المحتوى الرئيسى

موارد المياه العذبة تنضب في مدينة تغمرها الفيضانات

05/21 13:37

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

العاصمة المكسيكية، مكسيكو سيتي، قد تستنفد مواردها من المياه العذبة. وهذه الأزمة قد تفاقم جميع المشكلات التي تعاني منها المدينة بالفعل، بداية من مشكلة طفح مياه الصرف الصحي، والهبوط الأرضي، وصولا إلى الزلازل.

تعد العاصمة المكسيكية، مكسيكو سيتي، واحدة من أكبر المدن في العالم، ويبلغ تعداد سكانها نحو 21 مليون نسمة، وقد يصل إلى 27 مليون نسمة إذا شمل التعداد المناطق الواقعة على مشارفها. ويتركز 20 في المئة من سكان المكسيك في العاصمة. وبحسب تقديرات حكومية، سيزيد عدد سكان المدينة ويصل إلى 30 مليون نسمة بحلول عام 2030.

وقد فرضت الكثافة السكانية المرتفعة على مدينة مكسيكو سيتي الكثير من التحديات، من بينها تزايد الضغط على إمدادات المياه. فقد أصبحت شبكة إمداد المياه بالمدينة على وشك الانهيار، كما أن مخزون المياه الجوفية في المدينة يتعرض للاستنزاف. ولو استمر مخزون المياه في التناقص على هذا المنوال، فمن المتوقع أن ينضب في غضون 30 عاما.

وبالنظر إلى عدد السكان الذين ستطالهم تداعيات نضوب المياه الجوفية في المدينة، فإن هذا يعني أن أكبر أزمة مياه في العالم قد تنفجر قريبا على عتبات الولايات المتحدة الأمريكية.

تقع مدينة ميكسيكو سيتي على ارتفاع ألفي متر فوق مستوى سطح البحر، وتهطل على المدينة أمطار غزيرة. وفي الموسم المطير، بين شهري يونيو/حزيران، وسبتمبر/أيلول، كثيرا ما تضرب المدينة الفيضانات العنيفة.

ومن المتوقع أن تشتد حدة الفيضانات مستقبلا، إذ ربطت دراسات بين تزايد التقلبات الجوية وبين التغير المناخي. لكن تدفق الماء المنهمر على البلاد يسبب الكثير من المشكلات، منها على سبيل المثال الشلل المروري عندما تغمر الشوارع المياه، بالإضافة إلى أن البنية التحتية متهالكة، فقد تؤدي الفيضانات الخاطفة التي تجتاح البلاد إلى طفح مياه الصرف الصحي، وانفجار أنابيب الصرف، وغرق الشوارع والمنازل بالمياه الملوثة.

إلا أن انفجار أنابيب الصرف ليس السبب الوحيد لطفح مياه الصرف الصحي، بل إن القمامة الملقاة في الشوارع كثيرا ما تؤدي إلى انسداد الأنابيب التي تغذي شبكة الصرف الصحي، وقد يتفاقم الأمر سريعا ويسبب عواقب وخيمة في هذه المدينة التي تنتج نحو 40 ألف لتر من مياه الصرف كل ثانية.

وهذا يعني أن العمال يضطرون بين الحين والآخر لإصلاح شبكات الصرف الصحي. ونتيجة للضغط الشديد على شبكات الصرف، تهالكت بعض الأنفاق، مثل نفق "إميسور المركزي" للصرف الصحي، الذي يبلغ اتساعه ستة أمتار، وبات عاجزا عن تصريف مياه الصرف الصحي بكفاءة.

إلا أن مدينة مكسيكو سيتي، على الرغم من كثرة الفيضانات والأمطار الغزيرة، تواجه نقصا في المياه، ساهمت فيه بقدر كبير بنيتها التحتية الضعيفة التي عفا عليها الزمن، إذ تتسبب في إهدار نحو 40 في المئة من المياه.

ولا شك أن السكان الأكثر فقرا هم الأكثر تضررا، لأن شبكة توزيع المياه لا تصل إلى بعض المناطق المعدمة من المدينة، وهذا يعني أن سكانها يضطرون إلى شراء المياه ويدفعون المال نظير كل لتر.

ويقول أرنولدو ماتوس كرامر، مدير مشروع 100 مدينة قادرة على الصمود في مواجهة التحديات في مدينة مكسيكو سيتي، والذي تنظمه مؤسسة روكفيلر الخيرية، إن هذه الطريقة هي الأعلى كلفة للوصول إلى المياه.

ويتابع: "إن الطرق التي يحصل بها الناس على المياه تحتاج إلى إعادة نظر، لأن تأمين وصول الناس إلى المياه ليس امتيازا، إنما هو حق من حقوق الإنسان".

ويقول كرامر إن الكثير من سكان المدينة يعانون من الانقطاع المتكرر لإمدادات المياه، وقد لا تصل المياه إلى منازلهم إلا مرتين أسبوعيا. ويلجأ الكثير من المنازل إلى تركيب خزانات مياه تحسبا لانقطاع المياه عنها، لكن تركيب هذه الخزانات باهظ التكلفة، ويؤدي إلى تفاقم مشكلات أخرى في المدينة، كالتلوث، بسبب الاعتماد على الشاحنات لنقل المياه عبر المدينة.

وتنقل الشاحنات المياه لسكان منطقة سوتشيميلكو في أقصى جنوب مدينة مكسيكو سيتي مرتين أسبوعيا، ثم تحمل الحمير عبوات المياه إلى منازلهم.

ولم تعد المياه تكفي لسد احتياجات المزاعين لري الأراضي وغسل المحاصيل. وفي أعقاب موجات جفاف شديدة تعرضت لها البلاد، جفت الآبار والعيون التي كانوا يعتمدون عليها في الزراعة. وأصبح المزارعون يغسلون خضرواتهم بالمياه المعالجة في القنوات، التي كانت تتدفق فيها فيما مضى مياه الينابيع الطبيعية.

ربما تبدو فكرة نقص المياه في مدينة مكسيكو سيتي مثيرة للدهشة، نظرا لما تتمتع به المدينة من خصائص جغرافية. إذ شُيدت مدينة مكسيكو سيتي على جزيرة محاطة ببحيرة طبيعية شاسعة، لكن هذه البحيرة جُففت في خضم الغزو الإسباني للمكسيك في مطلع القرن السادس عشر، ليقيم عليها الإسبان مدينة كبرى.

وهذا يعني أن مدينة مكسيكو سيتي لديها خزانات مياه جوفية، لا تزال تلبي 40 في المئة من احتياجاتها من المياه العذبة. نظريا، هذه الطبقات الصخرية التي تختزن المياه الجوفية يجب أن تغذيها مياه الأمطار، التي تتسرب عبر الحفر وسط الأراضي.

لكن بسبب نقص المياه، أصبح معدل السحب من المياه الجوفية في المدينة أعلى من معدل تعويضها وإعادة تغذيتها، لا سيما في مواسم الجفاف الطويلة التي قد تستمر لشهور.

يقول كرامر: "إننا نستنزف مستودعات المياه الجوفية بمعدلات مرتفعة للغاية. وفي الوقت نفسه لم نخصص ما يكفي من الموارد لوضع نظام للرقابة الصارمة على استغلال المياه الجوفية، لكن مصير مستودعات المياه الجوفية في المدينة في الوقت الحالي محاط بالغموض".

ويتوقع فريق كرامر أن تنضب مستودعات المياه الجوفية في المدينة، إذا استمر استنزافها بالمعدل الحالي، في غضون 30 أو 50 عاما على الأكثر.

فضلا عن أن الاستخدام الجائر للمياه الجوفية قد يؤدي إلى زيادة مخاطر حدوث الزلازل، وقد سبب بالفعل هبوطا أرضيا في بعض المناطق من المدينة. إذ تهبط بعض الأجزاء من مدينة مكسيكو سيتي بنحو 30 سنتيمترا سنويا، بسبب انخفاض معدل إعادة تغذية مستودعات المياه الجوفية، ونتيجة لذلك، لم تعد طبقات المياه الجوفية الخالية من المياه قادرة على دعم الأرض التي تعلوها.

وعزى البعض هذا الهبوط إلى الزلزال الذي وقع في سبتمبر/أيلول عام 2017، وراح ضحيته ما يربو على 200 شخص، وتسبب في انهيار الكثير من المباني.

ويؤثر الهبوط الأرضي أيضا على البنية التحتية فوق الأرض وتحتها، وهذا يعني أنه يضر بالأنابيب التي تنقل المياه إلى الناس، وتلك التي يتخلصون من فضلاتهم من خلالها.

وقد ساءت جودة مياه القنوات أيضا بسبب أساليب البناء غير القانونية جنوب مدينة مكسيكو سيتي، مثل إقامة منازل عشوائية عن طريق ردم أجزاء من البحيرات أو قنوات المياه العذبة. وتضطر هيئة المياه بالمدينة لإعادة ملء القنوات بين الحين والآخر بمياه معالجة أو مياه صرف صحي معاد تدويرها.

ربطت دراسات كثيرة بين الظواهر المناخية المتطرفة التي تشهدها مدينة مكسيكو سيتي، من فيضانات وموجات جفاف وارتفاع في درجات الحرارة، وبين التغير المناخي.

ويقول كرامر إن الكثير من الناس أدركوا تأثير التغير المناخي على المدينة، لكنهم لم يدركوا بعد أن المياه المختزنة في طبقات المياه الجوفية تتناقص، وأن الهبوط الأرضي في المدينة هو أحد نتائج نقص المياه الجوفية.

لكن جفاف البحيرة التي أُقيمت عليها المدينة سيكون له تبعات واسعة النطاق. إذ يشير بحث أجري في عام 2015، إلى أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض نسبة الرطوبة في المدينة. وبالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة، سيجف المزيد من المياه، وفي الوقت نفسه، سيخيم شبح الجفاف على المدينة العطشى.

Comments

عاجل