المحتوى الرئيسى

دير المحرق.. «أورشليم الثانية».. آخر محطات رحلة العائلة المقدسة

06/06 22:00

هنا «أورشليم الثانية»، كما يطلقون عليها، يعيش 133 راهباً فى حياة يومية عامرة بالأحداث، يظهرون بلحى كثيفة بعضها زارها الشيب، ويرتدون قلنسوة الرهبانية السوداء المطرزة بالصلبان، مما يضفى عليهم وقاراً يليق بهم، يتحركون بثبات على الأرض المقدسة، من القلاية للكنيسة الأثرية إلى المزارع والأراضى الموجودة فى الصحراء.

133 راهباً يعيشون بين الأسوار العالية، والمبانى الأنيقة، الصلبان فوق هاماتهم، وصوت الأجراس يعلو وقت الصلوات فى إجلال.. هنا سارت السيدة مريم العذراء، والسيد المسيح، ويوسف النجار، فى آخر محطات رحلة العائلة المقدسة إلى مصر..

«فيلكسينوس»: الطرق متعرجة وغير صالحة للسير والمقبلون على الدير يجدون صعوبة كبيرة تعرقل رحلات الحج المسيحى

هنا «دير المحرق».. بمجرد الولوج إلى منطقة جبل قسقام، تظهر أسوار عالية، تشبه أسوار القدس «أورشليم»، وتحيط بالدير من كل جانب، شيدها «الأنبا باخوميوس»، أول أسقف للدير فى أوائل القرن العشرين، وفى المنتصف بوابة الدير على هيئة برجين عاليين بشكل أسطوانى، تزينهما الصلبان الضخمة، وفى المنتصف صورة السيدة العذراء تحمل الرضيع على الحمار وبجوارها يوسف النجار، مكتوباً عليها: «يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر».

«دير المحرق» هو الأهم فى رحلة العائلة المقدسة، يقع على سفح جبل قسقام على بعد 12 كم من مدينة القوصية، وكان يسمى قديماً دير السيدة العذراء بجبل قسقام، قبل أن يتم تغيير اسمه إلى دير المحرق نسبة لوجوده بالقرب من منطقة تجميع مُزارعى القرى المجاورة للحشائش وحرقها قديماً، ومن هنا عرف بـ«دير المحرق».

«الوطن» تجولت داخل الدير برفقة القمص «فيلكسينوس المحرقى»، المتحدث باسم دير المحرق، حيث بدأنا من الكنيسة الأثرية، التى بُنيت على أثر المنزل الذى عاشت فيه العائلة المقدسة 6 أشهر وعشرة أيام، قبل أن ينزل ملاك العودة ويأمرهم بالعودة إلى فلسطين حسب العقيدة المسيحية، وتظهر الكنيسة من طابق واحد، مبنية بالأحجار، وحولها يلعب الأطفال بملابس المدرسة، جاءوا لزيارتها كتقليد أسبوعى.

داخل الكنيسة الكل يجلس فى هدوء، البعض يقرأ، والبعض يتعبد، والأطفال يمسحون بأيديهم على الدولاب الخشبى المملوء بالصور الأثرية القديمة، لنَيْل البركة.

القمص «فيلكسينوس المحرقى» تحدث بلباقة شديدة عن تاريخ الكنيسة قائلاً إنه حسب عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والحبشية والسريانية، فإن دير المحرق هو المكان الوحيد فى العالم الذى قدسه يسوع بنفسه، فرغم وجود كنائس كثيرة فى أرض فلسطين مرتبطة بالرب يسوع فإنها نشأت فى القرن الرابع، لكن الكنيسة الأثرية فى دير المحرق نشأت فى القرن الأول، فلا يضاهيها شىء فى العالم، لذلك إيمان الأقباط المصريين يتمثل فى أن كنيسة المحرق الأثرية هى القدس الثانية، لأن المسيح عاش فيها رضيعاً، وعاد لها مع الرسل الاثنى عشر وقدسها بنفسه حسبما يقول فيلكسينوس.

«كانت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر رحلة هروب، لذلك كانت العائلة تحاول تجنب المصريين»، هكذا وصف «فيلكسينوس» الرحلة، مضيفاً: «إنه من البحر المتوسط وحتى أسيوط، لا تجد أثراً فرعونياً كاملاً، حيث تشير آية فى الإنجيل فى العهد القديم آية (إش 19: 1): «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَ ذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا»، وهذه الآية تعنى أن العائلة المقدسة كانت حين تمر بمعبد فرعونى يهدم المعبد فوراً، فيخرج كهنة الأوثان ليطردوهم ويصفون المسيح بأنه طفل له شكل أولاد الملوك، لذلك كانوا يبحثون عن الأماكن النائية والمنعزلة للهروب من مطاردة رجال هيرودوس والكهنة، وحين وصلوا هنا عند سفح جبل «قسقام»، وجدوا على أطراف الجبل بيتاً مهجوراً، من أربعة جدران، ومسقوف بالجريد وسعف النخيل، وكان مؤهلاً للمعيشة الطويلة بسبب بعده عن العمران وعن مطاردة «هيرودوس» بالإضافة إلى وجود بئر مياه بجانب البيت».

وتابع: لأن المسيح وجد فى المنزل الأمان فإنه حسب العقيدة المسيحية، عاد له بعد أحداث القيامة على سحابة بطريقة معجزة ودشن هذا البيت كنيسة وقال المسيح فى التدشين: «هذا المكان يصل لواحة وسلام لكل مطرود وهربان من الجنس البشرى»، وقال إنه حين سأل البابا شنودة الثالث عن الحج إلى القدس قال: «زيارة دير المحرق مهمة لأنه قدس ثانية»، وهو الدير الوحيد فى مصر الذى لم يخرب ولا يهجر فى تاريخه».

ويروى «فيلكسينوس» أن أهمية هذه الكنيسة تتجلى ليس فى مصر وحدها، ولكن فى الحبشة أيضاً، فحين يصعب على الرهبان الأحباش الحج للقدس، كانوا يأتون للدير ويقيمون فيه، وجاءت إمبراطورة من الحبشة فى القرون الوسطى لزيارة دير المحرق، وأخذت حفنة من التراب، وعادت بها للحبشة وأسست عليها كنيسة تسمى كنيسة «قسقام».

وبجانب الكنيسة الأثرية يظهر الحصن، ممهوراً على بابه الخشبى القديم حيث لا يسمح بالصلاة فيه سوى لرهبان الدير، بعد أن أسس فى القرن السابع، وكان الهدف منه احتماء الرهبان به حين يكون أى هجوم معادٍ على الكنيسة، حيث يتوافر به كل عوامل الأمان، وفى الطابق العلوى يوجد به كنيسة للصلاة.

وتم وضع الدير ضمن 8 مواقع ضمن مشروع إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة، فى إطار عمل اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء، والتى تضم الوزارات والجهات المعنية للتنسيق فيما بينها ومتابعة هذا الملف المهم خلال برنامج زمنى محدد، لإحياء السياحة الدينية من خلال ذلك المشروع، والذى تبناه بابا الفاتيكان، ورغم ذلك يقول «فيلكسينوس» إن هذا لم يغير من الأمر شيئاً وما زال هناك إهمال للطرق المؤدية للدير، لأنها ما زالت متعرجة وغير صالحة للسير، ويجد المقبلون فيها صعوبة كبيرة، رغم الشكاوى المتعددة التى تقدموا بها للمحافظ والجهات المعنية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل