المحتوى الرئيسى

حكايات القصور.. الحلقة السابعة: لماذا اختار السادات مبارك نائبا له؟ السلام والطيران والمنوفية

05/23 20:21

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

تكررت اللقاءات والاتصالات بين الرئيس محمد أنو السادات، والكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، في السنوات الأولى من حكمه، وفي مارس 1975 حدث لقاء بينهما، في استراحة القناطر من الساعة العاشرة إلى الساعة الثالثة بعد الظهر.

وكان «السادات» حائرا بشأن منصب نائب الرئيس في العهد الجديد بعد أكتوبر، وكان يرى أن الرئاسة تحتاج إلى دماءً جديدة وعبر عن ذلك قائلا: «الحاج حسين- يقصد "حسين الشافعي" "والذي يشغل بالفعل منصب نائب الرئيس منذ 1963" لم يعد ينفعني، وبصراحة جيل يوليو لم يعد يصلح، والدور الآن على جيل أكتوبر، ولابد أن يكون منه ومن قادته اختياري لنائب الرئيس الجديد».

وأضاف «السادات» أن: «"جيل أكتوبر" فيه خمسة من القيادات، أولهم وهو "أحمد إسماعيل" توفى ــ والآن أمامي "الجمسي" "وكان مديرا للعمليات أثناء الحرب، وأصبح وزير الدفاع بعد "أحمد إسماعيل"، ثم "محمد علي فهمي" "قائد الدفاع الجوي"، ثم "حسنى مبارك" "قائد الطيران"، ثم قائد البحرية "هكذا أشار إليه دون اسم"، وهو يقصد الفريق "فؤاد ذكرى"»، واستكمل: «لابد أن يكون اختياري ضمن واحد منهم».

وعندما سأله «هيكل» عن لماذا يحصر الرئيس اختيارته في جيل أكتوبر فقط!، رد «السادات» بطريقته حين يريد إظهار الحسم: «أنت تعرف أن الرئيس في هذا البلد لخمسين سنة مقبلة لا بد أن يكون عسكريا، وإذا كان كذلك، فقادة الحرب لهم أسبقية على غيرهم!».

وعندما أوضح له «هيكل»، أن أكتوبر كانت حرب كل الشعب، ورأى أن إذا عين «السادات» «مبارك» نائبا له يكون ذلك بمثابة «عسكرة» للرئاسة، وكان سبق هذه الخطوة تعين وزير الداخلية اللواء «ممدوح سالم» رئيسا للوزراء، وبذلك يكون «السادات» قد «بولس» «عن البوليس» الوزارة أيضا، وربما يصعب على الناس قبول الأمرين معا في نفس الوقت.

فأخبره «السادات» أنه مندهشًا من تردد «هيكل» في إدراك أهمية أن يكون رئيس مصر القادم عسكريا، ثم سأله: «ألست تعرف أن ذلك كان رأي "المعلم" يقصد "جمال عبدالناصر" أيضا؟!».

فرد عليه «هيكل»: «إن الظروف ربما تغيرت، وليس لدىَّ تحيز ضد رئيس عسكري، لكنه مع ضابط بوليس فى رئاسة الوزارة، وضابط طيار فى رئاسة الجمهورية ــ فإن صورة ما بعد الحرب سوف تبدو تركيزا على الضبط والربط لا تبرره الأحوال، وأما فيما يتعلق برأي "جمال عبد الناصر" فإن مسؤوليات الحرب ــ وبالتالي منجزاتها ــ تغيرت كثيرا عندما التحق شباب المؤهلات بجيش المليون على الجبهة».

وعندما شعر «هيكل» تمسك «السادات» برأيه سأله: «لماذا لا نفكر في الجمسي مثلا؟» ورد «السادات» بسرعة: «لا، "الجمسي" لا يصلح للرئاسة وهو ليس من نحتاجه في منصب نائب الرئيس الآن!».

وسأله «السادات» على الفور: ما رأيك في «حسني مبارك»؟

فرد عليه «هيكل» بأن هناك قادة قاموا بأدوار أكثر تأثيرًا من «مبارك» في الحرب، فأقترح عليه أسماء مثل «الجمسي» وزير الدفاع، والذي كان مديرا للعمليات، أو محمد علي فهمي، قائد الدفاع الجوى، وهو السلاح الذى قام بالدور الأكثر تأثيرا في المعركة بحائط الصواريخ، ولكن لحقه «السادات» ورد: «لا، لا أحد من هؤلاء يصلح، «مبارك» أحسن منهم، خصوصا في هذه الظروف».

وكان تبريره لاختيار «مبارك»، أن هناك قيادات في الجيش لم تفهم بعد سياسته في «عملية السلام» ومقتضياتها، وأن هناك عناصر في الجيش لا تزال مشايعة لـ«مراكز القوى» أو متعاطفة مع «سعد الشاذلي».

وكانت قضية تأمين النظام في ظروف تحولات حساسة أحد أبرز النقاط التي أرتكز عليها «السادات» في اختياره لـ«مبارك»، وعبر عن ذلك مستشهدا بتجربة شاه إيران محمد رضا بهلوي بوصفه «سياسي عقر» عندما اختار زوج شقيقته الجنرال محمد فاطمي، قائدا للطيران عنده حكمة؛ لأن الطيران يستطيع أن يتدخل بسرعة، وبقوة نيران كثيفة لمواجهة أي تمرد أو عصيان، أو حتى محاولة انقلاب!.

وقال «السادات»: «التأمين قضية مهمة في المرحلة المقبلة بكل ما فيها من تحولات قد لا يستوعبها كل الناس بالسرعة الواجبة».

فأخبره «هيكل» بأن «الشاه» عين زوج شقيقته قائدا للطيران، وليس نائبا لرئيس الدولة، و«مبارك» لا خبرة له بشؤون الحكم في سياسة كل يوم، خصوصا ما يتعلق منها بمطالب الناس ومشكلاتهم!.

فاقترح «هيكل» أن تُتاح فرصة مختلفة لـ«مبارك» بأن يكون وزيرا لإحدى وزارات الإنتاج أو الخدمات، حتى يتفهم أحوال الإدارة المدنية، وحتى يحتك بمطالب الناس وحاجاتهم، وكان رد «السادات»: «لا، لو فعلت ما تقترحه، فسوف أحرقه، الإنجاز السريع في الوزارات التنفيذية مسألة في منتهى الصعوبة».

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل