المحتوى الرئيسى

فرج فودة.. المفكر الذي عاش أكثر من قاتليه - صوت الأمة

06/09 05:19

في مثل هذا اليوم منذ عقدين، وعام 1992، في الثامن من يونيو، قٌتل المفكر الكبير الراحل فرج فودة، اغتالته أصابع إسلامية متطرفة، عجزت عن تواجه الكلمة بالكلمة، والفكرة بالفكرة، فكان الرصاص وسيلتها لحسم مناظرة فكرية كبيرة، شهدتها أرجاء معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1992.

كانت قاعة المناظرة ممتلئة عن آخرها بأتباع الإسلاميين ومرشد الإخوان آنذاك، مأمون الهضيبي، أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يهتفون في القاعة: «الله أكبر ولله الحمد.. إسلامية إسلامية.. الله غايتنا.. والرسول زعيمنا.. والجهاد سبيلنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».

يقدم سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب المناظرة بقوله: «المناظرة الأولى في سلسلة المناظرات التي أعدتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، حول مختلف الآراء والقضايا التي تهمنا كمصريين وكمواطنين ثم يقدم المشاركين في المناظرة، علي يمينه جلس كل من الشيخ محمد الغزالي، والشيخ مأمون الهضيبي، والدكتور محمد عمارة، يصفهم سرحان بقمم الفكر، ويحذر الحضور من الهتاف، ويصالحهم: «أرجو منكم رجاء أن تنصتوا للمتحدثين، ولشيوخنا الأجلاء، نرجو أن تلتزموا بآداب الاستماع».

 كان موضوع المناظرة هو الدولة الدينية والدولة المدنية، وكان فرج فودة أبرز الداعين إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة، رأى الغزالي أن الاستعمار ألغى آية القصاص من القرآن، وأنه أجهز على التراث السماوي، ألا تحكمنا شرائع السماء، وأن تحكمنا أهواء الناس، هكذا استهل الشيخ الغزالي المناظرة، وحينما جاء دور الحديث على المفكر الكبير فرج فودة، كرر سمير سرحان دعوته للحاضرين أن يلتزموا بالتحضر في التعليق، والكف عن الهتاف، كانت الأجواء ساخنة، وازدادت سخونتها بعدما تحدث الدكتور محمد عمارة، وهاجم العلمانية، فاستهل فرج فودة المناظرة بقوله: «ابدأ بملاحظة أوجهها للحاضرين، إن التصفيق والهتاف سواء للتأييد أو الاعتراض، يدل على عدم ثقة الجمهور بمن يمثله على المنصة، وأعتقد أن هذا غير وارد».

وشدد فرج فودة، على أنه لا أحد يختلف على الإسلام الدين، لكن المحاضرة أو المناظرة حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين، والإسلام الدولة رؤية واجتهاد وفقه، فالإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسي، وكيان اقتصادي، وكيان اجتماعي، يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم، ومن ينادون بالدولة الدينية لم يقدموا برنامجا سياسيا للحكم.

هكذا ببساطة سارت المناظرة بين الجانبين، لكن نتائجها لم ترض الجماعة الإسلامية، وهكذا وقبل مرور أسبوع على المناظرة، انتظره قاتلاه أمام محل مكتبه، بشارع أسماء فهمي بمدينة نصر، وما أن شاهداه، حتى أمطراه بالرصاص، سقط فرج فودة، وفر أحد قاتليه هربا، وتم القبض على الآخر، وكعادة كل القتلة الذين تورطوا في ارتكاب جرائم استهدفت المبدعين والمثقفين والمفكرين في فترة التسعينات، في المحكمة كشف الجاني أنه لم يقرأ أيا من كتب فرج فودة.

أصدر الدكتور فرج علي فودة، المولود عام 1945، ببلدة الزرقا بدمياط، عددا من الكتب، طرح فيها أفكاره، الرافضة للدولة الدينية، ولأسلمة الدولة، اتخذ فودة موقفا رافضا واضحا لأي مهادنة مع الإسلاميين، وهو ما دعاه للاستقالة من حزب الوفد عام 1984، لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين.

كتب فودة في مجلة أكتوبر، وجريدة الأحرار المصريتين، وشنت جبهة علماء الأزهر هجوما كبيرا عليه، وأصدرت قبل أيام من اغتياله بيانا كفرته فيه، وكان فودة ينتظر موافقة مجلس الشورى على تأسيس حزبه الذي منحه اسم «حزب المستقبل».

كان الراحل الكبير يتطلع إلى مستقبل أفضل لمصر، لا يشغل فيه التطرف حيزا، لكن أعداء المستقبل أجهزوا على فودة، في مقدمة كتابه «قبل السقوط» الذي أصدره في 19 يناير عام 1985، قال فودة: لا أبالي إذا كنت في جانب، والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقُصاد الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة، لا محبي الحكم، وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر».

غلاف كتاب فرج فودة قبل السقوط

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل