المحتوى الرئيسى

محمد يحيى.. قصة الأمير الذى يكره الصحابيات وتقطيع ‏الخبز

05/19 11:02

الزنزانة قاحلة جرداء منزوعة من كل شىء اللهم إلا أربعة جدران صخرية.. وحين تجد نفسك وأنت محشور بين صخورها، ودموع الليل تنضح وجهك بالنار، لن تنسى ‏أبدًا من كانوا حولك.. كلماتهم.. ضحكاتهم.. غلالات الحقد والغضب التى كانت تخرج من بعضهم.. الأمل المأمول الذى كانوا يتحدثون عنه، لذا ستثب بعيدًا، ولا تدون فقط ‏ما دار بينك وبينهم، لكنك تبنى تصورات فاعلة بديلة تتخطى تلك الأخطاء المقيتة الساذجة، وتخرج من مفهوم الزنزانة المهيمن على نفسك، وتستعيد حريتك، وتهرب من ‏ماضيك الأليم، وساعتها ستصبح حياتك المتناقضة خطًا واحدًا وليس اثنين، لذا كانت هذه الحلقات، التى أعكس فيها بمرايا مصغرة، صورة الرجال حولى فى تاريخى ‏القديم، الذى لم يكن ساعتها قد انتهى بعد.‏

فجأة تولى قيادة السجن، محمد يحيى، من محافظة سوهاج، الذى كان مسئولًا عن اللجنة السياسية، وفى لقائى معه أدركت أنه مصاب بجميع الأمراض النفسية، وأهمها بكل تأكيد الغرام بالقيادة، ‏وحب الظهور، والغرور بأنه الأجدر لحكم مصر.‏

محمد يحيى، حاصل على بكالوريوس الهندسة، جامعة المنيا، وكان يريد أن يقوم بانقلاب على قيادة الجماعة، ويسيطر هو عليها بالكامل، ولا يكف مطلقًا عن الحديث عن الجناح العسكرى المسلح، ‏وأن الجماعة لديها خلايا فى ٥ قارات من العالم. ‏

بمجرد أن تولى قيادة السجن، عزل جميع رفاقه، ومنهم عبدالناصر نوح، ومصطفى حسين، وعلاء صديق وغيرهم، فقد كانوا من سنه تقريبًا، وكانوا لا تعجبهم قراراته، التى مكنت منهم الصغار، ‏وجعلت لا قيمة لهم، لقد كان يتعمد أن يظهر جهلهم، وأن يثبت أنهم لا شىء، وهو فقط الأوحد.‏

قراراته كانت غريبة جدًا، فقد أصدر أمرًا فى هذا الوقت بعدم تقطيع أرغفة الخبز، وكانت العادة تجرى على الأكل الجماعى، وتقطيع الأرغفة للقيمات كثيرة، وأكد أن من سيفعل ذلك سيقيله من ‏التنظيم، وبكل تأكيد كان ثلاثة أرباع السجن يريد أن يخرج من التنظيم، لكنه لو فعل ذلك لأصدر يحيى أمرًا بمقاطعته، أو ضربه.‏

الشىء الخطير الذى يفعله، هو أن يرسل رسالة لجميع العنابر يؤكد فيها أن من خالف أمره تم عزله لأنه ارتكب جريمة أخلاقية بشعة، وأن الجماعة قامت بمعاقبته وعزله، وكان هذا مشينًا بالطبع ‏للجميع، ووسيلة تخوف الكل، وتدفعهم للرهبة من أن تلصق بهم تهمة الجريمة، التى كان يفسرها الجميع كما يشاءون!.‏

من أوامره التى أصدرها عدم تبادل الهدايا والرسائل، خاصة بين الشباب، وعزل صغار السن فى زنازين خاصة، ولعب الطابور إجباريا فى السابعة صباحًا، والاستماع إلى الدروس الفكرية قبل ‏صلاة الظهر يوميًا، والامتحان فيها.‏

وزّع يحيى على الزنازين ما يسمى (الدورات) وهى عبارة عن مجموعة من النظريات والقواعد الإدارية، التى اقتبسها من مذكرات كلية الحقوق والتجارة وغيرهما، وأجبر الجميع على الامتحان ‏فيها، وأذكر أن أهمها هو ما يسمى الهيكل التنظيمى للجماعة، حيث وضع نفسه على رأس القائمة!.‏

فى يوم كان يقوم بنفسه بتدريس هذه (الدورات) فسأله أحد الجالسين سؤالًا، فلم يستطع الإجابة عليه، وقام بضربه بقدمه فى وجهه، متحججًا أنه قطع عليه حبل أفكاره.‏

حين أدخلونى إلى هذه الغرفة، ورأيته ارتبكت بالفعل، أدركت أننى مقبل على أمر جد خطير، وبالفعل فقد قال لى على الفور، إنا سنحاكمك على نقدك للجماعة.‏

لقد خطط ليكون فى كل غرفة من الغرف، مجموعة من الشباب هم قوة ضاربة أمام أى شخص يعصى أوامره، واستغل بذكاء، تكليف الصغار، وإيهامهم بأنهم القيادة المقبلة للجماعة، فكانوا ‏يسمعون له ويطيعون طاعة عمياء.‏

من جرائم هذه المجموعات أنهم كانوا يضربون أى شخص يكتب إقرار توبة وبراءة للدولة، وأى شخص يخالف أوامر يحيى، أو أى شخص ينحاز لأى قيادة أخرى داخل الجماعة.‏

فى مرة أصدر أمرًا بضرب أحد الشباب من محافظة المنيا، وحين وصل تكليفه إلى أحد الشباب، ابتكر حيلة، وهى الاتفاق مع هذا الشخص على الاعتذار علنًا ليحيى، وقبول أى تعزير له، ونجح ‏بالفعل فى إنقاذه من علقة ساخنة.‏

كان يدّعى أنه خبير بالعلوم السياسية، وأوهم الجميع بأنه قيادة نافذة بالتنظيم، وأذكر فى مرة أن بعض الرفاق وقفوا لاستقباله، كأنه مسئول كبير لافتتاح أحد المشروعات أو أحد المصانع.‏

من أهم ما أصدره من أوامر هو عدم التكنى بكنية أى سيدة، أو قراءة أى أحاديث لصحابية، مثل أسماء، أو عائشة، بحجة منع المعتقلين من تذكر نسائهم!.‏

كما أصدر أمرًا بعمل جدول للرباط (أى السهر بالليل)، بحجة التدريب على المعركة، والاستعداد لها.‏

عقب إطلاق مبادرة وقف العنف، تم عزل محمد يحيى علنًا وأمام الجميع، وتعيين إبراهيم ياسين مكانه مسئولًا عن تنظيم الحياة داخل سجن الوادى الجديد، وتم نقل يحيى لسجن العقرب، وبعده لسجن ‏المنيا.‏

فى سجن المنيا قابلته، يجلس تحت شجرة فى فناء السجن، فاقتربت منه، وسألته عن عزله والأسباب التى أودت به لذلك، فقال بكل غضب، لأننى عرفت أنهم باعوا الجماعة بسيارات شيروكى.‏

بعد حوارى معه بعدة ساعات جلس عصام دربالة مع يحيى، وصالحه، وعينه أميرًا لسجن المنيا، فرأيت حاله قد انقلب للضد، وعاد لسيرته الأولى!.‏

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل