المحتوى الرئيسى

تراجع التبرعات أزمة تواجه «أعمال الخير» فى رمضان

05/17 11:20

ما إن تهل نسائم رمضان حتى يتسابق الملايين لجنى الثواب، وتتهافت التبرعات على جمعيات ومؤسسات العمل الخيرى، التى كانت أحياناً تفى بتكاليف أنشطتها طوال العام وليس الشهر الكريم فحسب، الفرحة التى لم تكتمل، ويشوبها قلق وترقب من انخفاض حجم التبرعات للعام الثانى على التوالى.

وفى الوقت الذى تتغلب فيه المؤسسات الكبيرة على قلة التبرعات، مقارنة بسنوات مضت، من خلال حملات ترويجية وإعلانات تليفزيونية وأفكار مبتكرة لكسب متبرعين جدد، وتراهن على مصداقيتها وثقة الناس فيها، تواجه الجمعيات الصغيرة و«جروبات» العمل الخيرى تحديات أكبر لتقديم خدماتها فى ظل ارتفاع الأسعار وقلة التبرعات.

«الوطن» ترصد المشكلة وتستطلع آراء كيانات خيرية مختلفة، وخطتها لمساعدة الشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجاً خلال شهر رمضان.

مؤسسات «العمل الخيرى» تتحايل على نقص الموارد بأفكار جديدة لجذب المتبرعين.. و«الحالة الاقتصادية» تقلص شرائح المساعدات الشهرية للفقراء

سنوات طويلة من العمل الخيرى فى الشارع أكسبتها خبرة واسعة فى مساعدة الشرائح الأكثر احتياجاً، وإعداد خرائط للفقر لاحظوا أنها تتسع عاماً تلو الآخر، ما وضع أمامها تحديات كبيرة فى ظل انخفاض حجم التبرعات بشكل ملحوظ فى الفترة الأخيرة. جمعيات ومؤسسات كبيرة فى العمل التطوعى لاحظت قلة التبرعات بالمقارنة بما كانت عليه فى مثل هذا التوقيت من سنوات مضت، بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وحاولت التغلب عليها بحزمة من السياسات والنهج الذى يسعى لكسب متبرعين جدد.

الوضع الاقتصادى يؤثر بشكل كبير على المستوى المعيشى للأفراد، خاصة من يعيشون تحت خط الفقر، وفقاً لريهام محيسن، المتحدث الإعلامى لجمعية رسالة، ما يجعلهم يعتمدون فى معظم أمور حياتهم على المجتمع المدنى، ويُلقى بمزيد من الأعباء على كاهل الجمعيات والمؤسسات الخيرية.

انخفاض حجم التبرعات بالمقارنة بسنوات مضت أمر لا يمكن لأحد أن يغفله، وتحاول «رسالة» أن تتغلب عليه بطرق مختلفة ومبتكرة لا تؤثر على المحتاجين: «بنخدم نحو 3 مليون محتاج، ما بين أشخاص يتلقون مساعدات مباشرة، وآخرون يحتاجون لمساعدات دائمة مثل العلاج أو الكفالات الشهرية، وجميع هذه الخدمات تتأثر بشدة بانخفاض حجم التبرعات، وتدفعنا للتنازل عن بعض أوجه الرفاهية التى كنا نتبعها من قبل».

توضح «ريهام» أوجه الرفاهية التى تتأثر بقلة التبرعات: «نضطر لتقليص ما تستفيد منه الحالة حتى لا نستبعد حالات بالكامل، فمن كنا نساعده بنسبة 60% أصبحنا ندعمه بـ20% فقط، على سبيل المثال نضع فى شنط رمضان زجاجة زيت بدلاً من اثنتين، عبوة شاى بدلاً من اثنتين، أو نستبعد بعض السلع مثل كيس الزبيب وهكذا بحيث يستفيد نفس عدد الحالات»، مشيرة إلى أن المشكلة ليست فقط فى قلة التبرعات، إنما فى تضاعف أعداد المحتاجين.

وتكتفى «رسالة» بإعلان واحد على مدار العام، بحسب «ريهام»، ويكون فى رمضان، ومدته 30 ثانية، حيث إن أسعار الإعلانات تكون اقتصادية ومخفضة نوعاً ما فى هذا الشهر، بصرف النظر عن ما تقوم به باقى الجمعيات والمؤسسات الخيرية من شن حملات إعلانية مكثفة، مدتها تصل إلى 3 دقائق، تتضمن أغانى وموسيقى وخلافه، وتكلفتها بالتأكيد مرتفعة.

وتحاول الجمعية أيضاً التغلب على قلة التبرعات بالسماح بالتبرعات الرمزية للأفراد، خاصةً أن معظم متبرعى الجمعية من الطبقات المتوسطة وليست المرتفعة: «يجيلك مندوب لحد باب البيت عشان ياخد تبرع 20 جنيه، وطول الوقت نبتكر أفكار تعمل على زيادة الدخل، ومتطوعونا منتشرون فى الشارع، ويعملون بنشاط وحماس كبير يؤثر على المتبرعين.. اللى بيحس وبيشارك ولا يبخل وقت الاحتياج عن التبرع».

«رسالة»: خفضنا نسبة المساعدة من 60% إلى 20% فقط فى بعض الحالات.. وقللنا السلع الغذائية فى «شنط رمضان» هذا العام

المصداقية الكبيرة هى أهم سبل «رسالة» لكسب متبرعين جدد، والتغلب على قلة التبرعات: «لو توجهت لأى فرع، مش هتقعد فى غرف مغلقة وكأنك فى بنك زى ما بتعمل باقى المؤسسات الخيرية الكبيرة، لكن هتحتك مباشرة بالحالات المستفيدة، هتشوف على سبيل المثال مكفوفين خارجين، وأمهات محو الأمية طالعين، أو متطوعين خلال دروس التقوية، فالمتبرع يرى الخدمة بعينه»، مشيرة إلى أن انتشار فروع الجمعية على مستوى الجمهوية يعزز من استقرارها أيضاً فى مواجهة التحديات: «إحنا 60 فرع بخلاف 8 فى القاهرة والجيزة».

الحملات التشجيعية خارج المقرات تساهم أيضاً فى جذب المتبرعين: «إحنا موجودين فى الشارع والناس بتشوفنا، فعلى سبيل المثال لو رايحين نركب أطراف صناعية لبعض الحالات، سنتجه لمركز تابع للقوات المسلحة ملىء بالمرضى من مختلف الشرائح الاجتماعية، وليس لمكان مغلق لا يراه أحد».

لا تفضل «رسالة» الحديث بلغة الأرقام، بأن تستهدف عدداً معيناً من الشنط وغيرها من الأنشطة فى شهر رمضان، كما تعلن عنه كيانات أخرى تعمل فى المجال الخيرى: «لو هنتكلم ونقول هنتخطى كل الأرقام الموجودة على الساحة، لأن أنشطتنا ضخمة ومتشعبة، ورمضان موجود فى رسالة طول السنة، فعلى سبيل المثال بنعمل ألف شنطة وألف وجبة سخنة ومعرضين ملابس يومياً فى الفرع الواحد، فما بالك بباقى الفروع على مستوى الجمهورية طوال أيام السنة».

الأمر نفسه تواجهه مؤسسة «مصر الخير»، تحديات مشابهة فى أنشطتها الخيرية، حيث أوضح أحمد على، رئيس قطاع التكافل الاجتماعى، أن المؤسسة قائمة من الأساس على التبرعات، وحتماً تتأثر الخدمات التى تقدمها للمحتاجين بانخفاض حجم التبرعات.

ركيزة أساسية تعتمد عليها «مصر الخير» وتحافظ على استقرارها حال تراجع التبرعات، تتمثل فى استثماراتها التى تدر دخلاً تستفيد به الفئات المستحقة، الأمر الذى تنفرد به المؤسسة عن غيرها من الجمعيات الخيرية: «لدينا شركات تنتج وتدر دخلاً ننفذ به بعض الخدمات، لكن بالتأكيد حجم الاستثمارات لا يساوى حجم التبرعات».

ورغم تراجع التبرعات، أوضح «أحمد» أن «مصر الخير» لديها مجموعة من الخدمات والأنشطة ستقدمها خلال شهر رمضان: «لدينا 60 خيمة رمضانية منتشرة فى 23 محافظة على مستوى الجمهورية، يوزع فى كل خيمة 600 وجبة، بهدف تقديم مليون وجبة للصائمين».

«مصر الخير»: لدينا شركات تنتج وتدر دخلاً يخصص للأنشطة الخدمية لتعويض قلة التبرعات.. و«الأورمان»: خدماتنا زادت من عدد متبرعينا

لا تكتفى «مصر الخير» بذلك، إنما تقدم 500 ألف وجبة إفطار مسافر، يتم توزيعها عند المواقف والطرق السريعة والكارتة، و670 ألف كرتونة غذائية موزعة وفقاً لـ3 نماذج؛ 180 ألف كرتونة وزن 25 كيلوجراماً، و240 ألف كرتونة وزن 15 كيلوجراماً، و250 ألف كرتونة زكاة فطر وزن 5 كيلوجرامات: «انتهينا من تعبئة نحو 70% من الكمية، ويتولى الناس التوزيع».

على خلاف الرأى السابق، تشهد جمعية «الأورمان» زيادة فى التبرعات التى تتلقاها خلال السنوات الأخيرة بنسبة تتراوح بين 25 و30% سنوياً، وفقاً للميزانيات الرسمية التى كشفها محمود فؤاد، نائب مدير عام جمعية الأورمان، الأمر الذى يرجعه إلى الخدمات التى تقدمها على مدار أكثر من ٢٥ عاماً من العمل الخيرى: «منذ ثورة يناير يسألنا البعض عن انخفاض حجم التبرعات، وهو أمر غير صحيح، بل التبرعات تزداد وتخدم فئات أكثر من المحتاجين».

يوضح «فؤاد» أن «الأورمان» تعمل بأسلوب مختلف نوعاً ما عن باقى الجمعيات، ما ينال رضاء المتبرعين: «بناخد المتبرع من إيده عشان يساعد الحالة بنفسه، وده بيرفع من ثقته وحماسه للجمعية، ويكون سفير ليها فى مختلف الأماكن».

العمل فى المجال الخيرى ليس هيناً، ويحتاج لدراسات وجد واجتهاد لنيل ثقة المتبرع، وهو ما تسعى له «الأورمان» دائماً، بحسب «فؤاد»: «لدينا قواعدنا فى الشارع، وأعددنا خرائط للفقر، للوصول إلى المستحقين»، مشيراً إلى أن أكثر متبرعيهم من الطبقة المتوسطة: «أفضل شىء أن يثق فيك المتبرع ويوصل ثقته لمن حوله».

تلقت «الأورمان» فى الفترة الأخيرة تبرعات بمبالغ ضخمة، آخرها تبرع بـ٣٠٠ مليون جنيه من أحد البنوك الوطنية لصالح مستشفى شفا الأورمان، وآخر بمقدار مليون جنيه يخصص نصفها لمرضى القلب، والنصف الثانى موجه لإعمار القرى الفقيرة: «الأورمان تلعب دور الوسيط بين المتبرع والحالات المستحقة، ومن هذا المنطلق قدمنا للمتبرع كشفاً بأسماء الحالات التى ستخضع لجراحة فى القلب واقترحنا عليه أن يظل المبلغ بحوزته حتى يوم العملية، ويسددها بنفسه أو شخص من طرفه للحالة، الأمر الذى ضاعف من ثقته فى الجمعية، وشعوره بجدوى تبرعه».

ثقافة الشركات والبنوك تغيرت كثيراً مع مطلع عام ٢٠١٧، وركزت على المسئولية المجتمعية، الأمر الذى ساهم فى إعمار كثير من القرى الفقيرة: «مبالغ كبيرة تأتى للجمعية بدون أى أوجه إنفاق أو حتى مصاريف إدارية، وتخصص جميعها للعمل الخيرى، وهو ما ينعكس على مجمل التبرعات ودعمها بقوة».

«فؤاد» أشار إلى نقطة مهمة أيضاً تتمثل فى سياسة «الأورمان» فى مساعدة المحتاجين، فهى لا تحبذ منحهم أموالاً، إنما تفضل تأسيس مشروعات نقلهم من مرحلة العوز إلى مرحلة العطاء، فيخرج من الشرائح التى تساعدها أشخاص وتستقبل آخرين.

وفيما يتعلق بالأنشطة المرتبطة بأعمال الخير، أوضح «فؤاد» أن الجمعية عبأت ٢٥٠ ألف كرتونة، تحتوى كل منها على ٢٠ كيلو مواد غذائية أساسية تكفى لإطعام أسرة مكونة من ٤ أو ٥ أفراد لمدة ١٧ يوماً، مشيراً إلى أن الجمعية تركز على حصة الصعيد باعتباره الأكثر فقراً عن الوجه البحرى.

توزيع مليون فرخة و٧٠٠ ألف كيلو لحمة، هو ما استعدت له خلال الشهر الكريم لإطعام ١٥ مليون فقير.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل