المحتوى الرئيسى

عالمة أزهرية: ليلة القدر تكتب فيها آجال ومقادير العباد.. والله فضلها بـ «4 أمور» عن الليالي الأخرى.. و8 علامات تدل عليها

06/07 01:16

الدكتورة سهير طلب أستاذ الحديث بجامعة الأزهر: ليلة القدر تكتب فيها الآجال والمقادير.. وترى بالعين وفي المنام فضائل ليلة القدر كثيرة وعظيمة ومن حُرم خيرها فهو المحروم حقًّا الملائكةَ تكون في ليلة القدر أكثر من عدد الحصى الموجود بالأرض

ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال سبحانه في أول سورة الدخان: «حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الدخان:1-6).

وصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق على صحته، وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير.

«صدى البلد» لتقى الدكتورة سهير طلب، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، للحديث عن ليلة القدر والأسئلة التي تشغل الأذهان حولها، مكدة أن الله تعالى منَّ على أمَّة محمد بأَنِ اختصَّها على غيرها من الأمم بخصائص عديدة، من هذه الخصائص تلك الليلة المباركة ليلة القدر.

وأضافت «طلب» في حوارها مع «صدى البلد»، أن فضائل ليلة القدر كثيرة وعظيمة، من حُرم خيرها فهو المحروم حقًّا، ومن وفقه الله - عزَّ وجلَّ - لقيامها فهو الفائز السَّعيد، حيث أن ليلة القدر تكتب فيها الآجال والمقادير، ومن فضائل ليلة القدر أنَّها ليلة مباركة نزل فيها القرآن الكريم على النبي؛ قال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» [الدخان: 3]، وقال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» [القدر: 1].

ونصحت بترديد 8 كلمات في ليلة القدر، وهي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشةَ رضي الله عنها لما سألته إن وافقَتْ ليلةَ القدرِ ما تقول فيها؟: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» أخرجه الترمذي... وإلى نص الحوار.

بداية.. ما معنى ليلة القدر الوارد في قوله تعالى «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ»؟

ليلة القدر هي الليلة المباركة في كتاب الله عز وجل، يقول الله تعالى: «حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» [الدخان:1-6] وصح عن ابن عباس، وقتادة، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم من علماء السلف ومفسريهم: أن الليلة المباركة هي ليلة القدر وفيها أنزل القرآن، و«فيها يفرق كل أمر حكيم»، أي: يكتب، ويفصل، وقيل: إن المعنى أنه يبين في هذه الليلة للملائكة.

وقيل: تقدر فيها مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج، والعزيز والذليل، ويكتب فيها الجدب والقحط، وكل ما أراده الله تبارك وتعالى في تلك السنة.

والظاهر –والله أعلم- بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر: أنه ينقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ؛ ولذلك قال ابن عباس -رضي الله عنها-: «إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات»، ثم قرأ هذه الآية: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة».

لماذا أُطلق على هذه الليلة اسم «القدر»؟ 

القَدْرُ في اللغة: يأتي بمعنى القضاء والحكم كالقَدَر، ويأتي بمعنى الحرمة والمكانة، فلان له قدر، ويأتي بمعنى التقدير، ولذا اختلف العلماء في سبب تسمية ليلة القدر بذلك، منها أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، لقوله تعالى: "فيها يفرق كل أمر حكيم".، والقول الثاني سميت بذلك لشرفها وعظيم قدرها عند الله، قال القرطبي: «إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها من قولهم: لفلان قدر أي شرف ومنزلة قاله الزهري وغيره»، وقال النووي: "وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها

وقيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر، وقيل لأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر، كما قيل لأن للطاعات فيها قدرًا عظيمًا، كما قيل لأن من أقامها وأحياها صار ذا قدر، قال أبو بكر الوراق: سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها"، والراجح أنها سميت بذلك لجميع هذه المعاني مجتمعة وغيرها. 

اذكرى لنا سر تفضيل ليلة القدر عن غيرها من الليالي؟

فضل الله عز وجل ليلة القدر بأربعة أمور: نزول القرآن، ونزول الملائكة، وهي ذات القدر والمكانة الرفيعة، لأنها مطهرة من الرذائل، ملهمة للتسبيح والطاعة، ونزول الروح: إن حملنا الروح على معنى الرحمة والخيرات، كما هو قول أحد المفسرين، ونزول السلام، فهي ليلة آمنة سالمة.فالسلام من أخص خصائص المسلم، أي يكون قلبه سليما، ولسانه سليما، ويده سليمة، ونفسه سليمة، وجوارحه كلها سليمة، ويعامل الناس بسلام، ويشعر الناس معه بالأمن والسلام، أفليس ذلك من أعظم الأمور التي تجعل الإنسان ذا قدر، فلا بد للإنسان أن يقتبس من ليلة القدر سر القدر.

هل ورد لليلة القدر فضل في القرآن الكريم والسنة النبوية؟

ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» [القدر:1-3]، فبين الله تعالى أنها أفضل من ألف شهر، أي ما يقارب 83 عامًا، أي إن اغتنام ليلة القدر بالأعمال الصالحات، خير من عمل ألف شهر، وهذا فضل عظيم.

وقال تعالى عن ليلة القدر: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» [الدخان]، والليلة المباركة هنا هي ليلة القدر، وسماها ربنا مباركة، لكثرة الخير والبركات التي تتنـزل على المؤمنين فيها.

وفي السنة النبوية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وحديث سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر»، ففضل كبير فيها أن يكون قيامها كفارة عن كل ما تقدم من الذنوب.

ذكر القرآن أن ليلة القدر خير من ألف شهر، فما الحكمة من ذلك؟

قال تعالى: «لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» [القدر:3]، مما جاء في بيان الألف شهر هذه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمال الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمال أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر»، وعن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال فعجب المسلمون من ذلك قال فأنزل الله عز وجل «إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر» التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف. 

فسري لنا قول الله تعالى «تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ» [القدر:4]؟

قال البغوي: قوله عز وجل: "تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ" يعني جبريل عليه السلام معهم {فِيهَا} أي: ليلة القدر {بِإِذْنِ رَبّهِم} أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة، وقال ابن كثير: أي: يكثر تنـزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنـزلون مع تنزّل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَقِ الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيمًا له، وأنَّ الملائكةَ في تلك الليلةَ تكون أكثر في الأرض من عدد الحصى، فيَقْبَلُ الله التوبةَ فيها من كل تائب، وتفتح فيها أبوابُ السماء.

فسري لنا معنى قوله تعالى: «سَلَـٰمٌ هي حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ»؟

قال مجاهد في قوله: {سَلَـٰمٌ هي} قال: سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذى.، قال ابن الجوزي: ... وفي معنى السلام قولان أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء ولا يُرسَل فيها شيطان، قاله مجاهد. والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة، وكان بعض العلماء يقول: الوقف على {سَلَـٰمٌ}، على معنى تنزّل الملائكة بالسلام.

اشرح لنا معنى من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه؟.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه» متفق عليه.

قال ابن بطال: ومعنى قوله: (إيمانًا واحتسابًا) يعني مُصدِّقًا بفرض صيامه، ومصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسبًا مريدًا بذلك وجه الله، بريئًا من الرياء والسمعة، راجيًا عليه ثوابه، وقال النووي: معنى إيمانًا: تصديقًا بأنّه حق، مقتصد فضيلته، ومعنى احتسابًا: أن يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بالقيام: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها.

متى ليلة القدر؟ وهل علمها الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟

نعم.. الرسول -صلى الله عليه وسلم- علم ليلة القدر من سيدنا جبريل -عليه السلام- وبسبب شؤم المشاجرة والمُلاَحاة، رفعت معرفةُ ليلةِ القدر بسبب الشجار، والمخاصمة، والتنازع؛ فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالخَمْسِ»، مؤكدة أن التنازع والتشاجر سبب في رفع البَركة، وفي رفع الخير الذي يحدث لهذه الأمة.

واختلف العلماء رحمهم الله على أكثر من أربعين قولا في تحديد ليلة القدر والسبب في ذلك ورود الأحاديث المختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديدها، وتعارض الأثار عن الصحابة رضي الله عنهم، والقول الأقوى أنّها في الوتر من العشر الأواخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الآواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة» [رواه البخاري].

والرأي الصّحيح المشهور لدى جمهور الفقهاء، وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، والأوزاعي وأبو ثورٍ: أنّها في العشر الأواخر من رمضان لكثرة الأحاديث الّتي وردت في التماسها في العشر الأواخر من رمضان، وتؤكّد أنّها في الأوتار ومنحصرة فيها .

والأشهر والأظهر عند المالكيّة أنّها ليلة السّابع والعشرين، وبهذا يقول الحنابلة، فقد صرّح البهوتي بأنّ أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصًا. وقال الطّحطاوي: ذهب الأكثر إلى أنّ ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين، وهو قول ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من الصّحابة رضي الله عنهم، ونسبه العيني في شرح البخاريّ إلى الصّاحبين، وعلى الإنسان أن يجتهد العشر كلها.

لليلة القدر علامات منها مقارنة، وهي: قوة الإضاءة في تلك الليلة وهذه العلامة لا يحس فيها بالمدن، والطمأنينة أي طمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن فإنّه يجد راحة وطمأنينة في هذه الليلة أكثر ما يجده في بقية الليالي، والرياح تكون فيها ساكنة، وأنه قد يري الله الإنسان في المنام كما حصل مع بعض الصحابة، ويشعر باللذة فالإنسان يجد في القيام لذة أكثر من غيرها من الليالي.

علامات لاحقة: الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع.. صافية، وسبب ذلك أن الملائكة تصعد بعد الفجر إلى السماء بعد أن كانت على الأرض فتحجب شعاع الشمس، لأن الله أخبر أن الملائكة تتنزل في ليلة القدر".

وذكر بعضُ أهل العلم لليلة القدر علامات يستدل بها عليها، وأذكر ما قاله ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: "وقد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضى، منها: في صحيح مسلم عن أبي بن كعب أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها، وفي رواية لأحمد من حديثه مثل الطست، ونحوه لأحمد من طريق أبي عون عن بن مسعود وزاد صافية ومن حديث بن عباس نحوه .

ولابن خزيمة من حديثه مرفوعا«ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة»، ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا «أنها صافية بلجة كان فيها قمرا ساطعا ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب يرمي به فيها ومن إماراتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ.»

وحديث جابر بن سمرة مرفوعا «ليلة القدر ليلة مطر وريح»، ومن طريق قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة مرفوعا «أن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى».

هل ترى ليلةُ القدر عيانًا؛ أي أنَّها ترى بالعين البشرية المجردة؟ 

قد تُرى ليلة القدر بالعين لمن وفقه الله سبحانه، وذلك برؤية أماراتها، وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليها بعلامات ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانا واحتسابا؛ فالمسلم ينبغي له أن يجتهد في تحريها في العشر الأواخر من رمضان كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم طلبا للأجر والثواب فإذا صادف قيامه إيمانا واحتسابا هذه الليلة نال أجرها، وإن لم يعلمها قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (البخاري) » وفي رواية أخرى «من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (متفق عليه).

ما إمكانية مشاهدة ليلة القدر في المنام؟

أثبتت السنة النبوية أنه من الممكن أن يرى المؤمن في منامه من الرؤيا ما يدله على معرفة ليلة القدر، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لا أُرِيدُ مَكَانًا مِنْ الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ إِلَيْهِ وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ.

فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَكَانُوا لا يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِر».

قال النووي في شرح مسلم: وَاعْلَمْ أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر مَوْجُودَة كَمَا سَبَقَ بَيَانه فِي أَوَّل الْبَاب، فَإِنَّهَا تُرَى، وَيَتَحَقَّقهَا مَنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى مِنْ بَنِي آدَم كُلّ سَنَة فِي رَمَضَان كَمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الأَحَادِيث السَّابِقَة فِي الْبَاب، وَإِخْبَار الصَّالِحِينَ بِهَا وَرُؤْيَتهمْ لَهَا أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَر، وَأَمَّا قَوْل الْقَاضِي عِيَاض: عَنْ الْمُهَلَّب بْن أَبِي صُفْرَة لا يُمْكِن رُؤْيَتهَا حَقِيقَة , فَغَلَط فَاحِش , نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلا يُغْتَرّ بِهِ.

وأضاف: وَقَدْ يَكْشِفُهَا اللَّهُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي الْمَنَامِ أَوْ الْيَقَظَةِ، فَيَرَى أَنْوَارَهَا أَوْ يَرَى مَنْ يَقُولُ لَهُ هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الأَمْرُ.

وضحي لنا كيف حرص النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على تحرِّي ليلة القدر؟

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير، وأسبق الناس إلى كسبه وفعله، وضلَّ قوم جاؤوا بعبادات وطاعات في الكمِّ أو الكيف، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وعلَّلوا ذلك بأنَّهم أحوجُ إلى الخير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل النَّفر الذي سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما يفعل كثيرٌ من المسلمين اليوم.

وبالتأمل في منهج النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر يمكن أن نلاحظ الأمور التالية: اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على إدراكها، فقد كان يعتكف في المسجد من أجل إدراكها، وكان في البداية يعتكف الشهر كله، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال (كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين).

فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء"، فلما تبين له أنها في العشر الأخير صار يعتكف في العشر الأخير فقط.

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحرص على قضائها كلها في العبادة، ولهذا كان يعتكف لأنه يستغرق الوقت في العبادة وينقطع عن الشواغل، وكان يحث أهله على اغتنامها والتعرض لها، كما في حديث عائشة رضي الله عنها " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في طاعته لله، ورعايته لأهل بيته.

ويحث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على فعلها، كما في الأحاديث السابقة، وهذا منهج ينبغي أن يسير عليه المسلم في دعوة الناس وكل من يحب خاصة إلى الخير، ولا يستأثر بها لنفسه.

وكان إحياؤه لها منفردا بنفسه، ولم يكن يحييها مع الصحابة جميعا، ولا يخلوا هذا من الحكمة، فلكل حاجته التي يسألها ربه، وذنوبه التي يستغفر ربه منها، ولعل في هذا الهدي إشارة إلى أن ما عليه بعض المسلمين من إحيائها بصورة جماعية، مخالف للهدي النبوي على أقل تقدير، وكان إحياؤه لها بالدعاء والصلاة والذكر، وهذا هو سبيل المؤمنين، فعجبا لقوم يحيونها بالغناء والرقص.

من الأفضل أن يسير المؤمن على خطة واضحة في إحياء ليلة القدر، وهي ذات شقين: مراجعات وعبادات.

الأول: مراجعات، فقبل البدء بإحياء ليلة القدر، بل قبل ليلة القدر، بل قبل رمضان كله، لابد من مراجعات يقوم الإنسان في علاقاته، حتى تصبح الطاعات منه مقبولة، قال تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» [المائدة:27]، فيسعى لتصحيح علاقاته مع والديه وأرحامه وجيرانه ومعاملاته، وترميم الهوات التي أحدثتها خلافات الدنيا.

والثاني: الطاعات، وهي العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى في هذه الليلة، وأهمها: قيام الليلة كلها، وهو الأفضل، فإن لم يستطع فالنصف الثاني أفضل من الأول، فإن لم يستطع فالثلث الأخير، لأنه الوقت الذي ينزل فيه الله تعالى، نزولا يليق بجلاله وكماله، فينادي على عباده ويمن عليهم بالرحمات والمغفرات، فإن لم يستطع فأداء الصلوات المكتوبة للرجال مع جماعة المسلمين، لاسيما الصبح والعشاء، وذلك أضعف الإيمان.

وصلاة التهجد، لقوله صلى الله عليه وسلم:" من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكان عليه الصلاة والسلام أكثر ما يقوم الليل بالصلاة، ويطيل السجود ويكثر من الدعاء. 

والدعاء وقراءة القرآن: فهي ليلة القرآن الكريم، وتلاوته من أعظم القربات، والتسبيح والتهليل والاستغفار وغيره من أنواع الذكر، وليقسم الإنسان ليله، جزء للقيام وجزء للدعاء وجزء للقرآن وجزء للأذكار، ولينقل النفس من عبادة لأخرى كلما أحست بالتعب.

ويمكن للمرء أن يجمع بين هذه كلها في الصلاة إذا أطال القيام، وسأل الله الرحمة واستعاذ به من النيران، كلما مر بآية رحمة أو عذاب.

هل هناك أدعية مأثورة في ليلة القدر؟

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني» فهذا هو الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين، وللمؤمنين من بعدها في ليلة القدر، وهو دعاء جامع، فيه الثناء على الله تعالى، والتذلل وطلب الصفح والمغفرة، وهذا الحال الذي يناسب ليلة القدر.

ويمكن أن يدعو الإنسان بما شاء فيها، ولاسيما ما كان يقوله النبي صلى الله عليه في تهجده في الليل، ومنه ما ورد عن عائشة قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»

وليدع العبد ربه أن يلطف به بما يقدر عليه في هذه الليلة، وأن ييسر له الهدى والتوفيق، وأن يقيه المهالك والمساوئ من أمور الدنيا والآخرة. 

هل نقوم الليلة كلّها، أم يكفي قيام بعضها؟

اختلف العلماء - رحمهم الله - : فقال بعض العلماء: إنه يقوم الليلة كاملة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخلت عليه العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وفي بعضها: «طوى فراشه» صلوات الله وسلامه عليه كناية عن اعتزال النساء، فقالوا لابد أن يصلي من العشاء إلى الفجر، يصلي ويذكر يكون في ذكر الله - تعالى - ولا يصدق عليه أنه قائم إلا إذا لم ينم، أما إذا نام فقد ضيّع، بقدر ما ينام من فضل القيام.

وقال بعض العلماء: لا بأس أن ينام بعض الليل، مادام أنه قد قام أغلبه؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ما قام ليلة حتى أصبح» صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يقولون: يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يحي الليلة كاملة، ومن هنا رخصوا من كونه إذا تعب أو كذا أن يستجم بالنوم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل