المحتوى الرئيسى

حرب الصور- كيف خدمت الفوتوغرافيا مواقف إسرائيل والفلسطينيين

05/16 22:36

"آمِرة أكثر من الكتابة"؛ إنها الصورة حسب الفيلسوف الفرنسي رولان بارت. ويبدو أن هذا الوصف هو الأقرب تعبيرا عن الدور الذي تلعبه الصورة الفوتوغرافية في وقتنا الراهن. ولعل اعتماد الإعلام في شقه الكلاسيكي أو حتى الجديد، أي مواقع التواصل الاجتماعي، على هذه المادة الإعلامية والاقتصار عليها في بعض الأحيان، دون اللجوء إلى تعليق أو نص مرافق، مؤشر صريح على فاعليتها وقوتها التأثيرية في الرأي العام.

المتابع للمشهد السياسي قد يلاحظ الفرق بين الصور التي تداولها الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي والاختلاف بين محتوى ونوعية الصور لدى الجانبين. ففي الوقت الذي يحاول فيه مناصرو القضية الفلسطينية والإعلام الفلسطيني الدفاع عن موقفهم من خلال نشر صور تعبر عن الأوضاع التي يعيشونها في ظل الأزمة بين الجانبين، تلجأ إسرائيل إلى بث كل الصور التي قد تغنيها عن الكلمات للدفاع عن موقفها هي الأخرى.

إنها "حرب صور" إذن، يتراشق فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي كل حسب موقعه. لكن، كيف سخر كل جانب منهما هذه القوة للتأثير على الرأي العام؟ وكيف ساهمت الصورة في تأجيج الأزمة أو إخماد نيرانها؟ وهل راعى أحدهما أخلاقيات العمل الإعلامي في استخدام هذه الصور، أم تم تجاهلها؟

 DW عربية، رصدت نماذج لصور المواجهة المفتوحة بين الجانبين، كما حاورت الخبير الإعلامي المغربي: عبد الوهاب الرامي، للإجابة على هذه الأسئلة.

صورة لجثة رضيعة ينعي بها الجانب الفلسطيني ضحاياه ويقدم للعلن حجم المأساة التي يعيشها شعبه. في المقابل، لقطة لشبان يقتحمون السياج الأمني جنوب قطاع غزة ويحاولون قطع أسلاكه دون مبرر، ويتناقلها المدافعون عن الجانب الإسرائيلي واحداً تلو الآخر، بهذه الطريقة يضع كل طرف نفسه في موقع "المظلوم" داخل دوامة الصراع التاريخي بينهما.

الصورتان ما هما إلا نموذجان لحرب اعلامية ساخنة بين الطرفين، سواء في الإعلام الرسمي أو حتى الجديد الذي انتقل إليه الصراع. لكن الملاحظ أنه، في كثير من الأوقات، تلجآ الصحف الفلسطينية وكذلك رواد "السوشيال ميديا" إلى عرض صور "دموية"، بغض النظر عن مكوناتها ودون الالتفات إلى محتواها. وهي التي وصفها الخبير الإعلامي؛ عبد الوهاب الرامي في تصريحه لـ DWعربية، بـ" المفجعة للأهالي، خاصة أن وسائل الإعلام الجديد تحقق لها انتشارا واسعا، وتستعيدها بسهولة من أجل نشرها ثانية".

وهنا يمكن الإشارة إلى دخول مسؤولين عن الجانبين في مواجهات على مواقع التواصل، حيث بدا واضحا أن المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعى، حريص على تقاسم صور داعمة لموقف بلده. وبهذا الخصوص، نشر أدرعى من خلال حسابه الرسمي على تويتر، مثلا، صورة لسيدة فلسطينية تحمل أحجارا بيدها، وعلق عليها: "المرأة الصالحة هي المرأة الّتي تشكل مثالًا أعلى لأبنائها، فتكون سببا في صلاحهم بهذه الدنيا، أمّا المرأة الّتي تستخدم العنف وتسمح بأن يتم استخدامها درعا بشريا للتغطية على أعمال إرهابية وخدمة لمصالح منظمات إرهابية فما هي إلا أساس لتخريب المجتمع متأثّرا بهذه القيَم الإرهابية".

زمن العولمة وتكاثر مواقع التواصل الاجتماعي فيه، فتح أما الصورة أبوابا كثيرة، فلم تبقى حبيسة المحترِف وإنما صارت مصدرا من قبل الجميع. وبنفس الطريقة الإيجابية التي يمكن أن يفسرها أحدهم، يستطيع آخر الذهاب بها في الاتجاه السلبي. ولأننا تحدثنا عن صور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تنتشر على نطاق واسع، يمكننا أن نتساءل عن إمكانية مساهمتها في تأجيج الأزمة من خلال إشعال الغضب لدى كل طرف، أو إيقافها له من خلال تنبيه الرأي العام الدولي لفداحة الوضع وبالتالي التحرك لاحتواء الأزمة.

"للصور التي تبدي فظاعة الحرب ومأساة الذين يعانون من بطش الاحتلال جانب إيجابي توعوي أساسه فضح الممارسات الهمجية"، هكذا يجيب الرامي عن التساؤل المطروح، مؤكدا عن الدور الفعال لهذه القوة التأثيرية، ويضيف: "إذ لولا هذه الصور لاسترسل القتل دون رادع، معنوي على الأقل، من طرف الرأي العام الدولي".

ولكن، ماذا عن أخلاقيات التعامل مع الصور؟

اعتماد صورة دون أخرى كواجهة للمقالات الصحفية لا يكون بمحض الصدفة، وإنما هو اختيار يأتي بعد بحث وتنقيب عن مشهد مناسب يحمل دلالات رمزية قد تختصر الكثير مما كُتِب. وفي غالب الأحيان يتدخل منطق الترويج وجذب المتلقي في قائمة العناصر التي تحاول بعض المؤسسات الإعلامية أخذها بعين الاعتبار، لكن هذا لا يعني تجاوز بعض الأخلاقيات التي يستدعيها تناول الصور في الأعمال الصحفية. وهنا يمكن الوقوف عند طبيعة الصور التي تناولها الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي، في مواجهتهما الأخيرة.

لا ينكر أحد أن صور التظاهرات  وما صاحبها من عنف في غزة قد وصلت إلى كل أصقاع العالم، بل وأثرت بدرجة متفاوتة على الرأي العام الدولي، وهو ما ظهر في ردود الفعل الدولية التي طالب بتحقيق مستقل لمعرفة ما حدث يوم الاثنين الماضي حيث قتل نحو 60 فلسطينيا.

وفي حديثه عن مراعاة وسائل الإعلام العربية عامة لأخلاقيات المهنة في استخدامها للصور المتعلقة بأزمة غزة، قال الرامي: "إن الإعلام العربي خاصة لا يملك ثقافة توظيف الصورة الصحفية أو الصورة عامة، والتي يجب أن تخضع كما باقي المواد لمستلزمات أخلاقيات المهنة". وفي مقارنة يمكن استخراجها من تصريحه، أشار الخبير الإعلامي إلى الإعلام الغربي الذي يتحفظ عن إظهار صور ضحايا الهجومات التي يتعرض لها مواطنوها انطلاقا من مقولة "ضحايا دون صور" كقاعدة ترفعها بعض وسائل الإعلام الغربية إلى مقام الأخلاقيات التي لا يمكن تجاوزها، حسب تصريحه دائما. 

نقلت الولايات المتحدة الاثنين (5 مايو/ آيار2018) سفارتها من تل أبيب إلى القدس، بعد وعد الرئيس ترامب في نهاية العام الماضي، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. الاستنكار الدولي والغضب الفلسطيني من الوعد لم يمنعا تحقيقه ومشاركة ابنته إيفانكا إلى جانب زوجها جاريد كوشنر في مراسم الافتتاح. إيفانكا شاركت متتبعيها على تويتر لحظات استقبالها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أيضاً.

أعلن ترامب قبل أيام عدم حضوره لافتتاح السفارة الأمريكية في القدس، لكنه بعث وفداً دبلوماسياً يتكون من شخصيات مهمة داخل البيت الأبيض، على رأسهم وزير الخزانة ستيفن منوتشين ومساعد وزير الخارجية جون سوليفان، فضلاً عن إيفانكا ترامب وجاريد كوشنر. وستفتح مكاتب سفارة مؤقتة داخل مبنى القنصلية الأمريكية في القدس، في انتظار اختيار مبنى أكبر لها مستقبلاً.

زُينت شوارع القدس قرب السفارة الأمريكية الجديدة بالعلمين الاسرائيلي والأمريكي استعداداً للاحتفال بعهد جديد واستبدلت لافتات مرورية بأخرى تشير لموقع السفارة الكائن بحي أرنونا بالقدس. كما عُلقت لافتات تشيد بترامب كـ"صديق للصهاينة". شعار الصداقة حمل معه عقوداً من الحياد الأمريكي تجاه القضية، لكن اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لاسرائيل غير معالمها وجعل نتانياهو يقول: "إن نقل السفارة مدعاة للاحتفال".

افتتاح السفارة الأمريكية وإقامة احتفال دبلوماسي بين أمريكا وإسرائيل، تعدى إلى المواطنين الاسرائليين الذين عبروا عن فرحتهم بانتقال السفارة إلى القدس. خاصة وأن هذا الحدث يصادف الذكرى السبعين "لقيام دولة إسرائيل" الاثنين (14 أيار/ مايو 2018) وفق التقويم الغريغوري. كما أن إسرائيل بدأت احتفالاتها التقليدية، قبل أيام، بمناسبة الذكرى 51 لـ "ضم القدس" أو "توحيد القدس"، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة.

منذ أيام والأفراح والاحتفالات تسود المنطقة الغربية من القدس. ويشارك في هذا كل الإسرائليين باختلاف أعمارهم وأجناسهم استعدادا للاحتفال بـ "مرور 70 عاماً على قيام دولتهم". ووسط أغاني ممجدة للشعب اليهودي والدولة العبرية وللقدس، وفي جو من الرقص والسعادة الغامرة البادية على كل المشاركين في الإحتفالات، رفعوا علم إسرائيل معبرين عن "انتصار" انتظروه منذ عقود.

يتزامن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس قبل يوم من الذكرى السبعين لـ"النكبة"، عندما نزح أكثر من 760 ألف فلسطيني في حرب 1948. وعلى ما يبدو، فالفلسطينيون يحيون الذكرى السبعين للحدث بـ"نكبة جديدة" كما وصفتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

في مقابل الأفراح الإسرائيلية، يعيش الفلسطينيون وسط أجواء من الحزن والسخط على قرار ترامب الذي يعترف فيه بأن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعن نقل سفارة دولته إلى القدس. هذا القرار الذي "استفز" الفلسطينيين باعتبارهم رافضين منذ البداية لـ"احتلال" إسرائيل للقدس كـ"عاصمة أبدية" منذ 1980، بغض النظر عن عدم اعتراف المجتمع الدولي بذلك، وفي ظل رغبة فلسطين في جعل القدس الشرقية عاصمة لدولتهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل