المحتوى الرئيسى

سباق السعفة الذهبية (2): كوريدا يتألق.. بناهي يعود.. وجودار خارج التقييم

05/14 22:44

تتواصل عروض مهرجان كان، ويتواصل ركض الجميع للحاق بأكبر عدد ممكن من الأفلام المعروضة في أقسام المهرجان المختلفة، وخصوصًا المسابقة الدولية التي نستمر في تحليل جميع أفلامها، بهدف نقل صورة صادقة قدر الإمكان عن الأعمال المتنافسة على أرفع جائزة سينمائية في العالم. المجموعة الثانية من المشاهدات تتضمن أفلام مخرجين كبار مثل جان لوك جودار وجعفر بناهي وهوريكازو كوريدا.

كتاب الصورة The Image Book – سويسرا/ فرنسا

مأزق كبير هو الكتابة عن فيلم جان لوك جودار الجديد، ليس فقط لأن الرجل صاحب الـ 87 عامًا أكبر من التفكير في نقده، ولكن لأن محتوى فيلمه عسير على التحليل لغياب المرجعية. هذا ليس فيلمًا اعتياديًا كي نفكر فيه ونقيمه بطريقة الأفلام. مزيج أقرب للمقال المصور video essay منه للفيلم: كم هائل من لقطات الأفلام الكلاسيكية ومواد الفيديو المعاصرة، تيار من الصور يدخلنا صانع الأفلام الأسطوري فيه، متلاعبًا بالألوان والحجم وطريقة القطع في كل لقطة، ومازجًا ذلك بتعليقات صوتية مستمرة يصعب الحكم عما كانت عميقة ذات بصيرة أو متحذلقة، فحتى من أحبوا "كتاب الصورة" يعترفون بأن عليهم مشاهدته أكثر من مرة كي يتمكنوا من الإلمام بكل الأفكار التي يطرحها جودار في عمله الجديد، والتي تترواح بين أفكار عمومية عن الإنسانية والصورة إلى أمور أكثر خصوصية ترتبط بما يُعرف بالربيع العربي وتبعاته، على طريقة جودار بالطبع.

من المستحيل إذن الإلمام بكل جوانب الفيلم أو حتى بمعظمها خلال مشاهدة واحدة داخل نسق مهرجان مزدحم مثل كان، وهو ما يفتح الباب للتساؤل حول مدى صحة قرار إدراج "كتاب الصورة" في المسابقة الرسمية للمهرجان. هذا فيلم من المستحيل وضعه في محل مقارنة مع باقي الأفلام في سياق تنافسي، ووجوده بكل ما يحمله صاحبه من تاريخ سيجبر أي لجنة تحكيم على اتخاذ مسار من اثنين: إما الانحناء أمام الاسم الكبير ومنحه جائزة من باب التقدير والانبهار، أو الاستجابة لاستحالة الإلمام بالفيلم من مشاهدة واحدة وتجاهله تمامًا، وفي الحالتين لا يمكن اعتبار القرار صحيًا بحال من الأحوال.

على العموما، آخر ما يمكن وضعه في الاعتبار عند الحديث عن جان لوك جودار هو الجوائز، فهو الرجل الذي غيّر شكل السينما العالمية لكنه لم ينل السعفة الذهبية والذي رفض لاحقًا استلام جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله. الإنجاز الفني والروح الشابة في هذا العمر هي الأهم عند الحديث عن الفيلم. لكن للأسباب نفسها نقول أن إدراج الفيلم في مسابقة كان بدلًا من منحه عرضًا خاصًا أو اختيار رسمي خارج المسابقة هو قرار خاطئ تمامًا.

بنات الشمس Daughters of The Sun – فرنسا

مع نزول تترات النهاية لفيلم الفرنسية إيفا حسّون في عرضه الصحفي صاح صحفي إيطالي متهمًا الفيلم بالتزييف واللا أخلاقية، ليرد عليه آخر فرنسي بأن يصمت قبل أن يبدأ في وصلة تصفيق حماسي شاركه فيها جانب من الحضور. في الفارق بين الموقفين يكمن المأزق الفني ـ والأخلاقي ربما ـ في تقديم هذا النوع من الأفلام.

مخرجة فرنسية تصنع فيلمًا عن مقاتلات البشمركة الكرديات، فتأتي بنجمة إيرانية هربت من بلادها لتعيش في فرنسا (جولشفته فرحاني) وتصوّر فيلمها في جورجيا على الطريقة الأمريكية، فتكون النتيجة عملًا لا يُرضى سوى من لا يعرف شيئًا عن المنطقة، أو من يسعى للحزمة التي صارت معتادة حاليًا لكسب ود الصوابيين: قضية سياسية وبعد نسوي وتمييع لكل شيء، وليذهب الفن للجحيم.

"بنات الشمس" هو بلا منازع أسوأ فيلم عُرض في مسابقة كان حتى الآن، بمسافة بعيدة عن أقرب منافسيه على هذا الباب الضيق، وهذا تقييم غير نابع مع التلفيق والسطحية على صعيد المضمون فحسب، يل يأتي أساسًا من أساسيات صناعة الفيلم الذي يفشل حتى في الإقناع كفيلم حربي تشويقي تجاري.

يكفي إنه خلال اللحظة الأكثر خطورة في الحكاية (هروب الأسيرات الكرديات اللاتي ستتحولن مقاتلات لاحقًا من معسكر داعش محل أسرهن)، يتنكرن بارتداء النقاب ويفترض أن يهربهن داعشي متعاون مقابل المال. هذا الداعشي يقطع الحاجز الأمني ثم يتوقف ليتركهن يقطعن المسافة حتى الحاجز الكردي على أقدامهن بينما توشك إحداهن على وضع طفلها، لتصلن بصعوبة بالغة للحاجز فتخلعن النقاب فورًا بينما نرى بأعيننا الحاجز الداعشي يشاهد ما حدث. فماذا سيحدث للداعشي الذي تم كشف تعاونه في التوّ واللحظة؟ ولماذا لم ينزلهن عند الحاجز الكردي طالما كل شيء يقع أمام جميع الأعين؟

الإجابة بالطبع هي أن المخرجة المستشرقة تريد هذه اللحظة المؤثرة على طريقة الستينيات، تريد أن تساعد البطلة رفيقتها على عبور الحاجز بين المعسكرين بينما تعد معها عدد الخطوات المتبقة، تريد مشهدًا كان من الوارد أن يؤثر في الجمهور قبل نصف قرن لا في عام 2018 في أكبر مسابقة سينمائية في العالم!

المؤسف إننا لن نندهش أبدًا لو وجدنا الفيلم ينال جائزة في نهاية المهرجان، فخطابه هو الرائج عالميًا، والمهرجان حشد 82 من المخرجات والممثلات النساء للسير سويًا على السجادة الحمراء قبل عرضه، فلنأمل أن تتمتع لجنة كيت بلانشيت بنفس شجاعة بيدرو ألمودوفار الذي لم يتردد العام الماضي في منح السعفة الذهبية لفيلم "المربع" لأنه ـ حسب تعبيره ـ يقف في وجه ديكتاتورية الصواب السياسي.

التقييم: * من خمس نجمات

ثلاثة وجوه 3 Faces – إيران

الفيلم الطويل الرابع الذي يقدمه المخرج الإيراني جعفر بناهي منذ وضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعه من السفر والإخراج لمدة 20 سنة بسبب مواقفه السياسية. انتهت الإقامة الجبرية والمنع من العمل، وصار بناهي يتحرك ويصور بحرية في بلده، لكنه لا يزال ممنوعًا من السفر، ورغم سعي إدارة كان لضمان وجوده في المهرجان لم تفلح المحاولات، ليُترك مقعده خاليًا يحمل اسمه في العرض الأول كالمعتاد.

هذه المرحلة ضاعفت من شهرة جعفر بناهي وشعبيته بين المهرجانات الكبرى، وجعلته ينال دب برلين الذهبي عن فيلمه السابق "تاكسي"، لكنها بالتأكيد أسوأ مراحله فنيًا لمن يعرف أفلامه السابقة، ففي أفلامه الثلاثة خلال المنع صار الخطاب السياسي الصارخ سائدًا وتخلى بناهي عن الحس الإنساني الذي ميّز أفلامه القديمة.

أخيرًا وبعد ثلاثة إحباطات، يأتي بناهي بفيلم جميل وإنساني بحق. "ثلاثة وجوه" هو درس في استخدام أبسط الأدوات السينمائية في صنع عمل رقيق ومؤثر دون أن يتخلى عن طرح أفكار عميقة حول الذكورية في المجتمع والثقافة الإيرانية وسوء وضع المرأة خصوصًا منها من أن تمارس الفن أو تسعى لممارسته، بدون أي حديث مباشر عن القضية، وبالطبع دون كتيبة قتالية نسائية تهتف للحرية والنسوية!

الفيلم يبدأ بفيديو مصور بأبعاد الهواتف الرقمية لفتاة تتحدث للممثلة الشهيرة بهناز جعفري (تلعب شخصيتها الحقيقية) التي لم تستجب لرسائلها كي تقنع أهلها بجعلها تترك القرية وتحترف التمثيل، ثم تقوم الفتاة بشنق نفسها أمام الكاميرا. يصل الفيديو للمخرج جعفر بناهي (يلعب شخصيته أيضًا) لينقل الرسالة لجعفري التي تترك تصوير مسلسل وتهرع معه للقرية الجبلية التي تنتمي إليها الفتاة بحثًا عن الحقيقة وراء هذا الفيديو.

هنا تتداخل ثلاثة أبعاد: البعد التشويقي حول حقيقة محتوى الفيديو (بناهي عرض على جعفري من فترة سيناريو حول الانتحار مما يجعلها تشك في كون الأمر خدعة)، البعد الإنساني حول الممثلة التي تشعر بالذنب تجاه فتاة لا تعرفها، والبعد الاجتماعي المتمثل في الرحلة التي يقطعها المخرج والممثلة في القرى الجبلية الناطقة بالتركية، وفيها يستعرض بناهي بدهاء شديد حال المرأة عبر ثلاث شخصيات هم الوجوه التي يشير لها العنوان: جعفري والفتاة المنتحرة وشهرزاد، نجمة قديمة من سينما ما قبل الثورة الإسلامية تعيش في الجبال متوارية عن الأعين ومسقطة من كل حسابات التاريخ.

بين الشخصيات الثلاثة واللقاءات العابرة المكتوبة بكثير من الحنكة ـ وقليل من الحميمية للأسف ـ يقدم بناهي فيلمًا يستحق المشاهدة ويتحمل أكثر من قراءة، يمكن اعتباره أول فيلم حقيقي يقدمه في المرحلة التي بدأها بعمل أطلق عليه بنفسه "هذا ليس فيلمًا".

التقييم: ***ونصف من خمس نجمات

سعيد مثل لازارو Happy As Lazzaro – إيطاليا

مفاجأة من العيار الثقيل تقدمها الإيطالية أليس رورواتشر لمشاهدي فيلمها الجديد "سعيد مثل لازارو"، الذي ينقسم إلى جزأين كل منهما مدته ساعة، يختلفان كليًا في كل شيء ما عدا البطل لازارو، الشاب القروي الهادئ البريء الذي يصدق كل من حوله وينفذ طلباتهم مهما بدت غريبة.

في النصف الأول نحن أمام حكاية إيطالية كلاسيكية، نظن للوهلة الأولى إنها في زمن سحيق قبل أن تكشف التفاصيل لاحقًا أن الأقرب هو كونها خلال ثمانينيات القرن العشرين، حيث تمتلك ماركيزة متجبرة مزرعة للتبغ، وتجبر العاملين فيها على العمل فيما يشبه العبودية في ظل عدم وعيهم بحقوقهم، بينما تعاني من شغب ابنها الذي تربطه شبه صداقة وشبه استغلال مع الفتى لازارو.

كل شيء ينقلب مع انتصاف الفيلم، وبالتحديد مع تعرض البطل لحادث يعود منه لنشعر معه بوجود شيء ما خاطئ، قبل أن نكتشف تدريجيًا ما جرى: لازارو أفاق من غفوته دون أن يتغير بينما مر الزمن على باقي الشخصيات حتى بلغنا العصر الحالي، ليحمل هذا الانعطاف الدرامي غير المألوف الفيلم لقلب عوالم الواقعية السحرية، التي لا تتوقف عند حد الانتقال بل تستمر في الكثير من تفاصيل الجزء الثاني ومشاهده المؤثرة.

"سعيد مثل لازارو" يقدم تحية واضحة للبراءة ممثلة في بطل الفيلم، الذي يقف دائمًا بنبله وإنسانيته في وجه أي حكم يمكن أن نأخذه على العالم المحيط به، بل ويجبر من حوله على أن يكونوا أكثر إنسانية استجابةً لما يفعله، قبل أن تأتي النهاية برأي أكثر سوداوية. الفيلم يقدم أيضًا تحية للطبقة العاملة الإيطالية بل وفقراء البلد ومهمشيها الذين صار الخروج عن القانون أمرًا إجباريًا عليهم إن أرادوا الحياة، بينما نعرف من أين أتوا وكيف كانوا يعملون بجد ويتعرضون للاستغلال، بما في ذلك من رأي مُعلن.

غير أن التفاوت الكبير بين نصفي الفيلم يُمكن أن يؤخذ على المخرجة أو يقلل التعاطي مع فيلمها، فبينما وجد البعض ـ ومنهم كاتب السطور ـ الجزء الثاني أكثر حيوية ومغامرة ومتعة عكس ركود الجزء الأول وخلوه من عناصر الجذب اللاحقة، يشيد البعض بتماسك النصف الأول على مستوى الدراما والعالم الفيلمي على العكس من النصف الثاني الذي يسير بقدر أكبر من الحرية التي يصعب فهم بوصلتها بشكل كامل.

لكن يبقى فيلم المخرجة الإيطالية الشابة عملًا مختلفًا عن باقي أفلام المسابقة، يستحق التأمل والتحليل، مع إشادة خاصة ببطله أدريانو تارديولو الذي طرح اسمه ضمن المؤهلين لجوائز التمثيل، وبالتصوير المتميز على خام 16 ملليمتر، والفيلم بشكل عام قد تتحمس له بعض لجان التحكيم وتفضله في جوائزها.

التقييم: *** من خمس نجمات

سارقو المتاجر Shoplifters – اليابان

لو كان هناك مخرج وحيد في القارة الآسيوية يمكن وصفه بالتخصص في تقديم الدراما العائلية بصورة مدهشة سيكون الياباني هوريكازو كوريدا، الذي يفاجئنا في كل مرة بقدرته على تناول ديناميات العلاقات داخل الأسرة بصورة مختلفة، يبلغ قمتها ربما في "سارقو المتاجر" الذي عُرض في منتصف المسابقة بالضبط (الفيلم الحادي عشر من 21 فيلمًا) ليجاور البولندي "حرب باردة" في صدارة الأفضل حتى الآن.

من اللحظة الأولى يجعلنا كوريدا نشارك شخصياته مشاعرها: أب وابنه في متجر يتحركان معًا بشكل محكم ليسرقا بضعة بضائع لا تساوي الكثير، لكنها تضمن العشاء لأسرتهما، وفي طريق العودة يعثران على طفلة رقيقة تكاد تتجمد بردًا يأخذاها لقضاء الليلة في منزلهما وعندما يكتشفان كدمات وحروق في جسدها يقرران إبقائها معهم فلا تعود لوالديها اللذين لم يكترثا حتى بما يكفي لتقديم بلاغ رسمي حول اختفاء الابنة.

يكتمل عقد الأسرة التي تعيش في بيت بالغ الفقر بوصول الفتاة ليصير العدد ستة: الأب وزوجته وأخته والطفل والجدة، والفتاة الجديدة معه. لينطلق كوريدا ـ بهدوء شديد وحميمية لا تقاوَم ـ بإيقاعنا تباعًا في حب هذه المجموعة من البشر الذين يمارسون سرقة المتاجر بشكل مستمر، ويمتلكون دفئًا ساحرًا يحكم العلاقات بينهم، دون شروط أو أحكام. لكننا نشعر بأن هذه الحالة مجرد هدنة يستحيل أن تدوم، فما يفعلونه هو قدر كبير من التلاعب لا ينفي طبيعة العالم القاسي الذي يعيشون فيه.

مع الهفوة المتوقعة تنقلب الأمور تمامًا باكتشاف حقائق مخيفة عن الأسرة، لا تقلل ـ رغم قسوتها ـ حبنا لأفرادها، بل تطرح أسئلة عميقة حول معنى الأسرة ككيان، وماهي الأبوة وهل هي أمر بيولوجي بحت أم لا، بل وعن مفهوم الجريمة وهل من الممكن أن تكون أحيانًا فعلًا مقبولًا. لينتهي الفيلم بفصلٍ قاسٍ لكنه رائع، وضع الفيلم فورًا ضمن التصنيف الأول لأفلام مسابقة كان 71.

التقييم: **** من خمس نجمات

سباق السعفة الذهبية (1): عمل رائع لأستاذ السينما البولندية يقاسم الفيلم المصري الصدارة

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل