المحتوى الرئيسى

الإيميل في عُرف القانون.. هل تكتسب المراسلات الإلكترونية حجية قانونية؟ - صوت الأمة

06/11 23:23

نظرا لانتشار وتطور شبكة الإنترنت، وتزايد مستخدمي البريد الالكتروني في معظم المعاملات التجارية والتصرفات القانونية، وإزاء هذا التطور السريع والهائل كان من الضروري الوقوف على كيفية إثبات التصرفات القانونية التي تُتمم رسائل البريد الإلكتروني، ومعرفة مدى حجية مخرجات هذه الرسائل في الإثبات، لاسيما في ظل القواعد القانونية الحالية للإثبات، أو بعبارة أخرى مدى أمكانية تطويع النصوص الحالية للإثبات لإضفاء الحجية علي الرسائل الإلكترونية لا سيما الغير ممهورة منها بتوقيع إلكتروني.

«صوت الأمة» رصدت الحجية القانونية للبريد التقليدي، بل الحجية القانونية للبريد الإلكتروني وتحديد القيمة القانونية لرسائل البريد الإلكتروني، ومدي قدرة هذه الرسائل علي تحديد شخص مرسلها ومدي إمكانية نسبة هذه الرسائل إلي مُصدرها خاصة إذا كانت ممهورة أو غير ممهورة بالتوقيع الإلكتروني-حسب المحامى والخبير القانوني محسن جمال. 

ولا شك أن هذا الوضع يتطلب التعرض لحجية البريد الإلكتروني في الإثبات وذلك في حالة إذا كان غير موقع، وحالة إذا كان ممهور بتوقيع إلكتروني، وحالة إذا كان موصي عليه بعلم الوصول، وهو ما سوف نتعرض له علي نحو مايلي.

أولاً: حجية البريد الإلكتروني الغير مُوقع

يقصد بالبريد غير المُوقع البريد التقليدي الذي يستخدم في الحياة اليومية وتختلف حجيته بحسب المجال الذي يستخدم فيه، وعما إذا كان يستخدم في المعاملات التجارية أو المدنية، وذلك علي النحو التالي:

أ-حجية البريد الإلكتروني في المواد التجارية والمختلطة:

فيما يتعلق بالمعاملات والمواد التجارية، يأخذ المشرع المصري والفرنسي بمبدأ حرية الإثبات في شأن المواد التجارية أيا كانت قيمتها وفي شأن التصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها علي مبلغ معين، وبموجب مبدأ حرية الإثبات يستطيع المدعي إثبات التصرفات القانونية التجارية، أيا كانت قيمتها، والتصرفات القانونية المدنية التي لا تزيد قيمتها علي خمسمائة جنيه بأي طريق من طرق الإثبات، بما في ذلك البينة والقرائن ولا يتقيد بالدليل الكتابي.

وللتأكيد على مبدأ حرية الإثبات في التصرفات التجارية، نصت المادة 69/1 من قانون التجارة رقم 17 لسنه 1999 على أنه: «يجوز إثبات الالتزامات التجارية أيا كانت قيمتها بكافة طرق الإثبات ما لم ينص القانون علي غير ذلك»، كما نصت الفقرة الثانية من ذات المادة علي أنه «فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الإثبات بالكتابة في المواد التجارية يجوز في هذه المواد إثبات عكس ما أشتمل عليه دليل كتابي أو إثبات ما يجاوز هذا الدليل بكافة الطرق»، غير أنه يشترط للاستفادة من مبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية، يجب أن يكون التصرف تجارياً وبين تجار.

وبناء علي ذلك، فإنه وفي نطاق التصرفات والمعاملات التجارية القائمة علي مبدأ حرية الإثبات يمكن اعتبار رسالة البريد الإلكتروني قرينة قضائية لإثبات وجود التصرف الذي يتم عبر شبكة الإنترنت، حتى لو زادت قيمة التصرف عن النصاب المقرر للإثبات بالبينة وهو خمسمائة جنيه، إذ أن الأمر يخضع في جميع الأحوال لتقدير القاضي الذي له السلطة التقديرية في الأخذ بالمحرر الإلكتروني إذا ما أقتنع به أو طرحه جانباً إذا لم يطمئن إليه وساوره الشك قبله. 

أما في المواد المختلطة، وهي التصرفات التي يكون فيها أحد طرفيها تاجر يتعاقد لأغراض تجارته والطرف الآخر غير تاجر يتعاقد لأغراضه الشخصية أو العائلية، فلا يستفاد من حرية الإثبات إلا غير التاجر في حين يتقيد التاجر بطرق الإثبات المدنية.

وعلي ذلك يمكن، مثلاً، للمستهلك الذي يتعاقد مع تاجر عبر شبكة الإنترنت أن يتمسك بالبريد الإلكتروني في الإثبات باعتباره قرينة قضائية، أما التاجر فلا يكون أمامه قبل المستهلك إلا إتباع القواعد المدنية في الإثبات، بحيث يلتزم بالإثبات كتابة إذا زادت قيمة التصرف عن خمسمائة جنيه، ومن ثم يمتنع عليه أن يتمسك برسالة البريد الإلكتروني في الإثبات.

ب-حجية البريد الإلكتروني في المواد المدنية :

ينص قانون الإثبات علي حالات يخرج فيها عن قاعدة وجوب اشتراط الكتابة، وبالتالي جواز إثباتها بجميع الوسائل بما في ذلك البينة والقرائن والخبرة،وهنا يكون لرسالة البريد الإلكتروني حجية في هذا النطاق، وهذه الحالات هي الاتفاق المسبق بين الأطراف، والتصرفات القانونية التي لا تتجاوز النصاب القانوني، وحالة الاعتداد برسالة البريد الإلكتروني في الإثبات من خلال الاستثناءات علي قاعدة وجوب الدليل الكتابي، ونعرض لها علي النحو التالي:

1ـ الاتفاق المسبق بين الأطراف علي حجية رسائل البريد الإلكتروني :

يتفق غالبية الفقه على جواز اتفاق الأطراف المعنية على الخروج عن القواعد الموضوعية للإثبات، دون القواعد الإجرائية، لعدم تعلقها بالنظام العام، ذلك لأن القواعد الإجرائية للإثبات تنظم الإجراءات التي يتعين إتباعها أمام المحاكم ومن ثم لا يملك الخصوم تغييرها أو الاتفاق على خلافها لتعلقها بالنظام العام.

وقد أيدت محكمة النقض ذلك حيث قضت بأن قواعد الإثبات ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفتها، سكوت الخصوم عن الاعتراض على الإجراء مع قدرته على إبدائه، اعتباره قبولاً ضمنياً له وتنازلاً عن التمسك بأي بطلان يكون مشوباً به»، وهو ما يعني عدم تعلق قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام، وبالتالي جواز الاتفاق صراحة أو ضمناً على مخالفة أحكامها.

وتعتبر هذه الاتفاقات من قبيل الإعداد المسبق للدليل والاحتياط لما قد يثور بين الأطراف من نزاع يتعلق بحجيته، وتبديد كل شك يثور حول مصدره أو نسبته إلى الشخص الذي يراد الاحتجاج به، كما تهدف هذه الاتفاقات إلى التعديل في وسائل الإثبات وطرقه، وفي حجية هذه الوسائل وقوتها في الإثبات. 

وإذا انتهينا إلى اعتبار رسائل البريد الإلكتروني أدلة إثبات، إلا أن حجية هذا الدليل الإتفاقي تبقي خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي، من حيث كونها دليلاً كاملاً أو ناقصاً، فقواعد حجية الأدلة الكتابية تتعلق بالنظام العام باعتبار أن هذه القواعد ترتبط بأداء القضاء لوظيفته، فهذا الاتفاق لا يجب أن يقف حائلاً أمام ممارسة القاضي لسلطته التقديرية لتقدير حجية الدليل المقدم في الإثبات.

وهو ما يعني أن رسالة البريد الإلكتروني لا تعتبر بحال دليل إثبات قاطع في النزاع، بل تخضع حجيتها في الإثبات لتقدير القاضي، فهي حجية نسبية، بحيث يستطيع قاضي الموضوع دائماً التحقق من عدم وقوع أي تلاعب أو تحريف في الرسالة الإلكترونية، وفي حالة عدم اقتناعه يمكنه عدم الأخذ بهذه الرسالة.

2ـ التصرفات القانونية التي لا تتجاوز النصاب القانوني

إذا كان المشرع المصري قد تبني مبدأ حرية الإثبات في التصرفات التجارية، فقد تبني ذات المبدأ أيضاً في شأن التصرفات المدنية التي لا تجاوز قيمتها نصاب الإثبات بالبينة، وهو خمسمائة جنيه، ومن ثم يمكن لطرفي هذه التصرفات إقامة الدليل علي حصولها وعلي مضمونها بالبينة والقرائن.

ويهدف المشرع من وراء وضع نصاب يكون نصاب يكون الإثبات في نطاقه حراً وفيما يجاوزه مقيداً بالكتابة أو ما يقوم مقامها، إلي التيسير علي الأطراف المتعاملة وعدم إعاقة معاملاتهم اليومية، لأن اشتراط الكتابة لإثبات التصرفات عديمة القيمة من شأنه إرهاق الناس وزعزعة الثقة في المعاملات.

ولما كانت التصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها عن خمسمائة جنيه يجوز إثباتها بشهادة الشهود والقرائن القضائية والخبرة والمعاينة، فيمكن للأطراف تقديم رسالة البريد الإلكتروني كدليل إثبات علي حصول هذه التصرفات أو لإثبات مضمونها، إذا كانت قيمة العملية في حدود النصاب المقرر.

إلا أنه من الملاحظ أن هذا الوضع سيقتصر علي نطاق ضيق يتمثل في المعاملات المدنية ضئيلة القيمة، كما أن الاعتماد علي المحرر الإلكتروني بوصفه أحدي وسائل الإثبات المقبولة في ظل مبدأ الإثبات الحر يعني بأنه يخضع في شأن قبوله وتقدير قيمته وحجيته في الإثبات للسلطة التقديرية للقاضي، وبالتالي فإن ذلك لا يحقق الاستقرار المنشود في المعاملات الإلكترونية عبر الإنترنت.

3ـ الاعتداد برسالة البريد الإلكتروني في الإثبات من خلال الاستثناءات علي قاعدة وجوب الدليل الكتابي:

تبنى المشرع مبدأ حرية الإثبات بالنسبة للمسائل التجارية أيا كانت قيمتها والتصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها علي خمسمائة جنيه، وفي المقابل فإن كافة التصرفات المدنية التي تزيد قيمتها عن المبلغ المذكور تخضع لمبدأ وجوب الإثبات بالكتابة، ومع ذلك فإن المشرع قد عاد إلي مبدأ حرية الإثبات وأجاز الإثبات بالبينة فيما كان يجوز لإثباته بالكتابة قانوناً، وذلك في حالات استثنائية وردت علي سبيل الحصر هي:

1ـ وجود دليل كتابي غير كامل من شأنه أن يجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال ( مبدأ الثبوت بالكتابة )، فقد جاء نص المادة 62 إثبات علي أنه : «يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ». 

ويتضح من هذا النص أنه حتى يوجد مبدأ ثبوت بالكتابة فلابد أولاً من وجود كتابة ولا تصلح بذاتها دليلاً كتابياً كاملاً، ولابد أن تكون الكتابة صادرة من الخصم الذي يُحتج عليه بها، وأن يكون من شأن الورقة الصادرة من الخصم أن تجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال وهو أمر يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.

ويذهب البعض إلي جواز اعتبار رسالة البريد الإلكتروني مبدأ ثبوت بالكتابة بواسطة عمل نسخة من المحرر الإلكتروني الموجود بصندوق البريد الإلكتروني عن طريق الطباعة وعدم إنكار من يتمسك ضده بها أو يطعن عليها بالتزوير، إلا أن هذا الرأي يصطدم بعقبة تتمثل في صعوبة، إن لم يكن مستحيلاً،التمييز بين أصل الرسالة الإلكترونية والنسخ المستخرجة منها عن طريق الطباعة.

ويخلص الرأي السابق إلي نتيجة مؤداها أن الرسالة الإلكترونية لا تتمتع بالثقة فيما يتعلق بهوية مرسلها ومدي إمكانية نسبة الرسالة إليه وسلامة محتواها، وبالتالي فإن قوتها في الإثبات ستخضع لسلطة القاضي التقديرية، ومدي إلمامه وتفهمه بالنواحي التقنية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والكمبيوتر والأدوات المعلوماتية.

2ـ الحالات التي يستحيل فيها الحصول علي دليل كتابي كامل بسبب وجود مانع مادي أو أدبي.

أجاز المشرع الإثبات بشهادة الشهود إذا استحال علي المكلف بالإثبات تقديم سند كتابي، ويستوي أن تكون الاستحالة مادية، أي راجعة لظروف أحاطت بإجراء التصرف، كتلف الدعامة الإلكترونية المثبت عليها الدليل كالأسطوانة المدمجة CD والقرص المرن Disk، او تغير محتواه بسبب العوامل الجوية أو سوء التخزين أو الهجوم الفيروسي، أو أن تكون الاستحالة أدبية لوجود علاقة بين الطرفين تمنع من طلب الحصول علي دليل ، كعلاقة القرابة أو الزوجية.

3ـ حالات فقد السند الكتابي ويفترض هذا الاستثناء أن الدائن قد راعي القواعد الخاصة بالدليل الكتابي وحصل عليه ولكن يتعذر الإثبات بهذا الدليل لفقده، وهو أمر كثيراً ما يحدث في المعاملات الإلكترونية حيث تتعرض المحررات الإلكترونية للمحو بطريق الخطأ أو نتيجة اعتراض الرسالة وتحريف ما بها أو نتيجة أعمال القرصنة.

ثانياً : حجية البريد الإلكتروني المذيل بتوقيع إلكتروني

فى إطار تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومواكبة التطور الهائل في استخدامها في كافة المجالات والأنشطة، تم التفكير في تطبيق تكنولوجيا التوقيع الإلكتروني، والذي تكمن أهميته فى زيادة مستوى الأمن والخصوصية فى التعاملات، نظرا لقدرة هذه التقنية على حفظ سرية المعلومات والرسائل المرسلة وعدم قدرة أي شخص أخر على الإطلاع أو تعديل أو تحريف الرسالة، كما يمكنها أن تحدد شخصية وهوية المرسل والمستقبل إلكترونيا للتأكد من مصداقية الشخصية مما يسمح بكشف التحايل أو التلاعب .

ولعل هذا هو ما دفع الأمم المتحدة ممثلة في لجنة القانون التجاري الدولي، الأونسيترال ، إلي إصدار القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية سنه 1996 والقانون النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية الصادر سنه 2001 ومعاهدة استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية في العقود الدولية لسنه 2005 وذلك بغرض تنظيم العقود الإلكترونية الدولية وإضفاء الحجية القانونية عليها .

كما أصدر الاتحاد الأوربي التوجيه الأوربي رقم 93/1999في 13ديسمبر 1999 في شأن التوقيع الإلكتروني، والذي ألزم الدول الأعضاء بنقل مضمونه في داخل تشريعاتهم الوطنية في خلال 18 شهر، كما أصدرت عدة دول قوانين تنظم التوقيع الإلكتروني ومنها أمريكا وأنجلترا وسنغافورة ومصر والأمارات العربية المتحدة والأردن وتونس والجزائر والبحرين.

وقد أحدث القانون المصري للتوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنه 2004 عدة تعديلات جوهرية علي قانون الإثبات، لعل أهمها المساواة في الحجية القانونية بين الكتابة علي محرر إلكتروني والكتابة التقليدية علي محرر ورقي وذلك شريطة تحديد هوية الشخص الذي صدرت منه الكتابة وإمكانية نسبة هذه الرسالة إليه وأن تتم الكتابة وتسجل وتحفظ علي نحو يضمن سلامتها.

مفاد ما تقدم، أن رسالة البريد الإلكتروني الممهورة بتوقيع إلكتروني تتمتع بحجية كاملة في الإثبات لا تقل عن حجية المحرر العرفي، بحيث يتعين علي القاضي أن يعتد بالرسالة الإلكترونية كدليل كتابي كامل دون أن يكون له سلطة تقديرية حياله.

غير أنه قد يحدث تعارض بين المحرر الإلكتروني والمحرر الورقي بحيث يتعارض مضمون المستندين، وفي هذه الحالة تثور مسألة الترجيح بين المحرر الورقي والمحرر الإلكتروني، ولأي منهما تكون الأفضلية كدليل إثبات حاسم في النزاع.

لقد واجه المشرع هذا الفرض بأن ترك لقاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة في تقدير أي من الدليلين أولي بالترجيح أيا كانت الدعامة التي يثبت عليها المحرر، علي أن سلطة القاضي التقديرية في الترجيح بين الدليلين يحدها بعض الضوابط، فمن ناحية يتعين عدو وجود اتفاق بين الأطراف ( كما في حالة عقود إصدار بطاقات الأئتمان )، أو نص قانوني ينظم ويحدد الدليل المقبول في الإثبات حيث يجب ترجيح المحرر الرسمي علي غيره.

وأيضاً يجب أن تتوافر في المحررات المتعارضة الشروط المتطلبة قانوناً لاعتبارها دليلاً كتابياً كاملاً، فإذا كان مثلاً أحد المحررين لا يحمل توقيع فيتم استبعاده وبالتالي فلا مجال للترجيح بين المحررين.  

ولعل السبب في ثقة المتعاملين عبر الإنترنت في اللجوء إلي التوقيع الإلكتروني وجود طرف ثالث أو وسيط بين الطرفين موثوق فيه، وهو طبقاً للقانون المصري هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات والتي تتبع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي الهيئة التي أوكل إليها خدمة التصديق علي شهادات التوقيع الإلكتروني.

وهو ما دفع البعض إلي التساؤل عن نوع المحرر المكتوب الذي يشكله البريد الإلكتروني، هل هو محرر رسمي أم محرر عرفي؟ ولعل الإجابة علي هذا السؤال تقتضي أن نرجع إلي تعريف المحرر الرسمي والعرفي وفق قانون الإثبات المصري، والذي عرف المحرر الرسمي بأنه «المحرر الذي يصدر عن موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة وذلك في حدود سلطته واختصاصه وطبقاً للأوضاع القانونية لتوثيق الأوراق الرسمية»، كما عرف المحرر العرفي بأنه المحرر الذي يتم بين الأفراد طبقا للعادات ودون تدخل من قبل موظف رسمي. (م14 إثبات)، وعليه تعتبر رسالة البريد الإلكتروني التي تحمل توقيع صاحبها محرر عرفي في مجال الإثبات، أما مقدم خدمة التوثيق الإلكتروني فتنحصر وظيفته في إصدار شهادات التصديق الإلكتروني لمنيطلبها.

ثالثاً : حجية البريد الإلكتروني الموصي عليه

عرف التوجيه الأوروبي الصادر في 15 ديسمبر 1997 بشأن القواعد التي تحكم تنمية السوق الداخلي للخدمات البريدية وتحسين جودتها في المادة 9/2 منه البريد الموصى عليه بأنه "خدمة تتم وفق إجراءات تكفل ضمان الإرسال ضد مخاطر الفقد أو السرقة أو التلف، وتوفي للمرسل لقاء مبلغ جزافي يدفعه، الدليل علي إيداع الإرسال لدي هيئة البريد وكذلك عند الضرورة وبناء علي طلبه لإثبات استلام المرسل إليه له. 

ووفقاً للقانون المصري نجد أمثلة علي البريد الموصى عليه، كما في حالة الأعذار، إذ يجب علي الدائن قبل أن يشرع في التنفيذ العيني أو بمقابل أن يعذر مدينة ويكون ذلك بإنذاره أو ما يقوم مقام الإنذار عملاً بنص المادة 219 مدني، بل لقد أوجب القانون ذاته في بعض الحالات استخدام البريد الموصى عليه كما في حالة الإعلان القضائي إذا لم يجد المحضر في موطن المعلن إليه شخصاً يصح تسليم صورة الإعلان إليه أو وجد المحل مغلقاً، أو أمتناع من وجد به من استلامه، وجب علي المحضر أن يسلم ورقة الإعلان إلي جهة الإدارة في نفس اليوم (م11 مرافعات).

ولا شك أن استخدام البريد الموصى عليه يقدم العديد من الفوائد منها، إثبات عملية الإرسال حيث تتم عن طريق موظف عام، وإثبات عملية الاستلام حيث أن موظف البريد المختص يحصل علي توقيع المرسل إليه ويقوم بإثبات ذلك في سجلاته، كما يفيد في إثبات هوية الأطراف.

ويمكن تطبيق تلك المبادئ علي البريد الإلكتروني الموصى عليه بشرط وجود علاقة بين أشخاص ثلاثة هم: المرسل والمرسل إليه والطرف الثالث محل الثقة وهو مقدم الخدمة.

ويقوم الراسل بتعيين هويته لدي مقدم الخدمة – الذي يقوم بدور مصلحة البريد – وذلك إما باختيار أسم الدخول وكلمة دخول سرية، أو أن يحصل علي شهادة مصدق عليها من مقدم الخدمة، هذا الاختيار يبلغ للمرسل إليه وذلك في علم الوصول الذي يقدم إليه للتوقيع عليه حتي يرد إليه مره أخري للمرسل، ويقوم مقدم الخدمة بإرسال إيصال للمرسل يثبت حقيقة الإرسال وهوية المرسل وعنوان المرسل إليه وساعة وتاريخ الإرسال البريدي.

وبعد ذلك يرسل مورد الخدمة رسالة إلكترونية إلي المرسل إليه يخطره فيها بأن له رسالة يمكن تحميلها من علي الموقع الإلكتروني الخاص بمورد الخدمة، ويقوم المرسل إليه بالدخول علي هذا الموقع ويبدأ الإجراءات المطلوبة لتعيين هويته بواسطة شهادة التصديق الإلكتروني أو أسم الدخول وكلمة المرور، ويتم إخطار المرسل باختيار المرسل إليه، ثم يضغط هذا الأخير علي أيقونة معينة فيتم تحميل الرسالة، عندئذ يقوم مقدم الخدمة بإرسال علم الوصول إلي المرسل مبيناً به تاريخ وساعة إطلاع المرسل إليه علي الرسالة. 

ووفق هذا التصور فإن البريد الإلكتروني الموصى عليه يؤدي نفس وظائف البريد التقليدي، بل أنه أفضل منه في أن البريد التقليدي لا يحمل الدليل علي قيام المرسل إليه بقراءته بالرغم من تسلمه له، في حين أن البريد الإلكتروني الموصي عليه يقدم إمكانية إثبات أن المرسل إليه تسلمه وقام بفضه وقراءاته وساعة وتاريخ القراءة.

ومن أجل ذلك تدخل المشرع الفرنسي بالقانون الصادر في 21 يونيه 2004 الخاص بالثقة في الاقتصاد الرقمي، والذي أعطي للحكومة سلطة إصدار الأوامر الخاصة بتعديل النصوص المطبقة بهدف الوصول إلي إبرام العقود بالطريق الإلكتروني، وإعمالاً لذلك صدر المرسوم رقم 674/2005 في 16 يونيه 2005، والذي سمح بإتمام بعض الشكليات التي يستلزمها القانون بطريق إلكتروني، وأصبح البريد الإلكتروني الموصي عليه معترفاً به من الناحية التشريعية، ونص المشرع الفرنسي في المادة 1369/8 من القانون المدني علي أن الخطاب الموصي عليه والخاص بإبرام العقد أو تنفيذه يمكن إرساله بالبريد الإلكتروني.

ولذلك يجب علي المشرع المصري أن يتدخل بتعديل تشريعي ينظم البريد الإلكتروني الموصى عليه ويبين حجيته القانونية وقوته الثبوتية، لا سيما مع تزايد الأفراد في استخدام البريد الإلكتروني في التعامل واتجاه الدولة نحو نظام الحكومة الإلكترونية.  

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل