المحتوى الرئيسى

1968 فى ذاكرة المصريين

06/05 21:12

يمر هذا العام نصف قرن على عام 1968، أحد الأعوام الاستثنائية وغير العادية فى تاريخ العالم، ولكنه كان كذلك أيضا فى تاريخ مصر وأهلها. فلم يكن عام 1968 هو مجرد العام الذى حدث فيه الغزو السوفيتى لتشيكوسلوفاكيا آنذاك تطبيقا لما عرف بمبدأ «بريجنيف» الخاص بحق الاتحاد السوفيتى السابق للتدخل العسكرى فى البلدان الحليفة له الأعضاء فى «حلف وارسو» فى ذلك الوقت، ولم يكن مجرد العام الذى اندلعت فيه انتفاضات وتظاهرات واحتجاجات الشباب، خاصة الطلاب، فى أماكن متفرقة من العالم، ومن مختلف قاراته، لتطالب بمطالب بعضها عام يخص الشعوب التى انتمى إليها هؤلاء الشباب وبعضها خاص بتمكين هؤلاء الشباب فى مجتمعاتهم وبلدانهم، وبرز ذلك بشكل خاص فى فرنسا، والتى أدت فيها تلك المظاهرات لاحقا إلى استقالة الرئيس التاريخى لفرنسا الجنرال «شارل ديجول» من منصبه فى 29 إبريل 1969، وكذلك اندلعت المظاهرات فى عدد آخر من دول أوروبا الغربية والوسطى، ولكن أيضا امتدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكان عام 1968 أيضا شديد الأهمية للمصريين من عدة زوايا سنحاول أن نلقى الضوء على بعضها سريعا فى هذا المقال.

فمثله مثل بقية شباب العالم وطلابه، خرجت مظاهرات للشباب المصرى، بدأت بالطلاب ثم انضمت لها فئات شعبية أوسع، فى فبراير 1968، كانت الشرارة التى أطلقتها هى ما عرف بـ«أحكام الطيران»، والتى صدرت بحق قادة سلاح الطيران المصرى خلال هزيمة 5 يونيو 1967، والذين كانوا قد تعرضوا للمحاكمة بسبب المسئولية عن الهزيمة بسبب ما تعرض له سلاح الطيران المصرى من تدمير فى الساعات الأولى لحرب الأيام الستة. ولذا عندما صدرت تلك الأحكام اعتبرها الشباب مخففة للغاية وخرج للتظاهر ضدها. ولئن كانت تلك هى البداية والشرارة، فإن انطلاق المظاهرات واتساع قاعدة المنضوين تحتها أدى تدريجيا أيضا إلى اتساع المطالب التى ترفعها، فلم يعد الأمر مجرد الاحتجاج على أحكام الطيران، ولكنه شمل المطالبة بالحريات والحقوق السياسية وبنظام ديمقراطى، وكذلك الدعوة لتبنى القيادة السياسية آنذاك لاستراتيجية حرب تحرير شعبية لتحرير شبه جزيرة سيناء من الاحتلال الإسرائيلى. ولم تفت هذه الإشارات على فطنة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذى رأى الشباب يتظاهر ضد بعض جوانب من حكمه لأول مرة منذ أزمة مارس 1954، فكان أن تجاوب سريعا، وإن كان فى حدود معينة، مع تلك المطالب، فأعلن بداية عن إعادة محاكمة قادة الطيران، ثم أعلن فى نفس العام بيان 30 مارس الذى وعد فيه بإصلاحات سياسية وديمقراطية، وإن كانت فى حدود صيغة التنظيم السياسى الواحد القائمة آنذاك، وهو الاتحاد الاشتراكى العربى، مع وعود أخرى بإصلاحات أعرض وأعمق بعد «إزالة آثار العدوان، أى بعد تحرير الأراضى التى احتلت فى حرب يونيو 1967. ولكن هذه الوعود فيما يبدو إما لم يرها الشباب كافية أو اعتبروا أنها لم تنفذ بالقدر الكافى، فخرجت قطاعات من الشباب ومن غيرهم من فئات شعبية فى مظاهرات جديدة فى نوفمبر من نفس العام.

ولكن عام 1968 كان مهما على الصعيد المصرى من زاوية أخرى لا تقل أهمية بل قد تزيد، ولكنها ترتبط أيضا بنتائج هزيمة 1967، وهى انطلاق حرب الاستنزاف التى استهدفت حلحلة وضعية الجمود السائدة عسكريا ودبلوماسيا منذ هزيمة يونيو 1967، حيث خلصت القيادة الناصرية إلى أن المجتمع الدولى لا يتحرك بما يكفى لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 الصادر فى 22 نوفمبر 1967 والقاضى بانسحاب إسرائيل من الأراضى العربية التى احتلتها فى حرب يونيو، وأن الأمر قد يحتاج تسخينا عسكريا لجبهة القتال المصرية ــ الإسرائيلية بهدف تحريك المواقف ودفع الأطراف الدولية إلى تحمل مسئولياتها إزاء تنفيذ القرار المشار إليه. وبدأت فى هذا العام حرب الاستنزاف التى قدر لها أن تستمر لمدة عامين حتى قبول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لمبادرة «روجرز» الأمريكية فى 23 يوليو 1970، والتى مثلت أول مسعى أمريكى تشتم منه رائحة الجدية للبحث فى تطبيق القرار 242 المذكور فيما سبق منذ صدور ذلك القرار الأممى. وقد مرت حرب الاستنزاف بمراحل عديدة من الصعود والهبوط على مدى هذين العامين، وشهدت ملاحم عسكرية من جهة واعتداءات إسرائيلية مؤثرة على الداخل المصرى، بما فى ذلك على منشآت مدنية، من جهة أخرى، كما أثرت تلك الحرب فى وتأثرت من نمط العلاقات المصرية السوفيتية من جهة والعلاقات المصرية ــ الأمريكية من جهة ثانية والعلاقات الأمريكية ــ السوفيتية من جهة ثالثة والعلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية من جهة رابعة.

وعام 1968 كان هو العام الذى جرى فيه حدث مهم كان له تأثيره الكبير على الصعيد الشعبى فى مصر، بل وأحدث هزة مجتمعية لها صداها لفترة من الوقت بين صفوف المصريين عموما، حيث تناثر الخبر بظهور السيدة مريم العذراء أم السيد المسيح عليه السلام وتجليها بداية للأقباط المصريين فى كنيسة القديسة العذراء مريم بحى الزيتون بالقاهرة، وسرعان ما انتشر الخبر وتوافد عشرات الآلاف من الأقباط والمسلمين على حد سواء، بعضهم أقام هناك فى جوار الكنيسة تطلعا إلى عدم ضياع فرصة رؤية السيدة مريم العذراء عند ظهورها والبعض الآخر كان يتردد كل ليلة بلا توقف لفترة طويلة على هناك، وهؤلاء وأولئك كانوا يحملون معهم هموما شخصية وعائلية ومشاكل وطلبات ويدعون بذلك كله عسى أن تستجيب لهم السيدة مريم العذراء وتشفع لهم عنذ خالقهم لحل مشاكلهم وتلبية دعواتهم ومطالبهم، ولكن بالإضافة إلى هذا البعد الشخصى أو العائلى لأهمية ظهور السيدة مريم العذراء، فقد انبرى العديد من السياسيين والمفكرين والمثقفين والمحللين، بل ورجال الدين، المصريين وقتها ليعتبروا هذا الظهور إشارة من الله بأنه يدعم المصريين، وأن ظهور السيدة مريم العذراء أم السيد المسيح عليه السلام ما هو إلا مواساة من الله للمصريين بعد هزيمة يونيو وطمأنة لهم بأن الله لن يتخلى عن مصر التى لها مكانة فى جميع الأديان السماوية الإبراهيمية، اليهودية والمسيحية والإسلام، كما أن هؤلاء رأوا فى هذا الظهور بشارة من الله بأن النصر قادم لمصر لا محالة وأن الأحوال ستتغير نحو الأفضل فى القادم من الأيام.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل