المحتوى الرئيسى

أستانا: قصة صعود نجم عاصمة كازاخستان

05/18 03:32

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

تدخل مدينة أستانا عاصمة كازاخستان، أكبر دولة حبيسة في العالم، شيئاً فشيئاً إلى دائرة الضوء والاهتمام عالميا، بفضل استضافتها العديد من الفعاليات، مثل معرض "إكسبو" الدولي الشهير، واحتضانها لموقع يضم شاطئاً كبيراً يقع بين أربعة جدران.

بفضل الثروة النفطية، تحولت السهوب المتربة التي كانت تتألف منها مدينة أستانا، إلى مشهدٍ جمالي ترصعه بناياتٌ براقة ذات طابعٍ عصري ومتطور.

فمنذ ظهور هذه المدينة إلى الوجود، كان الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف مصمماً على أن تعكس رؤيته لتلك المدينة طموحاته لبلاده بشكل عام.

فمنذ عام 2005، تدفقت استثماراتٌ أجنبية مباشرة يفوق حجمها 300 مليار دولار أمريكي إلى شرايين الاقتصاد الكازاخي. وجاء الجانب الأكبر من هذه الأموال مما يُعرف بـ"الصناعات الاستخراجية".

وكان برج "بايتريك"، الذي اكتمل تشييده عام 2002، أول المعالم الجديدة البارزة التي ظهرت في أفق أستانا، وهو نصبٌ تذكاري على شكل بيضة عملاقة تقبع فوق قمة شجرة.

ويمثل هذا البرج منصة مراقبة، يمكن للمرء من فوقها أن يرصد كيف أُعيد تشكيل منطقة وسط المدينة على مدار السنوات الـ 15 الماضية، على يد مهندسين معماريين ذوي أساليب وأنماطٍ فنية متنوعة.

وإلى الشرق من البرج، يقع مركز "خان شاتير الترفيهي"، وهو مركز تسوقٍ هائل الحجم، يوجد في أكبر خيمة شفافة في العالم، وقد صممه المهندس المعماري البريطاني نورمان فوستر.

أما إلى جهة الغرب، فسنجد القصر الرئاسي الذي يشبه البيت الأبيض الأمريكي، وهو بناء آثر مصمموه أن يجعلوا له قبةً ضخمة زرقاء اللون، ذات درجة لونية مماثلة لتلك التي يصطبغ بها بيض طائر أبو الحناء الأمريكي.

بجانب القصر، تقع القاعة المركزية للحفلات الموسيقية، وهي عبارةٌ عن مبنى فيروزي اللون، يحاكي تصميمه - الذي وضعه المهندس المعماري الإيطالي مانفريدي نيكوليتي - تصميم سفينة فضاء تنشر أجنحتها.

ورغم التباطؤ الذي شهده اقتصاد كازاخستان بفعل الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام عام 2014، فإن الطفرة العمرانية في العاصمة استمرت طوال عام 2017.

تفيد التقارير بأن كازاخستان أنفقت ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار للتحضير لاستضافة معرض "إكسبو 2017"، الذي فازت بحق تنظيمه متفوقةً على بلجيكا، وهو معرضٌ دولي يُقام على غرار "المعرض العالمي"، الذي أُقيم للمرة الأولى في القرن التاسع عشر.

وكان موضوع "طاقة المستقبل" هو الموضوع الأساسي الذي اختير لذاك المعرض، الذي استمرت فعالياته بين شهري يونيو/حزيران، وسبتمبر/أيلول عام 2017. وشكّل هذا الاختيار قراراً ينطوي على مفارقةٍ ساخرة، بالنظر إلى اعتماد كازاخستان الشديد على النفط والمنتجات المرتبطة به أو القريبة منه.

وقد خُصِصَ للمعرض موقعاً شُيدت مبانيه بالكامل خصيصاً لهذا الحدث، ووُضِعَت في قلبه كرةٌ أرضية فضية اللون، وإلى جوارها مركز تسوق حمل اسم "ميغا سيلك واي" (طريق الحرير الكبير).

من جهةٍ أخرى، تشهد كازاخستان منذ عام 2012 زيادةً كبيرة في أعداد الشركات التي تُؤسس في أراضيها، في ضوء أن أكثر من 275 ألف شخص يعبرون أراضيها لأسباب تجارية واقتصادية.

ومنذ ذلك الحين، زاد هذا العدد بواقع ثلاثة أضعاف، ليصل إلى أكثر من مليون زائر. أما أستانا نفسها فتشهد زيادةً مطردة في أعداد من يَفِدون إليها من الأجانب.

فبعد فترة ركود عام 2015، تسبب فيها على الأرجح التباطؤ الاقتصادي الناجم عن ارتفاع أسعار النفط حينذاك، زاد عدد الزوار بنسبة 25 في المئة خلال عام 2016، ثم بنسبة 19 في المئة في العام التالي لذلك.

شهدت عاصمة كازاخستان في يناير الماضي تدشين مؤسسةٍ تحمل اسم "مركز أستانا المالي الدولي"، وذلك في إطار خطة استثمارية خمسية تتبناها الحكومة.

وتهدف هذه الخطوة إلى اجتذاب المزيد من الشركات الأجنبية للعمل في البلاد، إذ يعمل المركز في إطار نظام قانوني خاص يستند إلى المنظومة القانونية السارية في إنجلترا وويلز، وهو ما يجعل مثل هذه المؤسسات الأجنبية، تشعر بارتياحٍ أكبر للعمل في إطار قواعد مشابهة لما هو سائدٌ في المراكز المالية الدولية الأخرى في العالم.

كما أنه سيكون بمقدور الشركات العاملة في قطاع "التكنولوجيا المالية"، أن تدير أنشطتها في إطار قواعد تنظيمية، تفتح الباب أمام تجربة برمجيات لم تُختبر من قبل على نحوٍ آمن، وهو ما سيسمح لتلك الشركات بأن تُجرّب التقنيات الجديدة، دون الخضوع للوائح تُقيدها في هذا الصدد.

ويقول المدير العام للمركز باور بكتميروف إن مؤسسته تسعى إلى اجتذاب المبتكرين الجدد في قطاعات التكنولوجيا المالية والتمويل الإسلامي والتمويل صديق البيئة. ويضيف بالقول: "هدفنا أن نكون مبتكرين، وأن نسعى لتحقيق وثْباتٍ إلى الأمام، وأن نتبنى معارف جديدة".

في الوقت نفسه، تستفيد أستانا من موقعها الجيوسياسي - بين المصالح الصينية والروسية - لتصبح نقطة عبورٍ مفضلة للشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية، حسبما يقول أليكسي سيدوروف، وهو مستثمرٌ في مجال التكنولوجيا المالية، ويعمل مديراً تنفيذياً لشركة تحمل اسم "سيلكواي فينتشرز غروب".

ويمضي سيدوروف قائلاً: "نحن نعيش على رقعةٍ فسيحة للغاية من الأرض، تمر عليها الكثير من طرق العبور التي تصل بين الصين وباقي دول العالم، وهناك قدرٌ هائل من الحركة، وثمة عددٌ كبيرٌ من الطرق السريعة وطرق السكك الحديدية، التي مُدّت في إطار مبادرة الصين المعروفة باسم حزام واحد - طريق واحد، وهذا يعني أنه سيوجد أيضاً تدفقاتٌ مالية كثيرة، داخلة إلى كازاخستان وخارجة منها".

مع بقاء الرئيس الكازاخي نزارباييف في السلطة لنحو ثلاثة عقود، تبدو الديمقراطية في كازاخستان صوريةً في أفضل الأحوال. وفي عام 2015، أُعْلِنَ هذا الرجل فائزاً بانتخاباتٍ - لم تشارك فيها المعارضة من الأصل - وحظي بنسبة تأييدٍ بلغت 98 في المئة من الأصوات تقريباً.

أما الحكومة في أستانا فتسير على هدي نظيرتيها في الصين وروسيا، فيما يتعلق بكيفية التعامل مع وسائل الإعلام في البلاد.

وقد أقر الرئيس نزارباييف مؤخراً تعديلاتٍ تقضي بتشديد القيود المفروضة على تغطية الصحفيين للأخبار في كازاخستان. وتحظر التعديلات الجديدة كذلك أن ينشر المواطنون تعليقات مجهولة المصدر على المواقع الإخبارية الإليكترونية.

ومنذ أمدٍ طويل، يواجه الصحفيون ذوو التوجهات المُعارِضة والمستقلة، التضييق والتحرش والهجمات، وكذلك الاتهامات الجنائية التي تلقى انتقاداتٍ باعتبارها اتهامات ذات دوافع سياسية ليس إلا.

وفي الوقت الراهن، تحتل كازاخستان المركز الـ 157 على مؤشر حرية الصحافة في العالم، والذي تصدره منظمة "صحفيون بلا حدود"، ويضم 180 دولة.

بجانب ذلك، تقول منظمة "هيومان رايتس ووتش" إن ثمة قمعاً يُمارس ضد الحركات المُطالبة بحقوق العمال، وذلك مع صدور حكمٍ بالإدانة مؤخراً ضد لاريسا خاركوفا، رئيس اتحاد نقابات العمال المستقلة في كازاخستان.

يبدو التسوق هو مصدر التسلية المفضل بالنسبة لقاطني أستانا، وذلك إذا ما جاز لنا تحديد هذا الأمر، بناءً على نمط حياة السكان الأثرياء في المدينة.

فالعاصمة الكازاخية مدينةٌ عصرية وأنيقة. وحتى في ظل الصقيع القطبي الذي يسودها خلال فصل الشتاء، وتتدنى فيه درجة الحرارة إلى 40 درجة تحت الصفر، سيظل بوسعك أن ترى بعض السيدات اللواتي يتجولن في أنحاء أستانا، وهن يرتدين أحذيةً بكعوبٍ عالية، ويتدثرن بمعاطف من الفرو السميك.

وهنا يقول سول إزماغانبتوفا، رئيس إدارة التسويق في مركز "خان شاتير الترفيهي" إنه في الوقت الذي ينزع فيه السكان إلى أن يكونوا شديدي "الإدمان لشراء العلامات التجارية" المختلفة، فقد شهدت المبيعات تراجعاً خلال السنوات القليلة الماضية، بفعل ما عانت منه البلاد من انخفاضٍ لقيمة العملة.

لكن إزماغانبتوفا يضيف أن ذلك لم يثنِ الناس عن القدوم إلى هذا المركز التجاري لإزجاء الوقت فحسب، خاصة في فصل الشتاء.

ففي الطابق العلوي من المركز، يوجد شاطئٌ داخلي كبير، ومدينة ألعاب مائية. وتصل درجة الحرارة في داخل هذا المكان إلى مستوياتٍ مرتفعة تصل إلى 36 درجة مئوية، ما يجعله بمثابة واحةٍ يلوذ بها السكان من فصول شتاءٍ تهبط فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي.

ويشكل التزلج على الجليد نشاطاً آخر مفضلاً لقاطني أستانا في الشتاء. فمع حلول ساعات المساء، تغص المتنزهات المفتوحة المخصصة للتزلج بالعائلات المحبة لذلك.

ويزهو الموقع الذي احتضن موقع "إكسبو" بأنه يضم بين جنباته "مدينة جليدية"، من بين أبرز معالمها، متاهةٌ يصل طولها إلى 260 قدماً (نحو 80 متراً) وتتألق بأضوائها الملونة خلال الليل.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل