المحتوى الرئيسى

لماذا يختلف موعد رمضان في كل عام.. وهل كان ثابتًا؟

05/25 18:27

الثابت والمعلوم أنه قد ورد في كتاب الله العزيز اسم "رمضان" كاسم لشهر الصيام المفروض، ومعلوم أيضا أن لفظ رمضان فيه دلالة واضحة على شدة الحر.

ومن المعروف تاريخيا أن العرب قبل الإسلام عندما سمت الأشهر كان رمضان قد حل في الرمضاء - في وسط الحر- فسموه بذلك ولا زالت تلك التسمية حتى يومنا هذا.

إذن نستطيع أن نقول أن العرب قد أطلقوا على شهر رمضان هذا الاسم لأنه كان يوافق فصل الصيف عندهم، والأصل أن الشهر القمري يتنقل ما بين آخر الشهر الشمسي وأوسطه وأوله، ولكنهم كان ينسئون الشهر بمقدار 11 يوماً ليوافق التقويم الشمسي رعاية لمصالحهم، وبذلك كان ارتباط الشهر بالفصل ثابتاً، أما وقد حرم الله النسيء " إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا" فقد عاد رمضان يتنقل بين الفصول وبقي اسمه الذي أراد الله له أن يستمر ويعيش بين الناس.

وهناك ملاحظة في غاية الأهمية ومفادها أن الأصل في الأعلام ومنها أسماء الشهور أنها لا تعلل، وما قيل في ذلك لا يقوم على أساس قوي بحيث لا يقبل التشكيك أو المناقشة.

هناك رأي غير مألوف ولا شائع يرى أن شهر رمضان شهر ثابث لا يدور و أنه غير متغير ويتم في الأيام الباردة يعني في الشتاء.

وتنطلق وجهة النظر تلك من أن الله هو الذي شرع الصيام، إذن فالله هو الذي يقول لنا متى نصوم، ومتى نفطر، وكم يوما نصوم، وفي أي وقت نصوم، كل هذه المعلومات تأتي من عند الله، فالله هو الذي يعينها، يقول الله تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"،لنتوقف عند هذه المعلومة، فالله وصف هذا الشهر بأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن، وهذه المعلومة مهمة جدا في تعيين الشهر وتحصيل الفائدة، فلا نصوم في أي شهر كان، بل الشهر الذي نزل فيه القرآن، ولا بد أن القرآن نزل في فصل من الفصول، إما في الصيف أو الشتاء أو الربيع أو الخريف، وهذا يعني أن الشهر ثابت ولا جدال في هذا، فما علينا إلا أن نبحث عن الفصل الذي نزل فيه القرآن، ومن ثم نبحث عن الشهر، فهل إذا نزل القرآن في الخريف مثلا، فهل نصوم نحن في الصيف ؟

و أصحاب هذا الرأي يستندون إلى القرآن ذاته في دعم موقفهم وحجتهم، ففي بداية النزول نطالع قوله تعالى " يا أيها المزمل" أي أن النبي كان مستعملا غطاء يقيه من البرد، فالطقس كان باردا، وليس كما يقال زملوني زملوني من برودة الحمى خوفا من جبريل، فالبرودة برودة الطقس وليس برودة الحمى، إذن عند نزول القرآن كان الطقس باردا.

وجهة النظر السائدة والمعمول بها الآن:

والآن يأتي الدور على السؤال : لماذا يختلف موعد حلول شهر رمضان المبارك في كل عام ميلادي؟ وهل هذا هو الصحيح دينا وشرعا ؟

وقبل الإجابة، لابد أن نؤكد على أن السنوات تتعدد عند الأمم والشعوب إلى (سنة شمسية)، وهي التي تعتمد في بدايتها ونهايتها على حركة الشمس، وعدد أيامها (365) يوماً أو 366عندما تكون السنة كبيسة.. و(سنة قمرية)، وهي التي تعتمد على ظهور الهلال مع بداية الشهر ووصوله لطور المحاق في نهاية الشهر، وعدد أيامها (354) يوماً.

وعلى هذا يتراوح الفارق بين السنة الهجرية والميلادية بين 10- 12 يوماً، ولهذا السبب فإن شهر رمضان يتقدم كل عام بمعدل 11 يوماً بالنسبة للسنة الميلادية، أي أنه يتقدم شهر رمضان كل ثلاث سنوات شهراً واحداً تقريباً، ومن ثم يكون مفهوما أن يختلف موعد بدء شهر رمضان في كل عام بالنسبة للتقويم الميلادي، ويتنقل بناءً على ذلك بين الفصول الأربعة.

والقاريء لسورة الكهف وآياتها التي تحكي لنا قصة أصحاب هذا الكهف يجد إشارة واضحة من رب العزة سبحانه وتعالى إلى التفاوت بين النظامين القمري والشمسي في معرض حديثه عن قصة أصحاب الكهف، في قوله تعالى: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً"، فالرقم الأول وهو 300سنة يكون وفق الحساب الشمسي حيث دارت الأرض حول الشمس 300 مرة، أما قوله: ( وازدادوا تسعا) فيكون وفق الحساب القمري، فكل 100 سنة شمسية يقابلها 103 سنة قمرية.

وهكذا نخلص مبدئيا إلى أن اختلاف موعد شهر رمضان في كل عام يأتي على خلفية التفاوت بين (السنة الشمسية) و(السنة القمرية).

ننتقل بعد ذلك لمصادر التشريع الرئيسية، أعني كتاب الله وسنة نبيه، وهنا نجد بكل سهولة أن نصوص الكتاب والسنة ووقائع سيرة النبي (ص)، كل هذه مجتمعة تدل على أن شهر رمضان كان مرتبطا في تحديده برؤية الهلال، وينبني على هذا أنه كان يدور في فصول السنة، ولم يكن ثابتا كما هو الحال في الأشهر الميلادية.

فقد قطعت لنا آيات القرآن الكريم أن الشهور والأعوام إنما تعرف بسير القمر ومنازله.  قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ).

يقول ابن كثير في تفسيره للآية :

" ( وقدره) أي: القمر ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )، فبالشمس تعرف الأيام – أي الليل والنهار -، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام ".

وأكد القرآن كذلك على أن عدد شهور السنة اثنا عشر شهرا.  قال الله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).

قال القرطبي في تفسيره :

" هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب ".

وقال الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير) :

" والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام، لأنها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر، وأضبطها ؛ لأن اختلاف أحوال القمر مساعد على اتخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد، والآجال، وتاريخ الحوادث الماضية، بمجرد المشاهدة ".

و عند جمهور العلماء فقد دلت نصوص القرآن والسنة على أن الشهر إنما يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال.

قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ).

وفي الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: ( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ).

وبهذا تكون النتيجة أن السنة شرعا اثنا عشر شهرا، مقدرة بالقمر ومنازله، وليس بالشمس، والشهر يدخل برؤية الهلال، فتكون السنة التي شرعها الله للنبي صلى الله عليه وسلم ليعتمدها المسلمون في مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم : هي السنة القمرية.

والسنة القمرية تنقص عن الشمسية بحوالي أحد عشر يوما، وهذا يجعل الشهر القمري يتنقل بين فصول السنة، ولا يكون ثابتا أبدا. وبالعودة إلى وقائع السيرة النبوية، وتأملنا في التواريخ التي حددها وضبطها المؤرخون والمحققون، فإننا سننتهي حتما إلى نتيجة واضحة وقاطعة بأن شهر رمضان كان متنقلا بين فصول السنة، فمثلا ينقل لنا المؤرخون أن غزوة بدر الكبرى كانت في 17 من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، الموافق 13 مارس (آذار) سنة 624 م. .وبعدها بست سنوات كان فتح مكة، وكان في يوم 20 من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة الموافق 10 يناير (كانون الثاني) سنة 630 م.

وتأمل التواريخ السابقة ومقارنة الهجري فيها بالميلادي،  يؤكد لنا أنشهر رمضان لم يكن شهرا ثابتا بل كان ينتقل في فصول السنة.

فبين غزوة بدر الكبرى و فتح مكة ست سنوات. . ووفقا للتفاوت بين التقويم الشمسي والقمري، وجب أن ينقص التاريخ القمري عن التاريخ الشمسي في هذه السنوات الست 66 يوما تقريبا، وهو الفرق بين تاريخ الغزوة والفتح بلا أدنى شك.

وفي ضوء كل ما سبق يكون المرجح هو أن شهر الصيام الكريم لابد وأن يتنقل بين جميع الفصول.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل