المحتوى الرئيسى

«وزير الأزمات».. الخطايا العشر لـ«عماد الدين» بوزارة الصحة

06/09 22:35

تخبط وعشوائية في اتخاذ القرار وسوء إدارة لملف الدواء انعكس كل ذلك في العجز التام عن توفير الدواء للمواطنين بأسعار عادلة، رغم زيادة أسعاره مرتين في أقل من عامين، لأول مرة وسط تدن شديد في مستوى الخدمات الصحية المقدمة داخل المستشفيات العامة، التي تحولت إلى «عِشش» يسكنها المرضى، حسب تصريحات وزير الصحة الذي يقترب من عامه الثالث على كرسي الوزارة، وسط تكهنات باستمراره في الحكومة الجديدة.

«التحرير» ترصد أبرز 10 أزمات كانت بمثابة القنابل الموقوتة التي واجهت متلقي الخدمة ومقدمها على مدى عامين ونصف العام، كان وزير الصحة بطلها الرئيسي، الذي يتعثر حينًا ويشعل فتيل الأزمات ويصطدم بالأطباء والصيادلة والمرضى أحيانًا كثيرة حتى تحول حق المواطن الدستوري في العلاج إلى «موت مُعلن» في العلاج على نفقة الدولة.

قرار الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة الذي افتتح به عامه الثاني داخل الوزارة بزيادة أسعار الدواء للمرة الثانية خلال أقل من عامين إلى 3 آلاف صنف دوائي من أصل 12 ألف دواء متداول بالسوق المحلي لم يشفع لآلاف المرضى داخل المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء بتوفير نواقص الأدوية التي تزايدت قوائمها بصورة مخيفة خلال العام الجاري، حتى تجاوزت الـ1650 صنفا دوائيا من بينها 250 صنفا دون بدائل، وصارت صحة المصريين في «الإنعاش».

ذهب البعض إلى أن قرار زيادة «تسعيرة الدواء» لم يخدم سوى أصحاب المصالح ومالكي السلاسل الصيدلية الكبرى والشركات متعددة الجنسية على حساب المواطن المصري، الذي لا يزال يبحث عن «علبة الدواء» رغم ارتفاع أسعارها مرتين.

في المقابل يخرج وزير الصحة من حين لآخر بتصريحات متضاربة حول أعداد الأدوية الناقصة في السوق المحلي التي ليس لها بديل أو مثيل، تارة يحصرها في 17 صنفا فقط وتارة أخرى يحركها إلى 25 دواء، وآخر ما فاض به الكيل ضاق ذرعًا بالصحفيين وصرخ فيهم حرفيًا: «مش عاوز حد يكلمني في الحكاية دي تاني».

منذ اليوم الأول لدخوله ديوان عام الوزارة وتوليه المكتب الإعلامي والمشاكل والشكاوى لا تتوقف ضد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، الذي تم تعيينه من قبل «عماد الدين» بعد الإطاحة بالمتحدث السابق النشط الدكتور حسام عبد الغفار الذي لم يكن يتأخر عن مطالب الإعلام.

آخر الشكاوى المقدمة ضد «متحدث الصحة» الذي تم إيقافه من قبل لمدة 3 أشهر عن العمل وتحويله للتحقيق بالنيابة الإدارية فى البلاغات المقدمة ضده من بعض موظفى الوزارة لاتهامه بالتزوير فى جداول حضور الموظفين داخل الوزارة لصالح موظفين آخرين تابعين له للتخلص من المعارضين له.

مذكرة أخرى رسمية تقدم بها محرر لإحدى الجرائد الخاصة إلى نقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة، للتدخل وإنهاء أزمته مع «متحدث الصحة» وتضمنت الشكوى تطاول الأخير على محرر ملف الصحة بالجريدة، الزميل عبد الرحمن صلاح، ورفعه من قائمة الزملاء المُكلفين بتغطية الملف، والامتناع عن إرسال البيانات الصحفية.

حتى وصل الأمر لاتصال المكتب الإعلامي للوزارة به تليفونيًا، واتهامه بأنه صحفي غير مهني ويعمل بمؤسسة غير مهنية، بالإضافة إلى التأكيد أنه غير مرحب به في أي تغطية تخص الوزارة فيما بعد، وهو أمر مرفوض شكلًا وموضوعًا.

ومن ضمن سياسة الضرب فى الميت التي بدأت مع تولي «عماد الدين» وزارة الصحة، تعامله مع أزمة نقص لبن الأطفال بشكل بطيء زاد من خطورتها ومعاناة الأهالي في الحصول على علبة لبن لأطفالهم، ويقفون في طوابير طويلة بالساعات ويقطعون المسافات الطويلة في محاولة لاقتناص علبة لبن أطفال مدعم، لاختفائه من الصيدليات، وسيطرة السوق السوداء عليه، مما أدى إلى تدخل وزارة الدفاع لتوفيره.

لم تكن أزمة نقص الدواء الوحيدة على دفتر «الصحة» ولكن دخلت المحاليل الوريدية هي الأخرى في قوائم النقص، واختفى المستلزم الطبي الذي لا غنى عنه لأي مريض من مستشفيات وزارة الصحة والجامعات، أبرزها محاليل الملح والجفاف والجلوكوز لتهدد حياة آلاف المرضى المترددين على عنابر هذه المنشآت الصحية يوميًا، وامتدت بدورها إلى العيادات الخارجية والصيدليات العامة، على خلفية توقف عدد من الشركات والمصانع الإنتاجية عن التوريد المحلي بسبب زيادة سعر الصرف.

هنا تزايدت أسعار عدد من المحاليل الطبية المختفية داخل مستشفيات وزارتي الصحة والتعليم العالي بنسبة 60%، ووصل سعر محلول "رينجر" والجلوكوز في السوق السوداء إلى 7 جنيهات بعد أن كان لا يتجاوز 3 جنيهات، وكذلك أسعار عدد من المحاليل الأخرى، بلغت 60 جنيهًا حتى وصل سعر الكرتونة (24 زجاجة) إلى 550 و600 جنيه في بعض الأماكن والصيدليات الخارجية بدلا من 80 جنيها.

بعد سنوات طويلة من الغياب والحفظ في «أدراج» الحكومة تم إقرار قانون التأمين الصحي الشامل الذي كان بمثابة القشة الأخيرة الباقية أمام المواطن المصري ورصاصة الرحمة التي تنقذه من فواتير العلاج الباهظة، وتوفير خدمة صحية شاملة وعادلة دون الوقوع فريسة بين نيران أسعار الدواء الباهظة وارتفاع «الفيزيتا» داخل العيادات الخارجية والمستشفيات الخاصة التي لا يتحملها الغالبية العظمى.

تحول القانون الذي تأخر تطبيقه لشهرين آخرين حتى أغسطس المقبل إلى ما يشبه «الجراب الفارغ»، ومواده التي وصفها الأطباء والمهتمون بالشأن الطبي بـ«المفخخة»، حيث يفتح المجال واسعًا أمام خصخصة الخدمة الصحية وضياع أصول المنشآت الصحية التي بُنيت بأموال المصريين.

كما أن المساهمات الجديدة الباهظة المفروضة على المواطنين بنص القانون ستزيد من الأعباء المالية على المشتركين، وتنسف فكرة التأمين الاجتماعي من جذورها، رغم أن المادة 18 من الدستور تُلزِم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين، يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفائهم منه، طبقًا لمعدلات دخولهم، ولكن يبدو أن نص الدستور كان «حبرا على ورق».

أزمة أخرى تسبب فيها وزير الصحة حين دخل في صدامات مباشرة مع عدد من النقابات المهنية العريقة، ومن بينها نقابتا الصيادلة والأطباء بداية من عدم حضور انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للأطباء داخل دار الحكمة، مرورًا بعدم تنفيذ الوزارة حكما قضائيا نهائيا منذ عام 2015 يحمي جموع الأطباء من خطر العدوى بزيادته من 19 جنيهًا لـ1000 جنيه.

في القضية التي لا تزال منظورة حتى الآن بالقضاء الإداري للرد على الطعن المقدم من الحكومة ضد حكم قضائي صادر من محكمة القضاء الإداري، بالإضافة إلى أزمة رفع مصروفات التسجيل في شهادة «البورد» المصري للأطباء.

يذكر أن المادة 7 من قانون 14 وتعديله تلزم وزارة الصحة بتحمل المصروفات والرسوم اللازمة للدراسات العليا في مجال تخصص الطبيب، وتؤكد المادة 10 من اللائحة التنفيذية للقانون نفس الالتزام، ويذكر أن هذا النص معطل ولا ينفذ منذ صدور القانون من 4 سنوات كاملة.

الصيادلة أيضًا يخوضون معركة مماثلة مع «عماد الدين» عقب تأجيل قضية «البيع بسعرين» للأدوية أكثر من مرة آخرها جلسة الثالث من الشهر الجاري، لحماية وتأمين الصيادلة من الغضب الشعبي والتي راح ضحيتها عدد من أصحاب الصيدليات الأهلية نتيجة الدخول على خط المواجهة المباشرة مع المرضى وذويهم بسبب زيادة تسعيرة الدواء، وتصاعدت وتيرتها أكثر عقب القرار الوزاري الصادر في يناير قبل الماضي بتحريك أسعار الأدوية للمرة الثانية وفشل المفاوضات مع الوزارة والعودة إلى المربع «صفر».

في ظل غياب حملات الرقابة عليها يتصاعد من حين لآخر دخان كثيف من خلف الجدران وتخرج الوزارة ببيان ضعيف ردًا على تحقيق تليفزيوني عرضه أحد المواقع الصحفية الألمانية عن تجارة الأعضاء في مصر وتورط مستشفيات شهيرة في ذلك، وهو ما نفته الوزارة وأكدت أنه عار تمامًا من الصحة عقب تداول الفيديو على نطاق واسع داخل مصر وخارجها، وأن هذا الفيلم المسيء يستهدف الإضرار بالسياحة العلاجية في مصر، في إطار خطة ممنهجة ضد مصر تضر بالأمن القومى للبلاد.

نفي الوزارة يتعارض مع تصريحات «عماد الدين» أثناء ضبط شبكة دولية لتجارة الأعضاء البشرية في مصر والتي أكد فيها أن 8 مستشفيات و6 معامل خاصة متورطة في القضية، حسب ما جاء في الحملة التي شنتها هيئة الرقابة الإدارية بالتنسيق مع الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص بالوزارة في عدد من المستشفيات الشهيرة والمتورط فيها أساتذة جامعيون وأطباء بارزون.

في المقابل، حسب «متحدث الصحة» أعلن أنه تم ضبط 45 متهمًا في القضية من الأطباء وأطقم التمريض داخل مستشفى أحمد ماهر التعليمي ومعهد الكلى بالمطرية وتم إيقاف الأطباء المتورطين التابعين للوزارة عن العمل لحين انتهاء التحقيقات.

شكاوى عدّة ومواجهات حادة وقعت بين المرضى وأطباء الأسنان في عدد من المحافظات؛ تارة بسبب اختفاء بنج الأسنان (مبيكابين -إل) كاربول بنوعيه الأخضر والأحمر من العيادات والمراكز الطبية المتخصصة والتابعة لوزارة الصحة على حد سواء، تمهيدًا لرفع أسعارها، وتارة أخرى بسبب وضع الشركة الحكومية الموردة "Label" أو "استيكر" جديد على تاريخ الصلاحية لمدها 6 أشهر أخرى مع تخفيض أسعارها بنسبة 50% للتخلص من الكميات الهائلة المكدسة بمخازنها. 

حيلة جديدة لجأت إليها شركة الإسكندرية للأدوية والصناعات الكيماوية، إحدى الشركات الحكومية التابعة لقطاع الأعمال العام للتخلص من 3 ملايين عبوة من مخزون الكربولات (عبوات البنج الزجاجية)، المكدسة في مخازنها بعدما وافقت لها وزارة الصحة عليها.

«تأشيرة الصحة» لإدارة الشركة نتج عنها اختفاء بنج الأسنان (مبيكابين- إل) الذي تنتجه شركة الإسكندرية للأدوية من كافة مراكز علاج الأسنان على مستوى الجمهورية ولم يكن متوفرًا بالسوق سوى البنج المستورد (إسباني أو كندي أو برازيلي) الذي ارتفع سعره بصورة مبالغ فيها من 210 إلى 400 و700 جنيه في السوق السوداء للعبوة الواحدة بصورة دفعت عددا كبيرا من أطباء الأسنان لشرائها من الخارج بجنيهين ونصف، للصنف المحلي بدلًا من 125 قرشًا، و6 جنيهات للمستورد بدلاً من 3 جنيهات.

في الوقت الذي ينفي فيه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ما تردد في وسائل الإعلام وعبر صفحات التواصل الاجتماعي عن شكاوى المواطنين من النقص الشديد في عقار "البنسلين" طويل المفعول الذي يستخدم في علاج الحمى الروماتيزمية، كشفت الطوابير الطويلة من المواطنين وأهالي المرضى بصورة يومية مدى عمق الأزمة، خاصة مع وقوع اشتباكات دائمة وصراخ وتوسل وبكاء وإغماءات أمام الصيدليات المركزية في سبيل الفوز بحقنة أو اثنتين على الأكثر.

أزمة استمرت طويلًا على مدى الأسابيع الماضية بدأت بوادرها منذ 4 أشهر تقريبًا حين اختفت حقنة البنسلين طويل المفعول "بنيستارد" من السوق المحلي وطال الاختفاء لفترات طويلة، ليأتي الرد، للمواطنين في كل مرة، صادمًا بأن الصنف ناقص والمعهد القومي خالٍ من البنسلين، بالتزامن مع دخول الشتاء وقدوم مجموعة من الميكروبات المعروفة من بينها "البكتيريا العنقودية" التى تسبب التهابات الحلق مما ينتج عنه الإصابة بالحمى الروماتيزمية وأعراضها الخطيرة.

المفاجأة التي كشفتها الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة كانت في قيام رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (إكديما) بتخزين ما يقرب من 350 ألف حقنة بنسلين بنيستارد من حصة الشركة العامة تمهيدًا لبيعها لاحقًا في السوق السوداء، نسبة كبيرة تمتلكها "إكديما" بصورة دفعت نائب رئيس الشركة المدعو مدحت شعراوي، للتنازل عن حصة الشركة العامة في حقن "البنسلين" إلى شركة أخرى خاصة تمتلكها زوجته.

تهميش دور شركات قطاع الأعمال

الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، قال أن الوزير ساهم في تهميش دور شركات قطاع الأعمال، لصالح القطاع الخاص وشركاته رغم أنها تغطي جزءا كبيرا من احتياجات المواطنين بأسعار مناسبة حتى بدأت غالبية شركات قطاع الأعمال تنهار تدريجيًا وتعاني من سوء الإدارة ومديونية وزارة الصحة لها في البنوك والتي تجاوزت المليار و200 مليون جنيه للشركة المصرية لتجارة الأدوية.

وهي شركة واحدة من إجمالي 11 شركة أخرى، ومن ثم تسريح العاملين بها وتقليل الطاقة الإنتاجية بها تمهيدًا للبيع والخصخصة حتى تجاوزت خسائر شركات قطاع الأعمال من 150-  180 مليون جنيه سنويًا.

في المقابل بدلًا من أن تعمل الدولة على تطوير شركات قطاع الأعمال التي تعمل في مجال إنتاج وتصنيع وتوزيع الدواء تتجه نحو الاستثمار الحر من القطاع الخاص، في ظل غياب الرؤية الواضحة ما يتسبب في تدمير الصناعة الوطنية وتهديد الأمن الدوائي القومي وتحكم الشركات متعددة الجنسية في مصير المرضى.​

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل