المحتوى الرئيسى

نووي إيران وترامب.. هل تسلك أوروبا طريقها المستقل عن الأخ الأكبر؟

05/18 15:53

أكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على هامش القمة الأوروبية في العاصمة البلغارية صوفيا أن كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما تزال تدعم الاتفاق النووي مع إيران وستواصل مشاوراتها مع واشنطن بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق. وترى برلين كما باقي العواصم الأوروبية أن الاتفاق مع طهران ليس مثاليا، ولكن من الأفضل الالتزام به والبحث لاحقا في قضايا خلافية أخرى كالبرنامج الباليستي والسياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط.

سحبُ الرئيس ترامب بلاده من الاتفاق النووي يشكل تحديا غير مسبوق للسياسة الخارجية الأوروبية، بل هناك من المراقبين من يرى في هذه الخطوة تهديدا مباشرا لمستقبل العلاقات الأطلسية. فهل يتعلق الأمر بمجرد أزمة طارئة أم بمؤشر على تحول عميق في العلاقات الدولية قد يعيد خلط خارطة التحالفات الدولية؟ في حوار مع DW عربية أكد حسين الوائلي الكاتب والصحافي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو أنه لا يتوقع انهيارا كاملا للعلاقات بين بروكسل وواشنطن، ولكن تراجعا ملحوظا في مستوى وزخم تلك العلاقات مؤكد.

معضلة مسك العصا من النصف

يواجه الاتحاد الأوروبي بعد قرار ترامب تحديا غير مسبوق لحماية ما أسماه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "السيادة الاستراتيجية والاقتصادية لأوروبا". وتسعى بروكسل إلى الحفاظ على مكسب الاتفاق النووي مع طهران، وهو ما يعني التزاما أوروبيا بالحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع إيران، ولكن دون المخاطرة بقطع الخيط الرفيع ما الإدارة الأمريكية. فقد أكد الرئيس الفرنسي أنه يبذل جهودا لبلورة اتفاق أوسع يكون مكملا لاتفاق 2015 باتفاق آخر حول البرنامج النووي لإيران لما بعد عام 2025، عندما تنتهي فترة الاتفاق الأصلي. من جهته، قال المستشار النمساوي سيباستيان كورتس "أمامنا أسابيع قليلة متبقية لإنقاذه ... ولا أحد يستطيع القول الآن ما إذا كنا سننجح في ذلك، ولكن سوف نبذل كل ما في وسعنا".

إرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin

ويبقى السؤال هو: هل تملك أوروبا ما يكفي من الأدوات التي تسمح لها بانتهاج سياسة مستقلة عن واشنطن؟ يرى حسين الوائلي أن "هذا ما طالبت به المستشارة ميركل وكذلك الرئيس الفرنسي ماكرون حيث طالبا بسياسية دفاعية مستقلة والتخفيف من الاعتماد على الولايات المتحدة". واستطرد موضحا  "أعتقد أن هذا ما يجب أن تدعو له قمة قادة دول الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلغارية صوفيا. إن أوروبا اليوم في حاجة لرؤية اقتصادية وأمنية من أجل الخروج من العباءة الأمريكية".

أعلنت ايه.بي مولر- ميرسك، أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، أنها ستغلق نشاطها في إيران امتثالا للعقوبات الأمريكية. وتأتي هذه الخطوة بعد يوم من انضمام شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة إلى شركات أوروبية أخرى في التلميح إلى الخروج من إيران خوفا من العقوبات الأمريكية، مما يلقي بظلال من الشك على إمكانية أن يتمكن الأوروبيون من انقاد اتفاق التجارة مع طهران. وهذا معناه أن أفق تطوير شراكة اقتصادية أوروبية مع إيران ستكون من باب المستحيلات في ظل عقوبات أمريكية ضد إيران. وذهب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في نفس الاتجاه حينما اعتبر أنه سيكون من الصعب حماية مصالح الشركات الألمانية التي ستواصل تعاملاتها مع إيران في ظل عقوبات أمريكية.

جددت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تأكيدها أن برلين تسعى للحوار مع طهران للبقاء في الاتفاق النووي رغم انسحاب واشنطن منه، وذلك تزامنا مع اتفاق أوروبي إيراني على أهمية بلورة الجانبين لحلول عملية لإنقاذ الاتفاق النووي. (16.05.2018)

في مقابلة مع مؤسسة دويتشه فيله DW الإعلامية والقناة الأولى في التلفزيون الألماني ARD، أكد الرئيس الفرنسي ماكرون على واجب الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على النظام العالمي متعدد الأقطاب. ودافع عن الاتفاق النووي مع إيران. (09.05.2018)

وصل النزاع الإسرائيلي الإيراني بعد الهجمات الجوية الأخيرة إلى درجة تصعيد جديدة، كما يقول خبير شؤون الشرق الأوسط جيل مورسيانو الذي أوضح أيضا أن سوريا قد تتحول إلى مسرح لهذا النزاع في حوار حصري مع DW. (13.02.2018)

يرى حسين الوائلي أنه "من الصعب التكهن بسيناريو القطيعة في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة لأنها العلاقة تاريخية. وأستعير هنا بكلمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي أكدت أن هناك مسارين مختلفين في الرؤى الأمريكية والأوروبية، لكن يتعين على الطرفين أن يصمدا أمام اختلاف الرأي". واستطرد الوائلي موضحا "أرى أن هناك انشقاقا كبيرا في العلاقات الأطلسية، لكن المصلحة الاقتصادية والأمنية هي التي تهيمن ، ويبدو لي أن هذه العلاقة ستستمر ولكن ربما بوتيرة منخفضة".

ويرى المراقبون أن مشكل العلاقات الأمريكية الأوروبية تتجاوز الموضوع الإيراني لتشمل السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارة ترامب بشكل عام، ومن مظاهرها مسألة فرض رسوم جمركية أمريكية على الشركات الأوروبية. وهو ما يلقي بظلال من الضبابية على علاقات أطلسية تم وضع أسسها على مدار العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ولا يزال من السابق لأوانه التكهن بما إذا كانت هذه الأزمة مجرد سحابة عابرة أم مؤشر على تحول جذري في العلاقات الدولية.

لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.

شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.

في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.

من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.

في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.

في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل