المحتوى الرئيسى

قضاة الإسلام | إياس بن معاوية قاضي البصرة.. صائد الخائنين للأمانات - صوت الأمة

05/20 10:17

قضاة الاسلام تتلمذوا علي يد صحابة رسول الله صلي الله علية وسلم، تعلموا أصول الدين والفقة من النبع الصافي، ونهلوا من علوم الدنيا من حدب وصوب، حتي صاروا منارة للحق وملجأ للمظلومين، وسيف علي رقاب الظالمين، إنهم قضاة الاسلام.

من هؤلاء إياس بن معاوية بن قرّة المزني، ولد عام 46 للهجرة في منطقة اليمامة في نجد، وانتقل مع أسرته إلى البصرة.

تعلم إياس في صغره على يد أبيه «معاوية» الذي أحفظه القرآن في سن مبكر من حياته، كما روى له كثيرا من الأحاديث النبوية وبعث به ليتعلم أيام العجم وأخبارهم إلى مكتب لرجل من أهل الذمة مشهود له بالكفاءة في ذلك.

وكانت علامة النباهة على إياس منذ صغره، ولا أدل على ذلك من أنه عندما كان يتلقى دروسه في تاريخ العجم، سمع يهوديا في المكتب، يقول: ما أحمق المسلمين، يزعمون أن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون، فقال له إياس: أفكل ما تأكله تحدثه؟ قال: لا، لأن الله تعالى يجعل بعضه غذاء. قال: فلم تنكر أن الله تعالى يجعل كل ما يأكله أهل الجنة غذاء؟ فبهت الذي كفر! 

ويدل هذا الشاهد على قدرة إياس من صغره على الإمساك بالدليل، والمضي به إلى الإقناع ثم الإصداع وإعلان الحق.

وذات مرة زار عبد الملك بن مروان البصرة قبل أن يلي الخلافة، فرأى إياسا وكان يومئذ فتى يافعا، لم ينبت شاربه بعد، ورأى خلفه أربعة من القراء من ذوي اللحى بملابسهم الخضر، وهو يتقدّمهم، فقال عبد الملك: أفّ لأصحاب هذه اللحى، أما فيهم شيخ يتقدّمهم، فقدّموا هذا الغلام، ثم التفت إلى إياس، وقال: يا غلام كم سنّك؟ - أي ازدراء له - فقال: أيها الأمير سني أطال بقاء الأمير كسن أسامة بن زيد حين ولاّه رسول الله جيشا فيهم أبو بكر وعمر، فقال له عبد الملك: تقدّم يا فتى تقدّم - أي علمك قدّمك - بارك الله فيك

لما ولي قضاء البضرة جاءه رجلان يتقاضيان عنده، فادعى أحدهما أنه أودع عند صاحبه مالا، فلما طلبه منه جحده، فسأل إياس الرجل المدّعى عليه عن أمر الوديعة فأنكرها، وقال: إن كانت لصاحبي بيّنة فليأت بها، وإلا فليس له عليّ إلا اليمين، لا يوجد بيّنة، فلما خاف إياس أن يأكل الرجل المال بيمينه التفت إلى المودع، وقال له: في أيّ مكان أودعته المال؟ 

قال: شجرة كبيرة جلسنا تحتها، وتناولنا الطعام معا في ظلّها، ولما هممنا بالانصراف دفعت إليه المال، فقال له إياس: انطلق إلى المكان الذي فيه الشجرة فلعلّك إذا أتيتها ذكّرتك أين وضعت مالك، ونبّهتك إلى ما فعلته به. 

فجعل المدعي يذهب إلى الشجرة، وأوهم المتّهم أنه بريء، اذهب أيها الرجل إلى الشجرة فلعلك نسيت المال هناك، هذا بريء، قال: ثم عد إلي لتخبرني بما رأيت، فانطلق الرجل إلى المكان، وقال إياس للمدّعى عليه: إجلس إلى أن يجيء صاحبك، فجلس، ثم التفت إياس إلى من عنده من المتقاضين، وطفـق يقضي بينهم، وهو يرقب الرجل بطرف خفي 

حتى إذا رآه قد سكن وارتاحت نفسه وكأنه صار بريئا، واطمأن، التفت إليه وسأله على عجل: أتقدّر أن صاحبك قد بلغ الموضع الذي أعطاك فيه المال؟ قال له: لا إنه بعيد من هنا، فقال له إياس: يا عدوّ الله تجحد المال، وتعرف المكان الذي أخذته فيه، فبهت الرجل، وأقرّ بخيانته، فحبسه حتى جاء صاحبه، وأمره بردّ وديعته إليه. 

ومن أخبار فطنته وذكائه أيضا أنه كان في الكوفة رجل يظهر للناس الصلاح، ويبدي لهم الورع والتقى، حتى كثر الثناء عليه، واتخذه بعض الناس أمينا لهم يأتمنونه على مالهم إذا سافروا، ويجعلونه وصيا على أولادهم إذا أحسوا بدنو الأجل. 

فأتاه رجل واستودعه مالا، ولما احتاج الرجل ماله طلبه منه فأنكره، فمضى إلى إلياس وشكا له الرجل، فقال للمشتكي: أعلم صاحبك أنك تريد أن تأتيني؟ 

قال: كلا فقال له: انصرف وعد إلى غدا. ثم أرسل إلياس إلى الرجل المؤتمن، وقال له: لقد اجتمع لدي مال كثير لأيتام لا كافل لهم، وقد رأيت ان أودعه لديك، وأن أجعلك وصيا عليهم، فهل منزلك حصين ووقاك متسع؟ 

فقال: نعم أيها القاضي، فقال: تعال إلي بعد غد، وأعد موضعا للمال، وأحضر معك حمالين يحملونه، وفي اليوم التالي جاء الرجل المشتكي، فقال له إياس: إنطلق إلى صاحبك واطلب منه المال، فإن أنكره فقل له: أشكوك الي القاضي. 

فأتاه الرجل فطلب منه ماله، فامتنع عن إعطائه له وجحده، فقال له: إذن اشكوك إلى القاضي، فلما سمع ذلك منه دفع إليه المال، وطيب خاطره. 

فرجع الرجل إلى إياس وقال: لقد أعطاني صاحبي حقي وجزاك الله خيرا، ثم جاء الرجل المؤتمن إلى إياس في موعده ومعه الحمالين، فزجره وأشهره وقال له: بئس الرجل أنت يا عدو الله، لقد جعلت الدين مصيدة للدنيا. 

بلغ إياس بن معاوية السادسة والسبعين من عمره، ورأى نفسه وأباه في المنام راكبين على فرسين، فجريا معا، فلم يسبق أباه، ولم يسبقه أبوه، وكان والده قد مات عن ستّ وسبعين سنة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل