المحتوى الرئيسى

أطفال يأكلهم «السكر»

06/07 03:15

تحقيق: نشوة الشربيني - تصوير - راجى ماجد - اشراف : نادية صبحى

قطعة السكر التى تشتهيها نفوسهم الطاهرة تتحول إلى خنجر مسموم يمزق أجسامهم الهزيلة وكأن الموت يتخلل طعم «الحلاوة» المخادعة متسرباً فى خبث إلى أعضاء الجسد المصاب بـ«السكر» فيقضى عليها الواحد تل الآخر.

سكر الأطفال.. مرض لعين يحرم الصغار من متعة الحياة يمنعهم من اللعب كأقرانهم الصغار يصيبهم بإعياء دائم يبعدهم دائما عن الفرحة.. ويغرس فى نفوسهم الأحزان الأبدية.. ويصبح الوخذ بالأنسولين هو السبيل الوحيد لمواصلة الحياة.. والحرمان منه يأخذ الصغير فى «غيبوبة» تفصله عن الدنيا إلا من أنفاس تتعلق بالأمل.. أوجاع أطفال السكر.. فيها مرارة مؤلمة.. فليس أسوأ من أن تلمح دمعة فى عين طفل تعجز ملامح وجهه عن مجرد «ابتسامة».

على بعد خطوات من مستشفى أطفال مصر «الطلبة سابقاً» التابعة لهيئة التأمين الصحى، يجلس أمهات وآباء على الأرصفة انتظاراً لـ«روشتة» الشفاء، بعد ساعات طويلة يقضونها فى حمل أطفالهم بين ذراعيهم.. أطفال تبدأ أعمارهم من سن يوم وحتى 18 عاماً تحت أشعة الشمس الحارقة وأعراض مرض السكر تمكنت من أجسادهم النحيلة وأعينهم الغائرة ووجوههم الشاحبة، كل تلك المشاهد المؤلمة والحزينة لملائكة الأرض يعيشها 52 ألف طفل مصابون بـ«السكر».

تسابقت كل من: نجلاء عبدالله - 40 عاما - ومنى أحمد - 36 عاما - وأمينة عطا - 39 عاما - على المداخل والطرقات والعيادات والصيدليات، لإنقاذ حياة أطفالهن المصابين بالسكر ضمن مئات الحالات التى تقف منتظرة للحصول على جرعة الحياة، أو فحص طبى مستمر على مدار فترة العلاج، وتستمر معركة البحث عن «حقنة الأنسولين» لساعات.

«أنا قادمة من بولاق الدكرور، الجيزة، أملاً فى أن يزول الألم عن ابنى ويحتاج إلى العلاج بشكل ضرورى»، هكذا بدأت «نجلاء عبدالله» حديثها وقالت والدة الطفل «فرج»: «وصلت إلى المستشفى الساعة 8 صباحاً ورغم مشقة الانتظار وعنائى فى الدخول فى تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً إلا أنه من غير فائدة».

أمينة عطا - 39 عاما - أم لـ«طفلين» مقيمة فى منطقة المنيب، سقطت فى بئر الحزن عندما أصيب ابنها «مؤمن» بمرض السكر، الذى يحتاج إلى اختبارات وفحوصات معملية دائمة منها: قياس نسبة السكر فى الدم، والانتظام على العلاج والمتابعة الطبية.

وتحكى «أمينة»: «جئت للمستشفى بعد تعرض طفلى لغيبوبة نقص السكر فى الدم، سببت ضعف رؤيته وفقدان توازنه وإصابته بالإغماء بشكل متكرر، وانتظرت لأكثر من 3 ساعات حتى جاء الطبيب ومع تكدس الحالات التى افترشت الأرض، لا يمكن أن تدخل حالة قبل الأخرى».

تواصل أمينة: «أنا ربة منزل، ومعاشى 1150 جنيهاً كل شهر.. وهو لا يعيننى على مشقة الحياة وعلاج ابنى، خاصة أنه مريض منذ 10 أشهر ومحدش بيسأل عنى بعد وفاة زوجى منذ 5 أعوام».

منى أحمد «موظفة - 36 عاما» مقيمة فى منطقة صفط اللبن، محافظة الجيزة، التقيناها ساعة قدومها للكشف على ابنها بالمستشفى.. قالت: «ابنى» عمر مريض سكر وعمره 14 عاما يشتكى بشكل مستمر من كثرة التبول وشرب الماء، وبعد إجراء تحليل السكر له، تم عرضه على الطبيب المعالج لفحص حالته، ثم اضطررنا لشراء علاج السكر من الخارج، وهذا يفوق طاقتنا، كما أن التحاليل تتم فى المستشفى بمقابل مادى كبير.

واضافت: راتبى لا يزيد على 1200 جنيه شهرياً وهو لا يكفينا.. «بناكل بالعافية» وأعول 3 أطفال صغار، ولابد من إيجاد حل عاجل لمشاكلنا الصحية.

«مسشتفى أطفال مصر» هى أملنا الوحيد للخلاص من آلام أطفالنا المستمرة.. هكذا قال رشاد أبوالعينين الرجل السبعينى أب لـ3 أبناء وهو من منطقة السيدة زينب، وأضاف: ما نريده هو تحسين أوضاعنا الصحية والعلاجية، باعتبارها ضرورة ملحة لمواجهة أمراض العصر، ورحمة بأبنائنا، وهو المطلب الوحيد لمرضى السكر.

«مصطفى» طفل لا يتعدى عمره 10 أعوام حمله والده وجاء به إلى المستشفى

فريدة محمود، أم لطفلة عمرها 10 سنوات، تقول: ابنتى تعانى من ارتفاع السكر فى الدم، منذ عامين، وتحملت الكثير من التكاليف المرتفعة بالعيادات الخاصة، لذا توجهت إلى مستشفى «أطفال مصر» أملاً فى الحصول على جرعة الدواء.

وأضافت الأم: السكر مرض وراثى فى عائلتنا وعندما علمت بأن «ميادة» ابنتى مريضة سكر شعرت بحزن شديد، خاصة أن هذا المرض جعلها تتأخر كثيراً عن باقى الأطفال فى العملية الدراسية ولكن أغلب الأسر عاجزة عن توفير الدواء لأبنائها أو حتى عرضهم على الطبيب المختص لمعالجتهم فالحياة صعبة، ولابد أن يأخذوا علاج السكر «الأنسولين» وراتبى بسيط لا يزيد على 1200 جنيه، ولا يوجد لدى دخل آخر وآمل فى الاستقرار الدوائى حتى إتمام مرحلة الشفاء.

مدير مستشفى «الطلبة سابقاً» يهدد محررة «الوفد»!

عندما توجهت إلى الدكتور رامى عادل، مدير مستشفى أطفال مصر، للتحدث معه عن الخدمات العلاجية والطبية التى تقدم لأطفال السكر والأزمات التى يعانون منها، رفض الإدلاء بأى تصريحات صحفية وحينما ذهبنا للتحدث مع أهالى الأطفال من مرضى السكر المنتظرين خارج أسوار هذا الصرح الطبى اعترض أمن المستشفى طريقنا ومنعنا من تصوير المرضى خارج المستشفى أو التحدث معهم، وأخبر مدير المستشفى بذلك.

ثم قال لنا مدير المستشفى: «انتو مش عارفين ممكن بلطجية الشارع يعملوا فيكو إيه.. أنصحكوا تمشوا.. وماحدش يتكلم مع أى مريض داخل أو خارج أسوار المستشفى.. وأظن رسالتى واضحة مش محتاجة تفسير»!!

البحث العلمى ينجح فى حقن الأطفال «بدون ألم»

معاناة حقيقية يعيشها الطفل المريض بالسكر، خاصة أن هناك حالات كثيرة قد تضطر لتناول الأنسولين مدى الحياة، مما يؤثر سلباً على الطفل نفسياً وصحياً، إلا أن التقدم الطبى الذى توصل الباحثون والعلماء إليه فى اختراع وسائل مراقبة سكر الدم، وإعطاء الأنسولين.. قد حسن من التعامل اليومى مع المرض.

عادة ما يحقن الأنسولين باستخدام إبرة دقيقة ومحقنة، أو قلم الأنسولين وهو جهاز يشبه قلم الحبر يملأ بالأنسولين.

كما تعتبر مضخة الأنسولين أيضاً من الخيارات المتاحة لبعض الصغار، وهى عبارة عن جهاز بحجم الهاتف الخلوى تقريبا يتم ارتداؤه على الجسم، وفى معظم الحالات يوصل أنبوب خزان الأنسولين بالقسطرة التى يتم إدخالها تحت جلد البطن.

وأيضاً تعتبر المضخة اللاسلكية التى تستخدم جرابات صغيرة تملأ بالأنسولين من الخيارات المتاحة، وتتم برمجة المضخة لإطلاق كميات معينة من الأنسولين تلقائيا، ويمكن تعديلها لإطلاق كمية أكثر أو أقل من الأنسولين تبعاً للوجبات اليومية، ومستوى النشاط، ومستوى السكر بالدم.

عن المرض وأبعاده وكيفية التعامل معه طبياً، تقول الدكتورة منى سالم، أستاذ السكر والغدد الصماء بطب عين شمس، رئيس الجمعية المصرية لسكر وغدد الأطفال: فى البداية لابد أن نعلم جيداً أن مرض السكر عند الأطفال من «النوع الأول» وهو حالة مرضية سببها فشل خلايا بنكرياس الطفل المسماة بخلايا «بيتا»، عن إنتاج الأنسولين الذى يحتاجه الطفل للبقاء على قيد الحياة، وبالتالى ترتفع نسبة السكر فى الدم، وتظهر علامات وأعراض النوع الأول من

وعن العلاج، توضح الدكتورة منى سالم: لا مفر من تناول الأنسولين مدى الحياة، فحالات الشفاء من مرض السكر قليلة جداً، أما علاج الأنسولين، فهو نوعان: نوع طويل المدى يعطى مرة واحدة على مدار اليوم، ونوع سريع المدى يعطى مع كل وجبة غذائية، ويجب حساب السعرات أثناء الطعام، لكى تتناسب مع جرعة العلاج، وكمية الجرعة يحددها الطبيب المعالج، ومن الممكن تقليل الجرعة بمرور الوقت، والأنسولين يحصل عليه الطفل المريض عن طريق الحقن، وهناك أقلام جديدة بسن رفيع وحسنة الشكل تم التوصل إليها للتغلب على مشكلات الأنسولين، والمطلوب من «الأم» الاهتمام بغذاء الطفل المريض وأن يحصل على غذاء صحى متوازن يحتوى على الخضراوات والفواكه الطازجة، وكميات معقولة من البروتينات والنشويات والفتيامينات والمعادن مع التقليل من الدهون، وممارسة الرياضة بطريقة منتظمة، وهو ما يحسن من مستوى السكر فى الدم، هذا بخلاف الدعم الأسرى نفسياً ومعنوياً، ولكن عواقب إهمال «الأم» فى علاج أطفالها يظهر مضاعفات مثل تشويش الرؤية وخلل فى وظائف الكلى والكبد والقلب والأعصاب، لذا يجب الالتزام بتعليمات أخصائى سكر الأطفال.

وأوضحت الدكتورة منى سالم: لا توجد وسيلة وقاية للنوع الأول حتى الآن، أما عن الجانب النفسى لأطفال السكر فهو مهم للغاية ويجب أن نفهم الطفل أنه ليس مريضاً بالسكر بل هو إنسان متعايش مع السكر، وهناك آلاف مثله، لأن نسبة انتشار السكر فى مصر تمثل 8 من عشرة فى الألف، أى تقريباً كل ألف طفل هناك طفل واحد مريض بالسكر، كما ينبغى إشراك الطفل فى كل أنشطة المدرسة مثله مثل أى طفل، وبالتالى يجب ضبط الأنسولين وتناول الأطعمة الصحية من أجل ممارسة النشاط الرياضى.

ويقول الدكتور أشرف رياض، استشارى القلب وأمراض الباطنة عضو جمعية السكر والغدد الصماء الأوروبية: أوضح أنه لابد من تقديم للطفل المريض بالسكر نظاماً غذائياً صحياً مليئاً بالحبوب الكاملة والخضراوات والفواكه الطاذجة واللحوم الخالية من الدهون، ولأن معظم الأطفال يحتاجون لوجبات خفيفة ما بين الوجبات الأساسية للحفاظ على مستوى الطاقة لديهم.. فيجب تقديم وجبات بينية خفيفة وصحية، حتى لا يزيد مستوى السكر بدمهم، وفى الوقت نفسه يمدهم بالطاقة التي يحتاجونها لمواصلة نشاطهم اليومى، ومن هذه الأطعمة الضرورية الحبوب الكاملة مثل الأرز البنى بدلاً من الأبيض، وخبز القمح الكامل «الخبز بالردة» بدلاً من الخبز الأبيض، مع الخضراوات غير النشوية مثل الفاصوليا الخضراء والسبانخ والبروكلى والجزر، أو الفاصوليا المجففة والعدس، مع أهمية تقليل عدد مرات تناول الطعام خارج المنزل، لأننا لا نستطيع منعها على الإطلاق، مع ضرورة أن تتضمن وجبات الطفل البروتين مثل الأسماك المشوية مرتين أو ثلاث مرات بالأسبوع، واللحوم الخالية من الدهون مثل اللحم البقرى والدجاج أو الرومى منزوع الجلد، ومن المهم طهى الطعام بالزيوت النباتية، وتجنب الدهون الصلبة أو المقليات، كما يجب تقديم منتجات الألبان الخالية من الدسم مثل اللبن والزبادى منزوع الدسم والجبن قليل الدسم، مع الإكثار من السوائل مثل المياه والعصائر الطبيعية غير المحلاة، وتجنب الصلصات والعصائر المحلاة والمشروبات الغازية قدر الإمكان، لأنها غالباً ما تكون مليئة بالدهون والسكريات، بما يحمى الطفل المريض بالسكر وجميع أفراد أسرته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل