بمليونيْ دولار أمريكي، من شركة الصيد المسؤولة عن هذه الأنشطة غير المشروعة. وشَكَّلَ ذلك مبلغاً من المال لا يستهان به بالنسبة لـ"كيريباتي"، إذ يُمثّل قرابة واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد.

لكن في ضوء وجود احتمالٍ لتحصيل غرامات باهظة مثل هذه، لِمَ لا تلجأ المراكب المتورطة في تلك الأنشطة غير المشروعة إلى خيارٍ بسيط يتمثل في أن تُغلق الأجهزة الخاصة بـ"نظام التعرف الآلي" الموجودة على متنها للحيلولة دون تعقبها؟ بداية، هناك الكثير من الدول التي تشترط وجود هذه الأجهزة في السفينة حالما بلغت حجماً بعينه.

كما أن من شأن إغلاق تلك الأجهزة؛ تعريض سلامة السفن الحاملة لها وأطقمها للخطر، في ضوء أن ذلك يزيد مخاطر اصطدام تلك السفن بالمراكب الأخرى، خاصةً خلال الليل.

بجانب ذلك، قد يشير الإقدام على تصرفٍ مثل هذا، في حد ذاته، إلى أن السفينة تتجنب عامدةً أن يتم رصدها وتحديد موقعها، من أجل إخفاء أنشطةٍ مشبوهةٍ أو عمليات صيدٍ غير قانونية. وقد تتمثل هذه الأنشطة، في الصيد في مناطق محمية، أو في نقل أسماكٍ تم اصطيادها على نحوٍ غير مشروع إلى سفينةٍ أخرى، أو في دخول المياه الإقليمية لدولةٍ ما بدون تصريح، أو في انتهاك أيٍ من القوانين الأخرى المُنظمة لعمليات الصيد.

ومن المؤكد أن إغلاق "نظام التعرف الآلي"، سيشكل مبرراً للسلطات للقيام بمزيدٍ من عمليات التحقق والتحري، حول السفينة التي أقْدَمَتْ على ذلك.

من جهةٍ أخرى، أصبح ما يُعرف بـ"الشحن العابر" أو "إعادة الشحن"، وهو شحن بحري من سفينةٍ أو حاويةٍ إلى جهة وسيطة، ثم إلى وجهة أخرى بعد ذلك - من بين الأنشطة، التي بات الآن بوسعنا مراقبتها عن كثب، بفضل مساعدة منصة "مراقبة الصيد العالمي".

فعبر طريقة الشحن هذه، يمكن للسفن نقل حمولتها من الأسماك إلى مراكب أخرى، يُطلق عليها اسم حاويات شحنٍ مُخصصة لحفظ المجمدات، وأن تتزود هذه السفن بالوقود في عرض البحر لتجنب الاضطرار إلى الذهاب إلى أي ميناءٍ.

وهكذا يمكن للسفن التي تستخدم هذا الأسلوب، البقاء في البحر لشهورٍ طويلة في كل مرة إبحار. وفي واقع الأمر، وجدنا أن بعض السفن لم ترسُ على البر لأكثر من عامٍ كاملٍ. وبينما توجد بقاعٌ يُرَخَّصُ فيها لأنشطة "الشحن العابر"، فإن ثمة مناطق تُحظر فيها هذه الأنشطة تماماً.

علاوة على ذلك، فإن استخدام "الشحن العابر" لا يُمَكِّنُ السفن من البقاء في عرض البحر لفتراتٍ أطول والصيد بعيداً عن مواطنها الأصلية فحسب، وإنما يجعلها تتجنب كذلك عمليات الفحص والتدقيق، التي قد تكون بانتظارها في الموانئ التي ربما ترسو فيها.

فقد تتحاشى هذه السفن الكشف عن كمية الأسماك التي اصطادتها، إما لأنها اصطادت كمياتٍ أكبر من اللازم، أو مارست عمليات الصيد بشكلٍ غير قانوني. وربما تخفي تلك المراكب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، مثل احتجاز عمالٍ لا يريدون مواصلة العمل على متنها، وهو أمرٌ يحدث للأسف الشديد.

ويصل الأمر إلى حد أن وزارة الخارجية الأمريكية تعتبر أنه لا توجد الكثير من البيئات في العالم التي تضاهي أعالي البحار على صعيد ملائمتها لعمليات الاستغلال. فحتى الأطفال والصبية يتعرضون لعمليات الإتجار بهم، للعمل في صناعة الصيد، في ضوء بياناتٍ تشير إلى أن أعمار نحو 40 في المئة من العاملين في هذه الصناعة تقل في بعض الحالات عن 18 عاماً.

أما الإحصائيات الأكثر إثارة للقلق في هذا الصدد، فتكمن في ما خَلُصَ إليه تقريرٌ للأمم المتحدة، أفاد بأن ستة عمال مهاجرين من أصل 10 يعملون على متن قوارب صيد تايلاندية شملتها دراسةٌ مسحيةٌ، قالوا إنهم رأوا زميلاً لهم يلقى حتفه قتلاً. وقد ذكر غالبية هؤلاء أنهم تعرضوا لضربٍ مستمر، أو أحد أنواع إساءة المعاملة.

في الوقت نفسه، يمكن للحكومات أن تضطلع أيضاً بدورٍ على صعيد إضفاء الشفافية على الأنشطة الجارية في محيطات العالم، من خلال نشر محتويات قاعدة البيانات المتعلقة بتتبع سفن الصيد الخاصة بها، والتي يُطلق عليها اسم بيانات نظام مراقبة السفن. ويوفر ذلك صورةً أكثر اكتمالاً لعمليات الصيد في البحار والمحيطات.

وقد اتخذت إندونيسيا خطوةً مهمةً على هذا الطريق، عندما نشرت حكومتها تلك البيانات من خلال منصة "مراقبة الصيد العالمي". وتقوم السفن الإندونيسية - التي تصطبغ باللون الأخضر هنا - بالجانب الأكبر من عمليات الصيد في هذه المنطقة من العالم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل