المحتوى الرئيسى

صُنع فى «الخارجية»‏.. عملية تأهيل السفراء من اجتياز الاختبارات حتى الالتحاق ‏بـ«السلك الدبلوماسى»‏

05/19 11:42

لضخ دماء جديدة فى السلك الدبلوماسى المصرى، تجرى وزارة الخارجية فى الخامس من أغسطس المقبل، ولمدة ٣ أيام، مسابقة على وظيفة «ملحق دبلوماسى وقنصلى»، ‏وتقدم الطلبات ابتداءً من أول يوليو وحتى الخامس عشر من نفس الشهر.‏

ودرجة «الملحق الدبلوماسى» هى الأولى فى درجات السلك الدبلوماسى وصولا إلى «سفير بدرجة ممتاز».‏

من هنا إلى هنا.. كيف تصنع «الخارجية» رجالها ورجال مصر فى المحافل الدولية؟ من يضع الاختبارات لهم وفى أى مجالات تكون؟ وما طريقة تأهيلهم نظريا؟ وهل هناك ‏تدريبات عملية قبل إلقاء المسئولية على عاتقهم لتمثيل مصر فى الخارج؟

‏«الدستور» تجيب عن كل هذه الأسئلة، قبل ٣ أشهر على استقبال المتقدمين لدفعة جديدة من «سفراء مصر» المستقبليين، من خلال السفير جمال بيومى، مساعد وزير ‏الخارجية سابقا، رئيس اتحاد المستثمرين العرب.‏

الثراء معيار الاختيار قديمًا.. ثورة يوليو منحت الفرصة للجميع.. والتحريات أمنية وليست ‏اجتماعية

‏١٠ شروط يجب توافرها فى المتقدم لامتحانات الملحقين الدبلوماسيين، طبقًا للقانون رقم ٤٥ لسنة ١٩٨٢والمعدل بالقانون رقم ٦٩ لسنة ٢٠٠٩، وهى: أن يكون مصرى الجنســية، ومـن أبوين مصريين، ‏ومتمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة، وألا يكون متزوجًا من غير مصرى الجنسية أو ممن هم من أبوين أحدهما أو كليهما غير مصرى، وأن يكون محمود السيرة حسن السمعة.‏

بجانب ذلك، يجب ألا يكون قد واجه حُكمًا بعقوبة جنائية حتى لو رُد إليه اعتباره، وألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو من مجالس التأديب فى جريمة مخلة بالشـرف أو الأمانة - ولو كان قد رُد إليه ‏اعتباره - وألا يكون قد سبق فصله بقرار أو حكم تأديبى.

وعلى مستوى المؤهلات، يجب أن يكون حاصلًا على مؤهل عال من إحدى الجامعات المصرية أو ما يعادله، أو على شهادة أجنبية معادلة، أو على مؤهل عال من إحدى الكليات العسكرية. وألا تقل سنه ‏عن ٢١ سنة ميلادية وألا تزيد على ٢٧ سنة ميلادية فى التاريخ المعلن عنه لبدء امتحان المسابقة، وأن تثبت لياقته الصحية للوظيفة بمعرفة مجلس طبى مختص.‏

قديما، قبل إدخال نظام الامتحانات، كان التعيين فى السلك الدبلوماسى يقتصر على أبناء «الباشوات»، وكل من هو قادر على الإنفاق على هذه الوظيفة، لأنه كان مكلفًا للغاية، إلا أن ثورة ١٩٥٢ غيرت ‏هذه الأوضاع، وأقرت حق أبناء الشعب جميعا فى الالتحاق بوزارة الخارجية.‏

يقول السفير جمال بيومى: «بدأنا نرى بالفعل نماذج فى الدبلوماسية من أبناء طبقات شعبية كادحة، وعند فرز أى دفعة سنكتشف أن هناك أطيافًا مختلفة للمجتمع المصرى».‏

ويلخص «بيومى» الشروط المهمة المطلوبة للمتقدمين فى «شهادة معترف بها فى مصر، حُسن سير وسلوك، خلو من السجل الإجرامى»، ثم يضيف: «وأحيانا تجرى تحريات بسيطة بشأن أسرة ‏المتقدم»، قبل أن ينفى علاقة هذه التحريات بالمستوى الاجتماعى للمتقدم: «كل هذا الكلام مجرد شائعات، التحريات يغلب عليها الطابع الأمنى حول ما إذا كان ينتمى أحد أفراد العائلة إلى أى جماعات ‏إرهابية، أو حُكم عليه فى قضايا فساد».‏

ولا تعلن وزارة الخارجية عن إعلانات الوظائف فى مواعيد محددة، إذ إن هذا يكون حسب «الخلوات»، فبعد أن يحال عدد من السفراء على المعاش، تطلب الوزارة عددا من الملحقين.‏

وبالأرقام، من المفترض أن يكون بوزارة الخارجية، على الورق، ١٢٠٠ دبلوماسى، ولكنها- بحسب «بيومى»- لم تستطع تحقيق أكثر من ٩٠٠ فقط، وذلك لنقص الكفاءات، أو لهروب هذه الكفاءات من ‏العمل الحكومى بسبب الرواتب المتدنية.‏

وعندما يُذكر منصب السفير أو الملحقين الدبلوماسين تتداعى إلى الإذهان فكرة أن «الواسطة» هى التى تحدد النتيجة وليس معيار الكفاءة.‏

لكن «بيومى» ينفى هذا ويضرب مثالًا قويًا على كلامه: «نجل الرئيس السيسى رسب فى امتحانات الخارجية عندما كان والده مديرًا للمخابرات الحربية، وزير الخارجية وقتها أحمد أبوالغيط قال إنه لن ‏يتمكن من مساعدته».‏

ويضيف: «هناك أيضًا أبناء لوزراء خارجية رسبوا فى الامتحانات، ولكن ما يشيع هذا المفهوم أنه دائمًا ما يتصادف أن يكون هناك أبناء للسفراء ويتمتعون بالكفاءة التى تسمح بالتحاقهم بالسلك ‏الدبلوماسى».‏

ثم يأتى بمثال آخر: «فى إحدى الدفعات، تقدم ٢٦ شخصًا من أبناء السفراء، لم ينجح منهم سوى ٦ فقط، فهل لم يكن لدى العشرون الآخرون واسطة؟»، كاشفا أن هناك بالفعل محاولات لـ«الواسطة» لكنها ‏تبوء بالفشل، لأن العبرة فى رأيه بالاختبار التحريرى.‏

ويلفت مساعد وزير الخارجية سابقًا إلى أنه ليس من المفترض معاقبة الأبناء لمجرد أن ذويهم من السفراء، مؤكدًا أنه فى أحيان كثيرة يكون هناك تحامل من لجنة الاختبارات ضد أبناء السفراء، حتى لا ‏يكون هناك أى مجال للحديث عن تسهيل اجتيازهم.‏

وفى ديسمبر ٢٠١٤، أعلنت وزارة الخارجية أن الدفعة الجديدة المعينة شهدت تقدم ١١ من أبناء السفراء للمسابقة، لكن أيًا منهم لم يتمكن من الحصول على النسب المقررة للنجاح واجتياز الاختبارات، ‏سواء التحريرية أو الشفهية.‏

اختبار تحريرى فى النظام الدولى والاقتصاد والـ100 الأوائل يتسابقون على 30 وظيفة ‏

فى الاختبارات هناك مرحلتان يمر بها المتقدمون لدرجة الملحقين الدبلوماسيين، الأولى تحريرية، والثانية شفوية.‏

وعلى عكس كل الاختبارات فى المراحل التعليمية المختلفة، لا توجد أيام راحة بين الامتحانات فى «الخارجية»، إذ إنها تُعقد يوميًا، ويفسر «بيومى» هذا الأمر قائلا: «امتحانات الخارجية لها طابع آخر، ‏فمن يتقدم لها من المفترض أن تكون لديه القدرة والجاهزية لاجتياز الامتحانات فى أى وقت دون الحاجة إلى فترة لمراجعة موادها».‏

وتتضمن المواد التحريرية فى الاختبارات كلًا من اللغات والنظام الدولى والاقتصاد، ويرجع ذلك إلى أن مصر عضو فى نظام دولى وإقليمى وقارى، وكل هذا يتطلب وعيًا ودراية بهذه الأمور، بخلاف ‏المعرفة بجغرافية العالم وعواصم كل الدول.‏

الجزء الثانى فى الاختبارات هو «الشفوى»، وهى مرحلة ضرورية لا يمكن تخطيها، لأنه نادرًا ما يكون الشخص من «الثلاثين الأوائل» مثلًا فى الاختبار التحريرى ويتعثر فى المقابلات الشفوية.‏

ويضيف «بيومى»: «العبرة تكون التحريرى، والشفوى يكون للتأكد من أن هذا الشخص معقول ومقبول، ولا يمكن الموافقة على أى متقدم حتى لو كان من الأوائل إذا لم يجتز الاختبار الشفوى، حتى لو ‏كان واسطته رئيس الجمهورية نفسه»، بحسب الدبلوماسى السابق.‏

وفى إشارة إلى صعوبتها، يصف البعض المقابلة الشخصية بـ«مرحلة الوحش»، لكن «بيومى» يخفف من هذا الانطباع ويشرح: «المقابلة تتضمن سؤالًا عن رأى المتقدم فى أزمة راهنة، واقتراحاته ‏لحل أزمات معينة، وتكون مجرد دردشة، حتى وإن لم تكن صحيحة تمامًا ولكن يكفى أن يبدو ملمًا بأدوات الحل».‏

وتتضمن المقابلة أيضًا التأكد من طريقة نُطق المتقدم اللغة التى اجتاز امتحانها التحريرى، وبالتالى فإنها مرحلة ضرورية للتأكد أن نجاح المتقدم فى «التحريرى» كان عن جدارة.‏

ويجرى اختيار الـ١٠٠ الأوائل من المتقدمين الذين يتراوح عددهم عادة بين ١٠٠٠ و١٢٠٠، ويتسابقون على ٣٠ وظيفة فقط فى الوزارة.‏

وتخضع الاختبارات لتطوير مستمر، أبرز ملامحه إدخال اللغة العربية ضمن مواد الامتحان، بعد أن كانت مهملة قبل ذلك. فعلى الرغم من أن السفراء يتحدثون بالفعل بلغة أجنبية، إلا أن كل مذكراتهم ‏لرئيس الجمهورية تكون بالعربية، وبالتالى تشتمل الامتحانات التحريرية على أسئلة فى روايات عربية لمعرفة مدى قدرة المتقدم على التعبير اللغوى. كما أضيفت علوم الكمبيوتر، وعلى الرغم من أنها ليست ‏مواد نجاح ورسوب، إلا أنها تعطى المتقدم الأولوية فى الاختيار.‏

ويضع هذه الاختبارات فى العادة أعضاء من الوزارة، لأنهم الأقدر على تحديد المطلوب وأحيانًا يستعان بأساتذة من الجامعات.‏

ويشيد «بيومى» بالدورات التى تمنحها مراكز التأهيل لامتحانات الوزارة، ويعترف بوجودها فعلًا: «هى ليست ظاهرة جديدة، ولا تقتصر على المراكز الخاصة ومواقع السوشيال ميديا، ولكنها موجودة ‏أيضًا فى الجامعات مثل الجامعة الأمريكية وجامعة القاهرة، وتساعد على التركيز على الموضوعات التى تهم وزارة الخارجية».‏

وبخصوص المسابقات على درجتى «سكرتير ثان وثالث»، يفسر «بيومى» إقدام الوزارة على طرحها بنقص أفراد هاتين الدرجتين اللتين تسبقان درجة الملحق الدبلوماسى.‏

وتكون اختبارات هاتين الدرجتين أصعب من الملحقين الدبلوماسيين، وخرجت نتيجتها بـ«لم ينجح أحد» مرتين. ويوضح الدبلوماسى السابق أن الأكثر يرسبون بسبب اللغات، مشيرًا إلى أنه ذات مرة طُلب ‏من وزير خارجية تخفيض نسبة النجاح فيها بـ٦٠٪ حتى تتمكن شريحة أكبر من اجتياز الاختبارات، ولكنه رفض.‏

ويشترط للمتقدم «سكرتيرًا أول» أن يكون خريج العام نفسه للعاملين بنفس الدرجة بوزارة الخارجية، أى أن يكون قد أمضى فى مهنته حوالى ١٠ سنوات، ولهذا فإن هذه التجربة فشلت، بحسب مساعد ‏وزير الخارجية سابقًا.‏

وردًا على اتهامات البعض لوزارة الخارجية بتعمد رسوب الجميع فى هذه المسابقات، يقول: «الوزارة ليست مجبرة على عقد هذه الاختبارات، فهناك بالفعل نقص فى عدد العاملين بهذه الدرجات، ‏وبالنسبة للاتهامات بأن الخارجية تسعى لترقية موظفيها فى هذه الدرجات فتتعمد إفشال المتقدمين، فإن هذا كلام خاطئ، لأن الترقيات لا تحدث إلا بمرور ٤ سنوات عل إمضاء الموظف فى كل درجة».‏

الدراسة لمدة سنة فى معهد الدبلوماسية.. دورة عملية فى أوروبا وأمريكا.. وتدريبات ‏على كتابة مذكرات رسمية وفرز البريد

لا يقتصر تأهيل الملحقين الدبلوماسيين على الجانب الأكاديمى والنظرى فقط، إذ إنه بعد اجتيازهم الامتحانات الشفوية والتحريرية، يلتحقون بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع للوزارة، والذى أنشئ ‏عام ١٩٦٦. ‏

هناك ولمدة عام يحصلون على كل المواد التى امتحنوا فيها مجددًا، ويتلقون محاضرات فى علاقات مصر الدولية والإفريقية والإقليمية، واهتمامات مصر الاقتصادية.‏

ويلفت «بيومى»: «بالطبع لا نطلب منه أن يكون محللًا اقتصاديًا صرفًا، ولكن عليه أن يكون ملمًا بأسس علم الاقتصاد السياسى، وبكيفية توظيف السياسة فى خدمة الاقتصاد».‏

تنسحب التأهيلات اللازمة للملحق الدبلوماسى على تفاصيل صغيرة لكنها مهمة لمثل هذه الوظائف، من أول اللغات، مرورًا بقواعد البروتوكول وكيفية إقامة عشاء وترتيب السفرة ومقابلة ‏السفراء، إلى ما يمكن أن يقال خلال مقابلة رئيس جمهورية مستقبلًا. ونظرًا لعملهم، الذى يتطلب السفر والبقاء فى الخارج لفترات طويلة، فمن الطبيعى أن يتحدث المتقدم عدة لغات، أبرزها لغة ‏أساسية أولى يتقنها ويعبر بها عن نفسه كلامًا وكتابة، إلى جانب إجادة لغتين أخريين.‏

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن الوزارة كانت تحدد من قبل الإنجليزية والفرنسية معًا لغتين أوليين للملحق الدبلوماسى، قبل توسيع الأمر لتكون إحداهما فرنسية أو إنجليزية، فيما يختار المتقدم من ‏اللغة الثانية الألمانية أو الإسبانية أو العبرية أو غير ذلك، وذلك بهدف توسيع دائرة من يمكن لهم التقدم للامتحان.‏

وتضيف المصادر: «مصر من الدول المحترفة فى تجهيز سفرائها لغويًا، فليس هناك دبلوماسى فى العالم يتحدث ٣ لغات، أما المصرى فيتحدث العربية إلى جانب إتقان لغتين أخريين»، مشيرة ‏إلى أن كل هذه التأهيلات والخبرات تجعل التمثيل الدبلوماسى المصرى من الأفضل على مستوى العالم». وواقعيًا، أثناء الامتحانات، لا يكون التركيز شديدًا على اللغة الثانية، فاللغة الأولى تعنى أنه ‏يجيدها قراءةً وكتابةً وترجمةً، أما الأخرى فهى مساعدة له، لكن على المتقدم أن يجتاز امتحانًا أبسط قليلًا فيها.‏

متى يبدأ الملحق الدبلوماسى عمله الفعلى إذن؟ بعد انتهاء دراسته فى المعهد الدبلوماسى التابع للوزارة، يلتحق «الملحق» بدورة تدريب عملى فى ألمانيا أو فرنسا أو أمريكا أو اليابان، وهناك يبدأ ‏أولًا من سفارة هذا البلد أو ذاك، إذ يتدرب على طبيعة عمل السفارة، كما يزور وزارة الخارجية.‏

تفصيليًا- كما شرحت لنا المصادر- يُكلف الملحق الدبلوماسى الجديد بتعلم قراءة الملفات، فإذا كانت هناك مذكرة من سفارة فعليه أن يلخصها فى سطور قليلة لعرضها على الجهاز الأعلى، وإذا ‏كان مطلوبًا فيها قرار ما فإنه يعرضها على وزير الخارجية لاتخاذ اللازم بشأنها.‏

بجانب ذلك، فإنه يتولى- خلال تدريباته فى الوزارة- فرز البريد القادم من السفارات المصرية أو السفارات الأجنبية فى مصر، ويكون ذلك بإشراف رئيسه، الذى عادة ما يكون مستشارًا. ولأجل ‏المراسلات الرسمية، يتعلم الملحق أيضًا كيفية صياغة خطاب حكومى باللغة العربية أو باللغات الأخرى. بعد اعتماده رسميًا للعمل فى الخارج، يصبح «عين بلاده» هناك حرفيًا، هكذا يوصف ‏الملحق الدبلوماسى بالفعل، إذ إن عليه قراءة الصحف يوميًا، والاطلاع على اهتمامات هذه الدولة وأهم صادراتها إذا احتاجت مصر الاستيراد منها، وأيضًا وارداتها وما إذا كانت تستورد مواد تنتجها ‏بلدنا بالفعل.‏

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل