المحتوى الرئيسى

جيل الشباب في الصين يتمرد على ساعات العمل الطويلة

05/15 18:43

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

ضاق أبناء جيل الألفية الطموحون في الصين ذرعا بالعمل 12 ساعة يوميا، لستة أيام في الأسبوع، وفقا لنظام عمل تطبقه معظم الشركات في الصين، ولا تدفع لموظفيها أجرا نظير ساعات العمل الإضافية.

تجتذب مدينة شنغهاي، بحاناتها ونواديها الليلية البراقة، ومتاحفها، وحفلاتها الصاخبة، الشباب أصحاب المؤهلات والكفاءات. لكن لي زيبينغ، وهو شاب صيني في منتصف العشرينيات، لا يمكنه الاستمتاع بأي من مباهج شنغهاي منذ أن انتقل للعيش فيها.

ويقضي زيبينغ معظم وقته في المقابل على مكتبه، فهو يحضر إلى الشركة في التاسعة صباحا، بعد رحلة تستغرق 90 دقيقة بالمواصلات إلى إحدى الضواحي على مشارف المدينة، حيث استأجرت شركة التجارة الإلكترونية التي يعمل بها مبنى بثمن زهيد، ثم يغادر العمل عادة بعد الثامنة مساء بوقت طويل.

يقول زيبينغ: "إن ساعات العمل الطويلة أحيانا تكون بلا داع، إذ تفرضها ثقافة العمل في الصين بشكل عام"، وهذا يعني أن الشركات تتوقع من العاملين الشباب الالتزام بجدول عمل منهِك وشاق ازداد انتشارا مؤخرا، إلى درجة أنه بات يُعرف باسم "996"، أي العمل من التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء، ستة أيام في الأسبوع.

كان زيبينغ موظفا صغيرا في موقع للتجارة الإلكترونية، ولهذا كانت تُسند إليه مهمة كتابة مواصفات الألعاب وحقائب الظهر على الموقع. وكان يعمل، في بعض الأحيان، أيام الأحد من منزله، للرد على استفسارات العملاء من أستراليا وأوروبا والولايات المتحدة.

ويتقاضى زيبينغ راتبا شهريا لا يتعدى 3.500 يوان، أو ما يعادل نحو 560 دولارا، وهذا المبلغ أقل من نصف الإيجار الشهري لشقة من غرفة واحدة في إحدى المناطق البعيدة عن قلب المدينة، ولهذا يستأجر شقة مع ثلاثة أشخاص.

في البداية، شعر لي أن عليه أن يرضى بالوظيفة المتاحة، لأنه تخرج في إحدى الجامعات المتواضعة، وتخصص في اللغة الإنجليزية، وهي ليست من المواد المرغوبة في سوق العمل كالتكنولوجيا، على سبيل المثال، ولا يزال الكثير من أصدقائه عاطلين عن العمل.

لكن زيبينغ وأمثاله أصبحوا جزءا من ظاهرة جديدة لفتت أنظار الخبراء مؤخرا، وهي تمرّد الموظفين الشباب على أرباب العمل الذين يتوقعون منهم أن يعملوا طوال اليوم.

وفي مقدمة هؤلاء الشباب يقف أبناء جيل الألفية، لأن معظمهم أكثر علما وثقافة ووعيا بحقوقهم، وأكثر اهتماما بتحقيق الرضا الذاتي من أبناء الأجيال السابقة.

فضلا عن أن أبناء جيل الألفية صرحاء ومدللون، لكونهم الأطفال الوحيدين في الأسر في الصين، إذ لم تقرر الصين إلغاء سياسة الطفل الواحد إلا في عام 2015.

ويقول لي جوبنغ، الخبير في مجال حقوق العمال، وواحد من الكثيرين الذين لاحظوا أن بعض أبناء جيل الألفية يعترضون على نظام "996": "أرى، بحكم خبرتي، أن الشباب، خاصة المولودين في التسعينيات وما بعدها، لا يتقبلون العمل لساعات إضافية، وهذا لأنهم أكثر أنانية واعتدادا بالذات من الأجيال التي تسبقهم".

وقد يكون ثراء والديهم وأجدادهم نسبيا واحدا من الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة. فقد أفضى التطور الاقتصادي السريع الذي شهدته الصين إلى زيادة حجم الطبقة الوسطى، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة سكان المدن الذين يتقاضون رواتب تتراوح بين تسعة آلاف دولار و34 ألف دولار سنويا، زادت من أربعة في المئة فقط في عام 2000 إلى نحو 70 في المئة في عام 2012.

ويحصل أبناء جيل الألفية على دعم عائلاتهم ومساندتهم، لكونهم الأبناء الوحيدين، وهذا يشمل تأمين المال الكافي لهم تحسبا للأزمات والمشاكل التي قد تواجههم في حياتهم المهنية.

إلا أن الأساليب التي يلجأ إليها هؤلاء الشباب للتمرد على نظام العمل المرهق محدودة، فالبعض منهم بات يرفض العمل لساعات طويلة نظير راتب زهيد.

وتنبه زيبينغ، على سبيل المثال، إلى أنه لم يأت لشنغهاي ليقضي ساعات اليوم إما على مكتبه أو في المواصلات، ثم ينام في الساعات المتبقية له.

ويقول زيبينغ: "أنت تعمل ليلا ونهارا، حتى تشعر أنك منهك القوى، وإذا اعترضت يقولون لك 'فلتبحث عن عمل آخر'". ولم يكد يمضي 20 يوما على تسلم زيبينغ للوظيفة، حتى قدم استقالته.

لكن بعض العاملين الشباب قرروا مقاضاة الشركات التي يعملون لحسابها، وفقا لتقرير أعدته زانغ شياولين، كبيرة المستشارين القانونيين بشبكة ووسونغ للتقنية (وهي شركة استشارات قانونية في بكين) وصندوق "تشاينا غروث كابيتال" الاستثماري.

وتقول شياولين: "إن نظام العمل المعروف باسم '996'، من الناحية النظرية، مخالف للقانون". لكن يحق للشركات التقدم بطلب للحصول على إذن خاص لتطبيق هذا النظام، إذا كانت طبيعة العمل تقتضي دوام العمل الطويل.

فقد يعمل الطيارون وقائدو القطارات، على سبيل المثال، بنظام نوبات قد تمتد لأكثر من ثماني ساعات، وهو عدد ساعات العمل اليومية المنصوص عليها في القانون الصيني.

لكن شركات التجارة الإلكترونية، كالشركة التي يعمل بها زيبينغ، لا تستوفي الشروط التي تؤهلها للحصول على هذا الإذن.

وتقول زانغ: "وإذا تقدمت هذه الشركات بطلب لزيادة عدد ساعات العمل، ترفض هيئات إدارة العمل طلباتها في معظم الحالات". وفي المنازعات القضائية، يدعم رفض الهيئة لطلب الشركة موقف الموظف.

وتضيف زانغ أن الهيئات المعنية بشؤون العمال لا تنظر في عدد الساعات فحسب، إنما تنظر أيضا في الرواتب والتعويضات، وبعد معاينة مجموعة من الشركات الناشئة، اتضح أن أكثر من 40 في المئة منها ليس لديها أنظمة واضحة لتعويض الموظفين عن ساعات العمل الإضافية.

وعندما تقدم زيبينغ لوظيفة في شركة أخرى في مجال التجارة الإلكترونية، كان أكثر جرأة وثقة بالنفس، وطلب من رئيسته أن يكون حجم العمل محدودا حتى لا يخرج عن سيطرته، وأن يغادر العمل في مواعيد الانصراف الرسمية بين الحين والآخر، ووافقت على طلبه.

وأثارت جرأته في التحدث بصراحة مع المديرة إعجاب معظم زملائه، ويقول زيبينغ: "قالوا لي إنك أصبحت مثلنا الأعلى".

ثمة أسباب عديدة أفسحت المجال لظهور ثقافة العمل لساعات طويلة وستة أيام في الأسبوع في الصين.

فعندما ازدهرت الشركات الناشئة وشركات التقنية، وتسيدت المشهد في الصين في مطلع الألفية الثالثة، كانت معظم الشركات تبحث عن موظفين لا يمانعون العمل على مدار الساعة، وهو ما ساعد البعض منها على النمو والتوسع لتصبح من كبريات الشركات في الصين.

وتُصنف شركة "تينسينت" التقنية على سبيل المثال، بين الشركات الخمس ذات أعلى قيمة سوقية في العالم.

يقول ويليام باو بين، مستثمر في الشركات الناشئة والمدير المنتدب لشركة "تشاينا أكسريليريتور" لدعم وتمويل الشركات الناشئة: "ظلت بيئة العمل في السنوات العشر أو الخمسة عشر الماضية في الصين شديدة القسوة، سواء من حيث نظرة الموظفين للعمل أو توقعات الشركة".

وبعد النجاح الكبير الذي حققته شركات التقنية الصينية، التي كانت من أوائل الشركات التي لا تعوض موظفيها عن ساعات العمل الإضافية، شرعت بعض الشركات في مجالات أخرى في تشغيل عامليها لساعات طويلة من أجل الوصول إلى نفس مستوى هذه الشركات الكبرى.

وأصبحت القاعدة هي عدم استحقاق الموظف لأجر مقابل الساعات الإضافية، ما أدى إلى ظهور مصطلح "996". لكن باو بين يقول إن صياغة هذه الكلمة قد ينبئ بتغير نظرة الناس في الصين للعمل.

ويقول بين: "في الواقع إن صياغة هذه الكلمة وتناولها في أحاديثنا يدل على أن سوق العمل أصبح أكثر نضجا"

لكن باو بين يقول إن بعض الناس راضون عن بيئة العمل في شركاتهم، ولا يتذمرون من ساعات العمل الطويلة. فالشركات المرموقة التي تحفز موظفيها وتوفر لهم بدلات وتعويضات مجزية، قد تعثرُ بسهولة على الموظفين الذي لا يمانعون إطلاقا العمل 12 ساعة في اليوم وستة أيام في الأسبوع.

ويتابع: "المجتمع الصيني تغير، بعد أن كان ينصاع للأوامر، أصبح يتخذ قراراته بنفسه ويفعل ما يراه مناسبا، وهذه السمات أيضا تخص أبناء جيل الألفية".

ويعمل جونسون وو، مطور البرمجيات، ستة أيام في الأسبوع، نصفهم تقريبا من التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء، وهذا لا يزيد عن عدد ساعات العمل المتوقعة في أي شركة أخرى. وكثيرا ما يعود إلى منزله في وقت متأخر بحيث لا يستطيع أن يضع طفله في فراشه، ولم يشاهد مسلسلا تليفزيونيا منذ سنوات.

لكنه يعمل لدى شركة "هواوي"، أكبر شركة تقنية في الصين من حيث الأرباح، وأصبحت أسرع نموا من منافستها في الهواتف المحمولة "آبل". ويحصل على راتب جيد، وتحظى الشركة بسمعة مرموقة. ويلاحظ نظرات الإعجاب في عيون الآخرين عندما يعرفون أنه موظف لدى الشركة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل